الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأحسن ما يقال فيه ما قاله ابن حجر في الفتح حيث قال «وهذا لا يقال من قبل الرأي فيحتمل أن يكون مرفوعاً أرسله، ويحتمل أن يكون أخذه عن بعض أهل الكتاب» . (1)
والتابعي إذا تكلم عن أمر غيبي أو أسند شيئاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون من قبيل الحديث المرسل الضعيف الذي لا تقوم به حجة، ثم إن ابن حجر لم يجزم بصحته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال حسن صحيح إلى حسان بن عطية ثم قال أرسله، ثم قال لعله أخذه من أهل الكتاب، وكلام ابن حجر واضح جلي، فهو حديث مرسل تابعي وهو حسان بن عطية.
والمرسل كما هو معلوم ليس بحجة، قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة، قال النووي في المنهاج معلقاً على كلام مسلم: مذهب الشافعي وجمهور المحدثين وجماعة من الفقهاء أنه لا يحتج بالمرسل. (2)
مناقشة الإشكال الثالث:
قبل الإجابة عن هذا الإشكال والذي هو ليس بإشكال في الحقيقة لابد من معرفة أمر هام.
(1) الفتح (13/ 92)، وقال عن سند الحديث بأنه حسنٌ صحيح.
(2)
للاستزادة أنظر مقدمة النووي المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج صـ 149، فصل في ألفاظ يتداولها أهل الحديث.
وهو أن هناك فرقا بين السنن الإلهية الإنسانية، وبين السنن الإلهية الكونية.
فالسنن الإلهية الإنسانية، لا تتغير ولا تتبدل ولا تتحول، وهي عادة الله في سير الحياة الإنسانية، وعادته في إثابة الطائعين وعقاب المخالفين. (1)
والسنن الإلهية الكونية، قابلة للتغيير والتبديل والتحول، والتي هي منهج الله في تسيير هذا الكون وعمارته وحكمه. (2)
ولابن تيمية كلام جميل يبين فيه ثبات السنن الإلهية الإنسانية وعدم انخرامها مطلقاً وأن السنن الإلهية الكونية قد تنخرم وتتبدل وتتحول.
حيث يقول رحمه الله في رسالة لفظ السنة في القرآن: «اعلم أنه قد ذكر الله تعالى لفظ سننه في مواضع من كتابه فقال تعالى: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)}» . (3) وقال تعالى {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)} . (4) وقال تعالى: {سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)} . (5)
ثم قال بعد ذلك: «وهذه السنن كلها سنن تتعلق بدينه وأمره ونهيه
(1) السنن الإلهية في الحياة الإنسانية، للدكتور شريف الخطيب صـ 55.
(2)
نفس المصدر.
(3)
الإسراء 77.
(4)
فاطر 43.
(5)
غافر 85.
ووعده ووعيده وليست هي السنن المتعلقة بالأمور الطبيعية كسنته في الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك من العادات.
فإن هذه السنة ينقضها إذا شاء بما شاء من الحكم، كما حبس الشمس على يوشع، وكما شق القمر لمحمد صلى الله عليه وسلم وكما ملأ السماء بالشهب، وكما أحيا الموتى غير مره، وكما جعل العصا حية، وكما أنبع الماء من الصخرة بعصا، وكما أنبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم
…
فالعادات الطبيعية ليس للرب فيها سنة لازمة، فإنه قد عرف انتقاض عامة العادات، فالعادة في بني آدم ألا يخلقوا إلا من أبوين وقد خلق المسيح من أم، وحواء من أب، وآدم من غير أم ولا أب، وأحياء الموت متواتر مرات عديدة، وكذلك تكثير الطعام والشراب لغير واحد من الأنبياء والصالحين
…
». (1)
وما سوف يأتي به المسيح الدجال من خوارق، كإحياء الموتى وأمره السماء أن تمطر فتمطر والأرض فتنبت وغيرها إنما هو من السنن الإلهية الكونية القابلة للتغيير والتبديل.
ثم إنه لابد من التنبه إلى أمر آخر وهو أن سنن الله ليس كل ما ألفه الناس فقط، فمن سننه أيضا مالا يألفه الناس كإحياء الموتى وقلب العصا إلى حية وغيرها من الأمور الأخرى.
ولقد تنبه الأستاذ/ سيد قطب لهذا الفرق من خلال تفسيره (في ظلال القرآن)، حيث يقول في آخر تفسير سورة الفيل عند كلامه عن السنن: «إن سنة الله ليست فقط هي ما عهده البشر وما عرفوه، وما يعرف البشر من سنة
(1) جامع الرسائل لابن تيمية صـ 52.
الله إلا طرفاً يسيراً يكشفه الله لهم بمقدار ما يطيقون، وبمقدار ما يتهيأون له بتجاربهم ومداركهم في الزمن الطويل، فهذه الخوارق، كما يسمونها هي من سنة الله، ولكنها خوارق بالقياس إلى ما عهدوه وما عرفوه
…
». (1)
فما سوف يأتي به المسيح الدجال من خوارق ليس فيه خلاف أو تحول لسنن الله تعالى، بل هي من سنة الله تعالى، ولكنها خوارق وخلاف للسنن بالنسبة إلى مقاييس البشر ولما عرفوه كما ذكر سيد قطب.
ثم إن وقت ظهور الدجال هو من مقدمات اليوم الآخر، وفيه تكثر الخوارق، وكان ينبغي للشيخ رشيد أن يطبق قاعدته الصحيحة في أمور الغيب والآخرة، وهي الإيمان بما ورد منها مع تفويض الكيفية. (2)
ثم إن ما يعطاه الدجال من الخوارق ليس فيه مخالفة لسنن الله الكونية فإننا لو أجرينا كلام السيد رشيد رضا على ظاهره لأبطلنا معجزات الأنبياء، لأنها مخالفة لسنن الله الكونية وما يقال في الخوارق التي يُعطاها الدجال على سبيل الفتنة والامتحان والبلاء، ولو سلمنا أن خوارق الدجال مخالفة لسنن الله الكونية، فإننا نقول إن زمن الدجال تنخرق فيه العادات، وتحدث أمور عظيمة مؤذنة بخراب العالم وزوال الدنيا وقرب الساعة، وإذا كان خروجه في زمن فتنة أرادها الله، فلا يقال إن الله ألطف بعباده من أن يفتنهم بخوارقه، فهو اللطيف الخبير ولكن اقتضت حكمته أن يبتلي عباده، وقد أنذرهم وحذرهم منه». (3)
(1) في طلال القرآن سيد قطب (ج 6/ 3977).
(2)
انظر منهج الشيخ رشيد رضا في العقيدة، تامر محمد متولي، صـ 842.
(3)
أشراط الساعة، يوسف الوابل، 280.