الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله سبحانه: عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى قال الجمهور: أراد سبحانه أَنْ يُعَظِّمَ مَكانَ السدرة، ويُشَرِّفَهُ بِأَنَّ جنة المأوى عندها، قال الحسن «1» : هي الجنة التي وعد بها المؤمنون.
[سورة النجم (53) : الآيات 16 الى 25]
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (16) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18) أَفَرَأَيْتُمُ اللَاّتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20)
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22) إِنْ هِيَ إِلَاّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (23) أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (25)
وقوله سبحانه: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى أي: غَشِيَها من أمر اللَّه ما غشيها، فما يستطيع أحد أَنْ يصفَها، وقد ذكر المُفَسِّرُون في وصفها أقوالاً هي تَكَلُّفٌ في الآية لأَنَّ اللَّه تعالى أبهم ذلك، وهم يريدون شرحه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ» «2» .
وقوله تعالى: مَا زاغَ الْبَصَرُ قال ابن عباس «3» : معناه: ما جال هكذا ولا هكذا.
وقوله: وَما طَغى معناه: ولا تجاوز المَرْئِيَّ، وهذا تحقيق للأمر، ونفيٌ لوجوه الريب عنه.
وقوله: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى قال جماعة: معناه: لقد رأى الكبرى من آياتِ رَبِّهِ، أي: مِمَّا يمكنُ أنْ يراها البشر، وقال آخرون: المعنى: لقد رأى بَعْضاً من آيات رَبِّهِ الكبرى، وقال ابن عباس وابن مسعود «4» : رأى رفرفاً أخضرَ من الجنة، قد سدّ الأفق.
(1) أخرجه الطبري (11/ 517) عن ابن عبّاس برقم: (32511) ، وذكره ابن عطية (5/ 199) .
(2)
أخرجه البخاري (1/ 547- 548)، كتاب «الصلاة» باب: كيف فرضت الصلوات في الإسراء؟ (349) ، (6/ 431- 432)، كتاب «أحاديث الأنبياء» باب: ذكر إدريس عليه السلام (3342) .
(3)
أخرجه الطبري (11/ 518) برقم: (32525) ، وذكره ابن عطية (5/ 200) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 452) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 162) ، وعزاه للفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه.
(4)
أخرجه الطبري (11/ 519) برقم: (32531) عن ابن مسعود، وذكره ابن عطية (5/ 200) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 162) ، وعزاه للفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والبخاري، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي معا في «الدلائل» .
ت: وزاد الثعلبيُّ: وقيل: المعراج، وما رأى في تلك الليلة في مسراه في عوده وبدئه دليله قوله تعالى: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا
…
[الإسراء: 1] الآية، قال عِيَاضٌ:
/ وقوله تعالى: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى انحصرت الأفهام عن تفصيل ما أوحى، وتاهت الأحلامُ في تعيين تلك الآيات الكبرى، وقد اشتملت هذه الآيات على إعلام الله بتزكية جملته ع وعِصْمَتِهَا من الآفات في هذا المسرى، فزكى فؤادَه ولسانَه وجوارِحَه فقلبه بقوله تعالى: مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى [النجم: 11]، ولسانَهُ- عليه السلام بقوله تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النجم: 3]، وبصرَهُ بقوله تعالى: مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى اهـ.
ولما فرغ من ذكر عظمة اللَّه وقدرته قال على جهة التوقيف: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى
…
الآية، أي: أرأيتم هذه الأوثان وحقارَتَها وبُعْدَهَا عن هذه القدرة والصفات العَلِيَّةِ، واللات: صنم كانتِ العربُ تعظمه، والعُزَّى: صخرة بيضاءُ كانت العرب أيضاً تعبُدُها، وأمَّا مناة: فكانت بالمشلل من قديد، وكانت أعظم هذه الأوثان عندهم، وكانت الأوس والخزرج تهل لها، ووقف تعالى الكُفَّارَ على هذه الأوثان، وعلى قولهم فيها: إنها بنات اللَّه، فكأَنَّه قال: أرأيتم هذه الأوثانَ وقولَكُمْ: هي بناتُ اللَّه أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى ثم قال تعالى على جهة الإنكار: تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى أي: عوجاء قاله مجاهد «1» ، وقيل: جائرة قاله ابن عباس «2» ، وقال سفيان «3» : معناه: منقوصة، وقال ابن زيد «4» :
معناه: مخالفة، والعرب تقول: ضِزْتُهُ حَقَّهُ أَضِيزُهُ بمعنى: منعته، وضِيزَى من هذا التصريف قال أبو حيان «5» : والثَّالِثَةَ الْأُخْرى صفتان لمناة للتأكيد، قيل: وأُكِّدَتْ بهذين الوصفين لِعَظَمِهَا عندهم، وقال الزمخشري: والأخرى ذَمٌّ، وهي المتأخرة الوضيعة المقدارِ، وتُعُقِّبَ/ بأنَّ أخرى مُؤنث آخر، ولم يُوضَعَا لِلذَّمِ ولا للمدح.
ت: وفي هذا التعقب تعسف، والظاهر أَنَّ الوصفين معاً سِيقَا مَسَاقَ الذَّمِّ لأَنَّ هؤلاءِ الكُفَّارِ لم يكتفوا بضلالهم في اعتقادهم ما لا يجوز في اللات والعزى، إِلى أَنْ
(1) أخرجه الطبري (11/ 522) برقم: (32546) ، وذكره البغوي (4/ 250) ، وابن عطية (5/ 201) .
(2)
أخرجه الطبري (11/ 522) برقم: (32549) ، وذكره البغوي (4/ 250) ، وابن عطية (5/ 201) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 164) ، وعزاه لابن جرير.
(3)
أخرجه الطبري (11/ 522) برقم: (32550) ، وذكره ابن عطية (5/ 201) .
(4)
أخرجه الطبري (11/ 522) برقم: (32551) ، وذكره ابن عطية (5/ 201) .
(5)
ينظر: «البحر المحيط» (8/ 160) .