الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن كثير رحمه الله: والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة، يقتتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء، حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي، ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامرا، كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان، فإن هذا نوع من الهذيان، وقسط كبير من الخذلان، شديد من الشيطان؛ إذ لا دليل على ذلك، ولا برهان لا من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان، إلى أن قال:«ويؤيده بناس من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشدون أركانه، وتكون راياتهم سوداء أيضا، وهو زي عليه الوقار؛ لأن راية رسول صلى الله عليه وسلم كانت سوداء يقال له العقاب» إلى أن قال: «والمقصود: أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق، ويبايع له عند البيت كما دل على ذلك نص الأحاديث» . (1)
حديث (لا مهدي إلا عيسى بن مريم):
احتج بعض المنكرين لأحاديث المهدي بالحديث الذي رواه ابن ماجه والحاكم عن أنس بن مالك- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدباراً، ولا الناس إلا شحاً، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى بن مريم» . (2)
(1) النهاية في الفتن والملاحم: (1/ 55، 56).
(2)
سنن ابن ماجه (2/ 1340)، ومستدرك الحاكم (4/ 441).
ويجاب عليهم بأن هذا الحديث ضعيف، لأن مداره على محمد بن خالد الجندي: وهو مما لا يحتج به وقد ضعفه جمع من أهل الحديث كابن حجر والذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن الجوزي والشوكاني والألباني وغيرهم.
وقال فيه ابن حجر: «مجهول» . (2)
وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: «لا مهدي إلا عيسى» .
«منكر. أخرجه ابن ماجه (2/ 495) والحاكم (4/ 441) وابن الجوزي في «الواهيات» (1447) وابن عبد البر في «جامع العلم» (1/ 155) وأبو عمرو الداني في «السنن الواردة في الفتن» (3/ 3/2، 4/ 9/1، 5/ 22/2) والسلفي في «الطيوريات» (62/ 1) والخطيب (4/ 221) من طريق محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس مرفوعا بلفظ: «لا
(1) منهاج السنة (4/ 211).
(2)
تقريب التهذيب (2/ 157).
يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى بن مريم».
قلت: وهذا إسناد ضعيف فيه علل ثلاث:
الأولى: عنعنة الحسن البصري، فإنه قد كان يدلس.
الثانية: جهالة محمد بن خالد الجندي، فإنه مجهول كما قال الحافظ في «التقريب» تبعا لغيره كما يأتي.
الثالثة: الاختلاف في سنده.
قال البيهقي: قال أبو عبد الله الحافظ: محمد بن خالد مجهول واختلفوا عليه في إسناده، فرواه صامت بن معاذ قال: حدثنا يحيى بن السكن، حدثنا محمد بن خالد
…
فذكره، قال صامت: عدلت إلى الجند مسيرة يومين من صنعاء، فدخلت على محدث لهم، فوجدت هذا الحديث عنده عن محمد بن خالد عن أبان بن أبي عياش عن الحسن مرسلا، قال البيهقي: فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد الجندي وهو مجهول عن أبان أبي عياش، وهو متروك عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو منقطع، والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسنادا، نقله في «التهذيب» .
وقال الذهبي في «الميزان» : إنه خبر منكر، ثم ساق الرواية الأخيرة عن ابن أبي عياش عن الحسن مرسلا ثم قال: فانكشف ووهي، وقال الصغاني: موضوع كما في «الأحاديث الموضوعة» للشوكاني (ص 195) ونقل السيوطي في «العرف الوردي في أخبار المهدي» (2/ 274) عن
القرطبي أنه قال في «التذكرة» : إسناد ضعيف، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم بها دونه، وقد أشار الحافظ في «الفتح» (6/ 385) إلى رد هذا الحديث لمخالفته لأحاديث المهدي، وهذا الحديث تستغله الطائفة القاديانية في الدعوة لنبيهم المزعوم: ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى النبوة، ثم ادعى أنه هو عيسى بن مريم المبشر بنزوله في آخر الزمان، وأنه لا مهدي إلا عيسى بناء على هذا الحديث المنكر، وقد راجت دعواه على كثيرين من ذوي الأحلام الضعيفة، شأن كل دعوة باطلة لا تعدم من يتباناها ويدعو إليها، وقد ألفت كتب كثيرة في الرد على هؤلاء الضلال، ومن أحسنها رسالة الأستاذ الفاضل المجاهد أبي الأعلى المودودي رحمه الله في الرد عليها، وكتابه الآخر الذي صدر أخيرا بعنوان «البيانات» فقد بين فيهما حقيقة القاديانيين، وأنهم مرقوا من دين المسلمين بأدلة لا تقبل الشك، فليرجع إليهما من شاء. (1)
قال ابن القيم في المنار المنيف: «فأما حديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم فرواه ابن ماجة في سننه عن يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مما تفرد به محمد بن خالد، قال أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري في كتاب مناقب الشافعي، محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلا
(1) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعية للألباني (1/ 176).