المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثانيفتح باب الطعن في الصحيحين - آراء محمد رشيد رضا العقائدية في أشراط الساعة الكبرى وآثارها الفكرية

[مشاري سعيد المطرفي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌مسوغات اختيار الموضوع:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌مشكلة الدراسة:

- ‌حدود الدراسة:

- ‌منهج الدراسة:

- ‌يقوم منهج البحث في هذه الدراسة على ما يلي:

- ‌أولا: المنهج الاستقرائي:

- ‌ثانيا: المنهج الاستدلالي:

- ‌ثالثا: المنهج التحليلي:

- ‌متممات المنهج:

- ‌الفصل التمهيدي

- ‌المبحث الأولمعنى أشراط الساعة

- ‌معنى الشرط:

- ‌معنى الساعة:

- ‌فأشراط الساعة:

- ‌المبحث الثانيأدلة وقوعها

- ‌المبحث الثالثقرب قيام الساعة

- ‌المبحث الرابعأقسام أشراط الساعة

- ‌القسم الأول: أشراط الساعة الصغرى:

- ‌القسم الثاني: أشراط الساعة الكبرى:

- ‌المبحث الخامسحجية خبر الآحاد في العقائد

- ‌توضيح شبهة هؤلاء:

- ‌الرد على شبهتهم:

- ‌النصوص الدالة على قبول خبر الواحد:

- ‌أدلة الكتاب: وهي كثيرة أذكر منها:

- ‌أدلة من السنة:

- ‌العقائد التي تثبت بأحاديث الآحاد:

- ‌خاتمة هذا المبحث:

- ‌المبحث السادسحجية العقل والنقل

- ‌الفصل الأولنبذة عن محمد رشيد رضا

- ‌المبحث الأولنسبه ومولده

- ‌المبحث الثانينشأته وطلبه للعلم

- ‌شيوخه:

- ‌المبحث الثالثبداية التحول

- ‌المبحث الرابعهجرته إلى مصر

- ‌المبحث الخامسمجلة المنار

- ‌المبحث السادسجهوده الإصلاحية

- ‌أ) الإصلاح التعليمي:

- ‌ب) الإصلاح الديني:

- ‌ج) الإصلاح السياسي:

- ‌المبحث السابعمذهبه

- ‌1 - قوله بجواز التيمم بالسفر حتى مع وجود الماء عند تفسير آية التيمم في سورة النساء:

- ‌2 - قوله بجواز ربا الفضل، لأنه كما يقول منع سداً للذريعة إلى الربا الجاهلي فيباح للضرورة:

- ‌3 - قوله بجواز العمل بالحساب في الرؤية الشرعية:

- ‌4 - موافقته أستاذه محمد عبده بجواز جمع الصلاتين دونما عذر:

- ‌5 - قوله بجواز نكاح الوثنيات:

- ‌6 - قوله بعدم حرمة أكل لحوم الحمر الأهلية:

- ‌7 - قوله أن تعدد الزوجات يباح عند الضرورة:

- ‌المبحث الثامنعقيدته

- ‌1 - إنكاره أشراط الساعة الكبرى:

- ‌2 - إنكاره جميع أشراط الساعة الصغرى ما عدا بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - قوله بفناء النار، وعدم خلود أهلها فيها:

- ‌4 - طعنة في معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما:

- ‌5 - إنكاره أن للسحر حقيقة:

- ‌6 - إنكاره سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - تقديمه العقل على النقل:

- ‌8 - إنكاره لمعجزة انشقاق القمر:

- ‌9 - تفسيره لبعض الآيات على رأي الخوارج والمعتزلة:

- ‌10 - إنكاره لكثير من المعجزات وتأويلها:

- ‌11 - قوله إن الإسراء والمعراج كان رؤيا منامية:

- ‌12 - متابعة شيخه محمد عبده بالقول بأن الملائكة قوى طبيعية:

- ‌13 - متابعة شيخه محمد عبده في التشكيك بأن آدم أبو البشر:

- ‌المبحث التاسعوفاته

- ‌المبحث العاشرآثاره ومؤلفاته

- ‌الفصل الثانينبذه عن تفسير المنار

- ‌المبحث الأولتعريف بتفسير المنار

- ‌المبحث الثانيمنهجه في التفسير

- ‌المبحث الثالثطريقته في التفسير

- ‌المبحث الرابعخصائص تفسير المنار

- ‌1 - العناية بالتحقيقات اللغوية:

- ‌2 - العناية بالقضايا البلاغية والإعرابية:

- ‌3 - بيانه لحكمة التشريع:

- ‌4 - ابتعاده عن الإسرائيليات:

- ‌5 - يسر العبارة وسهولة الأسلوب:

- ‌6 - كثرة استشهاده بالأحاديث النبوية:

- ‌7 - بيان سنن الله في الكون والإنسان والحياة:

- ‌8 - عدم تجاوز النص فيما ورد مبهماً:

- ‌المبحث الخامسمنهجه العقدي في تفسير المنار

- ‌أولا: عدم الالتفات إلى أسباب النزول في تفسير آيات العقيدة:

- ‌ثانيا: عدم اللجوء إلى تأويل الصفات:

- ‌ثالثا: التأكيد على أن الإسلام دين العقل:

- ‌رابعا: الدفاع عن العقيدة الإسلامية ورد الشبهات المثارة حولها:

- ‌خامسا: استشهاده بآراء المتكلمين والرد عليها:

- ‌المبحث السادسالمآخذ التي عليه

- ‌أولا: عنفه على مخالفيه:

- ‌ثانيا: كثرة الاستطرادات:

- ‌ثالثا: مخالفته جمهور المفسرين في تفسير بعض الآيات:

- ‌الفصل الثالثآراؤه العقدية في أشراط الساعة الكبرى، والرد عليها

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأولرأي رشيد رضا في أشراطالساعة الكبرى، بشكل مجمل

- ‌الرد على إشكالاته وتساؤلاته:

- ‌المبحث الثانيرأيه في خروج المسيحالدجال والرد عليه

- ‌معنى المسيح:

- ‌معنى الدجال:

- ‌الأحاديث الواردة في خروج المسيح الدجال:

- ‌تواتر أحاديث المسيح الدجال:

- ‌الأحاديث الواردة في بيان صفته:

- ‌فائدة:

- ‌الحكمة من عدم ذكره بالقرآن

- ‌موقف الشيخ رشيد رضا من أحاديث الدجال:

- ‌الرد على هذه الإشكالات:

- ‌مناقشة الإشكال الأول:

- ‌مناقشة الإشكال الثاني:

- ‌مناقشة الإشكال الثالث:

- ‌مناقشة الإشكال الرابع:

- ‌مناقشة الإشكال الخامس:

- ‌حديث الجساسة:

- ‌رأي رشيد رضا في حديث الجساسة والرد عليه:

- ‌خاتمة رأي رشيد رضا، في أحاديث الدجال:

- ‌خلاصة القول في المسيح الدجال:

- ‌المبحث الثالثرأيه في المهدي، والرد عليه

- ‌معنى المهدي:

- ‌الأحاديث الواردة في ظهور المهدي:

- ‌تواتر أحاديث المهدي:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌الحكمة من كونه من نسل الحسن:

- ‌صفته:

- ‌سبب ظهوره:

- ‌مكان خروجه:

- ‌حديث (لا مهدي إلا عيسى بن مريم):

- ‌رأي رشيد رضا في أحاديث المهدي:

- ‌الرد على استشكالاته وتساؤلاته:

- ‌والرد على ما ذهب إليه ابن خلدون من عدة وجوه:

- ‌المبحث الرابعرأيه في نزولعيسى بن مريم عليه السلاموالرد عليه

- ‌معنى المسيح:

- ‌عقيدة أهل السنة والجماعة في عيسى بن مريم عليه السلام:

- ‌أدلة نزوله من القرآن:

- ‌أدلة نزوله من السنة:

- ‌تواتر الأحاديث في نزول عيسى بن مريم:

- ‌مسألة: هل رفع عيسى عليه السلام ببدنه وروحه أم بروحه

- ‌مدة بقائه بعد نزوله:

- ‌رأي رشيد رضا في نزول عيسى بن مريم عليه السلام والرد عليه:

- ‌الرد عليه:

- ‌خاتمة المبحث:

- ‌المبحث الخامسرأيه في طلوع الشمسمن مغربها والرد عليه

- ‌الأدلة من القرآن:

- ‌الأدلة من السنة:

- ‌تواتر الأحاديث الواردة في طلوع الشمس من مغربها:

- ‌التوبة لا تقبل بعد طلوع الشمس من مغربها:

- ‌رأي رشيد رضا في طلوع الشمس من مغربها:

- ‌الرد عليه:

- ‌الفصل الرابعالآثار الفكرية لآراء محمد رشيد رضا

- ‌المبحث الأولفتح باب الطعنفي السنه النبوية

- ‌المبحث الثانيفتح باب الطعن في الصحيحين

- ‌المبحث الثالثتشكيك المسلمين في عقائدهم

- ‌المبحث الرابعإحياء تراث المعتزلة

- ‌المبحث الخامسإيجاد نوع من الجرأةعلى الثوابت الإسلامية

- ‌المبحث السادسخدمة أغراض المستشرقين

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجعمرتبة على الحروف الهجائية

الفصل: ‌المبحث الثانيفتح باب الطعن في الصحيحين

‌المبحث الثاني

فتح باب الطعن في الصحيحين

مما لا شك فيه أن أصح الكتب بعد كتاب الله عند أهل السنة والجماعة هما صحيحاً البخاري وسلم، وقد أجمعت الأمة على تلقي كتابيهما بالقبول، وذلك لشدة تحريهما وشدة شروطهما في قبول الحديث.

قال البخاري: «ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وما تركت من الصحاح أكثر» . (1)

وقال: «أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح» . (2)

وقال مسلم: «ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا، إنما وضعت ما أجمعوا عليه» . (3)

فلصحيحي البخاري ومسلم مكانة علمية كبيرة في التراث الإسلامي، كيف لا وهما كما ذكرنا أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، مازالت هذه المكانة العلمية باقية في قلوب المسلمين وعلماء الأمة.

(1) علوم الحديث لأبن الصلاح 16.

(2)

نفس المصدر والصفحة.

(3)

نفس المصدر والصفحة.

ص: 336

إلى أن جاء أصحاب المدرسة العقلية الحديثة وعلى رأسهم الشيخ محمد رشيد رضا ومن قبله أستاذه محمد عبده.

فقام ـ بدعوى البحث العلمي، وتصفيه العقيدة وتنقية السنة مما علق بها من الإسرائيليات ـ برد العشرات من الأحاديث الواردة في الصحيحين كالأحاديث الواردة في المسيح الدجال وحديث الجساسة.

والأحاديث الواردة في نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان والأحاديث الواردة في طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان أيضا وغيرها من الأحاديث الأخرى الكثيرة.

وكل ذلك لا لعلةٍ في أسانيدها، بل بدعوى التعارض والتناقض فيما بينها، ومخالفتها للسنن الكونية، وعدم تصديق العقل لها وغيرها من الأعذار التي في الحقيقة لا قيمة لها، ولا ترقي إلا رد جملة من الأحاديث الواردة بأصح الأسانيد في أصح الكتب.

وبسبب آراء رشيد رضا في هذه الأحاديث وجرأته في ردها والحكم عليها بالوضع، تجرأ العديد من بعده من الكتاب والمفكرين الذين ينتمون لنفس المدرسة وهي «المدرسة العقلية الحديثة» فقاموا بالطعن في صحيحي البخاري ومسلم جهاراً ونهاراً وبنشر ذلك في الصحف والمجلات، ولعمري إن هذا من أسوء الآثار الفكرية التي ورَّثها محمد رشيد رضا بعد وفاته، وهي فتح باب الطعن في الصحيحين وتجرئة الناس عليه.

حيث قام من بعده المدعو محمود أبو ريه، صاحب كتاب «أضواء على

ص: 337

السنة المحمدية أو دفاع عن الحديث» وذلك فملأ كتابه بالطعن في السنة النبوية وإنكار حجيتها، والطعن في صحيحي البخاري ومسلم طعناً لا هوادة فيه، لكي تفقد الأمة الثقة بأصح كتب الحديث عندها، وحتى يسهل فيما بعد الطعن في باقي كتب السنن والمعاجم الأخرى والتي هي دونه في الصحة والضبط.

معتمداً في طعونه على آراء وأقوال رشيد رضا في رده لجمله من الأحاديث الواردة في الصحيحين التي توافق هواه ومنهجه المنحرف.

ومن بعد محمود أبو ريه، جاء الضال الزائق المدعو السيد صالح أبو بكر وألف كتاباً أسماه «الأضواء القرآنية في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية وتطهير البخاري منها» .

والذي زعم فيه أن من أهدافه كما يقول «تقديم حصيلة الفحص الدقيق للأحاديث المعارضة للقرآن، والمنافية لما يليق بالله وبرسوله والتي جمعناها من صحيح البخاري باعتباره عمدة المراجع في هذا المجال وعددها مئة وعشرون حديثاً، والتعقيب القرآني على كل منها بما يثبت أنها دخيلة على كلام النبي صلى الله عليه وسلم» . (1)

والذي عد من أهدافه أيضاً: «القضاء على مشاركة الحديث الباطل للقرآن الكريم» ، ومنها «إدراك العواقب المترتبة على ترك الأحاديث المخالفة

(1) الأضواء القرآنية في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية وتطهير البخاري منها، السيد صالح أبو بكر 3 - 6، وقد رد على كتابه هذا الشيخ محمود التويجري في كتاب أسماه «الرد القويم على المجرم الأثيم» مكتبة دار العليان الحديثة.

ص: 338

للقرآن الكريم دون تجريح وإظهار عيوبها»، ومنها «إثبات أن دين الله هو القرآن بدايةً ونهايةً» . (1)

وفي الحقيقة أن المؤلف السيد صالح أبو بكر، غالب كتابه نقولات عن كتاب محمود أبو ريه والتي هي في الحقيقة آراء وأقوال رشيد رضا ومحمد عبده.

بل إن بدء هجومه على أبي هريرة- رضي الله عنه يصدره برأي مدرسة المنار والتي رشيد رضا مؤسسها ومنظرها الأول فيضع فصلاً بعنوان «أبو هريرة ورأي علماء الحديث فيه ممثلاً في مدرسة المنار» (2)، حيث خصص من صـ 58 إلى صـ 63 في الطعن في أبي هريرة- رضي الله عنه وفي روايته.

وإن شئت مثالا من الأحاديث المئة والعشرين التي كذبها المؤلف من صحيح البخاري وأسلوبه في التكذيب، حتى تدرك بعد منهجه عن عنوان الكتاب «الأضواء القرآنية» وعن أهدافه التي زعمها فإليك واحدا منها.

ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال إني لأنذركموه وما من نبي إلا أنذره قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور» رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب قول الله عز وجل {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} .

أتدرون ماذا قال المؤلف بعد أن نقله نقلا غير ملتزم بألفاظه كما هو

(1) نفس المصدر والصفحة.

(2)

نفس المصدر 58.

ص: 339

شأن علماء الحديث الصالحين أتحسبون الرجل استند إلى آية قرآنية واحدة في رد الحديث فضلا عن التزام «الأضواء القرآنية» ! ! لا لا ليس الأمر كما تحسبون. بل قال «ودلائل الزيف في هذا الحديث وغيره من أحاديث الدجال كلها نقول فيها ما يلي:

أولا: إن المسيح الدجال هو كل مبدل وكل ماسخ لجمال الحق

وأن هذا المسيح ليس رجلاً واحداً فقط، ولكنهم كثيرون، وهم عور وغير عور، يعيشون معنا وأناس منا وكانوا مع من قبلنا، وسيكونون مع من بعدنا، وفي كل زمان ومكان .. وليسوا مسيحاً واحداً كما يقول الحديث.

ثانياً: إذا كان المسيح سيظهر في آخر الزمان فقط .. فمن هو المسيح الدجال الذي كان سببا في ظهور الفساد والفتن في عهود الخلفاء وزمن التابعين بل زماننا هذا.

ثالثا: إذا كان المسيح الدجال رجلا واحدا ولا يأتي إلا في آخر الزمان فمن أي مسيح كان يتعوذ النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه والتابعون .. ومن أي مسيح نتعوذ نحن الآن في نهاية كل صلاة كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم؟ ؟

رابعا: بأي عقل نصدق أن يعطيه الله كل هذه الأسباب ثم يأمرنا بمحاربته أو بلوم أتباعه، وقد أعطاه من وسائل الإغراء والإقناع للناس ما لا يعطي الأنبياء والمرسلين.

خامسا: في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن المسيح الدجال رجل أعور وإن ربكم ليس بأعور، فكيف يعقل أن تجري هذه الألفاظ على لسان النبي

ص: 340

- صلى الله عليه وسلم وأن تكون ألفاظه قد وصلت إلى هذا النقص في التعبير عن ذات الله وأن يتكلم عن خالقه بتلك الصورة المزرية الركيكة.

سادسا: كيف أنذر نوح قومه من المسيح الدجال كما يقول الحديث مع أن الأحاديث التي وردت فيه تقول كلها أن المسيح سيأتي في آخر الزمان. (1)

وليس هدفنا هنا أن نرد على شبهة ونبطلها فليس هذا موضعه وإنما أردنا أن نظهر أسلوبه في النقد وأن أدلته تلك ليست أضواء قرآنية كما زعم، ولم يستند فيها إلى آية آية قرآنية بل كلها شبه من فكره ومن مفهومه الضال الذي لم يستند إلى كتاب ولا إلى سنة أيضا.

وليس هذا الأمر في هذا الحديث فحسب، بل هو في كل الأحاديث التي أوردها، لم يستدل فيها بآية قرآنية إلا آية تعرض عرضا في حديثه وليس فيها من معارضة الحديث شيء.

إذا فلا عجب إذا ما أكثر النقل عن «محمود أبو ريه» وعض على أقواله بنواجذه، ولا عجب أيضا إذ ما استند إلى أقوال محمد عبده ورشيد رضا بل وإلى مدرسة المنار. (2)

ولقد رد الشيخ حمود التويجري علي السيد صالح أبي بكر في كتابه «الرد القويم على المجرم الأثيم» في جزءين فأفحمه .. قال الشيخ: «فقد رأيت كتاباً لبعض أهل الزيغ والفساد والإلحاد من العصريين تهجم فيه

(1) الأضواء القرآنية في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية: السيد صالح أبو بكر صـ 206 - 207.

(2)

يتعرف من منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير صـ 750 وما بعد.

ص: 341

على بعض الصحابة والتابعين، وعلى مائة وعشرين حديثا في صحيح البخاري الذي هو أصح الكتب بعد القرآن، وزعم أنها أحاديث إسرائيلية وأنه يكتسحها بالأضواء القرآنية، ويطهر البخاري منها. وتهجم أيضا على غير ذلك من الأحاديث الصحيحة وقابلها بالرد والإنكار، وقد سمى المؤلف نفسه بالسيد صالح أبي بكر، وليس بسيد ولا صالح ولا كرامة ولا نعمة عين، لما رواه أبو داود والنسائي والبخاري في الأدب المفرد عن أبي بريدة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يك سيداً فقد أسخطتم ربكم عز وجل» ورواه الحاكم في مستدركه والبيهقي بنحوه وصححه الحاكم، وفي تهجمه على بعض الصحابة والتابعين وعلى الأحاديث الصحيحة أوضح دليل على زيغه وفساد عقيدته وأنه ليس بصالح في الحقيقة.

وقد سمى الملحد كتابه «الأضواء القرآنية، في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية وتطهير البخاري منها» .. وكلام الملحد كله شبهات وحمل لكتاب الله على غير محامله، فهو في الحقيقة ظلمات بعضها فوق بعض كما سأبينه إن شاء الله تعالى، ومن تأمل كتابه لم يشك أنه محارب للإسلام والمسلمين، وأنه إنما أراد بكتابه الطعن في الإسلام وأهل الإسلام، وإن أظهر ذلك في قالب الإصلاح فهو بلا شك ممن يسعى في الأرض فسادا وإن زعم أنه مصلح. وقد قال الله تعالى مخبرا عن سلف هذا الملحد:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)} وهذه الآية الكريمة مطابقة لحال الملحد غاية المطابقة، طهر الله الأرض منه ومن أمثاله من المفسدين إنه سميع مجيب. وقد رأيت

ص: 342

من الواجب الرد على أباطيل هذا الزائغ المفتري على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وتطهير الأحاديث في صحيح البخاري وغيره من كتب السنة من تلطيخ هذا الظالم المعتدي». (1)

وللشيخ الفاضل أحمد شاكر رحمه الله كلام حسن في توجعه من آراء بعض معاصريه من أصحاب المدرسة العقلية الحديثة وآراء رشيد رضا من قبلهم حول السنة النبوية وصحيح البخاري، حيث قال رحمه الله في الكلام على حديث أبي هريرة «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم» في الجزء الثاني عشر صفحة مائة وأربعة وعشرون من تحقيق المسند «وهذا الحديث مما لعب فيه بعض معاصرينا ممن علم وأخطأ، وممن علم وعمد إلى عداء السنة، وممن جهل وتجرأ، فمنهم من حمل على أبي هريرة وطعن في روايته وحفظه، بل منهم من تجرأ على الطعن في صدقه فيما يروي حتى غلا بعضهم فزعم أن في الصحيحين أحاديث غير صحيحة إن لم يزعم أنها لا أصل لها، بما رأوا من شبهات في نقد بعض الأئمة لأسانيد قليلة فيهما فلم يفهموا اعتراض أولئك المتقدمين الذين أرادوا بنقدهم أن بعض أسانيدها خارجة عن الدرجة العليا من الصحة التي التزامها الشيخان لم يريدوا أنها أحاديث ضعيفة، ومن الغريب أن هذا الحديث بعينه، حديث الذباب - لم يكن مما استدركه أحد من أئمة الحديث على البخاري بل هو عندهم جميعاً مما جاء على شرطه في أعلى درجات الصحة

».

إلى أن قال: «والحق أنه لم يعجبهم هذا الحديث لما وقر في نفوسهم

(1)«الرد القويم على المجرم الأثيم» للشيخ حمود التويجري ص (1، 2) - مكتبة دار العليان الحديثة.

ص: 343

من أنه ينافي المكتشفات الحديثة من المكروبات ونحوها، وعصمهم إيمانهم على أن يجرؤا على المقام الأسمى فاستضعفوا أبا هريرة، والحق أيضاً أنهم آمنوا بهذه المكتشفات الحديثة أكثر من إيمانهم بالغيب، ولكنهم لا يصرحون ثم اختطوا لأنفسهم خطة عجيبة أن يقدموها على كل شيء، وأن يؤلوا القرآن بما يخرجه عن معنى الكلام العربي إذا ما خالف ما يسمونه «الحقائق العلمية» وأن يردوا من السنة الصحيحة ما يظنون أنه يخالف حقائقهم هذه، افتراءً على الله وحباً في التجديد، بل إن منهم لمن يؤمن ببعض خرافات الأوربيين وينكر حقائق الإسلام أو يتأولها، فمنهم من يؤمن بخرافات استحضار الأرواح، وينكر وجود الملائكة والجن بالتأويل العصري الحديث، ومنهم من يؤمن بأساطير القدماء وما ينسب إلى القديسين والقديسات ثم ينكر معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها، ويتأول ما ورد في الكتاب والسنة من معجزات الأنبياء السابقين يخرجونها عن معنى الإعجاز كله وهكذا وهكذا .. ».

إلى أن قال: «وهذا مما أخطأ فيه كثير من الناس ومنهم أستاذنا السيد رشيد رضا رحمه الله على علمه بالسنة وفقهه، لم يستطع قط أن يقيم حجته على ما يرى، وأفلتت منه كلمات يسمو على علمه أن يقع فيهما، ولكنه كان متأثراً أشد التأثر بجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وهما لا يعرفان في الحديث شيئاً، بل كان هو بعد ذلك أعلم منهما وأعلى قدماً وأثبت رأياً لولا الأثر الباقي في دخيلةِ نفسه، والله يغفر لنا وله» . (1)

(1) تحقيق مسند الإمام أحمد «12/ 124).

ص: 344

هذا هو الأثر الفكري لآراء رشيد رضا حول الأحاديث الصحيحة الواردة في الصحيحين ورده بها لا لعلةٍ في أسانيدها كما قلنا من قبل بل لأنها لم تتفق مع منهجه العقلي الذي يسير عليه، ففتح باباً على صحيحي البخاري ومسلم فقام من بعده العديد ممن أعجب بآرائه وأقواله بترديدها والزيادة عليها بلا عقل ولا فهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ص: 345