الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ معناه: يقالُ لَهُمُ قبل هذهِ المحاورةِ في أول الأمْرِ: ادْخُلُوا لأنَّ هذه المخاطبةَ إنما هي بعدَ دُخولهمِ، ثم آنَسَ تعالى نبيَّه، وَوَعَدَهُ بقَولهِ: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي: في نصرك وإظهار أمرِك فإنَّ ذلك أَمْرٌ إما أنْ ترى بَعْضَهُ في حياتِكَ، فَتَقَرَّ عَيْنُكَ به، وإما أنْ تَمُوتَ قَبْلَ ذلك، فإلى أمرنا وتَعْذِيبِنَا يَصِيرُونَ ويَرْجِعُونَ.
قال أبو حيَّان «1» : و «ما» في «إمَّا» زائدةٌ لتأكِيدِ معنى الشرط، انتهى.
[سورة غافر (40) : الآيات 78 الى 81]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81)
وقوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ هذِه الآيةُ رَدٌّ عَلى العربِ الذينَ استبعدوا أنْ يبعثَ اللَّه بشراً رَسُولاً.
وقوله تعالى: فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ
…
الآية، يحتمل أن يريدَ بأمر اللَّه القيامة، فتكونَ الآيةُ توَعُّداً لهم بالآخرةِ، ويحتمل أن يريدَ بأمر اللَّهِ إرسالَ رَسُولٍ وبَعْثَةَ نبيٍّ قضى ذلكَ وأَنْفَذَهُ بِالحَقِّ وخَسِرَ كُلُّ مُبْطِلٍ. ت: والأول أَبْيَنُ.
وقوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها
…
الآية، هذه آيات فيها عبر وتعديد نعم، والْأَنْعامَ: الأزواج الثمانية، ومِنْها الأولى للتبعيضِ، وقال الطبري «2» في هذه الآية: الأَنعامُ تَعُمُّ الإبلَ والبَقَرَ والغَنَمَ والخَيْلَ والبِغَالَ والحَمِيرَ، وغَيْرَ ذلك مما يُنْتَفَعُ به من البهائمِ، ف مِنْها في الموضعين على هذا للتّبعيض.
[سورة غافر (40) : الآيات 82 الى 85]
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85)
- والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 670) ، وعزاه للفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(1)
ينظر: «البحر المحيط» (7/ 456) .
(2)
ينظر: «تفسير الطبري» (11/ 80) .
وقوله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَّا كانُوا يَكْسِبُونَ
…
الآية، هذا احتجاجٌ على قريشٍ بما أظهر سبحانه في الأمم السالفةِ من نِقمَاتِهِ في الكفارِ الذين كانوا أَكْثَرَ منهم، وأشَدَّ قُوَّةً قال أبو حيان «1» : فَما أَغْنى «مَا» نافيةٌ أو استفهامية بمعنى النفي، انتهى.
وقوله سبحانه: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ الآية، الضميرُ في (جاءتهم) عائدٌ على الأمم المذكورةِ، واخْتَلفَ المفسِّرونَ في الضميرِ في فَرِحُوا على مَنْ يَعُودُ؟ فقال مجاهدٌ وغيره: هو عائد على الأممِ المذكُورِينَ «2» ، أي: فَرِحُوا بما عِنْدَهُمْ من الْعِلْمِ في ظَنِّهِمْ ومُعْتَقَدِهِمْ من أنهم لا يُبْعَثُونَ ولا يحاسَبُونَ، قال ابن زيد: واغترُّوا بعلمِهِم بالدنيا والمعاش، وظنوا أنه لا آخرة فَفَرِحُوا «3» وهذا كقوله تعالى: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا [الروم: 7] وقالت فرقة: الضميرُ في فَرِحُوا عائدٌ على الرُّسُلِ، وفي هذا التأويلِ حَذْفٌ وتقديره: فلما جَاءتهم رسُلُهم بالبيناتِ، كذَّبُوهُمْ فَفَرِحَ الرُّسُلُ بما عندَهم من العلمِ باللَّهِ والثقةِ به، وبأنه سينصُرُهُمْ، والضمير في بِهِمْ عائدٌ على الكفارِ بلا خِلافٍ، ثم حكى سبحانَهُ حالةَ بَعْضِهِمْ مِمَّنْ آمَنَ بَعْدَ تَلَبُّسِ العذابِ بهِم، فَلمْ يَنْفَعْهم ذلك وفي ذكر هذا حضٌّ على المبادرة.
وسُنَّتَ نصبٌ على المصدرِ، ت: وقيل: المعنى: احْذَرُوا سُنَّةَ اللَّهِ كقوله: ناقَةُ اللَّهِ [الشمس: 13] قَالَ الفَخْرُ، وقوله: هُنالِكَ: اسْمُ مَكَانٍ مُسْتَعَارٌ للزَّمَانِ، أي: وخَسِرُوا وقتَ رؤية البأْس، انتهى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليما.
(1) ينظر: «البحر المحيط» (7/ 457) . [.....]
(2)
أخرجه الطبري (11/ 82) برقم: (30413) ، وذكره البغوي (4/ 106) ، وابن عطية (4/ 571) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 89) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 670) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد.
(3)
ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 571) .