المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مواضع نصب المشغول عنه وجوبا] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٤

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن عشر باب الفاعل

- ‌[تعريفه]

- ‌[من أحكام الفاعل: الرفع وتقديم الفعل]

- ‌[من أحكام الفاعل: تأنيث الفعل وجوبا وجوازا]

- ‌[من أحكام الفاعل: ألا تلحقه علامة تثنية أو جمع]

- ‌[من أحكام الفاعل: جواز حذف الفعل]

- ‌الباب التاسع عشر باب النّائب عن الفاعل

- ‌[أغراض حذف الفاعل - ما ينوب عنه]

- ‌[جواز نيابة غير المفعول مع وجود المفعول]

- ‌[جواز نيابة أي المفعولين]

- ‌[بعض المنصوبات لا تجوز إنابتها]

- ‌[التغييرات التي تحدث في الفعل عند بنائه للمجهول]

- ‌[أحكام تأخير المفعول عن الفاعل وتقديمه عليه]

- ‌الباب العشرون باب اشتغال العامل عن الاسم السّابق بضميره أو ملابسه

- ‌[مواضع نصب المشغول عنه وجوبا]

- ‌[مواضع ترجيح النصب في المشغول عنه]

- ‌[جواز الرفع والنصب على السواء في المشغول عنه]

- ‌[مسألتان اختلف فيهما النحاة أيهما أرجح]

- ‌[ترجح رفع الاسم على الابتداء]

- ‌[أنواع ملابسة الضمير للمشغول عنه]

- ‌[مسألة يترجح فيها الرفع]

- ‌[رفع الاسم المشغول عنه وأحكامه في ذلك]

- ‌[مسألة أخيرة في باب الاشتغال]

- ‌الباب الحادي والعشرون باب تعدي الفعل ولزومه

- ‌[تقسيم الفعل إلى متعدّ ولازم - إجراء اللازم مجرى المتعدي]

- ‌[نوعا المتعدي: متعد إلى واحد - متعد إلى اثنين]

- ‌[مسائل تأخير المفعول وجوبا وتقديمه وجوبا وجواز الأمرين]

- ‌[حذف العامل الناصب للمفعول به جوازا ووجوبا]

- ‌[مواضع حذف المفعول ومواضع ذكره]

- ‌[تعدي الفعل بالهمزة والتضعيف]

- ‌الباب الثاني والعشرون باب تنازع العالمين فصاعدا معمولا واحدا

- ‌[تعريف التنازع - العامل في المتنازع فيه]

- ‌[خلاف البصريين والكوفيين في العامل]

- ‌[حكم ضمير المتنازع فيه من الإظهار أو الحذف]

- ‌[مسائل أربع في باب التنازع ختم بها الباب]

- ‌الباب الثالث والعشرون باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه

- ‌[تعريف المصدر - وأسماؤه وأصالته]

- ‌[المفعول المطلق: ناصبه - أنواعه - ما ينوب عنه]

- ‌[حذف عامل المفعول المطلق - جوازا ووجوبا - ومواضع ذلك]

- ‌[أحكام للمفعول المطلق المحذوف عامله وجوبا]

- ‌الباب الرابع والعشرون باب المفعول له

- ‌[تعريفه - ناصبه - أنواعه - وحكم كل نوع]

- ‌الباب الخامس والعشرون باب المفعول المسمّى ظرفا ومفعولا فيه

- ‌[تعريف الظرف - نوعاه]

- ‌[تقسيم ظرف الزمان إلى متصرف وغير متصرف]

- ‌[تقسيمات مختلفة لظرف الزمان وأمثلة لكلّ]

- ‌[حكم الظرف الواقع في جواب كم أو متى بالنسبة لحصول الفعل]

- ‌[أحكام إذ حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام إذا حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام مذ ومنذ حين تجيئان ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام الآن وبناؤه وإعرابه]

- ‌[أحكام قط وعوض]

- ‌[أحكام أمس من بنائه وإعرابه]

- ‌[الصالح للظرفية المكانية من أسماء الأمكنة]

- ‌[أحكام بعض الظروف المكانية مثل أسماء الجهات وحيث ولدن]

- ‌[التوسع في الظرف المتصرف]

- ‌الباب السادس والعشرون باب المفعول معه

- ‌[تعريفه وشرح التعريف]

- ‌[ناصب المفعول معه والآراء في ذلك]

- ‌[واو المفعول معه وحديث عنها]

- ‌[المفعول معه وحكم تقديمه]

- ‌[أقسام خمسة لما بعد الواو وحكم كل قسم]

- ‌[تعقيب على أقسام المفعول معه السابقة]

- ‌[أمثلة مختلفة في هذا الباب وما يجوز فيها]

- ‌[مسألتان في ختام هذا الباب]

الفصل: ‌[مواضع نصب المشغول عنه وجوبا]

‌الباب العشرون باب اشتغال العامل عن الاسم السّابق بضميره أو ملابسه

[مواضع نصب المشغول عنه وجوبا]

قال ابن مالك: (إذا انتصب لفظا أو تقديرا ضمير اسم سابق مفتقر لما بعده أو ملابس ضميره بجائز العمل فيما قبله غير صلة ولا مشبّه بها ولا شرط مفصول بأداته، ولا جواب مجزوم ولا مسند إلى ضمير للسّابق متّصل ولا تالي استثناء أو معلّق أو حرف ناسخ أو كم الخبريّة أو حرف تحضيض أو عرض أو تمنّ بـ «ألا» وجب نصب السّابق إن تلا ما يختصّ بالفعل، أو استفهاما بغير الهمزة بعامل لا يظهر موافق للظّاهر أو مقارب وقد يضمر مطاوع للظّاهر فيرفع السّابق).

قال ناظر الجيش: اشتغال العامل عبارة عن أخذه معموله، كما أن تفريقه عبارة عن عدم أخذه معموله، وحقيقته: أن يتقدم اسم ويتأخر عنه عامل قد عمل في ضمير ذلك الاسم أو في ملابسه لو لم يعمل في أحدهما لعمل في الاسم المذكور (1).

وقد فهم من ترجمة الباب الإشارة إلى أن الاسم يكون متقدما على العامل، وأن العامل يكون قد شغل عنه بأحد الأمرين وهو إما الضمير أو ملابس الضمير، وأما كون العامل يصح له العمل في الاسم السابق لو لم يعمل في الضمير، فيعرف من قول المصنف في متن الكتاب:(بجائز العمل فيما قبله) وقد زاد المصنف أمرا آخر، وهو كون الاسم المشتغل عنه العامل مفتقرا لما بعده، وإذا تقرر هذا الأصل فلنورد كلام المصنف أولا ثم نذكر ما يتعلق به من المباحث.

قال رحمه الله تعالى (2): اشتغال العامل يتناول اشتغال الفعل نحو: أزيدا ضربته، واشتغال غير الفعل نحو: أزيدا أنت ضاربه (3)، وتقييد المشتغل عنه بسابق -

ص: 1657

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مخرج للمشتغل عنه متأخرا نحو: ضربته زيدا على إبدال الظاهر من المضمر، وضربته زيد على [2/ 269]

الابتداء وتقديم الجملة خبرا، وملابس الضمير هو العامل فيه بإضافة نحو: أزيدا ضربت غلامه، أو بغير إضافة نحو: أزيدا ضربت راغبا فيه (1)، وقيد السابق بمفتقر لما بعده ليخرج المستغني عما بعده كزيد من قولك:

في الدار زيد فاضربه، وكقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (2) على تقدير سيبويه، فإن تقديره عنده: وفيما يتلى عليكم السارق والسارقة (3)، ولولا ذلك الفعل لكان النصب مختارا؛ لأن المشتغل إذا كان أمرا أو نهيا ترجح النصب، والباء من قولي: بجائز العمل، متعلقة بقولي: انتصب، ونبهت بذلك أن على شرط انتصاب المشتغل عنه العامل صحة تسلطه عليه لو عدم الشاغل، فخرج بذلك فعل التعجب نحو: زيد ما أحسنه، وأسماء الأفعال نحو: زيد تراكه، وأفعل التفضيل نحو: زيد أكرم منه عمرو، فليس للاسم المتقدم على هذه إلا الرفع؛ لأنها لا تعمل فيما تقدم وما لا يعمل لا يفسر عاملا على الوجه المعتبر في هذا الباب (4)، والوجه المعتبر في هذا الباب كون العامل المشغول عوضا في اللفظ من العامل المضمر، ودليلا عليه، ولكونه عوضا امتنع الإظهار؛ إذ لا يجمع بين العوض والمعوّض منه، ولكونه دليلا لزم أن يكون موافقا في المعنى أو مقاربا (5)، فلو قصدت الدلالة دون التعويض لم تكن المسألة من باب الاشتغال كقول الراجز (6):

1289 -

أيّها المائح دلوي دونكا (7)

-

- فهو قد أوضح هذه المسألة في كلامه؛ لأن قول المصنف هنا: (غير الفعل) فيه عموم وشمول لكل ما يعمل عمل الفعل، وينظر: حاشية الصبان (2/ 71).

(1)

ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 316) طبعة العراق، والتوطئة (ص 182).

(2)

سورة المائدة: 38.

(3)

في الكتاب (1/ 143): «وكذلك وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ كأنه قال: وفيما فرض الله عليكم السارق والسارقة، أو السارق والسارقة فيما فرض عليكم» اه.

(4)

جوز بعض النحويين الاشتغال مع المصدر، واسم الفعل على القول بجواز تقدم معموليهما عليهما ومع «ليس» على القول بجواز تقدم خبرها عليها. ينظر: حاشية الصبان (2/ 71).

(5)

ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 91).

(6)

قيل: إنه من كلام راجز جاهلي من بني أسيد بن عمرو بن تميم، وقيل: إنه لجارية من مازن.

(7)

الرجز في المقرب (1/ 137)، وأمالي القالي (2/ 244)، والعقد الفريد (5/ 211)، وأمالي -

ص: 1658

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فـ «دلوي» منصوب بعامل مقدر مدلول عليه بالملفوظ، نص على ذلك سيبويه (1)، وليس الملفوظ به عوضا من المقدر، فلو جمع بينهما لم يمتنع، والحاصل أن المجعول دليلا دون تعويض لا يلزم صلاحيته للعمل في موضع دلالته، بخلاف المجعول دليلا وعوضا ومن كلام العرب: البهم أين هو؟ فنصب قائل هذا «البهم» بفعل مضمر، وجعل أين هو دليلا عليه مع عدم صلاحيته للعمل (2)، ونبهت أيضا على ما يعرض للعامل الجائز العمل فيما قبله مما جعله ممنوع العمل، وممنوع الصلاحية للتفسير، فمن ذلك وقوعه صلة نحو: زيد أنا الضاربه، وأذكر أن تلده ناقتك أحبّ إليك أم أنثى؟ (3)، ومن ذلك شبهه بصلة نحو: ما شيء تحبه يكره، وزيد حين ألقاه يسرّ؛ فإن الصفة والمضاف إليه يشبهان الصلة في تتميم ما قبلهما بهما، فلا عمل لهما فيما تقدم مع التفريغ فلا يفسران عاملا فيه مع الاشتغال (4).

ومن مواقع العمل والتفسير: وقوع الفعل شرطا مفصولا بأداته نحو: زيد إن زرته يكرمك، فإن أداة الشرط لها صدر الكلام، فلا يؤثر معمولها فيما قبلها عملا [2/ 270] ولا تفسيرا (5)، واحترزت بقولي: مفصولا بأداته، من نحو: إن زيدا أكرمته -

- الزجاجي (ص 237)، والتذييل (3/ 5)، والإنصاف (1/ 228)، وابن يعيش (1/ 117)، والخزانة (3/ 15)، والمغني (2/ 609، 618)، وشذور الذهب (ص 485)، والعيني (4/ 311)، والتصريح (2/ 200)، والهمع (2/ 105)، والدرر (2/ 138)، ولسان العرب، وتاج العروس ومقاييس اللغة «منح» ، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 175).

والشاهد قوله: «أيها المائح دلوي» ؛ حيث نصب «دلوي» بفعل محذوف لدلالة اسم الفعل الذي لا يصح له العمل فيه.

(1)

في الكتاب (1/ 81): «فإذا بنيت الفعل على الاسم قلت: زيد ضربته، فلزمته الهاء - وإنما حسن أن يبنى الفعل على الاسم حيث كان معملا في المضمر وشغلته به، ولولا ذلك لم يحسن، لأنك لم تشغله بشيء، وإن شئت قلت: زيدا ضربته، وإنما نصبه على إضمار فعل هذا يفسره كأنك قلت: ضربت زيدا ضربته، إلّا أنهم لا يظهرون هذا الفعل هنا للاستغناء بتفسيره فالاسم هاهنا مبني على هذا المضمر» اه.

(2)

ينظر: التذييل (3/ 5)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 137).

(3)

في الكتاب (1/ 31): «وتقول أذكر أن تلد ناقتك أحب إليك أم أنثى؟، كأنه قال: أذكر نتاجها أحب إليك أم أنثى، فـ «أن تلد» اسم، و «تلد» به يتم الاسم كما يتم «الذي» بالفعل فلا عمل له هنا كما ليس يكون لصلة «الذي» عمل» اه.

(4)

ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 363، 364)، والهمع (2/ 111).

(5)

ينظر: المقرب (1/ 88).

ص: 1659

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يضرك، فإن له حكما آخر يأتي ذكره.

ومن مواقع العمل والتفسير: وقوع الفعل جوابا مجزوما نحو: زيد إن يقم أكرمه، فلو كان الفعل الواقع موقع الجواب فعلا مرفوعا جاز عند سيبويه إعماله في الاسم السابق مع التفريغ وتفسيره عاملا فيه مع الاشتغال؛ لأنه عنده مقدر التقديم مدلول به على جواب محذوف (1).

ومن مواقع العمل والتفسير: إسناد الفعل إلى ضمير الاسم السابق مع كون الضمير متصلا نحو: زيد ظنّه ناجيا بمعنى: ظن نفسه، وذلك ممتنع لاستلزامه كون الفاعل الذي هو عمدة مفسرا بالمفعول الذي حقه أن يكون فضلة، فلو كان الضمير منفصلا جازت المسألة نحو: زيدا لم يظنه ناجيا إلا هو؛ لأن الضمير المنفصل كالظاهر فينزل هذا منزلة: زيدا لم يظنه ناجيا إلا عمرو؛ ولأن أصل لم يظنه ناجيا إلا هو: لم يظنه أحد ناجيا إلا هو؛ فصحت المسألة ولم يلزم كون العمدة متوقفا في مفهوميّته على الفضلة، كما لزم إذا كان المسند إليه ضميرا متصلا مفسرا بالمفعول (2).

ومن موانع العمل في السابق والتفسير لعامل فيه: وقوع الفعل بعد استثناء (3) نحو: ما زيد يضربه إلا عمرو، فلا يجوز في زيد وما وقع موقعه إلا الرفع؛ لأن ما بعد «إلا» لا يعمل فيما قبلها ولا يفسر عاملا فيه، وكذلك ما وقع بعد معلّق، والمراد بالمعلّق: الاستفهام والنفي بما ولامي الابتداء والقسم نحو: زيد هل ضربته؟؛ وعمرو كيف وجدته؟، وخالد ما أقساه، وعامر لتحيه بشر، والمحسن ليجزينّه الله، فلا يجوز في: زيد وعمرو وخالد وعامر والمحسن وما وقع مواقعها إلا الرفع؛ لأن ما بعد الاستفهام و «ما» النافية و «لامي» الابتداء والقسم لا يعمل فيما قبلها ولا يفسر عاملا فيه، وكذلك ما وقع بعد حرف ناسخ للابتداء نحو: زيد إني أضربه، وعمرو ليتني ألقاه، وكذلك الواقع بعد كم الخبرية نحو: زيد كم لقيته، فإنها أجريت مجرى الاستفهامية، وكذلك (4) الواقع بعد التّحضيض نحو:

زيد هلّا ضربته، وبعد العرض نحو: عمرو ألا تكرمه، وبعد التّمنّي بألا نحو: -

(1) في الكتاب (1/ 133): «فإن لم تجزم الآخر نصبت، وذلك كقولك: زيدا إن رأيت تضرب» اه.

(2)

ينظر: الهمع (2/ 111)، وشرح الكافية للرضي (1/ 166).

(3)

ينظر: حاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 175).

(4)

في (ب): (وكذا).

ص: 1660

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العون على الخير ألا أجده (1).

هذا هو مذهب المحققين من العارفين بكتاب سيبويه أعني إجراء التحضيض والعرض والتمني بألا مجرى الاستفهام في منع تأثر ما قبلها بما بعدها (2)، وإنما أجريت مجراه؛ لأن معنى هلّا فعلت، وهلّا تفعل: لم لم تفعل ولم لا تفعل، ومعنى ألا تفعل: أتفعل، مع أن «هلّا» مركبة من هل ولا [2/ 271] و «ألا» مركبة من الهمزة ولا؛ فوجب مع التركيب ما وجب قبله، وقد عكس قوم الآخر، فجعلوا توسيط التحضيض وأخويه قرينة يرجح بها نصب الاسم السابق. وممن ذهب إلى هذا أبو موسى الجزولي (3)، وهو ضد مذهب سيبويه.

ومن مواقع نصب الاسم السابق بالفعل المشغول: وقوعه بعد إذا المفاجئة نحو:

خرجت فإذا زيد يضربه عمرو، ولا يجوز عندي في «زيد» وما وقع موقعه إلا الرفع؛ لأن العرب ألزمت «إذا» هذه أن لا يليها إلا مبتدأ بعده خبر، أو خبر بعده مبتدأ (4) فمن نصب ما بعدها فقد استعمل ما لم يستعمل العرب في نثر ولا نظم، وقد ألحقها سيبويه بـ «أما» قياسا فأجاز نصب الاسم الذي يليها بفعل مضمر يفسره المشغول بعده نحو: خرجت فإذا زيدا يضربه، كما تقول: أمّا زيدا فيضربه عمرو (5)، ولا ينبغي أن تلحق «إذا» بـ «أما»؛ لأن «أمّا» وإن لم يليها فعل فقد يليها معمول الفعل المفرغ كثيرا كقوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (6)، وقد -

(1) ينظر في هذه المسألة: المقرب (1/ 88)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 92)، وشرح الكافية للرضي (1/ 164، 165)، والتوطئة (ص 221، 222)، وشرح الألفية للمكودي (ص 82).

(2)

ينظر: شرح السيرافي للكتاب أيضا (2/ 529) رسالة بكلية اللغة العربية، والتذييل (3/ 9، 10).

(3)

يقول أبو موسى الجزولي: «وإن كان قبل الاسم حرف هو أولى بأن يليه الفعل منه بأن يليه الاسم، أو كان في الفعل معنى الطلب، أو حيل بينهما بحرف تحضيض أو عرض أو تمن، أو عطف على جملة فعلية، ولم يكن هناك ما يوجب الاستئناف، كان النصب أولى» اه. ينظر: التوطئة شرح المقدمة الجزولية (ص 221، 222) تحقيق د/ يوسف المطوع.

(4)

في المقتضب (3/ 178): «فأما «إذا» التي تقع للمفاجأة فهي التي تسد مسد الخبر، والاسم بعدها مبتدأ وذلك قولك: جئتك فإذا زيد، وكلّمتك فإذا أخوك. وتأويل هذا: جئت ففاجأني زيد، وكلّمتك ففاجأني أخوك» اه.

(5)

ينظر: الكتاب (1/ 95) وسوف يورد الشارح عبارة سيبويه المتعلقة بهذا الموضع فيما سيأتي.

(6)

سورة الضحى: 9، 10.

ص: 1661

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يليها معمول فعل مقدر بعده مفسر بمشغول، كقراءة بعض السلف (1): وأما ثمود فهدينهم (2) ولم يل «إذا» فعل ظاهر ولا معمول فعل، إنما يليها أبدا في النثر والنظم مبتدأ وخبر منطوق بهما، أو مبتدأ محذوف الخبر، فمن أولاها غير ذلك فقد خالف كلام العرب فلا يلتفت إليه وإن كان سيبويه.

وقولي: وجب نصب السابق (3)، أي: إذا انتصب الضمير أو ملابسه على الوجه المذكور، وعدمت موانع نصب صاحب الضمير وجب نصبه إن كان بعد ما يختص بالفعل نحو: إن زيدا ضربته عقل، أو كان بعد استفهام بغير الهمزة نحو:

هل مرادك نلته فالنصب في هذين وشبههما واجب، ولا يجب مع الهمزة بل يكون مختارا نحو: أزيدا لقيته (4). ثم نبهت على أن ناصب السابق عامل لا يظهر موافق للعامل المشتغل لفظا ومعنى إن أمكن وإلا فمقارب له في المعنى، فالموافق كقولنا في أزيدا ضربته: أضربت زيدا ضربته، والمقارب كقولنا في أزيدا مررت به، وأعمرا كلمت أخاه: أجاوزت زيدا مررت به، وألابست عمرا كلمت أخاه (5).

وقلت: بعامل؛ لأعمّ الفعل وشبهه نحو: أزيدا أنت ضاربه، التقدير: أضارب زيدا أنت ضاربه، وإن كان الفعل المشتغل مطاوع جاز أن يضمر ويرفع به السابق كقول لبيد:

1290 -

فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب

لعلّك تهديك القرون الأوائل (6)

-

(1) في الإتحاف (ص 381): «(وأما ثمود) بفتح الدال بلا تنوين وافقه المطوعي هنا خاصة بخلفه، وعنه أيضا الرفع والتنوين وافقه الشنبوذي فيه، والجمهور على ضم الدال بلا تنوين على الابتداء والجملة بعده خبره وهو متعين عند الجمهور؛ لأن «أمّا» لا يليها الابتداء فلا يجوز فيه الاشتغال إلا على قلة» اه.

وينظر: الكشاف (2/ 329)، وإملاء ما منّ به الرحمن (2/ 221).

(2)

سورة فصلت: 17.

(3)

شرح التسهيل لابن مالك (2/ 140).

(4)

ينظر: أوضح المسالك (1/ 150، 152)، والتصريح (1/ 297).

(5)

ما ذكره المصنف هنا في نصب الاسم السابق هو مذهب الجمهور وأما مذهب الكوفيين فهو أن هذا الاسم السابق منصوب بالفعل المذكور بعده على خلاف بينهم، هل هذا الفعل عامل في الاسم والضمير معا، أو أنه عامل في الاسم المظهر والضمير ملغى؟.

ينظر: شرح ابن عقيل (1/ 173، 174)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 38)، والتصريح (1/ 297).

(6)

البيت من الطويل وهو في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 373) طبعة العراق، والتذييل (3/ 19، 20، 57)، والارتشاف (ص 806)، وأمالي المرتضي (1/ 119)، وأمالي السهيلي (ص 43)،

ص: 1662

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فأنت فاعل لم «تنتفع» مضمرا، وجاز إضماره؛ لأنه مطاوع ينفع، والمطاوع يستلزم المطاوع ويدل عليه ولو [2/ 272] أضمر الموافق لنصب «وجاء بإياك» ، ومثل هذا البيت ما أنشده الأخفش من قول الشاعر (1):

1291 -

أتجزع إن نفس أتاها حمامها

فهلّا الّتي عن بين جنبيك تدفع (2)

فرفع نفسا «بماتت» مقدرا؛ لأنه لازم أتاها حمامها كلزوم انتفع لتنتفع وروي قول الشاعر (3).

1292 -

لا تجزعي إن منفس أهلكته

فإذا هلكت فبعد ذلك فاجزعي (4)

بنصب المنفس على إضمار الموافق، ويرفعه على إضمار المطاوع، وإلى هذا ونحوه أشرت بقولي: وقد يضمر مطاوع للظاهر فيرفع السابق. هذا آخر كلام -

- والشعر والشعراء (ص 279)، والخزانة (1/ 339)، والعيني (1/ 291) والتصريح (1/ 105)، والهمع (1/ 63)، (2/ 59، 114)، والدرر (1/ 40)، (2/ 75، 147)، والأشموني (2/ 75) وديوان لبيد (ص 255).

والشاهد قوله: «فإن أنت لم ينفعك علمك» ؛ حيث رفع «أنت» بالفاعلية لفعل مضمر مطاوع للظاهر، والتقدير: وإن لم تنتفع بعلمك لم ينفعك علمك.

(1)

هو زيد بن رزين بن الملوح المحاربي شاعر فارسي.

(2)

البيت من الطويل وهو في المحتسب (1/ 281)، والارتشاف (ص 730، 1158)، والتذييل (3/ 19، 20)، وتعليق الفرائد (ص 1380)، ومعاني القرآن للأخفش (1/ 217)، والمغني (1/ 149)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 436)، والتصريح (2/ 16)، والهمع (2/ 22)، والدرر (2/ 15).

والشاهد قوله: «إن نفس أتاها حمامها» ؛ حيث رفع نفسا بفعل مضمر تقديره «ماتت» ؛ لأنه لازم «أتاها حمامها» كما بين المصنف.

(3)

هو النمر بن تولب أحد بني عكل، وكان النمر شاعرا جوادا وهو من المخضرمين أدرك الجاهلية والإسلام. ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم، ترجمته مفصلة سبق ذكرها.

(4)

البيت من الكامل وهو في الكتاب (1/ 134)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 160)، والمقتضب (2/ 76)، والكامل للمبرد (3/ 300)،

والتوطئة (ص 183)، وأمالي الشجري (1/ 332)، (2/ 346)، وابن يعيش (2/ 38)، والتذييل (3/ 20)، والارتشاف (ص 806)، والغرة المخفية (ص 396)، والخزانة (1/ 152، 450)، والمغني (1/ 166، 403) وشرح شواهده للسيوطي (1/ 472)، (2/ 829)، وشرح ابن عقيل (1/ 174)، والعيني (2/ 535)، والأشموني (2/ 75)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 92)، وديوان النمر (ص 58، 72).

والشاهد قوله: «إن منفس أهلكته» ؛ حيث روي «منفس» بالنصب على إضمار فعل موافق للفعل الظاهر، والتقدير: إن أهلكته منفسا أهلكته، كما روي بالرفع على إضمار فعل مطاوع والتقدير: إن هلك منفس.

ص: 1663

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المصنف (1) رحمه الله تعالى وهو كما قال ابن الرومي:

1293 -

وحديثها السّحر الحلال لو انّه

لم يجن قتل المسلم المتحرّز

إن طال لم يملل وإن هي أوجزت

ودّ المحدّث أنّها لم توجز

شرك العقول ونزهة ما مثلها

للمطمئنّ وعقلة المستوفز (2)

أما المباحث:

فمنها:

أن الاسم المشتغل عنه في الباب بالنسبة إلى رفعه ونصبه ينقسم إلى خمسة أقسام:

واجب الرفع - واجب النصب - راجح النصب - مستو فيه الأمران - راجح الرفع، هذا ما اعتمده المصنف في إيراد مسائل هذا الباب في جميع كتبه، وهو الحق كما سأبينه، وجماعة من كبار النحويين لم يذكروا في الأقسام ما يجب رفعه قالوا: لأن حد الاشتغال لا يصدق على هذا القسم لما عرف من أن شرط العامل المشتغل بالضمير أن يصح عمله في الاسم السابق لو فرغ، والعامل في نحو: زيد هل ضربته إذا حذف الضمير الذي هو مفعوله لا يصح عمله في زيد (3)، والذي اعتمده المصنف هو الصواب؛ لأن العامل في نحو: زيد هل ضربته مثلا صالح للعمل في الاسم السابق بذاته لو فرغ، لكن منع من عمله مانع، فغير المصنف نظر إلى كون العامل في الضمير بتقدير خلوه يصح عمله في الاسم السابق، فما كان العامل الذي -

(1) شرح التسهيل للمصنف (2/ 141).

(2)

الأبيات من الكامل وهي في: الخصائص (1/ 30، 220)، وابن يعيش (1/ 18).

وهذه الأبيات قالها ابن الرومي يصف امرأة فيها بطيب الحديث، وقد استشهد بها الشارح هنا لغرض يماثله وهو حسن كلام ابن مالك.

(3)

ممّن لم يذكروا ما يجب رفعه بين أقسام الاسم المشتغل عنه ابن هشام حيث قال في توضيحه على ألفية ابن مالك (1/ 297): «ولم نذكر من الأقسام ما يجب رفعه كما ذكر الناظم؛ لأن حد الاشتغال لا يصدق عليه» اه.

وقد علق الشيخ خالد الأزهري على هذا الكلام في تصريحه فقال: «لأنه يعتبر فيه أن يكون الاسم المتقدم لو فرع من الضمير وسلط عليه لنصبه، وما يجب رفعه ليس بهذه الحيثية» . اه، وينظر: التصريح على التوضيح (1/ 303) التنبيه الأول حيث صرح ابن هشام بهذا الكلام فيه، والأشموني (2/ 75)، وأوضح المسالك (1/ 149).

ص: 1664

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

منعه بهذه الصفة عد من هذا الباب، وما لا فلا، وأما المصنف فإنه فرق بين العامل الذي لا يجوز له العمل فيما قبله أصلا والعامل الذي يجوز له العمل، لكنه منعه من العمل مانع؛ فما امتنع عمله فيما قبله لذاته لا يدخل في باب الاشتغال (1)؛ ولذلك قيد المصنف العامل بكونه جائز العمل فيما قبله، فأخرج بهذا القيد ما تقدمت الإشارة إليه من: زيد ما أحسنه، وزيد تراكه، وزيد أحسن منه عمرو، وما امتنع عمل العامل فيه لا لذاته بل لعارض جعله المصنف من هذا الباب؛ لأنه لا يصور فيه من حيث الجملة أن يعمل فيه ذلك العامل، وإذا تقرر أن القسم الواجب الرفع من أقسام مسائل هذا الباب؛ فاعلم أن المصنف لم يورد الكلام فيه صريحا بأن قال: إنه يجب رفعه كما صرح في بقية الأقسام بوجوب النصب ورجحانه واستواء الأمرين، ورجحان الرفع؛ وإنما أورد صورة مستثناة [2/ 273] من الحكم بالنصب، ولا شك أن المستثنى مخالف في هذا الحكم للمستثنى منه، والمستثنى منه محكوم بنصبه، فوجب أن المستثنى لا ينصب، وإذا لم ينصب تعين رفعه؛ إذ لا ثالث لهما في هذا المحل.

ومنها:

أن ابن عصفور قيد العامل المشتغل بالضمير بكونه متصرفا (2)، والمصنف عدل عن التقييد بالتصرف إلى التقييد بجواز العمل فيما قبله، والذي فعله المصنف أولى، بل هو المتعين؛ لأن سيبويه رحمه الله تعالى ذكر مسائل فلو وقعت «الإساءة» موقع أن تسيء لم يجز حذف «من» إلا في الضرورة (3)، كقول الشاعر (4):

1294 -

وإيّاك إيّاك المراء فإنّه

إلى الشّرّ دعّاء وبالشّرّ آمر (5)

-

(1) ينظر: حاشية الصبان على شرح الأشموني (2/ 75، 76) حيث خرج رأي ابن مالك هناك بما خرجه ناظر الجيش هنا.

(2)

ينظر: المقرب (1/ 87)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 361) طبعة العراق.

(3)

ينظر: المقتضب (3/ 212 - 215).

(4)

هو الفضل بن عبد الرحمن القرشي.

(5)

البيت من الطويل وهو في: الكتاب (1/ 279)، والمقتضب (3/ 213)، والخصائص (3/ 102)، والغرة المخفية (249)، والتذييل (3/ 103)، والارتشاف (ص 600)، وما يجوز للشاعر في الضرورة (ص 174)، والعيني (4/ 113)، وابن يعيش (2/ 25)، والمغني (2/ 679).

والشاهد قوله: «إياك المراء» ؛ حيث حذفت «من» الجارة بعد «إياك» مع المصدر الصريح ولم يوجد العاطف. وهذا لضرورة الشعر.

ص: 1665

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أراد: إياك أن تماري، ثم أوقع موقع «أن تماري» «المراء» ، فعامله معاملة ما هو واقع موقعه، ويجوز أن يكون نصب المراء بفعل مضمر غير الذي نصب إياك.

وعلى كل حال فلا يجوز مثل هذا إلا في الشعر، وليس العطف بعد إياك من عطف الجمل خلافا لابن طاهر وابن خروف (1)، ولا من عطف المفرد على تقدير:

اتق نفسك أن تدنو من الشر والشر أن يدنو منك، بل هو من عطف المفرد، على تقدير: اتق تلاقي نفسك والشر فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ولا شك أن هذا أقل تكلفا فكان أولى، ويساوي التحذير في كل ما ذكرته الإغراء نحو:

أخاك أخاك، بإضمار الزم وشبهه .. انتهى كلام المصنف (2).

ولا بد مع ذلك من الإشارة إلى أمور منها: أن يكون الفعل مسندا إلى ضمير للسابق متصل نحو: زيد أظنه ناجيا، فإنها لا فاصل فيها بين الاسم والعامل، فالمنع في هذه الصورة ليس للفصل، إذ لا فاصل إنما لأمر آخر كما عرفته (3).

ومنها:

أن المراد بعمل العامل المشتغل فيما قبله إذا فرع العمل إما في لفظه نحو: أزيدا ضربته، أو في محله نحو: أزيدا مررت به، فإن «مررت» وإن لم يصلح في لفظ «زيد» صالح للعمل في محله، نحو: بزيد مررت به، فكما أن عمل المشتغل في الضمير إما لفظا نحو: زيد ضربته، أو تقديرا نحو: زيد مررت به، هكذا يكون قصور العمل في الاسم السابق عند تفريغ العامل وتسليطه عليه (4).

ومنها:

أنهم ذكروا أن العامل قد لا يشتغل بالضمير ولا بالسببي، وإنما يشتغل بالظاهر الذي هو الاسم السابق، فيذكر بعد العامل مكررا نحو قولك: زيدا ضربت زيدا [2/ 274] لكنهم قالوا: إنما يجيء ذلك في الشعر أما في الكلام فلا، قالوا: وإنما جرى تكرار الظاهر في هذا الباب مجرى المضمر كما جرى مجراه في ربط الجملة -

(1) ينظر: التذييل (3/ 103).

(2)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 161) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.

(3)

سبق شرحه.

(4)

ينظر: شرح ابن عقيل (1/ 173).

ص: 1666

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الواقعة خبرا للمبتدأ، قال ابن عصفور: ومما جاء من ذلك قول الشاعر (1):

1295 -

إذا الوحش ضمّ الوحش في ظللاتها

سواقط من حرّ وإن كان أظهرا (2)

قال: فالوحش مرفوع بفعل مضمر يفسر الفعل الظاهر، والتقدير: إذا ضم الوحش ضم الوحش (3).

ومنها:

أن الشيخ قال في قول المصنف: (غير صلة): هذا استثناء منقطع؛ لأن ما ذكر لا يندرج تحت قوله: (بجائز العمل فيما قبله)(4). انتهى. وأقول: قد عرفت أن العوامل التي انطوى عليها قوله: غير صلة .. إلى آخره، كلها جائزة العمل فيما قبلها بذاتها، وأن المصنف فرق بين عامل ممنوع العمل فيما قبله لذاته، وعامل ممنوع العمل فيما قبله لعارض، وعلى هذا فالاستثناء متصل قطعا، ولا جائز أن يكون منقطعا.

ومنها:

أنه قد تقدم قول المصنف: (وقيد السابق بمفتقر لما بعده) ليخرج ما يستغني عما بعده كزيد من قولك: في الدار زيد فاضربه، وكقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (5) على تقدير سيبويه إلى آخره، فاعلم أن الذي ذكره هنا وفي: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما هو الصحيح، وكذا الحكم في قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما (6). وهذا بخلاف ما ذكره في فصل دخول الفاء في خبر المبتدأ، فإنه حكم هناك بأن: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما خبر عن وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ وأن فَاجْلِدُوا خبر عن الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ولم يتعرض إلى كون هذا مذهب المبرد، بل أطلق القول، وكلامه هنا يقيد ذلك -

(1) هو النابغة الجعدي.

(2)

البيت من الطويل وهو في: الكتاب (1/ 63)، والتذييل (3/ 3)، واللسان «سقط» ، وديوانه (ص 74).

ورواية التذييل: «وقد كان» مكان «وإن كان» .

اللغة: الظللات: جمع ظلة وهو ما يستظل به. سواقط الحر: ما يسقط منه. أظهر: صار في وقت الظهيرة.

والشاهد قوله: «إذا الوحش ضم الوحش» ؛ حيث جاز أن يشتغل الفعل بظاهر هو الاسم الأول لضرورة الشعر.

(3)

ينظر: التذييل (3/ 2، 3).

(4)

التذييل (3/ 7).

(5)

سورة المائدة: 38.

(6)

سورة النور: 2.

ص: 1667

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الإطلاق كما أشرنا إلى ذلك فيما تقدم عند شرح الفصل المذكور (1).

قال ابن الحاجب: ونحو: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا (2) ظاهره أنه من هذا الباب - يعني باب الاشتغال - لأنه اسم بعده فعل تسلط على ما يتعلق بضميره لو سلط عليه لنصبه، ولكن لما اتفق القراء على الرفع أرشد ذلك إلى أن المقصود غير الظاهر (3).

فقال المبرد: الألف واللام بمعنى الذي، والفاء جيء بها لتدل على السببية كما في قوله (4): الذي يأتيني فله درهم، وعلى ذلك لا يكون من هذا الباب؛ لأنه لا يصلح أن يعمل ما بعد الفاء الجزائية فيما قبلها فلذلك تعيّن الرفع، فإن فرق فارق بين فاء الجزاء وبين هذه الفاء بأن قال: فاء الجزاء إنما امتنع عمل ما بعدها فيما قبلها إجراء لجملتها مجرى جملة أختيها التي هي الشرطية لم يفده ذلك لفوات معنى السببية في القصة؛ لأن معنى السببية هاهنا إنما يستقر إذا كان المنصوب مبتدأ أو في حكمه على قول، مخبرا عنه بالجملة التي تضمنت الفاء، وإذا نصب [2/ 275] هذا بفعل مقدر خرج عن ذلك فيفوت المعنى المقصود فلزم خروجه من هذا الباب عند هذا التقدير؛ إذ تقدير الفعل للنصب مخرج لمعنى السببية كما تقدم (5)، وقال سيبويه: التقدير: مما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني؛ فهو جملة ابتدائية مستقلة مع قطع النظر عن الفعل الذي بعدها، ثم ذكر الفعل جملة مستقلة مبينا الحكم الموعود بذكره (6)، وإذا كان كذلك لم يجز أن يقدر: فَاجْلِدُوا مسلطا على الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي؛ لأنه مبتدأ مخبر عنه بغيره وهذا من جملة أخرى، ولا يستقيم عمل فعل من جملة في مبتدأ مخبر عنه بغيره من جملة أخرى، ومثاله: زيد مضروب فأكرمه، فلا يستقيم أن يكون «فأكرمه» مسلطا على «زيد» عاملا نصبا بوجه؛ لاختلال الكلام بذلك (7). -

(1) ينظر: باب المبتدأ والخبر من هذا الكتاب.

(2)

سورة النور: 2.

(3)

في شرح الوافية لابن الحاجب (1/ 188): «أجمع القراء السبعة على الرفع في قوله: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ولا يجمع القراء على خلاف

المختار.» اه. وينظر: المحتسب (2/ 100)، والبحر المحيط (6/ 427).

(4)

في (ب): (قولك).

(5)

ينظر: شرح الكافية لابن الحاجب (1/ 262) تحقيق د. جمال مخيمر، وشرح الوافية (1/ 188)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 167).

(6)

ينظر: الكتاب (1/ 142 - 144).

(7)

ينظر: التصريح (1/ 298، 299).

ص: 1668

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها:

أن قول المصنف: (ولا جواب مجزوم) قد يوهم أنه إذا رفع هو جواب أيضا، لكنه يجوز فيه؛ لكونه مرفوعا ما لا يجوز في المجزوم، وليس كذلك؛ لأن المرفوع ليس جوابا عند سيبويه كما أفهمه كلام المصنف في الشرح، إنما هو دليل الجواب، والجواب محذوف، ولما كان دليل الجواب كان مقدر التقديم فجاز أن يعمل فيما قبله، فجاز أن يفسر عاملا (1). ثم من المعروف أن من النحاة من يجيز تقديم معمول فعل الشرط على أداته وكذا منهم من يجيز تقديم معمول الجواب أيضا كما هو مقرر في موضعه، وعلى مذهب من يجيز التقديم يتصور الاشتغال إذا كان العامل في ضمير الاسم السابق فعل شرط مفصول بينه وبين الاسم بأداة الشرط، وكذا إذا كان العامل جواب الشرط (2).

ومنها:

أنك قد عرفت أن من موانع نصب الاسم السابق بالفعل المشغول وقوعه بعد إذا المفاجئة نحو: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو، وأنه قد تقدم نقل المصنف عن سيبويه أنه ألحقها «بأمّا» قياسا، فأجاز نصب الاسم الذي يليها بفعل مضمر يفسره المشغول (3) بعده والذي ذكره سيبويه هو أن قال: فإن قلت: لقيت زيدا وأما عمرو فقد مررت به، ولقيت زيدا وإذا عبد الله يضربه عمرو، فالرفع إلا في قول من قال:

زيدا رأيته وزيدا مررت به؛ لأن «أمّا» و «إذا» انقطع بهما الكلام وهما من حروف الابتداء يصرفان الكلام إلى الابتداء، إلا أن يدخل عليهما ما ينصب ولا يحمل بواحد منهما آخر على أول كما يحمل بثمّ والفاء، ألا ترى أنهم قرأوا:

وأما ثمود فهدينهم وقبله نصب؛ وذلك لأنها تصرف الكلام إلى الابتداء إلا أن يقع بعدها فعل نحو: أمّا زيدا فضربت (4). هذا كلام سيبويه. -

ص: 1669

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد استشكله الناس؛ لأن ظاهره يعطي ما ذكره المصنف من جواز النصب بعد إذا كما هو جائز بعد «أمّا» ، قالوا: والنحويون وسيبويه [2/ 276] يقولون: إن إذا الفجائية لا يقع بعدها فعل ألبتة لا ظاهرا ولا مضمرا ولا معمول فعل أصلا، ثم منهم من خرج كلام سيبويه وأوله، ومنهم من حمله على ظاهره (1)، واختلف تخريج من خرجه، فابن خروف خرجه على أنه مما خلط فيه حكم واحد بآخر على حد قوله تعالى: نَسِيا حُوتَهُما (2)، ويَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (3)؛ وإنما الناسي أحدهما، والذي يخرج منه أحدهما (4)، ولا يخفي أنه تخريج بعيد، والشلوبين خرجه على أنه لما كانت «أمّا» و «إذا» الفجائية لابتداء الكلام وقطع ما تقدم، وأنهما لا يقع بعدهما إلا الاسم، وأنه لا يبقى معهما الحكم كما كان قبل ذكرهما هنا معا فقال: لأن «أمّا وإذا» انقطع بهما الكلام «أو يرجع قوله فالرفع إلى ما يليق وإلى ما يصح رجوعه إليه وذلك إلى «أمّا» (5) لا إلى «إذا» (6).

والذين حملوا كلامه على ظاهره قالوا: حكى الأخفش عن العرب أن الفعل إذا كان مقرونا بقد جاز أن يلي إذا الفجائية؛ تقول: خرجت فإذا قد ضرب زيد عمرا، فإن لم يكن مقرونا بقد؛ فلا يجوز أن يليها الفعل (7)، وإنما أجري الفعل المقرون بقد مجرى الجملة الاسمية في أن ولي «إذا» الفجائية؛ لمعاملة العرب له معاملة الجملة الاسمية في دخول واو الحال عليه تقول: جاء زيد وقد ضحك، كما يقال:

جاء زيد وهو يضحك، وهذا هو الذي جنح إليه ابن عصفور وذكره في شرح -

(1) في شرح الألفية للمرادي (2/ 40): «أما إذا ففي اسم الاشتغال بعدها مذاهب: جواز نصبه وهو ظاهر كلام سيبويه، ووجوب رفعه؛ لأنها لا يليها فعل ولا معمول فعل وإنما يليها مبتدأ وخبر» اه.

(2)

سورة الكهف: 61.

(3)

سورة الرحمن: 22.

(4)

ينظر: التذييل (3/ 12، 13)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 561).

(5)

ينظر: التوطئة للشلويين (ص 208) تحقيق يوسف أحمد، والتذييل (3/ 13).

(6)

في (أ) بياض بعد ذلك وقد أشير إلى هذا في هامش (ب) حيث قال الناسخ في النسخة المقابل عليها: هنا بياض قدر ثلاثة أسطر.

(7)

في شرح قواعد الإعراب للشيخ خالد الأزهري: «وقد تليها الجمل الفعلية إذا كانت مصحوبة بقد نحو: خرجت فإذا قد قام زيد، حكاه الأخفش عن العرب» . اه. شرح قواعد الإعراب (ص 180) تحقيق أحمد عبد العزيز، وينظر: التصريح (1/ 302، 303)، ومع النحو والنحاة في سورة الأعراف (ص 66) رسالة ماجستير بكلية اللغة العربية، وينظر أيضا: البحر المحيط (6/ 259).

ص: 1670

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المقرب (1)، ولا يخفى على الفطن أن حمل كلام سيبويه على ذلك فيه بعد كثير، والذي يظهر تخريج كلامه على الوجه الذي ذكره الشلوبين، فهو أقرب من غيره.

ومنها:

أن الشيخ استدرك على المصنف فقال: ونقص المصنف من الأشياء التي يرتفع فيها الاسم ولا يجوز نصبه مجيء الفعل المشغول غير مصحوب بقد لا لفظا ولا تقديرا، والاسم يلي واو الحال نحو: جاء زيد وعمرو يضربه بشر، فلا يجوز أن تقول: وعمرا يضربه بشر، لأنه يكون التقدير: ويضرب عمرا يضربه بشر، وواو الحال لا تباشر المضارع قال: ونقصه أيضا من المواضع التي يجب فيها رفع الاسم ما إذا فصل بين الاسم والفعل المشتغل بالضمير أو السببي بأجنبي نحو: زيد أنت تضربه وهند عمرو يضربها، قال: فسيبويه وهشام لا يجيزان النصب؛ للفصل بين العامل والمعمول بأجنبي فإن ذلك يمنع العمل، وما لا يعمل لا يفسر عاملا، قال:

وذهب الكسائي إلى أنه يجوز النصب قياسا على اسم [2/ 277] الفاعل (2). انتهى.

وأقول: أما المسألة الأولى: ففي منعها نظر؛ لأن الفعل الذي يقدر ناصبا للاسم السابق لا يلزم كونه مضارعا فيجوز كونه ماضيا، ولا ينافي ذلك تفسيره بمضارع؛ لأن الماضي المقدر مصروف إلى الحضور بقرينة وقوعه حالا فيستوي مدلوله ومدلول المضارع حينئذ، وإذا كان كذلك وجب نصب الاسم السابق، ولا يتعين رفعه على أن في عبارة الشيخ مناقشة وهي: أنه قال: إن المانع من النصب مجيء الفعل المشغول غير مصحوب بقد لا لفظا ولا تقديرا، وهذه العبارة يدخل تحتها ما إذا كان الفعل المشغول ماضيا نحو: جاء زيد وعمرو ضربه، فإنه لا مانع من نصب عمرو هنا؛ لأن التقدير: وضرب عمرا ضربه، وواو الحال تباشر الفعل الماضي قطعا.

وأما المسألة الثانية: فمنع الاشتغال فيها مبني على أن خبر المبتدأ إذا كان فعلا وكان له معمول لا يتقدم ذلك المعمول على المبتدأ، أي: لا يعمل الخبر إذا كان فعلا في شيء مقدم على المبتدأ، ويلزم من عدم عمله جواز تفسيره بعامل كما عرفت، وهذه المسألة ذكرها ابن عصفور (3)، وذكره لها عجيب فإنه إنما يذكر في كتبه -

(1) ينظر: المقرب (1/ 89).

(2)

التذييل (3/ 14).

(3)

ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 363).

ص: 1671

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المصنفة مذهب البصريين، وإن ذكر شيئا من مذاهب الكوفيين نبه على ذلك بنسبته إليهم، أما إذا أطلق القول في مسألة فذلك الذي يذكره فيها هو مذهب البصريين، والمعروف في هذه المسألة من مذهب البصريين خلاف ما ذكره ابن عصفور (1).

وقد قال المصنف في باب المبتدأ: وتقديم المفسر إن أمكن مصحح خلافا للكوفيين إلا هشاما، ووافق الكسائي في نحو: زيدا أجله محرز، لا في نحو: زيدا أجله أحرز.

والعجب من الشيخ كيف قرر هذا في مكانه المذكور، ولم ينازع المصنف في كون هذا مذهب البصريين؟ ثم إنه هاهنا تبع ابن عصفور، والحق ما ذكره المصنف فعلى هذا لا يمتنع الاشتغال في مثل: زيد هند تضربه، وإذا كان كذلك فلا استدراك على المصنف، لا يقال: المسألة التي ذكرها الشيخ - وهي: زيد أنت تضربه، وهند عمرو يضربها - الاسم الفاصل فيها بين الاسم والفعل أجنبي، فلا يجوز نصب الاسم المتقدم بالعامل؛ لكون الفاصل أجنبيّا من المبتدأ (2)، وأما نحو: زيد أجله أحرز؛ فالفاصل فيه ليس بأجنبي، فإذا نصبنا زيدا بالفعل الذي هو «أحرز» جاز؛ لأنا نقول:

لا فرق في هذه المسألة بين أن يكون الفاصل أجنبيّا أو غير أجنبي؛ لأمرين:

أحدهما: أن مدار منع تقديم المعمول وجوازه على شيء وهو أن تقديم المعمول يؤذن بجواز تقديم العامل، والعامل هنا لا يتقدم؛ لأنه فعل مسند إلى ضمير من أخبر به عنه [2/ 278]، وإذا كان كذلك؛ فأي أثر لكون الفاصل يكون أجنبيّا أو غيره؟.

الثاني: أن كلام ابن عصفور يقتضي أن لا فرق؛ وذلك أنه قال في شرح الجمل في باب «كان» : وأما قول الشاعر (3):

1296 -

بما كان إيّاهم عطيّة عوّدا (4)

-

ص: 1672

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فضرورة يحفظ ولا يقاس عليه؛ لأن أولى كان «إياهم» وهو مفعول عوّد، ثم قال:

ما معناه: ولا يجوز أن يكون في كان ضمير الأمر والشأن؛ لأن ذلك يؤدي إلى ما لا يجوز، وذلك أن خبر المبتدأ لا يتقدم معموله على المبتدأ إذا كان فعلا (1)، فجعل علة منع التقديم ما ترى، وقال في شرح المقرب (2) في مسألة: كانت زيد الحمى تأخذه، بعد أن حكم عليها بالمنع؛ فإن جعلت الحمى مبتدأ، وتأخذ في موضع خبره، وزيدا منصوبا بتأخذ والجملة من المبتدأ والخبر في موضع خبر كان، واسم كان ضمير قصة مستتر فيها فإن في ذلك خلافا بين النحويين، منهم من أجاز ذلك؛ لأنك إنما أوليت كان اسمها وهو ضمير القصة وهو قول الفارسي في الإيضاح (3)، ومنهم من منع لما يلزم فيه من الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي منها (4).

وإلى ذلك ذهب أبو علي في التذكرة فقال: إن قولك: زيد أجله أحرز، وزيدا أبوه ضربت، حكى أحمد عن الكسائي أنه كان يجيزه مع الدائم وهشام يجيزه مع الماضي والمستقبل والدائم «ثم» قال: ووجه إجازة الكسائي ذلك مع اسم الفاعل وامتناعه من إجازته مع الماضي والمستقبل أنه إذا كان «زيدا أجله محرز» لم يفصل بين الفاعل والمفعول بالأجنبي الذي هو «أجله» ، كما يفصل بين الماضي والمستقبل ألا ترى أن الأجل الذي هو مبتدأ لا ينزل منزلة الأجنبي، وأنه مع الخبر الذي هو اسم الفاعل بمنزلة الفعل والفاعل، وإنما كان كذلك؛ لأن اسم الفاعل لا ينصب من غير أن ينضم إلى المبتدأ، كما أن الفعل لا ينصب حتى ينضم إليه الفاعل، فلما -

- والبيت في المقتضب (4/ 101)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 393)، والخزانة (4/ 57)، والمغني (2/ 610)، والعيني (2/ 34)، والهمع (1/ 118)، والدرر (1/ 87)، والأشموني (1/ 237)، وديوان الفرزدق (ص 214).

وقد استشهد به ابن عصفور على إيلاء معمول الخبر لكان وذلك لضرورة الشعر.

(1)

شرح الجمل لابن عصفور (1/ 393) طبعة العراق.

(2)

مفقود، بحثنا عنه كثيرا فلم نجده.

(3)

يقول الفارسي في الإيضاح (106): «فإن جعلت التأنيث في «كانت» للقصة ورفعت «الحمى» بالابتداء، وجعلت «تأخذ» خبر المبتدأ جازت المسألة؛ لأن زيدا حينئذ أجنبي وهو مفعول تقدم ولم تفصل به بين الفاعل وفعله» اه. ينظر: الإيضاح (ص 120) بتحقيق كاظم المرجان.

(4)

ممن ذهب إلى المنع في هذه المسألة أيضا ابن السراج حيث قال: «فأما الفعل الذي لا يجوز أن يفرق بينه وبين ما عمل فيه فنحو قولك: كانت زيدا الحمى تأخذ، هذا لا يجوز؛ لأنك فرقت بين كان واسمها بما هو غريب منها، ولأن زيدا ليس بخبر لها ولا اسم» اه. أصول النحو لابن السراج (2/ 246).

ص: 1673

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كان كذلك صار المبتدأ مع اسم الفاعل كالفعل والفاعل، فكما لا يمتنع: زيدا ضرب غلامه؛ كذلك لا يمتنع: زيدا أجله محرز. ومما بين ذلك أن سيبويه (1) لا يرى النصب في قولك: أأنت زيد ضربته؛ للفصل، ولو قال: أأنت زيدا ضاربه غدا نصبه، ونزل الفاعل في المعنى مع اسم الفاعل منزلة يفعل، وكذلك يقول الكسائي: اسم الفاعل مع المبتدأ بمنزلة الفعل والفاعل فتقول: زيدا أجله محرز، كما تقول: زيد يحرز الأجل، وليس كذلك يحرز وأحرز؛ لأن كل واحد منهما مستقل (2) بفاعله؛ فيصير المبتدأ الفاصل بين الفعل والمفعول أجنبيّا عنهما. هذا كلامه في التذكرة وهو يعطي أن الراجح [2/ 279] عنده أن تقديم معمول الفعل الواقع في موضع الخبر على المبتدأ لا يجوز، وإذا كان ذلك عنده غير جائز فينبغي أن لا يجيز:

كانت زيدا الحمى تأخذ؛ جعلت في كان ضميرا لقصة، أو لم تجعل؛ لأنك في الوجه الواحد وهو: أن تجعل «الحمى» مرفوعا بـ «كانت» يلزمك الفصل بينها وبين اسمها بأجنبي عنها، وفي الوجه الآخر وهو: أن تجعل في كان ضميرا لقصة يلزمك أن تقدم معمول الخبر - وهو فعل - على المبتدأ. انتهى كلام ابن عصفور.

وقد ظهر لك منه أولا وآخرا وبحثا وتعليلا: أن محط المنع - أعني منع التقديم - إنما هو كون المعمول معمول فعل واقع خبر المبتدأ، لا ما تقتضيه عبارة الشيخ، وإذا كان كذلك؛ فقد تم البحث الذي بحثه وسلم من الخدش.

ومنها:

أن المصنف ذكر لوجوب النصب سببين وهما:

1 -

أن يتلو الاسم ما يختص بالفعل نحو: إن زيدا ضربته عقل.

2 -

أن يتلوه استفهام بغير الهمزة نحو: هل مرادك نلته؟

فشمل قوله: (ما يختص بالفعل) أدوات الشرط العاملة، وأدوات التّحضيض، و «لو» شرطية كانت أو امتناعية، و «إذا» الشرطية (3)، إلا أنه يجب التنبيه هنا على شيء وهو: أن أدوات الشرط يتعين أن يليها الفعل لفظا، ولا يليها الاسم -

(1) ينظر: الكتاب (1/ 104).

(2)

في (ب): (يستقل).

(3)

ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (2/ 38) وسبق شرحه.

ص: 1674

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

متقدما على الفعل إلا في الضرورة نحو قوله (1):

1297 -

فمتى واغل يزرهم يحيّو

هـ وتعطف عليه كأس السّاقي (2)

ونحو قول الآخر (3):

1298 -

صعدة نابتة في حائر

أينما الرّيح تميّلها تمل (4)

ويستثنى من الأدوات المذكورة «إن» فإن الاسم يجوز أن يليها في الكلام؛ لأنها أم الباب يعني أنها الأصل في إفادة معنى الشرط، لكن يشترط أن يكون الفعل الواقع بعد الاسم الذي يليها ماضيا نحو: إن زيدا أكرمته أكرمك (5)، كما يقرر ذلك في باب جوازم الأفعال، وعلى هذا: فالاشتغال يتصور في الاسم الواقع بعد أدوات الشرط؛ إمّا في الكلام كأن يشترط كون الفعل الواقع بعد الاسم ماضيا كما تقدم، وإما في الشعر كما في الأدوات.

وأما السبب الثاني؛ وهو أن يتلو الاسم استفهاما بغير الهمزة نحو: هل مرادك نلته؟ فقد يقال: المعروف أن أدوات الاستفهام غير الهمزة إذا وقع بعدها الاسم والفعل تقدم الفعل على الاسم؛ ولهذا إن ابن عصفور لما ذكر هذا الحكم قال: -

(1) هو عدي بن زيد العبادي من شعراء الحيرة، وهو شاعر مقل.

(2)

البيت من الخفيف وهو في: الكتاب (3/ 113)، ونوادر أبي زيد (ص 188)، والمقتضب (2/ 76)، وأمالي الشجري (1/ 332)، والإنصاف (1/ 325)، والارتشارف (519)، والتذييل (3/ 16)، وأصول النحو لابن السراج (2/ 242)، والخزانة (1/ 456)، (3/ 639)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 177) طبعة العراق، والهمع (2/ 59)، وديوانه (156).

اللغة: الواغل: الداخل في الشرب من غير دعوة. ينبهم: ينزل بهم.

والشاهد قوله: «فمتى واغل» ؛ حيث ولي الاسم أداة الشرط، وهذا لضرورة الشعر؛ وذلك لأن أدوات الشرط لا يليها إلا الفعل.

(3)

هو كعب بن جميل كما في الكتاب، وقيل: الحسام بن ضرار الكلبي.

(4)

البيت من الرمل وهو في: الكتاب (3/ 113)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 297)، والمقتضب (2/ 75)، والإنصاف (1/ 325)، وأمالي الشجري (1/ 332)، (2/ 347)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 370)، والخزانة (1/ 457)، وابن يعيش (9/ 10)، والعيني (4/ 424، 571)، وشرح الدرة الألفية لابن القواس (ص 144)، وأصول ابن السراج (2/ 242)، والهمع (2/ 59)، واللسان (حير). والشاهد فيه كالذي قبله.

(5)

ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 377) والتصريح (1/ 298).

ص: 1675

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فلا تكون المسألة من باب الاشتغال (1)، وعلى هذا يقال: كيف ذكر المصنف من باب الاشتغال ما لا يكون فيه اشتغال؟.

والجواب: أنهم نصوا على أنه يجوز تقديم الاسم على الفعل في الشعر، وإذا كان التقديم جائزا في موضع جاء الاشتغال حيث جاز التقديم؛ فالاشتغال متصور مع أدوات الاستفهام في الجملة، وهذا كما قلناه في أدوات الشرط، غير أن الاشتغال [2/ 280] يتصور معها، وقد رأيت في كلام الشيخ ما يقتضي جواز الاشتغال مع أدوات الاستفهام مطلقا، وذلك أنه قال بعد ذكر «هل مرادك نلته؟» فالنصب هنا واجب؛ وذلك أن «هل» إذا جاء بعدها اسم وفعل وليها الفعل دون الاسم، ولا يجوز أن يليها الاسم لو قلت: هل زيدا ضربت؟ لم يجز إلا في الشعر، فإذا جاء في الكلام: هل زيدا ضربته؟ كان ذلك على الاشتغال، والتقدير:

هل ضربت زيدا ضربته؟ فتكون «هل» وليت الفعل، هذا مذهب سيبويه، وخالفه الكسائي وذهب إلى أنه يجوز أن يليها الاسم وإن جاء معه الفعل، وأجاز أن يرتفع بالابتداء فنقول: هل زيد ضربته؟ فعلى رأيه يجوز رفع زيد ونصبه على الاشتغال (2). انتهى. وهو مخالف لما قاله ابن عصفور، والناظر يحتاج إلى أن يحقق المسألة على أن كلام ابن عصفور موافق لكلام الناس في المسألة (3).

ثم قال الشيخ: ويشمل قول المصنف: (بغير الهمزة) أدوات الاستفهام نحو:

هل، ومتى، وغيرهما، تقول: من أمة الله تضربها؟ فإن وليت اسم الاستفهام الأفعال نحو: من رأيته؟ فيحتمل أن

يقدر بوجهين:

أحدهما: تقدير الهمزة والاسم بعدها كأنك قلت: أزيدا رأيته، فيكون في موضع نصب، ويحتمل أن يقدر تقديم الاسم المقتدم على الاستفهام، كأنك قلت:

زيدا رأيته؛ فلا يكون إلا الرفع ويظهر ذلك في «أي» إذا قلت: أيهم ضربته؟ نصبا ورفعا، قال: وكذلك أسماء الشرط. وإذا اجتمع بعد اسم الاستفهام الاسم والفعل؛ قدم الفعل، كهو مع هل، وقال سيبويه: إن قلت: أيهم زيدا ضرب؟

قبح .. انتهى كلام الشيخ (4). -

(1) ينظر: المقرب (1/ 91).

(2)

التذييل (3/ 16، 17).

(3)

تنظر هذه المسألة في: التصريح (1/ 297).

(4)

التذييل (3/ 17)، وينظر: الكتاب (1/ 99).

ص: 1676

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها:

أنه قد عرف من قول المصنف: بعامل لا يظهر، أن عامل النصب في الاسم المشتغل عنه شيء مقدر، وهذا مذهب البصريين وعليه التعويل وهو الحق.

وللكوفيين في العامل مذهبان آخران:

أحدهما: قول الكسائي وهو: أن الناصب للاسم العامل الذي بعده على إلغاء العائد (1).

والآخر: قول الفراء وهو: أن العامل عامل في الاسم وفي الضمير معا (2).

والمذهبان لا معول عليهما، ويبطل مذهب الكسائي أن العامل قد يكون متعلقه السببي فلا يمكن أن يلغى؛ لأنه في الحقيقة هو مطلوب العامل نحو: زيدا ضربت غلام رجل يحبه، ويبطل مذهب الفراء أن الفعل المتعدي إلى واحد، يصير متعديا في باب الاشتغال إلى اثنين، والمتعدّي إلى اثنين يصير متعديا فيه إلى ثلاثة وهذا خرم للقواعد.

ويبطل المذهبين معا أن العامل قد يكون متعديا بحرف الجر فكيف يجوز أن يتعدى إلى الاسم السابق (3)[2/ 281] بنفسه، وقد ردّ الفراء على البصريين بوجوه ثلاثة لكنها ضعيفة، والجواب عنها أسهل، وإنما تركت إيراد ذلك؛ خشية الإطالة (4).

ومنها:

أن الشيخ تعرض إلى ذكر المثال الذي مثّل به المصنف لما العامل فيه شبه الفعل -

(1) ينظر: شرح الدرة الألفية لابن القواس (ص 624)، والبهجة المرضية (ص 52)، والهمع (2/ 14)، والتصريح (1/ 297).

(2)

صرح الفراء بقوله هذا في معاني القرآن له (1/ 240، 241) في تفسير قوله تعالى: يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ في سورة آل عمران، حيث قال:«ترفع الطائفة بقوله: أَهَمَّتْهُمْ بما يرجع من ذكرها، وإن شئت رفعتها بقوله: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ولو كانت نصبا لكان صوابا» اه.

وينظر: (ص 295) في تفسير قوله تعالى: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ من سورة النساء، وينظر:

الارتشاف لأبي حيان (ص 988).

(3)

ينظر في رد هذين المذهبين وإبطالهما: شرح ابن عقيل وحاشية الخضري عليه (1/ 173، 174)، والهمع (2/ 114).

(4)

في حاشية الشيخ يس على التصريح (1/ 297): «وللفراء وشيخه الكسائي أن يجيبا عما أورد عليهما بالتزامهما أن هناك عاملا محذوفا موافقة لغيرها والمخالفة في ذلك» اه.

ص: 1677

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو: أزيدا أنت ضاربه؟ وأنّ التقدير: أضارب زيدا أنت ضاربه؟ فقال: لم يبين المصنف إعراب هذا الكلام، وفي البسيط: إذا قلت: زيدا أنت ضاربه، وأدخلت الحروف التي يعتمد عليها اسم الفاعل؛ جاز في الاسم النصب بإضمار فعل، وجاز أن يكون بتقدير اسم فاعل لصحة اعتماده، قيل: ويجب أن يكون «أنت» مرتفعا (به)(1)؛ لأنه إما يكون اسم الفاعل مبتدأ به أو خبرا متقدما، وهو في كل حال مفتقر إليه، ويرتفع ضارب الثاني بتقدير ابتداء آخر (2).

ومنها:

أنك قد عرفت أن الاسم السابق قد يرتفع مع أن ضميره منصوب، وذلك بأن يضمر فعل مطاوع للفعل الظاهر وعليه قول لبيد:

1299 -

فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب (3)

وقول الآخر:

1300 -

أتجزع إن نفس أتاها حمامها (4)

وكذا:

1301 -

لا تجزعي إن منفس أهلكته (5)

في رواية من رفع منفسا، وقد تقدم تقرير ذلك في كلام المصنف (6)، ولكن المغاربة لم يجنحوا إلى ما جنح إليه المصنف من إضمار المطاوع ولهم في بيت لبيد تخريجات:

قيل: إن «أنت» مرفوع على الابتداء، قال الشيخ: وهذا وجه ذكره سيبويه إذا كان الخبر فعلا نحو: إن الله أمكنني من فلان (7)، وذكره ابن جني عن الأخفش (8)، وقيل: إن هذا مما وضع فيه ضمير الرفع موضع ضمير النصب كما وضع ضمير المنصوب موضع المرفوع في قولهم: لم يضربني إلّا إيّاه، وفي المحكي -

(1) التذييل (3/ 19).

(2)

سبق شرحه.

(3)

تقدم ذكره.

(4)

تقدم ذكره.

(5)

تقدم ذكره.

(6)

سبق شرحه.

(7)

ينظر: الكتاب (1/ 100).

(8)

ينظر: معاني القرآن للأخفش (1/ 217).

ص: 1678