الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْباطِنُ: بلطفه وغوامضِ حكمته وباهِرِ صفاته التي لا تصل إلى معرفتها على- ما هي عليه- الأوهامُ، وباقي الآية تقدم تفسيرُ نظيره.
وقوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ معناه: بقدرته وعلمه وإحاطته، وهذه آية أجمعت الأُمَّةُ على هذا التأويل فيها، وباقي الآية بيّن.
[سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 9]
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (9)
وقوله سبحانه: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
…
الآية: أمر للمؤمنين بالثبوت على الإيمان، ويُرْوَى أَنَّ هذه الآية نزلت في غزوة العُسْرَةِ، قاله الضَّحَّاكُ «1» ، وقال: الإشارة بقوله: فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا إلى عثمانَ بن عفان، يريد: ومَنْ في معناه كعبد الرحمن بن عوف، وغيره.
وقوله: مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ: تزهيد وتنبيه على أَنَّ الأَموال إنَّما تصير إلى الإنسان من غيره، ويتركها لغيره، وليس له من ذلك إِلَاّ ما أكل فأفنى، أو تصدق فأمضى، ويروى أَنَّ رجلاً مَرَّ بأعرابيٍّ له إبل فقال له: يا أَعرابيُّ، لِمَنْ هذه الإبل؟ قال: هي للَّه عندي، فهذا مُوَفَّقٌ مصيب إنْ صحب قوله عمله.
وقوله سبحانه: وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
…
الآية: توطئةٌ لدعائهم رضي الله عنهم لأَنَّهُمْ أهل هذه/ الرُّتَبِ الرفيعة، وإذا تقرر أَنَّ الرسولَ يدعوهم، وأَنَّهم مِمَّنْ أخذ اللَّه ميثاقهم- فكيف يمتنعون من الإيمان؟.
وقوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي: إن دمتم على إيمانكم، والظُّلُماتِ: الكفر، والنُّورِ: الإيمان، وباقي الآية وعد وتأنيس.
[سورة الحديد (57) : الآيات 10 الى 11]
وَما لَكُمْ أَلَاّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)
وقوله تعالى: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
(1) ذكره ابن عطية (5/ 258) .
[المعنى: وما لكم أَلَاّ تنفقوا في سبيل اللَّه، وأَنتم تموتون وتتركون أموالكم، فناب منابَ هذا القول قوله: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ] وفيه زيادة تذكير باللَّه وعبرة، وعنه يلزم القولُ الذي قدرناه.
وقوله تعالى: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ
…
الآية: الأشهر في هذه الآية أَنَّها نزلت بعد الفتح، واخْتُلِفَ في الفتح المشار إليه فقال أبو سعيد الخُدْرِيُّ والشَّعْبِيُّ «1» : هو فتح الحديبية، وقال قتادة، ومجاهد، وزيد بن أسلم «2» : هو فتح مكة الذي أزال الهجرة، قال ع «3» : وهذا هو المشهور الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» «4» ، وحكم الآية باقٍ غابرَ الدهر مَنْ أنفق في وقت حاجة
(1) أخرجه الطبري (11/ 674)، برقم:(33610) عن أبي سعيد الخدري، وذكره البغوي (4/ 294) عن الشعبي، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 249) عن أبي سعيد الخدري، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم في «الدلائل» من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري.
(2)
أخرجه الطبري (11/ 673- 674)، برقم:(33604- 33605) عن قتادة، وزيد بن أسلم، وذكره ابن عطية (5/ 259) ، والسيوطي (6/ 248- 249) عن قتادة، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 259) .
(4)
ورد ذلك من حديث ابن عبّاس، وعائشة، ومجاشع بن مسعود، وصفوان بن أمية، ويعلى بن أمية التيمي، وقول ابن عمر، وقول عمر، وحديث أبي سعيد الخدري.
فأما حديث ابن عبّاس: فأخرجه البخاري (6/ 45) في «الجهاد» باب: وجوب النفير (2825)، (6/ 219) باب: لا هجرة بعد الفتح (3077) ، ومسلم (3/ 1487)، في «الإمارة» باب: المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير، وبيان معنى: لا هجرة بعد الفتح (85/ 1353) ، وأبو داود (2/ 6)، في «الجهاد» باب: في الهجرة هل انقطعت (2480) ، والنسائي (7/ 146)، في «البيعة» باب:
الاختلاف في انقطاع الهجرة، والترمذي (1590) ، وأحمد (1/ 266، 315، 316، 344) ، وعبد الرزاق (5/ 309)(9713) ، والدارمي (2/ 239)، في «السير» باب: لا هجرة بعد الفتح، وابن حبان (7/ 4845) ، والطبراني في «الكبير» (11/ 30- 31)(10944) ، وابن الجارود في «المنتقى» (1030) ، والبيهقي (5/ 195) ، و (9/ 16) ، وفي «دلائل النبوة» (5/ 108) ، والبغوي في «شرح السنة» بتحقيقنا (4/ 179)(1996) ، و (5/ 520)(2630) من طريق منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عبّاس مرفوعا به.
وتابعه إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن طاوس، أخرجه الطبراني (11/ 18)(10898) .
وأخرجه الطبراني (10/ 413)(10844) ، عن شيبان عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عبّاس.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأما حديث عائشة: أخرجه البخاري (6/ 220) في «الجهاد» باب: لا هجرة بعد الفتح (3080)(7/ 267)، في «مناقب الأنصار» باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة (3900)(70/ 620) ، في-
السبيل، أعظم أجراً مِمَّن أنفق مع استغناء السبيل، والْحُسْنى: الجنة، قاله مجاهد
«المغازي» باب: (53)(4312)، ومسلم (3/ 1488) في «الإمارة» باب: المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير
…
(86- 1864) ، وأبو يعلى (4952) ، واللفظ لمسلم، ولأبي يعلى من طريق عطاء عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهجرة؟ فقال: «لا هجرة بعد الفتح
…
» الحديث.
وفي لفظ البخاري عن عطاء قال: زرت عائشة مع عبيد بن عمير. فسألها عن الهجرة؟ فقالت: لا هجرة لليوم، كان المؤمن يفر أحدهم بدينه إلى الله وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، فالمؤمن يعبد ربه حيث شاء، ولكن جهاد ونية.
وهكذا: أخرجه البيهقي (9/ 17) .
وأما حديث مجاشع بن مسعود: أخرجه البخاري (6/ 137) في «الجهاد» باب: البيعة في الحرب ألا يفروا.. (2962- 2963) ، (6/ 219)، باب: لا هجرة بعد الفتح (3078- 3079) ، و (7/ 619)، في «المغازي» باب:(53)(4305، 4308) ، ومسلم (3/ 1487)، في «الإمارة» باب: المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير (83- 84/ 1863) ، وأحمد (3/ 468- 469) ، و (5/ 71) ، والحاكم (3/ 316) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (3/ 252) ، والبيهقي (9/ 16) ، وفي «الدلائل» (5/ 109) من طريق أبي عثمان النهدي، حدثني مجاشع قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بأخي بعد الفتح، فقلت:
يا رسول الله، جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة. قال:«ذهب أهل الهجرة بما فيها» ، فقلت: على أي شيء تبايعه؟ قال: «أبايعه على الإسلام، والإيمان، والجهاد» ، فلقيت معبدا بعد- وكان أكبرهما- فسألته؟ فقال: صدق مجاشع.
وأما حديث صفوان بن أمية: أخرجه النسائي (7/ 145) في «البيعة» باب: الاختلاف في انقطاع الهجرة، وأحمد (3/ 401) عن وهيب بن خالد عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن صفوان بن أمية، قال:
قلت: يا رسول الله إنهم يقولون: إن الجنة لا يدخلها إلّا مهاجر. قال: «لا هجرة بعد فتح مكة، ولكن جهاد ونية. فإذا استنفرتم فانفروا» .
وأخرجه أحمد (3/ 401) ، و (6/ 465) عن الزهري عن صفوان بن عبد الله بن صفوان عن أبيه، أن صفوان بن أمية بن خلف قيل له: هلك من لم يهاجر. قال: فقلت: لا أصل إلى أهلي حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فركبت راحلتي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، زعموا أنه هلك من لم يهاجر.
قال: «كلا أبا وهب، فارجع إلى أباطح مكة» .
وأما حديث يعلى بن أمية: أخرجه النسائي (7/ 141)، في «البيعة» باب: البيعة على الجهاد، (7/ 145) ، في ذكر الاختلاف في انقطاع الهجرة، وأحمد (4/ 323- 324) ، والطبراني في «الكبير» (22/ 257)(664- 665) ، والبيهقي (9/ 16) من طريق ابن شهاب عن عمرو بن عبد الرحمن بن أمية، أن أباه أخبره: أن يعلى قال: جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي يوم الفتح. فقلت: يا رسول الله، بايع أبي على الهجرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أبايعه على الجهاد وقد انقطعت الهجرة» .
وأما حديث أبي سعيد الخدري: أخرجه أحمد (3/ 22) ، و (5/ 187) ، والطيالسي (601، 967، 2205) ، والبيهقي في «دلائل النبوة» (5/ 109) ، عن أبي البختري الطائي يحدث عن أبي سعيد الخدري، قال: لما نزلت هذه السورة: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ
…
قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها وقال: «الناس خير، وأنا وأصحابي خير» ، وقال:«لا هجرة بعد الفتح. ولكن جهاد ونية» ، فحدثت به مروان بن الحكم وكان على المدينة فقال له مروان: كذبت، وعنده رافع بن