المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رأي رشيد رضا في حديث الجساسة والرد عليه: - آراء محمد رشيد رضا العقائدية في أشراط الساعة الكبرى وآثارها الفكرية

[مشاري سعيد المطرفي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌مسوغات اختيار الموضوع:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌مشكلة الدراسة:

- ‌حدود الدراسة:

- ‌منهج الدراسة:

- ‌يقوم منهج البحث في هذه الدراسة على ما يلي:

- ‌أولا: المنهج الاستقرائي:

- ‌ثانيا: المنهج الاستدلالي:

- ‌ثالثا: المنهج التحليلي:

- ‌متممات المنهج:

- ‌الفصل التمهيدي

- ‌المبحث الأولمعنى أشراط الساعة

- ‌معنى الشرط:

- ‌معنى الساعة:

- ‌فأشراط الساعة:

- ‌المبحث الثانيأدلة وقوعها

- ‌المبحث الثالثقرب قيام الساعة

- ‌المبحث الرابعأقسام أشراط الساعة

- ‌القسم الأول: أشراط الساعة الصغرى:

- ‌القسم الثاني: أشراط الساعة الكبرى:

- ‌المبحث الخامسحجية خبر الآحاد في العقائد

- ‌توضيح شبهة هؤلاء:

- ‌الرد على شبهتهم:

- ‌النصوص الدالة على قبول خبر الواحد:

- ‌أدلة الكتاب: وهي كثيرة أذكر منها:

- ‌أدلة من السنة:

- ‌العقائد التي تثبت بأحاديث الآحاد:

- ‌خاتمة هذا المبحث:

- ‌المبحث السادسحجية العقل والنقل

- ‌الفصل الأولنبذة عن محمد رشيد رضا

- ‌المبحث الأولنسبه ومولده

- ‌المبحث الثانينشأته وطلبه للعلم

- ‌شيوخه:

- ‌المبحث الثالثبداية التحول

- ‌المبحث الرابعهجرته إلى مصر

- ‌المبحث الخامسمجلة المنار

- ‌المبحث السادسجهوده الإصلاحية

- ‌أ) الإصلاح التعليمي:

- ‌ب) الإصلاح الديني:

- ‌ج) الإصلاح السياسي:

- ‌المبحث السابعمذهبه

- ‌1 - قوله بجواز التيمم بالسفر حتى مع وجود الماء عند تفسير آية التيمم في سورة النساء:

- ‌2 - قوله بجواز ربا الفضل، لأنه كما يقول منع سداً للذريعة إلى الربا الجاهلي فيباح للضرورة:

- ‌3 - قوله بجواز العمل بالحساب في الرؤية الشرعية:

- ‌4 - موافقته أستاذه محمد عبده بجواز جمع الصلاتين دونما عذر:

- ‌5 - قوله بجواز نكاح الوثنيات:

- ‌6 - قوله بعدم حرمة أكل لحوم الحمر الأهلية:

- ‌7 - قوله أن تعدد الزوجات يباح عند الضرورة:

- ‌المبحث الثامنعقيدته

- ‌1 - إنكاره أشراط الساعة الكبرى:

- ‌2 - إنكاره جميع أشراط الساعة الصغرى ما عدا بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - قوله بفناء النار، وعدم خلود أهلها فيها:

- ‌4 - طعنة في معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما:

- ‌5 - إنكاره أن للسحر حقيقة:

- ‌6 - إنكاره سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - تقديمه العقل على النقل:

- ‌8 - إنكاره لمعجزة انشقاق القمر:

- ‌9 - تفسيره لبعض الآيات على رأي الخوارج والمعتزلة:

- ‌10 - إنكاره لكثير من المعجزات وتأويلها:

- ‌11 - قوله إن الإسراء والمعراج كان رؤيا منامية:

- ‌12 - متابعة شيخه محمد عبده بالقول بأن الملائكة قوى طبيعية:

- ‌13 - متابعة شيخه محمد عبده في التشكيك بأن آدم أبو البشر:

- ‌المبحث التاسعوفاته

- ‌المبحث العاشرآثاره ومؤلفاته

- ‌الفصل الثانينبذه عن تفسير المنار

- ‌المبحث الأولتعريف بتفسير المنار

- ‌المبحث الثانيمنهجه في التفسير

- ‌المبحث الثالثطريقته في التفسير

- ‌المبحث الرابعخصائص تفسير المنار

- ‌1 - العناية بالتحقيقات اللغوية:

- ‌2 - العناية بالقضايا البلاغية والإعرابية:

- ‌3 - بيانه لحكمة التشريع:

- ‌4 - ابتعاده عن الإسرائيليات:

- ‌5 - يسر العبارة وسهولة الأسلوب:

- ‌6 - كثرة استشهاده بالأحاديث النبوية:

- ‌7 - بيان سنن الله في الكون والإنسان والحياة:

- ‌8 - عدم تجاوز النص فيما ورد مبهماً:

- ‌المبحث الخامسمنهجه العقدي في تفسير المنار

- ‌أولا: عدم الالتفات إلى أسباب النزول في تفسير آيات العقيدة:

- ‌ثانيا: عدم اللجوء إلى تأويل الصفات:

- ‌ثالثا: التأكيد على أن الإسلام دين العقل:

- ‌رابعا: الدفاع عن العقيدة الإسلامية ورد الشبهات المثارة حولها:

- ‌خامسا: استشهاده بآراء المتكلمين والرد عليها:

- ‌المبحث السادسالمآخذ التي عليه

- ‌أولا: عنفه على مخالفيه:

- ‌ثانيا: كثرة الاستطرادات:

- ‌ثالثا: مخالفته جمهور المفسرين في تفسير بعض الآيات:

- ‌الفصل الثالثآراؤه العقدية في أشراط الساعة الكبرى، والرد عليها

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأولرأي رشيد رضا في أشراطالساعة الكبرى، بشكل مجمل

- ‌الرد على إشكالاته وتساؤلاته:

- ‌المبحث الثانيرأيه في خروج المسيحالدجال والرد عليه

- ‌معنى المسيح:

- ‌معنى الدجال:

- ‌الأحاديث الواردة في خروج المسيح الدجال:

- ‌تواتر أحاديث المسيح الدجال:

- ‌الأحاديث الواردة في بيان صفته:

- ‌فائدة:

- ‌الحكمة من عدم ذكره بالقرآن

- ‌موقف الشيخ رشيد رضا من أحاديث الدجال:

- ‌الرد على هذه الإشكالات:

- ‌مناقشة الإشكال الأول:

- ‌مناقشة الإشكال الثاني:

- ‌مناقشة الإشكال الثالث:

- ‌مناقشة الإشكال الرابع:

- ‌مناقشة الإشكال الخامس:

- ‌حديث الجساسة:

- ‌رأي رشيد رضا في حديث الجساسة والرد عليه:

- ‌خاتمة رأي رشيد رضا، في أحاديث الدجال:

- ‌خلاصة القول في المسيح الدجال:

- ‌المبحث الثالثرأيه في المهدي، والرد عليه

- ‌معنى المهدي:

- ‌الأحاديث الواردة في ظهور المهدي:

- ‌تواتر أحاديث المهدي:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌الحكمة من كونه من نسل الحسن:

- ‌صفته:

- ‌سبب ظهوره:

- ‌مكان خروجه:

- ‌حديث (لا مهدي إلا عيسى بن مريم):

- ‌رأي رشيد رضا في أحاديث المهدي:

- ‌الرد على استشكالاته وتساؤلاته:

- ‌والرد على ما ذهب إليه ابن خلدون من عدة وجوه:

- ‌المبحث الرابعرأيه في نزولعيسى بن مريم عليه السلاموالرد عليه

- ‌معنى المسيح:

- ‌عقيدة أهل السنة والجماعة في عيسى بن مريم عليه السلام:

- ‌أدلة نزوله من القرآن:

- ‌أدلة نزوله من السنة:

- ‌تواتر الأحاديث في نزول عيسى بن مريم:

- ‌مسألة: هل رفع عيسى عليه السلام ببدنه وروحه أم بروحه

- ‌مدة بقائه بعد نزوله:

- ‌رأي رشيد رضا في نزول عيسى بن مريم عليه السلام والرد عليه:

- ‌الرد عليه:

- ‌خاتمة المبحث:

- ‌المبحث الخامسرأيه في طلوع الشمسمن مغربها والرد عليه

- ‌الأدلة من القرآن:

- ‌الأدلة من السنة:

- ‌تواتر الأحاديث الواردة في طلوع الشمس من مغربها:

- ‌التوبة لا تقبل بعد طلوع الشمس من مغربها:

- ‌رأي رشيد رضا في طلوع الشمس من مغربها:

- ‌الرد عليه:

- ‌الفصل الرابعالآثار الفكرية لآراء محمد رشيد رضا

- ‌المبحث الأولفتح باب الطعنفي السنه النبوية

- ‌المبحث الثانيفتح باب الطعن في الصحيحين

- ‌المبحث الثالثتشكيك المسلمين في عقائدهم

- ‌المبحث الرابعإحياء تراث المعتزلة

- ‌المبحث الخامسإيجاد نوع من الجرأةعلى الثوابت الإسلامية

- ‌المبحث السادسخدمة أغراض المستشرقين

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجعمرتبة على الحروف الهجائية

الفصل: ‌رأي رشيد رضا في حديث الجساسة والرد عليه:

وقال العلامة محمد ناصر الألباني رحمه الله: «حديث الجساسة صحيح ولا مطعن فيه ولا يخالف حديث (فإنه لا يبقى على رأس مائة سنة منها اليوم أحد) فإن هذا الحديث عام وقد خص، فإن الشيطان الرجيم على وجه الأرض، والشيطان خالد إلى يوم القيامة، ولفظ الحديث شامل لكل من على وجه الأرض، وليس خاصاً ببني آدم، فكما خرج الشيطان من هذا العموم، فما الذي يمنع الدجال من الخروج من هذا العموم أيضاً، وما ينبغي أن ترد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بالرأي، وما كنا لنترك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لكلام أحد، فالجمع بحمد الله سهل، ولا تعارض ولا منافاة» . (1)

‌رأي رشيد رضا في حديث الجساسة والرد عليه:

يرى الشيخ رشيد رضا بأن حديث الجساسة مصنوع، ولا يصح نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم. حيث يقول:«وجملة القول في حديث الجساسة أن ما فيه من العلل والاختلاف والإشكال من عدة وجوه يدل على أنه مصنوع وأنه على تقدير صحته ليس له كله حكم الرفع» . (2)

فالشيخ رشيد يرى أن الحديث فيه العديد من العلل والاختلافات والإشكالات التي توجب رده والحكم عليه بأنه مصنوع.

ولكن في الحقيقة أن ما أثاره الشيخ رشيد من إشكالات وتساؤلات لا ترقي إلى درجة رد الحديث لا سيما وأنه في صحيح مسلم.

(1) في سلسلة الهدى والنور الصوتية لأبي ليلي الأثري وهي موجودة باليوتيوب بعنوان «الألباني يزيل الأشكال حول حديث الجساسة» .

(2)

تفسير المنار (9/ 497).

ص: 208

فغاية ما ذكره الشيخ رضا هي إشكالات وتساؤلات يمكن الإجابة عليها، دون رد للحديث أو القول بأنه مصنوع.

ولكن الشيخ عفا الله عنه كما قلنا من قبل، يستشكل ما ليس بمشكل وما من إشكال إلا عدة هذه الأمور الواضحة الجلية إشكالات.

وسوف أذكر هنا الإشكالات والتساؤلات التي ذكرها الشيخ رضا في تفسيره المنار حول حديث الجساسة والرد عليها:

1 -

قوله: «من علل الحديث أنه من الأحاديث التي تتوفر الدواعي على نقلها بالتواتر لغرابة موضوعه، ولاهتمام النبي صلى الله عليه وسلم به وجمع الناس له وتحديثه به على المنبر، واستشهاده بقول تميم على ما كان حدثهم به قبل إسلامه، وسماع جمهور الصحابة منه، فمن غير المعقول أن لا يروى إلا آحادياً ويؤيده امتناع البخاري عن إخراجه في صحيحة لشدة تحريه» . (1)

الرد عليه:

في الحقيقة أن الشيخ رشيد رضا حينما ذكر هذا الإشكال أجاب عليه بنفسه بقوله «وقد أجاب الحافظ في الفتح عند شرح حديث جابر في ابن صياد من كتاب الاعتصام عن هذا الإعلال بقوله: ولشدة التباس الأمر في ذلك أي الاختلاف بينه وبين حديث ابن صياد - سلك البخاري مسلك الترجيح فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صياد (2)، ولم يخرج

(1) تفسير المنار (9/ 492).

(2)

يقول محمد بن المنكدر «رأيت جابر بن عبدالله يحلف بالله، أن ابن الصياد الدجال قلت، تحلف بالله؟ قال إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم. صحيح البخاري - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة - باب من رأى ترك النكير من النبي صلى الله عليه وسلم حجة، لا من غير الرسول صلى الله عليه وسلم.

ص: 209

حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم، وقد توهم بعضهم أنه غريب فرد وليس كذلك، فقد رواه مع فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر، أما أبو هريرة فأخرجه أحمد من رواية عامر الشعبي عن المحرز بن أبي هريرة عن أبيه بطوله، وأخرجه أبو داود مختصراً وابن ماجه، عقب رواية الشعبي عن فاطمة قال الشعبي «فلقيت المحرز فذكره» وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن أبي هريرة .. وأما حديث عائشة فهو في الرواية المذكوره عن الشعبي قال: ثم لقيت القاسم بن محمد، فقال أشهد على عائشة حدثتني كما حدثتك فاطمة بنت قيس، وأما حديث جابر فأخرجه أبو داود بسند حسن من رواية أبي سلمه عن جابر وذكر لفظه. (1)

وقول الحافظ ابن حجر هذا بلا شك أنه هو الصحيح، فالبخاري سلك مسلك الترجيح فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صياد. مع تصحيحه لحديث الجساسة، حيث قال، وحديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس في الدجال هو حديثٌ صحيح. ثم إن التواتر ليس شرطاً في قبول الحديث، ولا يلزم من صدور الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر وفي حشدٍ من الناس أن يروي ذلك متواتراً.

فكم من خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وفي حشدٍ عظيم من الصحابة ومع ذلك لم يروها أو يرو بعضها منها إلا واحد أو اثنان أو أكثر، ممن لا يبلغ عددهم شرط التواتر؟

(1) تفسير المنار (9/ 492)، فتح الباري (13/ 340).

ص: 210

«وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عدة خطب في أعظم حشد كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم ينقل خطبته إلا العدد القليل من الصحابة رضي الله عنهم.

وقد روى الإمام أحمد ومسلم عن أبي زيد وعمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى ثم تصعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس - فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا» .

وقد كانت هذه الخطبة العظيمة الطويلة جداً على المنبر، وفي حشد من الصحابة رضي الله عنهم، ومع ذلك لم ينقل شيء منها بالتواتر». (1)

فالحديث بفضل الله صحيح ويكفي إيراد مسلم له للقطع بصحته، وإن لم يخرجه البخاري، فالبخاري لم يزعم أنه جمع كل الصحيح، إنما اشترط أن لا يخرج في كتابه إلا الصحيح، حيث قال: لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا وما تركت من الحديث أكثر. (2)

وهو مروي عن صحابية جليلة وهي فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وقد رواه عنها «الشعبي» الذي اعترف الشيخ نفسه بثناء المحدثين حتى على مراسيله، فكيف وقد صرح بالسماع منها، ولقد رواه مع فاطمة بنت قيس، أبو هريرة وعائشة وجابر رضي الله عنهم أجمعين.

(1) إتحاف الجماعة، حمود عبد الله النويجري (2/ 61).

(2)

انظر هدي الساري صـ 9.

ص: 211

ثم إنك لتعجب من أمر الشيخ رضا والإشكالات التي يثيرها لرد الحديث النبوي فإذا كان الحديث عند البخاري ولم يوافق عليه أتى عليه بالتأويل والتشكيك كما فعل مع حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر.

وإن كان عند مسلم أو غيره من الأئمة احتج عليهم بعدم رواية البخاري له في صحيحة وذلك لشدة تحريه فهو لا يسير على منهج معين في التعامل مع الحديث النبوي الشريف.

2 -

قوله: من الإشكال المعنوي في هذه الحكاية أن تميماً وأصحابه الثلاثين كانوا من عرب الشام، والمتبادر أنهم ركبوا سفينتهم من بعض ثغورهم في البحر المتوسط وقد ذكرت فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد أن سرد للناس الحكاية:

فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت حدثتكم به عنه - أي الدجال - وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق ما هو، وأومأ بيده إلى المشرق». قالت: فحفظت هذا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال: «فإن صح الحديث روايةً فهذا التردد من النبي صلى الله عليه وسلم في مكان الجزيرة التي ذكرها تميم الداري في أي البحرين هي؟ ثم إضرابه عنهما وجزمه بأنه من جهة المشرق إلخ، إشكال آخر في متنه، وينظر إلى اختلاف الروايات الأخرى في مكان الدجال بعين وينظر إلى اختلاف الروايات في ابن صياد بالعين الأخرى، وينظر بالعينين كلتيهما إلى سبب هذا التردد،

ص: 212

ومنافاته لأن يكون كلامه صلوات الله وسلامة عليه في أمر الدجال عن وحي من الله تعالى». (1)

فالشيخ رشيد رضا يعتبر أن تردد النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر في مكان الجزيرة التي ذكرها تميم الداري، وتردده صلى الله عليه وسلم كذلك في ابن صياد، يثير إشكالا معنويا، بحيث يكون كلامه صلى الله عليه وسلم عن الدجال ليس عن وحي من الله.

وفي الحقيقة كان يسع الشيخ رشيد ما وسع أهل العلم وشراح الحديث من قبله، وأن يكتفي بما قاله الأئمة في موضوعي الجساسة وابن صياد.

يقول النووي عن ابن صياد: «قال العلماء» : وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره، وإنما أوحي إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره، ولهذا قال لعمر- رضي الله عنه:«إن يكن هو فلن تستطيع قتله» . (2)

وقال العلامة الطيبي: «لما تيقن عليه السلام بالوحي، أنه من قبل المشرق نفى الأولين، وظاهر العبارة يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صدق تميماً في أول الأمر ولذلك قال: «ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن» بالتأكيد بـ «إن» والبدء بأداة الاستفتاح «ألا» ثم كوشف في موقفه بأنه ليس في هذا ولا ذلك بل في جهة المشرق». (3)

(1) تفسير المنار (9/ 493).

(2)

شرح النووي عن مسلم (18/ 46).

(3)

النشر الطيب على شرح الشيخ الطيب يراجع (2/ 235) وما بعدها.

ص: 213

وقال النووي: «قال القاضي لفظة «ما هو» زائدة صلة للكلام ليست بنا فيه، والمراد إثبات أنه في جهات المشرق». (1)

وقال ابن كثير: «قال بعض العلماء إن ابن صياد كان بعض الصحابة يظنه الدجال الأكبر وليس به، إنما كان دجالاً صغيراً» .

إلى أن قال: «والمقصود أن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في أخر الزمان قطعاً، لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية، فإنه فيصل في هذا المقام» وقال ابن كثير أيضا: والأحاديث الواردة في ابن صياد كثيرة، وفي بعضها توقف في أمره هل هو الدجال؟ ويحتمل أن يكون هذا قبل أن يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، في أمر الدجال وتعيينه، وقد تقدم حديث تميم الداري في ذلك، وهو فاصل في هذا المقام».

وقال أيضا: «وقد قدمنا أن الصحيح أن الدجال غير ابن صياد، وأن ابن صياد كان دجالاً من الدجاجلة ثم تيب عليه بعد ذلك، فأظهر الإسلام والله أعلم بضميره وسريرته، وأما الدجال الأكبر فهو المذكور في حديث فاطمة بنت قيس الذي روته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري، وفيه قصة الجساسة، ثم يؤذن له في الخروج في آخر الزمان» . (2)

ولقد حاول ابن حجر أيضا التوفيق بين الأحاديث الواردة في ابن صياد، وحديث الجساسة حيث قال: «أقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقاً وأن ابن صياد شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة،

(1) شرح النووي على مسلم (18/ 66).

(2)

النهاية لابن كثير (1/ 70) تحقيق طه زيني.

ص: 214

إلى أن توجه إلى أصبهان، فاستتر مع قرينه، إلى أن تجيء المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها». (1)

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بخروج ثلاثين دجالاً غير الدجال الموعود وقد يكون ابن صياد منهم، ورواية تميم تؤكد على أن ابن صياد ليس هو الدجال الموعود، خاصةً وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على ذلك كما قلنا.

فابن صياد والله أعلم ليس بالمسيح الدجال الأكبر كما قال أكثر أهل العلم، وإنما هو دجال من الدجاجلة غير الدجال الموعود.

ثم إنه ما دام قد صحت رواية تميم وصحت رواية ابن صياد فالواجب الجمع، والجمع ولله الحمد ممكن وغير متعذر، بين تلك الروايات الصحيحة، ولا يصل الأمر إلى رد الحديث بإشكالات وتساؤلات يمكن الأجابة عليها والتوفيق فيما بينهما كما هو منهج أهل الحديث.

3 -

قوله: «ثم أين الجزيرة التي رفأ إليها تميم وأصحابه في سفينتهم؟ إنها في بحر الشام أو بحر اليمن كما في اللفظ المرفوع - إن صح الحديث - أي الجهة المقابلة لسواحل سورية من البحر المتوسط أو الجهة المجاورة لشواطئ اليمن من البحر الأحمر، وكلاً قد مسح في هذه الأزمة مسحاً، وجابوا سطحهما طولاً وعرضاً، وقاسوا مياههما عمقاً، وعرفوا جزائرها فرداً فرداً، فلو كان في إحداهما جزيرة فيها دير أو قصر حبس فيها الدجال، وبه جساسة فيها تقابل الناس وتنقل إليه الأخبار، لعرف ذلك كله كل الناس» . (2)

(1) فتح الباري (13/ 328).

(2)

تفسير المنار (9/ 494).

ص: 215

الرد:

عدم رؤية الجساسة أو المسيح الدجال ليس دليلاً على أنه غير موجود أو أن قصته مكذوبة وموضوعة. فيأجوج ومأجوج نؤمن بهم وأنهم موجودون ولكن لا نعلم مكانهم، ولم يسبق لأحد أن التقى بهم على الرغم من أن البشر مسحوا الأرض شبراً شبراً ولا يوجد مكان على وجه الأرض لم تطأه قدم بشر خاصةً في زمننا هذا، والذي تطورت فيه وسائل النقل والاستكشاف بشكل لم يسبق إليه من قبل.

فالله سبحانه وتعالى له حكمة في إخفاء مكان يأجوج ومأجوج وكذلك له حكمة أيضا في إخفاء المسيح الدجال والجساسة، وذلك لأن ظهوره علامة من علامات الساعة الكبرى، ولن يكون له ظهور إلا إذا أذن الله بذلك، وعلى هذا فمن الطبيعي أن يخفيه الله عن أعين البشر فلا يصل إليه أحد، ما دام أن أوان الساعة لم يحن بعد. ثم إنه ليس من المستحيل أن يخفيه الله عن أعين البشر، خاصةً وأن بقاءه مرتبط بحكمة إلهية كبرى يتوقف عليها مصير البشرية كلها بل الكون أجمع. (1)

ولكن قد يتساءل سائل فيقول: إذا كيف رآه تميم وصحبه دون الناس؟ ؟

فتقول، في الحقيقة أن رؤية تميم له كانت بتقدير الله وبعلم الله كرامة لتميم وصحبه، وتقريراً لصدق النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أنه وافق ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وليزيد الله في بيان أمره ليحذروه ويسألوا الله أن يقيهم شره وأن يعصمهم منه.

(1) المدرسة العقلية الحديثة، شفيق شقير صـ 321.

ص: 216

4 -

أما قوله: «فهل يجب أن تكون حكايته صلى الله عليه وسلم لما حدثه به تميم تصديقاً له؟ » . (1)

الرد

يرى الشيخ رشيد رضا، أن مجرد حكاية النبي صلى الله عليه وسلم لما حدثه به تميم الداري- رضي الله عنه ليس دليلا على أنه مصدق له ولما قاله! !

بل قد يكون مكذباً له، ولما جاء به، ويحكيه عنه، ويرويه للناس! !

وهذا والله مبالغة وتكلف في إيراد الإشكالات والتساؤلات والشبهات لرد حديث تميم الداري- رضي الله عنه، فالشيخ رشيد رحمه الله وغفر له يحاول بكل ما أوتي من حجه وبيان أن يثير الشبه حول حديث الجساسة، من أجل رده وأنى له ذلك.

فهل يعقل أن ينقل رجلا من عامة الناس كلاماً عن رجلٍ آخر، ويجمع له الناس ويحدثهم به وهو في قرارة نفسه غير مصدقٍ به، فضلاً عن أن يكون الناقل هو النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي من رب العالمين.

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم غير مصدق لما جاء به تميم الداري- رضي الله عنه، وغير مصدق لما قال له، فلما يجمع الناس، ويرسل المنادي أن ينادي «الصلاة جامعة» ثم يلزم الناس بالجلوس بقوله صلى الله عليه وسلم «ليلزم كلُ إنسانٍ مصلاه» ، ثم قال «أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا رهبه، ولكن جمعتكم لأن تميم الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع

(1) تفسير المنار (9/ 495).

ص: 217

وأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنت حدثتكم عن المسيح الدجال .... »، ثم حدثهم بما حدثه به تميم الداري- رضي الله عنه.

اليس هذا إقرارا منه صلى الله عليه وسلم على صدقه- رضي الله عنه وأنه صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى ولا يقر إلا على صواب.

فإذا لم يعن هذا الفعل إقراراً وتصديقاً منه صلى الله عليه وسلم بصدق ما جاء به تميم، وتصديق ما قاله، فكيف هو الإقرار والتصديق.

وإنه واللهِ إقرارٌ من النبي صلى الله عليه وسلم لتميم الداري ما بعده إقرار، وإنها والله من مناقب تميم الداري وكفى به منقبة ومزية وكرامة أن يُحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه.

قال النووي عن حديث تميم: «هذا معدود في مناقب تميم- رضي الله عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه هذه القصة، وفيه رواية الفاضل عن المفضول، ورواية التابع عن تابعه» . (1)

فتصديق النبي صلى الله عليه وسلم واضح لا لبس فيه، إلا أن مغالاة رشيد رضا وتعصبه في رد الخوارق والغرائب أدى به إلى رد كل حديث لا يتوافق مع منهجه العقلي الذي ورثه عن شيخه وأستاذه محمد عبده.

ولو أن الشيخ لزم غرز أئمة الدين، ومنهج أهل السنة وأهل الحديث في التعامل مع الحديث النبوي، لكان أسلم له في دينه وخيراً له في عاقبته، ولكفى المسلمين باب شر يلج منه كل مبتغٍ للفتنة، مبغضٍ للدين وأهله.

(1) شرح النووي على مسلم (18/ 37).

ص: 218

5 -

ومن الإشكالات التي أوردها أيضا على حديث الجساسة قوله «إن النبي صلى الله عليه وسلم صدق تميماً في أول الأمر ولذلك قال «ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن» .

فيرى الشيخ رشيد أن نفي النبي صلى الله عليه وسلم لبعض قول تميم يبطل الثقة به كله، حيث يقول «ههنا يجئ إشكال آخر وهو أن نفي النبي صلى الله عليه وسلم لبعض قول تميم يبطل الثقة به كله» .

الرد:

وهذا في الحقيقة إشكال باطل، فتحديد النبي صلى الله عليه وسلم لمكان الجزيرة ليس فيه أي تكذيب لتميم حتى تبطل الثقة به كله كما قال الشيخ رشيد.

فتميم الداري لم يحدد مكان الجزيرة، بل ذكر أنه قاده البحر إليها ولا يدري أين هي أصلاً، حتى يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم نفى بعض قول تميم. ثم أنه على افتراض أنه حددها وأخطأ في تحديد مكانها فهو ليس معصوما من الخطأ والزلل. ولكنه والله التجني ولي أعناق النصوص، إلى درجة استشكال أمر غير موجود أصلا، فتميم لم يتعرض إلى مكان الجزيرة والذي تعرض لبيان مكانها هو النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا تردد النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الأمر في تحديد مكانها فما هو ذنب تميم الداري حتى تبطل الثقة به كله، وهو صحابي جليل قد صدقه النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما قاله وحدث به الناس.

6 -

تساؤله هل كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوماً من تصديق كل كاذب في خبر، فيعد تصديقه لحكاية تميم دليلاً على صدقة فيها؟ (1)

(1) تفسير المنار (9/ 495).

ص: 219

ثم يجيب عن ذلك بقوله «أن ما قالوه في العصمة لا يدخل فيه هذا، فالمجمع عليه هو العصمة في التبليغ عن الله تعالى وعن تعمد عصيانه بعد النبوة» . ثم يورد أقوالا في تحديد عصمة النبي صلى الله عليه وسلم ومؤداها عدم عصمته صلى الله عليه وسلم في الشؤون الدنيوية بخلاف الدينية منها. (1)

الرد:

يقصد الشيخ رشيد رضا رحمه الله وغفر له، بقوله «هل كان النبي صلى الله عليه وسلم وسلم معصوما من تصديق كل كاذب، فيعد تصديقه لحكاية تميم دليلا على صدقه فيها» . هو التشكيك في صدق تميم الداري رضي الله عنه.

وأن قد يكون ما قاله للنبي صلى الله عليه وسلم كذب، وأن القصة قد ألفها ونسجها من مخيلته، وأن لا وجود لها في الواقع ورواها للنبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم وبكل بساطة صدقها، لأنه غير معصوم من تصديق الكاذب، ثم جمع الناس وذكر لهم ما قاله تميم الداري له.

وقد نسى الشيخ رشيد رضا أو تناسى بأن من يتكلم عليه ويتهمه بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم هو صحابي جليل مشهود له بالتقى والصلاح والعبادة، وغير متهم في دينه أو أمانته أو عدالته.

وهو بنفسه قد شهد له بذلك حيث قال «كان تميم الداري من عرب فلسطين «سوريا» وقد وصف بأنه راهب زمانه، وقد جاء هو وأخوه نعيم المدينة في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع من الهجرة وأسلما، وحدث هو النبي صلى الله عليه وسلم بحكاية الجساسة الغريبة، وذكروا أنه كان بعد إسلامه من العباد

(1) المصدر نفسه.

ص: 220

والقصاصين ولم يذكر لأحدٍ شبهةٌ فيه، بل عدوا من مناقبه أن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه». (1)

فهو نفسه يشهد له بالعبادة والصلاح وأنه غير متهم في دينه وأمانته ولم يذكر لأحدٍ شبهةً فيه. ثم يأتي بعد ذلك ويثير الشكوك والتساؤلات بأنه قد يكون كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم صدقه.

فهذا تناقض عجيب من الشيخ رشيد رضا، يثني على شخص في بداية الأمر، ثم يأتي ويثير الشكوك والتساؤلات التي توحي بكذبه بعد ذلك.

ولكن كما قيل إذا عرف السبب بطل العجب، فكل هذه المحاولات من الشيخ رشيد رضا والتشكيكات من أجل الطعن في أمانة الصحابي الجليل تميم الداري وذلك لرد حديث الجساسة، الذي أرق مضجعه، ولا يعرف كيف يتخلص منه، أو بأي طريقة يرده.

والذي يرى الشيخ أنه مصنوع حيث يقول «وجملة القول في حديث الجساسة أن ما فيه من العلل والاختلاف والإشكال من عدة وجوه يدل على أنه مصنوع» . (2)

إلى أن وصل به الحال الطعن في عدالة تميم الداري- رضي الله عنه وغاب عن الشيخ رشيد رضا قول النبي صلى الله عليه وسلم شاهداً بصدق قول تميم الداري أمام مجمع من الصحابة بعد ما جمعهم، «وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم به عن المسيح الدجال» .

(1) تفسير المنار (9/ 492).

(2)

تفسير المنار (9/ 495).

ص: 221

أليس هذا إقراراً من النبي صلى الله عليه وسلم بصدق ما قاله تميم الداري- رضي الله عنه، وأنه صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى، ولا يقر إلا على صواب! !

ثم أن ما ذكره الشيخ رشيد رضا بقوله: «أن ما قالوه في العصمة لا يدخل فيه هذا» ، ويقصد فيه تصديق النبي صلى الله عليه وسلم للكاذب، ويقصد به تميم الداري- رضي الله عنه وأرضاه، فهو استشكال باطل ولا قيمة له، والرد عليه لا يحتاج إطالة.

وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم في التبليغ والتحمل في أمور الدين وقد نقل الإجماع على هذا غير واحد. (1)

أما أمور الدنيا فيجوز عليه الخطأ فيها على المشهور كما في حادثه تأبير النخل. (2)

والدجال والجساسة من أمور الغيب والدين، وليس من شؤون الدنيا قطعاً، فلماذا أخرجهما الشيخ رشيد رضا من خبر العصمة بقوله «إن ما قالوه في العصمة لا يدخل فيه هذا» .

والجواب عن هذا التساؤل بكل بساطة، هو أن إخراج رشيد رضا لحديث الجساسة من خبر العصمة من أجل رده وعدم الأخذ به، لأنه لو قال

(1) انظر الفتاوي لابن تيمية (10/ 289) وما بعدها ولوامع الأنوار البهية (2/ 304).

(2)

عندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، كانوا يأبرون النخل (يلقحونه) فقال صلى الله عليه وسلم "ما أظن يغني ذلك شيء" فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر بذلك صلى الله عليه وسلم فقال "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني أنما ظننتوا ظنن فلا تأخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيءً فخذوا به، فإني لن أكذب - أي أخطئ على الله عز وجل" صحيح مسلم - كتاب الفضائل - باب وجوب أمتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي.

ص: 222