الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرد عليه:
في الحقيقة أن الأحاديث الواردة في إثبات طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان، أحاديث صحيحة وصريحة وغالبها في الصحيحين وهي واضحة المعنى بحيث لا تحتمل التأويل أو التشكيك، فلهذا لم يستطع الشيخ رشيد رضا إثارة الاستشكالات والتساؤلات حولها كما أثار الاستشكالات والتساؤلات الكثيرة حول أحاديث المسيح الدجال وأحاديث المهدي.
فلهذا وذاك ذهب للتشكيك بصحتها بدعوى الاختلاف في الترتيب حيث يقول عن الرواة «إنهم اختلفوا في ترتيب هذه الآيات» . (1)
وفي الحقيقة ليس هناك إشكال في مسألة ترتيب هذه الآيات، وإنما الإشكال فعلا هو عد رشيد رضا لما هو غير المشكل مشكلاً.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «الذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى ابن مريم، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب» . (2)
قال البرزنجي في الإشاعة: وهذا جمع حسن رحمه الله. (3)
(1) تفسير المنار (8/ 210).
(2)
فتح الباري (11/ 353).
(3)
الإشاعة صـ 350.
أما بالنسبة لقوله بأنها أحاديث رويت بالمعنى فهي شبهة سبق وأن ذكرها وكررها أكثر من مرة، فقد انبرى للرد على شبهته هذه الباحث تامر متولي في رسالته «منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة» ، حيث أثبت أنها شبهة لا أساس لها من الصحة حيث يقول: «وأريد هنا أن أجيب وباختصار عن هذه الشبهة فأقول:
أولا: لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى نشر حديثه وحثهم على روايته بلفظه فقال: «نضر الله أمرءا سمع مقالتي فحفظها فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع» (1)
ولا ريب أن أصحابه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم كانوا يعظمون أمره ويمتثلونه، ولقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على رجل علمه دعاءً فقال فيه:«وبنبيك الذي أرسلت» فقال الرجل: «وبرسولك الذي أرسلت» فضربه النبي صلى الله عليه وسلم في صدره وقال له «وبنبيك الذي أرسلت» (2) وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم ذلك وعملوا به. ونأخذ أمثلة على حرص هؤلاء ومن بعدهم على رواية اللفظ:
أولا الصحابة:
المثال الأول: ابن عباس- رضي الله عنه حبر الأمة- كان من المكثرين (3) وكان
(1) هذا حديث متواتر وقد أثبت تواتره فضيلة الشيخ العلامة: عبد المحسن في دراسة وافية، انظر له: دراسة حديث «نصر الله امرءا سمع مقالتي
…
»
(2)
صحيح البخاري: الصحيح، كتاب الوضوء، باب: فضل من بات على وضوء (1/ 97)، رقم (244)، والرجل هو: البراء بن عازب رضي الله عنه رواي الحديث.
(3)
انظر: أحمد شاكر: الباعث الحثيث (ص: 187).
يكتب الحديث، وقال لطلابه:«قيدوا العلم بالكتابة» (1)، وكان يحرص على اللفظ فإذا روى حديثا وشك في ألفاظه بين ذلك، فقد روى حديث وفد عبد القيس وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من الوفد؟ أو من القوم؟ وقال: مرحبا بالقوم أو بالوفد» (2)
المثال الثاني: أبو سعيد الخدري- رضي الله عنه من المكثرين أيضا (3)، وكان يحرص على اللفظ، فقد سمع أبا هريرة يروي حديثا فيه:«ذلك لك ومثله معه» فقال أبو سعيد: وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة، قال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله: «ذلك لك ومثله معه» قال أبو سعيد: أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «ذلك لك وعشرة أمثاله» (4). ولا تعارض بين الروايتين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قالهما وروى كل واحد منهما ما سمعه (5).
وعنه أيضا في حديث الشفاعة: «ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم (أو قال: بخطاياهم)
…
» (6).
المثال الثالث: ابن مسعود: المقرئ الكبير، كان يحرص على اللفظ كما كان يكتب الحديث (7)، فقد روى حديث آخر أهل النار خروجا، وفيه:
(1) جامع بيان العلم لابن عبد البر (ص: 72).
(2)
صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله (1/ 46)، رقم (17).
(3)
انظرا: أحمد شاكر: الباعث (ص: 187)
(4)
صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب معرفة طريق الرؤية (1/ 167)، رقم (183).
(5)
نفس المصدر السابق.
(6)
صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب إثبات الشفاعة (1/ 172)، رقم (185).
(7)
انظر: مصطفي الأعظمي: دراسات في الحديث النبوي (1/ 125 - 126).
«فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها» أو: «إن لك عشرة أمثال الدنيا» (1)، وفيه أيضا:«قال فيقول: أتسخر بي (أو: أتضحك بي) وأنت الملك» (2).
المثال الرابع: أبو هريرة -رضي الله عنه محدث الإسلام، من المكثرين (3)، كان يحرص على أداء اللفظ وإن شك في لفظين رواهما. ففي حديث شعب الإيمان روى قول النبي صلى الله عليه وسلم «الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة
…
» (4)، وقد سبق تمسكه بما سمعه في حديث الشفاعة، بينما تمسك أبو سعيد بما سمعه أيضا.
المثال الخامس: عبد الله بن عمر- رضي الله عنه من المكثرين، وكان أشد الناس حرصا على لفظ الحديث، وكان يغضب غضبا شديدا إذا تغير لفظ الحديث، ونأخذ له روايتين:
الأولي: سمع ابن عمر عبيد بن عمير (5) يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المنافقين كمثل الشاة الرابضة (6)
بين الغنمين»، فقال ابن عمر: «ويلكم لا
(1) صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب أخر أهل النار خروجاً (1/ 173)، رقم (186).
(2)
نفس المصدر السابق.
(3)
انظر: أحمد شاكر: الباعث (ص: 187).
(4)
صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب شعب الإيمان (1/ 63)، رقم (35).
(5)
هو عبيد بن عمير بن قتادة الليثي، أبو عاصم المكي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قاله مسلم-، وعده غير في كبار التابعين، وكان قاضي أهل مكة، مجمع على ثقته، مات قبل ابن عمر. التقريب (ص: 651).
(6)
الرابضة: ربوض الغنم والبقر مثل بروك الإبل وبابه جلس. مختار الصحاح (ص: 97، مادة ربض). انظر: ابن الأثير: النهاية (2/ 185) ط. المكتبة العلمية، بيروت.
تكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة (1) بين الغنمين» (2). فقد سمى ابن عمر الرواية بالمعني كذبا.
الثانية: روى ابن عمر حديث أركان الإسلام فقال: «بني الإسلام على خمس: على أن يوحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج» فقال رجل مستفهما: الحج وصيام رمضان؟ قال: «لا، صيام رمضان والحج، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم» (3). فقد رفض ابن عمر مجرد التقديم والتأخير في الألفاظ.
المثال السادس: أنس بن مالك -رضي الله عنه من المكثرين (4)، وكان يتقي مع ذلك الحديث عن النبي لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من تعمد على كذبا فليتبوأ مقعده من النار» (5)، وكان إذ روى حرص على اللفظ، فقد روى حديث «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه (أو قال: لجاره) ما يحب لنفسه»، فقد تردد أنس في اللفظ فبين ذلك من حرصه على أداء اللفظ كما سمعه (6).
المثال السابع: أبو بكرة -رضي الله عنه روى حديث الكبائر فقال: «كنا عند
(1) العائرة: أي المترددة بين قطيعين لا تدري أيهما تتبع (انظر: ابن الأثير النهاية 3/ 328).
(2)
انظر: أحمد: المسند (8/ 16) ت: أحمد شاكر، وصحح إسناده. ط. دار المعارف.
(3)
صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب معرف الإيمان الإسلام (1/ 45)، رقم (16).
(4)
انظر: أحمد شاكر: الباعث الحثيث (ص: 187).
(5)
صحيح مسلم - المقدمة - باب التحذير من الكذب على رسول الله (1/ 10)، رقم (2).
(6)
صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه (1/ 67)، رقم (45).
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ (ثلاثا) الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور (أو: وقول الزور)
…
» (1)،
وذلك أيضا من الحرص على أداء ما سمع، وقد رواه أنس بلا تردد (2).
وقد انتقل هذا المنهج للتابعين فقد تبعوا فيه الصحابة، ولنضرب لذلك ثلاثة أمثلة:
المثال الأول: أبو حازم (3) عن سهل بن سعد، فقد روى عنه أبو حازم مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا، أو سبعمائة ألف
…
» قال مسلم: «لا يدري أبو حازم أيهما قال» (4).
المثال الثاني: أبو الزبير (5) عن جابر، فقد قال ابن جريج (6): أخبرني أبوالزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يسأل عن المُهل؟ فقال: سمعت (ثم انتهي، فقال: أراه يعني) النبي صلى الله عليه وسلم
…
» (7)، فقد احتاط أبو الزبير للسماع.
(1) صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب بيان الكبائر وأكبرها (1/ 91)، رقم (87).
(2)
نفس المصدر السابق.
(3)
هو: سلمة بن دينار، روى عن سهل بن سعد وأبي أمامة، إمام قدوة. السير (6/ 96).
(4)
صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب (1/ 95)، رقم (97).
(5)
هو: محمد بن مسلم بن تدرس، إمام حافظ، مولى حكيم بن حزام، روى عن جابر، وابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وغيرهم. السير (5/ 380).
(6)
هو: عبد الملك بن عبد العزيز، الإمام العلامة الحافظ شيخ الحرم، صاحب التصانيف وأول من دون العلم بمكة، حدث عن عطاء بن أبي رباح فأكثر عنه، ونافع مولى ابن عمر. السير (6/ 325).
(7)
صحيح مسلم - كتاب الحج - باب مواقيت الحج والعمرة (2/ 840)، رقم (1183).
المثال الثالث: الأسود (1) عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «كان إذا قام من الليل فدخل إلى أهله فألم بهم ثم اضطجع، ولم تقل: نام. فإذا جاء المؤذن وثب، ولم تقل: قام. ثم أفاض على نفسه، ولم تقل: اغتسل» (2).
ويشهد الأعمش شهادة عامة لهذا الجيل فيقول: «كان هذا العلم عند أقوام لأن يخر من السماء أحب إليهم من أن يزيد فيه واوآ أو ألفآ أو دالا» (3).
فإذا وصلنا إلى عصر المؤلفين نجد مالك بن أنس رحمة الله يحترز من تبديل لفظ بآخر كالذي والتي ونحوهما (4) وكذلك أحمد يقول: حدثنا يزيد بن هارون (5) وعباد بن عباد المهلبي (6) قالا: أخبرنا هشام، قال عباد ابن زياد عن أبيه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن على مرفوعا:«ما من مسلم يصاب بمصيبة وإن طال عهدها، قال عباد: «وإن قدم عهدها» (7)، فقد أشار أحمد إلى اختلاف شيخيه في ملاحظتين أحدهما في الإسناد والأخرى في المتن وذكر لفظهما.
(1) هو: ابن يزيد بن قيس النخعي، تابعي مخضرم، إمام قدوة، روى عن معاذ بن جبل وبلال وابن مسعود وعائشة وحذيفة وغيرهم. السير (4/ 50).
(2)
الخطيب: الكفاية (ص: 174).
(3)
الخطيب: الكفاية (ص: 178).
(4)
نفس المصدر والصفحة.
(5)
هو: ابن زادي، إمام قدوة، شيخ الإسلام، كان رأساً في العلم. السير (9/ 358).
(6)
هو: ابن حبيب، إمام حافظ ثقة، حدث عن هشام بن عروة وجماعة. السير (8/ 294).
(7)
أحمد: المسند (1/ 20) ط. الميمنية (مصورة المكتب الإسلامي).
ومسلم رحمة الله يقول: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا أبو معاوية. وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة (1) حدثنا أبو معاوية (2) ووكيع (3) ح وحدثنا ابن نمير (4)، حدثنا أبي (5) جميعا عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة (6)،
عن مسروق (7) عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية» ثم قال مسلم: هذا حديث يحيى، وأما ابن نمير وأبو بكر فقالا:«وشق ودعا» بغير ألف» (8)، فأنت ترى مسلما أيضا يحترز من الألف في الرواية، وهكذا صنع مسلم في كل كتابه، يبين اختلاف الرواة في الألفاظ وفي المتون والأسانيد.
وهذا أبو داود (9) رحمه الله، يقول: «وقد روى حديثا عن شيخين:
(1) هو عبد الله بن محمد الكوفي - واسطي الأصيل- ثقة حافظ مصنف (ابن حجر: تقريب التهذيب، ص: 540) ط. دار العاصمة، الأولي 1416 هـ.
(2)
هو محمد بن حازم - بمعجمتين - الضرير الكوفي، ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش (تقريب، ص: 840).
(3)
هو ابن الجراح أبو سفيان الكوفي ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة (تقريب، 1037).
(4)
هو محمد بن عبد الله بن نمير: ثقة حافظ فاضل من العاشرة (تقريب 866).
(5)
هو عبد الله بن نمير الكوفي أبو هشام ثقة حافظ من أهل السنة من كبار التاسعة (تقريب 553).
(6)
هو الهمداني الكوفي ثقة من الثالثة، روى له الجماعة (544 - 545).
(7)
هو ابن الأجدع بن مالك، ثقة فقيه عابد مخضرم، من الثانية (تقريب: 935).
(8)
صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب (1/ 99)، رقم (103).
(9)
هو السجستاني، صاحب السنن: سليمان بن الأشعث من كبار العلماء (تقريب: 404).
عمرو بن مرزوق (1)، ومحمد بن المثنى (2)، فيبين اختلاف ألفاظهم، ولفظ الحديث:«ولولا أن يقول الناس» فقال: قال ابن المثني: أن يقولوا. وبلفظ: «لقد أراك الله خيرا» فقال: «ولم يقل عمرو: لقد» (3).
ثانيا: أن من كان يروي بالمعني منهم - كان يقرن ذلك بما يدل عليه - إذا كان شاكا في اللفظ - كأن يقول: نحوا من ذا قريبا من ذا (4)، احتياطا في الأداء.
فهذا ما كان من الصحابة والتابعين عند رواية الحديث النبوي في الرواية بالمعني وفي غير المتعبد بلفظه، ويتبعون ذلك بقول يفيد احتياطهم في روايته وينبهون أثناء سياق الحديث على موضع السهو أو التردد، بما لا تجده لأمة من الأمم في أي عصر من العصور، ويتضح ذلك بأدنى نظر في أي من كتب الرواية. وبناء على ذلك فإن كل ما كتبه المستشرقون - في الكتابة والرواية بالمعنى - وكذا من تبعهم من المسلمين - يصبح لا قيمة له.
ثالثا: أن اختلاف ألفاظ الحديث التي تتوارد على معنى واحد لا يرجع إلى الرواية بالمعني وحدها، بل كان لمجالسه صلى الله عليه وسلم المتعددة بتعدد الأزمنة والأمكنة والحوادث، والسامعين والمستفتين والمتخاصمين والمتغاضبين، والوافدين والمبعوثين، أثر في ذلك كبير، فكانت ألفاظه صلى الله عليه وسلم تختلف في
(1) هو الباهلي، أبو عثمان البصري ثقة فاضل من صغار التاسعة (تقريب: 745).
(2)
هو العنزي، أبو موسى ثقة ثبت من العاشرة (تقريب: 892).
(3)
سنن أبو داود، كتاب الصلاة، أبواب الأذان، باب كيف الأذان.
(4)
انظر: أحمد: المسند (5/ 245) ت: أحمد شاكر، والخطيب: الكفاية (ص: 205).
ذلك، إيجازا وإطنابا، ووضوحا وخفاء، وتقديما وتأخيرا، وزيادة ونقصا، بحسب ما يقتضيه الحال ويدعو إليه المقام (1).
رابعا: وإذا أردنا أن نتبين حقيقة الأمر وننظر في الأمثلة التي ضربها هؤلاء لنا جدلا، فسنجد العجب، إن هذه الأمثلة هي الأدلة على الاختلاف الناتج عن الرواية بالمعني، والذي حدا بهم إلى رفض السنة، وسأعتمد على أبي رية فإنه ذكر أمثلة كثيرة لذلك (2).
المثال الأول: وهو حديث رواه مسلم: جاء رجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم، وفي آخر الحديث يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم «أفلح إن صدق». وفي رواية:«أفلح وأبيه إن صدق» ، وفي ثالثة:«دخل الجنة وأبيه إن صدق» . هذا هو حجم الاختلاف الذي أقاموا عليه الدنيا: «أفلح إن صدق» «أفلح وأبيه إن صدق» و «دخل الجنة وأبيه إن صدق» . (3)
(1) انظر: أبو زهو: الحديث والمحدثون (ص: 207)، ط. مطبعة مصر، الأولي، 1378 هـ وقد خصص أبو زهو فصلا للرد على دعوى الشيخ رشيد، انظر له: نفس المصدر (ص: 220 - 242) وكذا أبو شهبة، انظر له: دفاع عن السنة (ص: 195).
(2)
صاحب «كتاب أضواء على السنة المحمدية» ، والذي ملئه بالطعن بالسنة النبوية تحت ذريعة البحث العلمي، وقد كان كثير النقل والاستشهاد بأقوال رشيد رضا في كتابه، بل إنه تلقف شبهة الرواية بالمعنى من الشيخ رشيد رضا وزاد عليها.
وقد تولى الرد على كتابه الشيخ محمد أبو شهبه في كتاب أسماه «دفاع عن السنة» وكذلك العلامة المعلمي اليماني في كتاب أسماه «الأنوار الكاشفة بما في كتاب، أضواء على السنة، من الزلل والتضليل والمجازفة» .
(3)
صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام (1/ 40)، رقم (11).
المثال الثاني (1): حديث الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وتقدم رجل بقوله: يارسول الله: أنكحنيها ولم يكن معه من المهر غير بعض القرآن، فقال له صلى الله عليه وسلم:«أنكحتكها بما معك من القرآن» وفي رواية: «زوجتكما بما معك من القرآن» ، وفي رواية:«زوجتكها على ما معك» ، وفي رابعة:«قد ملكتكها بما معك» (2). هذا الاختلاف: زوجتكها، ملكتكها، أنكحتكها، بما معك على ما معك .. ؟ ! .
لقد تأسف هؤلاء على أن السنة رويت بالمعني فأدت الرواية إلى هذا الاختلاف الشنيع، ولم ترو باللفظ كما روي القرآن بلفظه، كما أنها لم تكتب كما كتب، هذا ما يقولونه (3)، ولكن القرآن أيضا وقع فيه مثل ما نقموه على السنة، فمتى جمع القرآن؟ (4)
وماذا يقولون في اختلاف القراءات العشر المروية، بل إن القراءات أكثر من عشر بكثير (5). ما قولهم في قراءة:(فتثبتوا) بدلا من (فتبينوا)، و (ننسأها) بدلا من (ننسها)، وقراءة (لا تقتلوهم)
(1) انظر: أبو ريه: أضواء (ص: 91).
(2)
صحيح البخاري - كتاب النكاح - باب إذا كان الولي هو الخاطب (5/ 1972)، رقم (4839)، وسنن ابن ماجه - كتاب النكاح - باب صداق النساء.
(3)
انظر: رشيد رضا: مجلة المنار (10/ 766) وأبو ريه: أضواء (ص: 20، 76).
(4)
لم يجمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في مصحف واحد، وأول جمع بهذا المعني كان في عهد الصديق، ثم الجمع الأكبر في عهد عثمان رضي الله عنهم، انظر: ابن أبي داود: المصاحف ط. مؤسسة قرطبة، مصر. (ص: 5) وما بعدها، ود. لبيب السعيد: المصحف المرتل (ص: 32) وما بعدها، ط. دار المعارف، بمصر.
(5)
انظر: ابن الجزري: النشر في القراءات العشر (1/ 88) وما بعدها ط. مكتبة القاهرة بمصر.
و (لاتقاتلوهم)، و (إثم كبير) و (إثم كثير)، (ولولا دفع الله)(ولولا دفاع الله)، و (وسارعوا) مع القراءة من دون الواو، وقراءة (لامستم) بالألف والقراءة بدونها، وقراءة (هل يستطيع ربك) و (هل تسطيع ربك)، و (أنا اخترتك) و (أنا اخترناك)، إلي غير ذلك من أوجه الخلاف في القراءة، هل يدل ذلك على الرواية بالمعني وعلى الاختلاف، وهل يقولون في القرآن مثل ما قالوه في السنة؟ (1).
أما بالنسبة لقوله: «بأن أبا هريرة لم يصرح في هذه الأحاديث بالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم .. » .
فهو قولٌ مردودٌ عليه، وذلك لأن الإرسال في حديث الصحابي ليس بعلة، فالصحيح المشهور والذي قطع به الجمهور أن حكم مرسل الصحابي صحيحٌ محتج به، لأن رواية الصحابة عن التابعين نادرة، وإذا رووا عنهم بينوها، فإذا لم يبينوا وقالوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأصل عندهم أنهم سمعوها من صحابي آخر، وحذف الصحابي لا يضر. (2)
(1)«منهج محمد رشيد رضا في العقيدة» تامر متولي (146 - 154).
(2)
«تيسير مصطلح الحديث» الدكتور محمود الطحان، صـ 74.