الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - تقديمه العقل على النقل:
لعل من أكثر المأخذ على الشيخ رشيد رضا هو رده لكثير من الأحاديث الصحيحة، والتي غالبها في الصحيحين، لا لعلةٍ في سندها أو روايتها، بل لأنها تخالف العقل أو الحس، أو بدعوى وجود تعارض فيما بينها مما يوجب إسقاطها وعدم الاحتجاج بها، مما جعل الكثير من أهل العلم والباحثين يعيدون النظر في سلفيته، وذلك لأن تقديم العقل أو الحس على النقل هو من أقوال المعتزلة وغيرهم من الفرق الكلامية، وقد جرى بسبب هذا القول البدعي الكثير من المخالفات والبدع ورد للأحاديث الصحيحة.
(1)(الشفا بتعريف أحوال المصطفى) للقاضي عياض ابن موسى الأندلسي، تحقيق أمين قرة علي، طبع الوكالة العامة للنشر، مؤسسة علوم القرآن، ومكتبة دمشق، (2/ 160).
وهو في فعله هذا يكون متابعاً لقول شيخه وأستاذه محمد عبده، حيث يقول «اتفق أهل الملة الإسلامية إلا قليلاً ممن لا ينظر إليه على أنه إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل» . (1)
ومما لا شك فيه أن هذا القول معلومٌ بطلانه، والأصل المستقر عند أهل السنة أن العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، والعبرة في المسائل الاعتقادية هي صحة الحديث والإسناد وسلامته من العلل القادحة فيه.
ولعل من أبرز الأحاديث التي رفضها وردها بحجج عقلية، الأحاديث الواردة في الدجال، حيث يرى أن هذه الأحاديث مشكلة حيث إنها منافية لحكمة إنذار الناس بقرب قيام الساعة وإتيانها بغتةً، وأن ما أعطي الدجال من الفتن والخوارق تضاهي أكبر الآيات التي أيد الله بها أولي العزم من الرسل، وأن أحاديثها متعارضة تعارضاً كبيراً، مما يوجب تساقطها. (2)
فهو يرد أحاديث الدجال الثابتة في صحيح البخاري ومسلم والذي هما أصح الكتب بعد القرآن والذين قد تلقتهما الأمة بالقبول، لمجرد أنها تخالف العقل والحس.
وكذلك إنكاره للأحاديث الواردة في المهدي حيث يقول «وأما التعارض في أحاديث المهدي فهو أقوى وأظهر، والجمع بين الروايات فيها أعسر، والمنكرون لها أكثر، والشبهة فيها أظهر، ولذلك لم يعتد الشيخان بشيء من روايتهما في صحيحيهما» . (3)
(1) مجلة المنار (13/ 8/613).
(2)
تفسيرا المنار (ج 6/ 450).
(3)
تفسير المنار (ج 9/ 459).
ومن ذلك أيضا رده لحديث: «طلوع الشمس من مغربها» في آخر الزمان والذي رواه أبو هريره ورفعه للنبي صلى الله عليه وسلم.
فرشيد رضا يرد هذا الحديث بدعوى أنه مشكل وأن أبا هريرة لم يصرح في هذه الأحاديث بالسماع عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيخشى أن يكون قد روى بعضها عن كعب الأحبار! !
وكذلك رده لحديث «سجود الشمس عند العرش» والذي أخرجه البخاري في صحيحة.
فالشيخ يرى أن الحديث مشكل ولا يقبله العقل وإن كان إسناده من أصح الأسانيد.
وكذلك إنكاره للأحاديث التي تثبت سحر النبي صلى الله عليه وسلم، والتي هي في صحيحي البخاري ومسلم وكتب السنن الأخرى، بدعوى أنها تمثل شبهة على الدين.
(1) تفسير المنار (8/ 210).
سبحان الله يرد حديث صحيح السند، سالم من العلة، ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا لشيء إلا لأن فيه شبهة على الدين كما يقول.
والله إن الحديث لا شبهة فيه، لو أنه رجع لأقوال أهل العلم وشراح الحديث أهل الرواية والدراية والذين هم أعلم الناس بالحديث.
فأي تهاون وأي تساهل في رد الأحاديث بهكذا أعذار لا قيمة لها أمام صحة السند والرواية، فالمدار عند أهل السنة على قبول الحديث أو رده هو صحة السند أو ضعفه، أما خلاف ذلك فهو قول أهل الكلام كالمعتزلة وغيرهم.
وغير ذلك من الأحاديث الأخرى التي مقياس الحكم على صحتها هو العقل والحس لا صحة السند والرواية.
مما جعل الكثير من أهل العلم يستاء من آرائه، بل ذهب بعضهم إلى القول بأنه إلى الاعتزال أقرب منه للسلفية. (1)
ولقد أنصف الشيخ الدكتور/ فضل حسن عباس حيث قال: «وخلاصة القول إن رشيد رضا رحمه الله نفر من الإسرائيليات في تفسيره ونفر منها وحذر ولكن غالى وتطرف، وحكّم العقل أكثر مما ينبغي وجعله أعظم المقاييس التي يقاس بها تمريض الحديث أو تصحيحه، فكانت النتائج التي وصل إليها لا تقل خطورة عن الإسرائيليات بل إنها والحق يقال إنها أشد
(1) انظر كتاب الشيخ مقبل الوادعي «ردود أهل العلم على الطاعنين بحديث السحر وبيان بُعد محمد رشيد رضا عن السلفية» طبعة دار الآثار حيث يرى الشيخ أن رشيد رضا إلى الاعتزال أقرب منه إلى السلفية وذكر جملة من آرائه وأقواله.