الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحاديث المهدي مشيرة إلى العباسين مصرحة بشارتهم «السواد» وأشهرها حديث ثوبان المرفوع في سنن ابن ماجه، «يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا تصير إلى واحدٍ منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونهم قتلاً لم يقتله قوم - ثم ذكر شيء لا أحفظه - فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي» . (1)
ثم ذكر بعد ذلك أن الأحاديث الواردة في المهدي سبب للفساد والفتن، حيث يقول:«وقد كانت أكبر مثارات الفساد والفتن في الشعوب الإسلامية، إذ تصدى كثير من محبي الملك والسلطان، ومن أولياء الولاية وأولياء الشيطان، لدعوى المهدوية في الشرق والغرب، وتأييد دعواهم بالقتال والحرب، وبالبدع والإفساد في الأرض، حتى خرج ألوف الألوف عن هداية السنة النبوية، ومرق بعضهم من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية» . (2)
الرد على استشكالاته وتساؤلاته:
أولا: إن دعوى التعارض بين الأحاديث النبوية دعوى دائما ما يرددها ويكررها الشيخ رشيد رضا، فهو يرى أن هذه الدعوة كفيلة برد الحديث وإسقاطه ولو كان من أصح الأحاديث، بل ولو كان حتى من أحاديث الصحيحين، كالأحاديث الواردة في المسيح الدجال والتي غالبها في الصحيحين، والتي قال عنها «أنها متعارضة تعارضاً كثيراً يوجب تساقطها» . (3) والتي في الأخير أنكرها كلها.
(1) تفسير المنار (9/ 502).
(2)
نفس المصدر السابق (9/ 499).
(3)
نفس المصدر السابق (9/ 489).
وهو الآن يدعي نفس الدعوى التي أدعها في الأحاديث الواردة في المسيح الدجال يدعيها في الأحاديث الواردة في المهدي، وذلك تمهيداً منه وتوطئه للقول بأنها منكرة.
ومشكلة الشيخ رشيد رضا كما قلنا من قبل في مبحث المسيح الدجال ونعيد ونقوله هنا وهو أنه رحمه الله وغفر له، يمزج بين الروايات الصحيحة والضعيفة بل وحتى الموضوعة، ثم يبني على ذلك نتائجه وما توصل إليه، ولو أنه أزاح الروايات الضعيفة والموضوعة واكتفى بالروايات الصحيحة، لما وجد أي تعارض بين تلك الروايات.
فأحاديث المهدي كما قال أهل العلم مثل ابن القيم وغيره فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، فما كان منها موضوعاً أو ضعيفاً لا يحتج به، فإنه لا يلتفت إليه، ولا يعارض به غيره، أما ما صح منها فهو مؤتلف غير مختلف ومتفق غير مفترق. (1)
فالشيخ رشيد رضا يستعمل هنا نفس الأسلوب والمنهج الذي تعامل به مع الأحاديث الواردة في المسيح الدجال، فهو يستشهد بالأحاديث الضعيفة بل والموضوعة ثم يدعي بعد ذلك التعارض والتناقض فيما بينها، وهذا بلا شك نتيجة حتمية وطبيعية عند الجمع بين الروايات الصحيحة وغير الصحيحة.
ثم إننا لا ندري هل يتعمد الشيخ رشيد رضا الاستشهاد بالأحاديث
(1) الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي عبد المحسن البدر صـ 24، مطابع الرشيد، ط 1، 1402 هـ.
الضعيفة والموضوعة الواردة في المهدي ليثبت أن هناك تناقضاً وتعارضاً فيما بينها.
أم أنه لا يعلم ولا يدري بأن هذه الأحاديث ضعيفة وموضوعة وكلا القولين لا يليقان به وهو العالم بالسنة والملقب بمحيى السنة في زمنه.
ثم إننا نقول هنا كما قلنا من قبل في مبحث المسيح الدجال، وهو أن التعارض بين الروايات الصحيحة مستحيل وغير ممكن، وإن كان ظاهرهما التعارض، وقد حكي الباقلاني الإجماع على منع التعارض بين الأدلة الشرعية في نفس الأمر مطلقاً.
كما روى الخطيب البغدادي عنه ذلك فقال «يقول الباقلاني» : وكل خبرين علم أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهما، فلا يصح دخول التعارض فيهما على وجه، وإن كان ظاهرهما متعارضين، لأن معنى التعارض بين الخبرين والقرآن من أمر ونهي وغير ذلك، أن يكون موجب إحداهما منافياً لموجب الآخر، وذلك يبطل التكليف إن كانا أمراً ونهياً أو إباحة وحظراً، أو يوجب كون أحدهما صدقاً والآخر كذباً إن كانا خبرين، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك أجمع، ومعصوم منه باتفاق الأمة وكل مثبت للنبوة». (1)
ثم إن التشبث بدعوى التعارض بين الأحاديث وكثرة ترديدها من غير دليل ولا بينة ولا برهان هي من أقوال أهل البدع والأهواء «الذين قصر علمهم عن الاتساع في الآثار وعييت أذهانهم عن وجوهها فلم يجدوا شيئاً
(1) الكفاية للخطيب البغدادي، صـ 433.
أهون عليهم من أن يقولوا: متناقضة فأبطلوها كلها». (1)
وللأسف فإن شيخنا رشيد رضا رحمه الله وغفر له دائماً ما يردد هذه العبارة ودائماً ما يلجأ إليها إذا ضاقت به السبل، وتعسرت عليه الاستشكالات والتساؤلات.
وهي نفس الدعوى التي قام يرددها ويتكئ عليها من بعد الشيخ رشيد رضا، الطاعنون في السنة النبوية، كالمدعو أبو ريه في كتابه «أضواء على السنة المحمدية» والذي رد فيه الكثير من الأحاديث النبوية الصحيحة بدعوى التعارض فيما بينها ولا حول ولا قوة إلا بالله. (2)
فالذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة التي ذكرتها في بداية المبحث، كحديث على بن أبي طالب، وحديث أبي سعيد الخدري وحديث أم سلمه، وحديث عبد الله بن مسعود أنه من نسل الحسن بن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه، وهذا الذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة وأهل الحديث قاطبة، قال ابن كثير في المهدي «هو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسنين- رضي الله عنه (3) ولا عبرة بما يقوله الشيعة الإمامية من أنه محمد بن الحسن العسكري، أو ما يقوله الرافضة الكيسانية من أن المهدي هو محمد بن الحنفية، فهذه كلها أقوال باطلة لا دليل عليها من السنة النبوية الذين هم أبعد الناس عن العلم فيها فضلا عن تميز الصحيح من السقيم منها.
(1) كتاب الإيمان لابن سلام صـ 40.
(2)
انظر الكتاب أضواء على السنة المحمدية للمدعو أبو رية.
(3)
النهاية/ الفتن والملاحم (1/ 29).
ثانيا: أما بالنسبة لقوله بأن المنكرين لها أكثر، فهذه دعوى غير صحيحة بل إن العكس هو الصحيح وهو أن القائلين والمقرين بها أكثر، فقد ثبتت الأحاديث الواردة في المهدي عن أكثر من ستة وعشرين صحابياً.
قال الشيخ عبد المحسن العباد: «جملة ما وقفت عليه من أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول صلى الله عليه وسلم ستة وعشرون هم:
1 -
عثمان بن عفان- رضي الله عنه.
2 -
علي بن أبي طالب- رضي الله عنه.
3 -
طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه.
4 -
عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه.
5 -
الحسين بن علي- رضي الله عنه.
6 -
أم سلمه رضي الله عنها.
7 -
أم حبيبة رضي الله عنها.
8 -
عبد الله بن عباس- رضي الله عنه.
9 -
عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه.
10 -
عبد الله بن عمر- رضي الله عنه.
11 -
عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه.
12 -
أبو سعيد الخدري- رضي الله عنه.
13 -
جابر بن عبد الله- رضي الله عنه.
14 -
أبو هريرة- رضي الله عنه.
15 -
أنس بن مالك- رضي الله عنه.
16 -
عمار بن ياسر- رضي الله عنه.
17 -
عوف بن مالك- رضي الله عنه.
18 -
ثوبان مولى رسول الله- رضي الله عنه.
19 -
قرة بن إياس- رضي الله عنه.
20 -
علي الهلالي- رضي الله عنه.
21 -
حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه.
22 -
عبد الله بن الحارث بن حمزة- رضي الله عنه.
23 -
عوف بن مالك- رضي الله عنه.
24 -
عمران بن حصين- رضي الله عنه.
25 -
أبو الطفيل- رضي الله عنه.
26 -
جابر الصدفي- رضي الله عنه». (1)
ثم ذكر بعد ذلك، أسماء الأئمة الذين خرجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي في كتبهم، حيث قال: «وأحاديث المهدي خرجها جماعة كثيرون من الأئمة في الصحاح والسنن والمعاجم والمسانيد وغيرها قد بلغ عدد الذين وقفت على كتبهم أو اطلعت على ذكر تخريجهم لها ثمانية وثلاثين هم:
(1) الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي، صـ 5.
1 -
أبو داود في سننه.
2 -
الترمذي في جامعه.
3 -
ابن ماجه في سننه.
4 -
النسائي ذكره السفاريني في لوامع الأنوار البهية والمناوي في فيض القدير وما رأيته في الصغرى ولعله في الكبرى.
5 -
أحمد في مسنده.
6 -
ابن حبان في صحيحه.
7 -
الحاكم في المستدرك.
8 -
أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف.
9 -
نعيم بن حماد في كتاب الفتن.
10 -
الحافظ أبو نعيم في كتاب المهدي وفي الحلية.
11 -
الطبراني في الكبير والأوسط والصغير.
12 -
الدارقطني في الأفراد.
13 -
البارودي في معرفة الصحابة.
14 -
أبو يعلى الموصلي في مسنده.
15 -
البزار في مسنده.
16 -
الحارث بن أبي أسامة في مسنده.
17 -
الخطيب في تلخيص المتشابه وفي المتفق والمفترق.
18 -
ابن عساكر في تاريخه.
19 -
ابن منده في تاريخ أصبهان.
20 -
أبو الحسن الحربي في الأول من الحربيات.
21 -
تمام الرازي في فوائده.
22 -
ابن جرير في تهذيب الآثار.
23 -
أبو بكر بن المقري في معجمه.
24 -
أبو عمرو الداني في سننه.
25 -
أبو غنم الكوفي في كتاب الفتن.
26 -
الديلمي في مسند الفردوس.
27 -
أبو بكر الإسكاف في فوائد الأخبار.
28 -
أبو الحسين بن المناوي في كتاب الملاحم.
29 -
البيهقي في دلائل النبوة.
30 -
أبو عمرو المقري في سننه.
31 -
ابن الجوزي في تاريخه.
32 -
يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده.
33 -
الروياني في مسنده.
34 -
ابن سعد في الطبقات.
35 -
ابن خزيمة.
36 -
الحسن بن سفيان.
37 -
عمر بن شبه.
38 -
أبو عوانة». (1)
(1) نفس المصدر، صـ 7.
ثم إنه لم يشتهر القول بتضعيف الأحاديث الواردة في المهدي إلا عن عبد الرحمن بن خلدون المؤرخ المشهور (1) بدعوى عدم ورودها في الصحيحين.
حيث قال بعد ذكر جملة من الأحاديث الواردة في المهدي «فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان، وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه» . (2)
وقال في موضع آخر مشككاً في صحة ظهور المهدي «فإن صح ظهور هذا المهدي فلا وجه لظهور دعوته .. » . (3)
وفي الحقيقة أنه لم يقل أحد بمثل هذا القول قبل ابن خلدون، وكل من طعن في أحاديث المهدي من المتأخرين احتج بأقوال ابن خلدون. (4)
(1) هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون، ولي الدين الحضرمي الأشبيلي أشتهر بكتابه «العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر» طبع في سبع مجلدات، أولها «المقدمة» وقد نشأ في تونس ورحل منها إلى مصر، وتولى قضاء المالكية فيها وتوفي بالقاهرة سنة 808 هـ «الإعلام» (3/ 330).
(2)
مقدمه ابن خلدون، صـ 322، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1967 م.
(3)
نفس المصدر 327.
(4)
مثل الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في كتابه «لا مهد ينتظر بعد الرسول صلى الله عليه وسلم خير البشر» ، ومحمد فريد وجدي في «دائرة معارف القرن العشرين» (10/ 480)، وأحمد أمين في كتابة «ضحى الإسلام» ، ومحمد فهيم أبو عبيه في تعليقه على «النهاية الفتن والملاحم» لابن كثير ومحمد عبد الله عنان في كتابه «مواقف حاسمه في تاريخ الإسلام» صـ 359، وعبد الرحمن محمد عثمان في تعليقه على «تحفة الأحوذي» (6/ 474)، وعبد الكريم الخطيب في كتابه (المسيح في القرآن والتوارة والأنجيل) صـ 539، وقد تولى الرد على جميع هؤلاء الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه القيم «الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي» وخص منها رسالة الشيخ ابن محمود، حيث بين أن ما فيها مجانب للحق والصواب.