الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
فتح باب الطعن
في السنه النبوية
مما لاشك فيه ولا ريب أن من أعظم وأسوأ الآثار الفكرية المترتبة على إنكار الشيخ محمد رشيد رضا للأحاديث الواردة الصحيحة الصريحة المتواترة في أشراط الساعة الكبرى، وطعنه في صحتها، وردها بدعوى وجود التعارض والتناقض فيما بينها، تحت ذريعة البحث العلمي، وتصفية العقيدة والسنة النبوية مما علق بها من الخرافات والإسرائيليات.
هو فتحه باب الطعن في السنة النبوية على مصراعيه، والذي ولج منه بعده كل مبغض للسنة النبوية من أصحاب الأهواء من أعداء السنة، وأصبحت العمدة في طعونهم وشبهاتهم هي أقوال وآراء رشيد رضا التي كتبها حول السنة النبوية.
وذلك أن الشيخ رشيد رضا كان دائم التشكيك في السنة النبوية، بإثارته للتساؤلات والاستشكالات حول جملة من الأحاديث والتي يبدأ معها بإثارة بعض الأسئلة والشبهات حولها ومن ثم إنكارها جملةً وتفصيلاً حتى ولو كانت في الصحيحين، بل حتى ولو كانت متواترة، كأحاديث المهدي ونزول عيسى بن مريم والمسيح الدجال وطلوع الشمس من مغربها.
وإنك لتستغرب إن قلت لك أن الشيخ محمد رشيد رضا من المشجعين للكتابات التي تثير الشبهات والشكوك حوله السنة النبوية وتشكك في صحتها، ولا تستعجل علي بالحكم.
فإليك الدليل، فقد نشر الشيخ محمد رشيد رضا مقالا للدكتور توفيق صدقي بعنوان «الإسلام هو القرآن وحده» يطعن فيه بحجية السنة النبوية، وقد نشره في عددين من مجلته المنار السابع والثاني عشر من السنة التاسعة.
حيث يزعم في مقاله أن القرآن قد حوى كل شيء من أمور الدين، وكل حكم من أحكامه، وأنه بينه وفصله بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر كالسنة وإلا كان الكتاب مفرطاً فيه ولما كان تبينا لكل شيء.
ثم بعد ذلك ذهب ليلحد في تفسير قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} . (1)
فيزعم أن الله تكفل بحفظ القرآن وحده دون السنة ولو كانت دليلاً وحجة كالقرآن لتكفل بحفظها؟ ! ومع هذا كله يقوم الشيخ محمد رشيد رضا بنشر مقاله: «الإسلام هو القرآن وحده» في مجلته المنار بدعوى البحث العلمي، فتعساً لهذا البحث القائم على الطعن في السنة وإنكار حجيتها.
ومن بعد الدكتور توفيق صدقي، جاء الدكتور محمد حسين هيكل، وألف كتاباً سماه «حياة محمد» ، ينكر فيه معجزاته صلى الله عليه وسلم، ويطعن في السنة ويشككك في صحتها وفي صدق الأحاديث التي انطوت عليها بصورة
(1) الحجر، الآية: 9
قطعية، ويقدم الكتاب الشيخ محمد مصطفى المراغي، ويقرظه السيد رشيد رضا بل ويدافع عنه في مجلته المنار دفاعاً مستميتاً! !
ومن بعد الدكتور محمد حسين هيكل، جاء المدعو محمود أبو ريه، والذي تأثر بآراء رشيد رضا في السنة النبوية، فأصدر كتاباً سماه «أضواء على السنة المحمدية أو دفاع عن الحديث» ، ملأه من أوله إلى آخره بالطعن في السنة النبوية وإنكار حجيتها مع إلقاء أفظع السباب والشتائم على رواتها وناقليها لاسيما على ناقلها الأول أبي هريرة- رضي الله عنه، ثم يزعم بعد هذا أنه يدافع عن السنة النبوية.
وإذا ما قال له قائل كيف تنكر حجية السنة وأنت تستدل على ما ذهبت إليه بأحاديث منها؟ أجاب: «أن الأحاديث التي أوردها في سياق كلامي للاستدلال بها على ما أريد في كتابي إنما أسوقها لكي نقنع من لا يقنع إلا بها، على اعتبار أنها عنده من المسلمات التي يصدقها ولا يماري فيها، ويشبه أسلوبه هذا باحتجاج المسلم على النصراني بما في الإنجيل وهو في نفسه غير مؤمن بما يحتج به أو عكس ذلك؟ ! (1)
وحينما عاب عليه طه حسين كثرة نقله عن رشيد رضا أجاب بأنه لم يصنع ذلك «عفواً أو فقراً من الأدلة» .
وإنما كان يقصد من ذلك أموراً مهمة منها «أن هذا السيد يعتبر في هذا العصر من كبار أئمة الفقهاء المجتهدين عند أهل السنة الذين يعتد برأيهم .... الخ» . (2)
(1) أضواء على السنة المحمدية: محمود أبو ريه ص 33.
(2)
أضواء على السنة المحمدية 34.
ولا تعجب ولا تستغرب إن علمت أن محمود أبو ريه قد اعتمد بشكل أساسي في طعوناته بالسنة النبوية، بآراء وأقوال رشيد رضا، فكان كثيراً ما يسوق نصوصه ويستشهد بها في التقليل من شأن حجية السنة، أو التجريح بصحابي جليل.
وكانت هذه النقول تطول حتى تبلغ صفحات من مؤلفات الشيخ رشيد، بل وصل الأمر به إلى أن عقد فصلا كاملاً بعنوان «المنافقون من الصحابة» لم يكتب فيه كلمة واحدة، بل كان عبارة عن نقل عبارات رشيد رضا مع عزوها إلى صفحاتها.
وفي كل مرة ينقل فيها عن رشيد رضا يسبق اسمه بعبارات المديح والثناء كالمحدث والفقيه والمحدث الكبير وشيخ المحدثين.
فلقد قلد محمود أبو ريه رشيد رضا في كل آرائه وأقواله في السنة النبوية،
(1) نفس المصدر 35.
(2)
نفس المصدر والصفحة.
حتى في تقسيمها إلى سنة عملية وسنة قولية (1)،
وفي شبهات هذا التقسيم وفي الطعن في الصحابة، وزاد عليه طعنه في أبي هريرة وعبد الله بن سلام رضي الله عنهما، وطعن في الأحاديث التي طعن فيها وزاد عليها، ونقل كلام رشيد رضا في الأحاديث الواردة في أشراط الساعة ثم قال «إنه نقل ذلك ليسحب هذا البحث على السنة كلها لا أحاديث أشراط الساعة فحسب» . (2)
ولقد تولى الرد على كتاب هذا الضال المنحرف الشيخ محمد أبو شهبه في كتاب أسماه «دفاع عن السنة» والذي عقد فيه فصلاً كاملاً أيضاً للرد على بعض دعاوى وشبه رشيد رضا تجاه السنة.
وكذلك رد عليه الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني في كتاب أسماه «الأنوار الكاشفة بما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة» .
وممن تأثر بآراء رشيد رضا تجاه السنة النبوية وبمدرسة المنار التي تعتبر منارة لأصحاب المدرسة العقلية الحديثة أيضا أحمد أمين صاحب كتب «فجر الإسلام، وضحاه وظهره» .
(1) يقسم رشيد رضا السنة النبوية من حيث حجيتها إلى قسمين:
القسم الأول: يطلق عليه السنة النبوية العملية ويعتبره دين عام لكل زمان ومكان وتعتبر من الدين ويجب العمل بها.
القسم الثاني: يطلق عليه السنة القولية، ويعتبره ليس ديناً عاماً كالأولى وهي صالحة عنده للاهتداء لا للاحتجاج، للاستزادة في هذه المسألة انظر منهج الشيخ رشيد في العقيدة لتامر متولى صـ 136 - صـ 161.
(2)
أضواء على السنة المحمدية، 20 - 40، 164 - 181 - 258.
تحدث في فجر الإسلام عن الحديث النبوي فمزج السم بالدسم وخلط الحق بالباطل كما يقول الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله. (1)
حيث زعم أن هناك أموراً كثيرة تضعف من حجية السنة، منها أن الحديث لم يدون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم أنه نشأ عن هذا كثرة الوضع والكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ساعد على ذلك كثرة دخول الشعوب في الإسلام، وزعم أن علماء الحديث إنما اعتنوا بالسند ولم يعتنوا بنقد المتن عشر عنايتهم بالسند، ثم شكك في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه وفي حفظه؟ !
وأنت قد لا تجد في كلامه نصاً صريحاً واضحاً في إنكار حجية السنة، فهو أدهى من أن يظهر هذا، بل يرشد من يريد إنكار حجية السنة إلى السبيل لذلك فيقول للدكتور علي حسن عبد القادر «إن الأزهر لا يقبل الآراء العلمية الحرة، فخير طريقة لبث ما تراه مناسبا من أقوال المستشرقين ألا تنسبها إليهم صراحة، ولكن ادفعها إلى الأزهريين على أنها بحث منك وألبسها ثوباً رقيقا لا يزعجهم مسها، كما فعلت أنا في فجر الإسلام، وضحى الإسلام» هذا ما قاله الدكتور علي حسن نفسه للمرحوم بإذن الله مصطفى السباعي. (2)
ومن بعد أحمد أمين جاء إسماعيل أدهم وألف كتاباً بعنوان «مصادر التاريخ الإسلامي» ، زعم فيه أن الأحاديث التي تضمنتها كتب الصحاح ليست ثابتة الأصول والدعائم، بل هي مشكوك فيها ويغلب عليها صفة
(1) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: مصطفى السباعي صـ 236.
(2)
السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: مصطفى السباعي صـ 238.
الوضع، وثارت حول هذه الرسالة ضجة انتهت بمصادرتها ودافع أدهم عن نفسه بأن ما قاله قد وافقه عليه أدباء وعلماء كبار، ذكر منهم أحمد أمين، ولم يُكذب أحمد أمين ما قاله، بل كتب ما يفيد تألمه مما حصل لصاحبه واعتبر ذلك محاربةً لحرية الرأي، وحجر عثرة في سبيل البحوث العلمية». (1)
وفي الأخير جاء المدعو أبو زيد الدمنهوري وألف كتاباً أسماه «الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن» وقد أحدث هذا الكتاب ضجة كبرى في المحيط العلمي وثورة ساخطة من شيوخ الأزهر على مؤلفه، وانتهى الأمر بمصادرة الكتاب والحكم على صاحبه بالزيغ والضلال (2)،
ويتلخص قول هذا الضال المضل في السنة أنها نكبة على المسلمين وعلى دين الله عز وجل وهو يتمنى إحراقها وإعدامها من الوجود، وتكون نقطة بداية التحريق من صحيح البخاري فمسلم فيرتاح الناس من شر ما فيهما.
هذا هو الأثر الفكري الأول لرد رشيد رضا للأحاديث الصحيحة الصريحة المتواترة في أشراط الساعة الكبرى وهو فتح باب الطعن في السنة ولج منه كل مبغض للسنة النبوية من أصحاب الأفكار المنحرفة، وآراء رشيد رضا بلا شك كانت سبباً في جرأة كثير منهم على السنة، وذلك عندما تجرأ هو وبدأ في التشكيك في صحتها، ونشر ذلك في مجلته المنار، وبدأ بعد ذلك في نشر المقالات التي تطعن في السنة، دون التعليق عليها أو بيان خطئها، فكان كأنه مؤيداً ما يقولون.
(1) منهاج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير 746.
(2)
«الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم» للدكتور محمد حسين الذهبي صـ 94، و» منهاج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير» صـ 736.