الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجرائد وفاز الأحبابُ بالفوائد، وأنت غافل راقد. آهِ لو كنتَ معهم! أسفاً لك! لو رأيتهم لأبصرتَ طلائِعَ الصِّدِّيقِينَ في أول القوم، وشاهدتَ سَاقَةَ المستغفرين في الرَّكْبِ، وسَمِعْتَ استغاثة المُحِبِّينَ في وسط الليل، لو رأيتهم يا غافل، وقد دارت كؤوس المناجاة بين مزاهر التلاوات، فأسكَرَتْ قَلْبَ الواجدِ، ورقمت في مصاحف الوجنات. تعرفهم بسيماهم، يا طويلَ النوم، فاتتك مِدْحَةُ تَتَجافى [السجدة: 16] ، وَحُرِمْتَ مِنْحَةَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ [آل عمران: 17] ، يا هذا، إنَّ للَّه تعالى ريحاً تُسَمَّى الصَّبِيحَةَ مخزونةً تحتَ العرش، تَهُبُّ عند الأسحار، فتحمل الدعاء والأنين والاستغفار إلى حضرة العزيز الجَبَّارِ، انتهى.
وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ
…
الآية، الصحيح أَنَّها مُحْكَمَةٌ وأنَّ هذا الحق هو على وجه الندب، ومَعْلُومٌ [المعارج: 24] يُرَادُ به: مُتَعَارَفٌ، وكذلك قيامُ الليل الذي مدح به ليس من الفرائض، وأكثر ما تقع الفضيلةُ بفعل المندوبات، والمحروم هو الذي تبعد عنه ممكنات الرزق بعد قربها منه، فيناله حرمان وَفاقَةٌ، وهو مع ذلك لا يسأل، فهذا هو الذي له حَقٌّ في أموال الأغنياء، كما للسائل حَقٌّ، وما وقع من ذكر الخلاف فيه فيرجع إلى هذا، وبعد هذا محذوف تقديره: فكونوا/ أَيُّها الناس مثلهم وعلى طريقهم، وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ: لمن اعتبر وأيقن.
وقوله سبحانه: وَفِي أَنْفُسِكُمْ إحالة على النظر في شخص الإنسان، وما فيه من العِبَرِ، وأمرِ النفسِ، وحياتِهَا، ونطقِها، واتصالِ هذا الجزء منها بالعقل قال ابن زيد: إنَّما القلب مُضْغَةٌ في جوف ابن آدم، جَعَلَ اللَّه فيه العقل، أفيدري أحد ما ذلك العقل، وما صِفَتُه، وكيف «1» هو.
ت: قال ابنُ العربيِّ في رحلته: اعلم أنَّ معرفة العبد نَفْسَهُ من أولى ما عليه وآكدِهِ إذْ لَا يَعْرِفُ رَبَّه إلَاّ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ قال تعالى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ وغير ما آية في ذلك، ثم قال: ولا ينكر عاقل وُجُودَ الرُّوحِ من نفسه، وإنْ كان لم يدركْ حقيقتَه، كذلك لا يَقْدِرُ أنْ يُنْكِرَ وُجُودَ الباري سبحانه الذي دَلَّتْ أفعاله عليه، وإنْ لم يدركْ حقيقته، انتهى.
[سورة الذاريات (51) : الآيات 22 الى 23]
وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)
(1) أخرجه الطبري (11/ 460) برقم: (32179) ، وذكره ابن عطية (5/ 175) .
وقوله سبحانه: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ قال مجاهد وغيره «1» : هو المطر، وقال واصل الأحدب: أراد القضاء والقدر «2» ، أي: الرزق عند اللَّه يأتي به كيف شاء سبحانه لا رَبَّ غيرُه، وتُوعَدُونَ يحتمل أن يكون من الوعد، ويحتمل أن يكونَ من الوعيد قال الضَّحَّاكُ. المُرَادُ: من الجنة والنار «3» ، وقال مجاهد «4» : المرادُ: الخيرُ والشَّرُّ، وقال ابن سيرين «5» : المراد: الساعة، ثم أقسم سبحانه بنفسه على صِحَّةِ هذا القول والخبر، وشَبَّهَهُ في اليقين به بالنُّطْقِ من الإنسان، وهو عنده في غاية الوضوح، و «ما» زائدة تعطي تأكيداً، والنطق في هذه الآية هو الكلام/ بالحروف والأصوات في ترتيب المعاني، ورُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الأعراب الفصحاء سَمِعَ هذه الآيةَ فقال: مَنْ أَحْوَجَ الكريمَ إلى أَنْ يحلف؟! والحكاية بتمامها في كتاب الثعلبيِّ، وسبل الخيرات، وروي أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قَاتَلَ اللَّهُ قَوْماً، أَقْسَمَ لَهُمْ رَبُّهُمْ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ» ورَوَى أبو سعيد الخُدَرِيُّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ فَرَّ أَحَدُكُمْ مِنْ رِزْقِهِ لَتَبِعَهُ كَمَا يَتْبَعُهُ المَوْتُ» «6» وأحاديث الرزق كثيرة، ومن كتاب «القصد إلى اللَّه سبحانه» للْمُحَاسِبِيِّ: قال: قلتُ لشيخنا: من أين وقع الاضطرابُ في القلوب، وقد جاءها الضمان من الله عز وجل؟ قال: من وجهين.
أحدهما: قِلَّةُ المعرفة بحُسْنِ الظّن، وإلقاء التّهم عن الله عز وجل.
والوجه الثاني: أنْ يعارضها خوفُ الفَوْت، فتستجيبَ النفسُ للداعي، ويَضْعُفَ اليقينُ، ويَعْدِمَ الصبرُ، فيظهرَ الجَزَعُ.
قلتُ: شيءٌ غيرُ هذا؟ قال: نعم، إنّ الله عز وجل وَعَدَ الأرزاق، وضَمِنَ، وغَيَّبَ الأوقات ليختبرَ أهلَ العقول، ولولا ذلك لكان كُلُّ المؤمنين راضين صابرين متوكّلين، لكنّ الله عز وجل أعلمهم أَنَّهُ رازقهم، وحَلَفَ لهم على ذلك، وغيّب عنهم أوقات العطاء،
(1) أخرجه الطبري (11/ 461) برقم: (32184) ، وذكره البغوي (4/ 231) .
(2)
أخرجه الطبري (11/ 461) برقم: (32186) ، وذكره ابن عطية (5/ 176) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 235) .
(3)
أخرجه الطبري (11/ 461) برقم: (32189) ، وذكره البغوي (4/ 231) ، وابن عطية (5/ 176) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 137) ، وعزاه لأبي الشيخ، وابن جرير.
(4)
أخرجه الطبري (11/ 461) برقم: (32187) ، وذكره البغوي (4/ 231) ، وابن عطية (5/ 176) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 137) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر.
(5)
ذكره ابن عطية (5/ 176) .
(6)
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/ 75) : رواه الطبراني في «الأوسط» و «الصغير» وفيه عطية العوفي وهو ضعيف. اهـ.