الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خروج يأجوج ومأجوج أو غيرها من أشراط الساعة الكبرى لا لشيء إلا لعدم وقوعها في زمنه.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين وقت خروج المسيح الدجال كي يقال إنها لم تقع.
ثم إن الساعة لم تقم حتى الآن كي يقال إن الأخبار الواردة في المسيح الدجال غير صحيحة أو أنها مكذوبة.
مناقشة الإشكال الخامس:
وهي قوله: «إنها متعارضة تعارضاً يوجب تساقطها» .
فالشيخ رشيد رضا رحمه الله وغفر له يرى أن مجرد وجود شبهة التعارض بين مجموع تلك الأحاديث الصحيحة الصريحة الواردة في المسيح الدجال، والمذكورة في أصح الكتب بعد القرآن وهما صحيح البخاري وصحيح مسلم، مجرد وجود تلك الشبهة كفيل برد تلك الأحاديث، وعدم الالتفات إليها عند الشيخ رشيد رضا. ولا يشفع لها عنده صحة إسانيدها وإن كانت أسانيدها كالشمس في رابعة النهار.
ثم إننا نقول أن دعوى التعارض فيما بينها غير صحيح ولا نقبله من الشيخ رشيد رضا، فالشيخ رشيد رضا يمزج بين الروايات الصحيحة والضعيفة والمقبول منها والمردود ثم يبني على ذلك نتائجه وما توصل إليه.
وكان أحرى بالشيخ رشيد وهو العالم بالسنة والصحيح منها والضعيف أن يميز الروايات الصحيحة من الضعيفة ثم يحاول بعد ذلك
الجمع بين الأحاديث الصحيحة إن كان في ظاهرها تعارض أو تناقض كما يقول.
متبعاً بذلك منهج أهل السنة والجماعة في الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، فالجمع بين النصوص أولى من ردها أو إهمال بعضها.
ثم إن دعوى التعارض بين الأدلة الشرعية غير ممكن، وقد حكي الباقلاني الإجماع على منع التعارض بين الأدلة الشرعية في نفس الأمر مطلقاً، كما روى الخطيب البغدادي عنه ذلك فقال «يقول الباقلاني: وكل خبرين علم أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهما، فلا يصح دخول التعارض فيهما على وجه، وإن كان ظاهرهما متعارضين، لأن معنى التعارض بين الخبرين والقرآن من أمر ونهي وغير ذلك، أن يكون موجب إحداهما منافياً لموجب الآخر، وذلك يبطل التكليف إن كان أمراً أو نهياً أو إباحة أو حظراً، أو يوجب كون إحداهما صدقاً والآخر كذباً إن كانا خبرين، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك أجمع، ومعصوم منه باتفاق الأمة وكل مثبت للنبوة» (1).
فالتعارض بين النصوص الشرعية سواء بين القرآن والسنة أو بين الأحاديث فيما بينها غير ممكن، وسببه قلة العلم أو قصور في الفهم.
قال الشيخ بن عثيمين: «إذا وقع التعارض عندك في نصوص الكتاب والسنة، فإما لقلة العلم، وإما لقصور الفهم وإما للتقصير في البحث والتدبر، ولو بحثت وتدبرت لوجدت أن التعارض الذي توهمته لا أصل له» . (2)
(1) الكفاية للخطيب البغدادي صـ 433.
(2)
شرح الواسطية لابن عثيمين دار ابن الجوزي صـ 70، الطبعة الرابعة 1427 هـ.
وقد استعمل هذه القاعدة كثير من أئمة العلم والدين في كسر المبتدعة وتفنيد شبهاتهم، كصنيع الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب «الرسالة» ، وفي كتاب «مختلف الحديث» ، وكذلك الإمام أحمد رحمه الله في «الرد على الجهمية» والإمام ابن قتيبة رحمه الله في كتاب «مختلف الحديث» ، والطحاوي رحمه الله في «مشكل الآثار» وغير هؤلاء كثير من أئمة السنة». (1)
ثم إنه لو اكتفى الشيخ رشيد رضا بذكر الروايات الصحيحة واعتمد عليها وأهمل غيرها من الروايات الموضوعة والمكذوبة وما أكثرها، لما وجد هناك تعارضاً فيما بين الأحاديث الصحيحة وإن كان هناك ما يوهم التعارض منها فقد بينه العلماء وشراح الحديث، وذلك بالجمع بين الروايات الصحيحة والترجيح بينها من دون رد لأي منها أو إهماله.
ونضرب لذلك مثالاً ليتضح المقصود، وذلك بذكر كيفية جمع القاضي عياض بين الرواية الصحيحة الواردة في الصحيحين في وصف عين الدجال اليمنى بالعور.
وبين الرواية الصحيحة الأخرى الواردة في صحيح مسلم في وصف عين الدجال اليسرى بالعور دون رد لأي منهما.
حيث ذهب إلى أن عيني الدجال كلتيهما معيبة، لأن الروايات كلها صحيحة، وتكون العين المطموسة والممسوحة هي العوراء الطافئة بالهمز أي التي ذهب ضوؤها وهي العين اليمنى كما في حديث ابن عمر. (2)
(1) منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد لعثمان علي حسن (1/ 348).
(2)
صحيح البخاري - كتاب الفتن - باب ذكر الدجال (6/ 2607)، رقم (6709).