الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - إنكاره سحر النبي صلى الله عليه وسلم
-:
فالشيخ محمد رشيد رضا يميل إلى إنكار سحر النبي صلى الله عليه وسلم متبعاً في ذلك قول أستاذه محمد عبده، حيث يقول محمد عبده:«وقد قال كثيرٌ من المقلدين الذين لا يعقلون ما هي النبوه وما يجب لها إن الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح، فيلزم الاعتقاد به، وعدم التصديق به من بدع المبتدعين، لأنه ضرب من إنكار السحر، وقد جاء القرآن بصحة السحر، فانظر كيف ينقلب الدين الصحيح، والحق الصريح في نظر المقلد للبدعة» . (1)
ورشيد رضا نفسه قد أورد الأحاديث التي تنص على سحر النبي صلى الله عليه وسلم ضمن الأحاديث التي ينبغي أن ترد لعله في متنها؛ لأنها تمثل شبهه على الدين، ولأن نفس النبي صلى الله عليه وسلم أقوى من أن يكون لمن دونه تأثيراً فيها. (2)
والصواب أن أحاديث السحر صحيحة لا مطعن ولا شبهه فيها، وهي في الصحيحين وفي غيرها من كتب السنن.
قال ابن القيم: عن حديث السحر «ثابتٌ عند أهل العلم بالحديث، لا يختلفون في صحته، وقد أتفق أصحاب الصحيحين على تصحيحه، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمه واحده، والقصة مشهورة عند أهل التفسير والسنن والحديث والتاريخ والفقهاء، وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله وأيامه من المتكلمين» . (3)
(1) تفسير جزءهم، محمد عبده، ص 180.
(2)
مجلة المنار (14/ 623).
(3)
انظر التفسير القيم، ابن القيم سورة العلق، ص 566.
وقال الأستاذ عبد القادر الأرناؤوط: «ورواه أيضا أحمد والنسائي وابن سعد والحاكم وعبد بن حُميد وابن مردوية والبيهقي في دلائل النبوه وغيرهم، وقال ابن القيم في بدائع الفوائد: وهذا الحديث ثابت عند أهل العلم متلقى عندهم بالقبول» . (1)
تلك هي درجة الحديث عند أهل الحديث والمختصين به، أما ما ذكر من أن الحديث فيه تقليل من منصب النبوه أو أنه يمثل شبهة في الدين فهو غير صحيح.
وقال أبو الجعني اليوسفي رحمه الله: «أما وقوع المرض للنبي صلى الله عليه وسلم بسبب
(1) جامع الأصول في أحاديث الرسول، ابن الأثير، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط (5/ 67).
(2)
فتح الباري لابن حجر (ج 10/ 226).
السحر فلا يجر خللاً لمنصب النبوه، لأن المرض الذي لا نقص فيه في الدنيا يقع للأنبياء ويزيد في درجاتهم في الآخرة، فإذا خيل له بسبب مرض السحر أنه يفعل شيئا من أمور الدنيا وهو لم يفعله ثم زال ذلك عنه بالكلية بسبب إطلاع الله تعالى له على مكان السحر وإخراجه إياه من محله ودفنه فلا نقص يلحق الرسالة من هذا كله، لأنه مرض كسائر الأمراض، لا تسلط له على عقله، بل هو خاص بظاهر جسده كبصره حيث صار يخيل إليه تارةً فعل الشيء من ملامسة بعض أزواجه وهو لم يفعله وهذا في زمن المرض لا يضر، والعجب ممن يظن هذا الذي وقع من المرض بسبب السحر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قادحاً في رسالته مع ما هو صريح في القرآن في قصة موسى مع سحرة فرعون، حيث صار يخيل إليه من سحرهم أن عصيهم تسعى، فثبته الله كما دل عليه قوله تعالى {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تلقف ما صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)} (1)، ولم يقل أحد من أهل العلم ولا من أهل الذكاء أن ما خُيل لموسى أولاً من سعي عصي السحرة قادحاً في رسالته، بل وقوع مثل هذا للأنبياء يزيد من قوة الإيمان بهم، لكون الله ينصرهم على أعدائهم، ويخرق لهم العادة بالمعجزات الباهرة، ويخذل السحرة والكفرة ويجعل العاقبة للمتقين». (2)
وقال القاضي عياض رحمه الله: في «الشفاء» في رده على من ينكر حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم ومن يقول بأنه فيه تشكيكاً في الشرع.
(1) سورة طه الآية 68 - 70.
(2)
زاد المسلم (4/ 22).