الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مسائل أربع في باب التنازع ختم بها الباب]
قال ابن مالك: (ونحو: ما قام وقعد إلّا زيد؛ محمول على الحذف لا على التّنازع خلافا لبعضهم ويحكم في تنازع أكثر من عاملين بما تقدّم من ترجيح بالقرب أو السّبق وبإعمال الملغى في الضّمير وغير ذلك ولا يمنع التّنازع
تعدّ إلى أكثر من واحد ولا كون المتنازعين فعلي تعجّب خلافا لمن منع).
ــ
ولك أن تمنع أن «يظناني» لا يطلب «أخوين» وتقول: بل يطلبه؛ ولكن لكونه مثنى لا يصح وقوعه مفعولا ثانيا في هذا التركيب؛ لأن المثنى لا يخبر به عن المفرد، والحاصل: أن «يظناني» يطلبه من حيث نه واقع موقع المفعول الثاني الذي يطلبه كل من المفعولين فـ «يظناني» طالب لما وقع هذا الموقع، أما كون ذلك الذي في هذا الموضع مثنى، أو غير مثنى فذاك شيء آخر يجب اعتباره، فيعطي التركيب ما يستحقه.
قال ناظر الجيش: هذه مسائل أربع:
الأولى:
نحو: ما قام وقعد إلا زيد، قال المصنف: وما جاء من نحو: ما قام وقعد إلا زيد؛ فليس من باب التنازع؛ وإنما هو من باب حذف المنفي العام لدلالة القرائن اللفظية عليه، كقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (1)، وكقوله تعالى:
وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (2)، وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها (3)، وكقول الشاعر:
1392 -
نجا سالم والنّفس منه بشدقة
…
ولم ينج إلّا جفن سيف ومئزرا (4)
-
- «وأخوين» مفعولا ثانيا؛ لأنه أخذ مفعوله الأول وهو تاء المتكلم المتصلة به، فأعملنا الأول فنصبنا الاسمين وهما «الزيدين أخوين» على أنهما مفعولان لأظن، وأضمرنا في الثاني وهو «يظنني» ضمير «الزيدين» وهو الألف في «يظناني» ، فاستوفى فاعله ومفعوله الأول بعد دخول «يظن» ، والياء مخالفة لـ «أخوين» الذي هو مفسر للضمير الذي يأتي به؛ فإن الياء مفرد، والأخوين تثنية فدار الأمر بين إضماره مفردا؛ ليوافق المخبر عنه وهو الياء، وبين إضماره مثنى؛ ليوافق المفسر وهو «الأخوين» ، وفي كل منهما محذور لا محيص عنه؛ فوجب العدول إلى الإظهار، فقلنا:«أخا» فوافق المخبر عنه، وهو الياء في الإفراد، ولم يضره مخالفته لـ «أخوين» ؛ لأنه - أي أخا - اسم ظاهر لا يحتاج إلى ما يفسره). اه.
(1)
سورة النساء: 159.
(2)
سورة الصافات: 164.
(3)
سورة مريم: 71.
(4)
البيت من الطويل وهو لحذيفة بن أنس الهذلي، وهو في: المقرب (1/ 167)، والغرة لابن الدهان (2/ 169)، والارتشاف (613)، والبحر المحيط (1/ 126)، (6/ 217)، (8/ 29)، -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن ظاهره أنه أراد: ولم ينج شيء؛ فحذف لدلالة النفي والاستثناء بعده على منفي عام للمستثنى وغيره، ومن هذا القبيل، نحو: ما قام وقعد إلا زيد، على تأويل: ما قام أحد ولا قعد إلا زيد، فحذف «أحد» لفظا، واكتفى بقصده ودلالة النفي والاستثناء عليه، كما كان ذلك في الآيات الشريفة المذكورة، وفاعل «قعد» ضمير «أحد» المقدر؛ ولذلك لا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث؛ إن كان ما بعد «إلا» مثنى، أو مجموعا، أو مؤنثا، ولو كان من باب التنازع لزمت مطابقة الضمير في أحد الفعلين (1)، وأيضا لو كان من باب التنازع، لزم في نحو: ما قام وقعد إلا أنا؛ إعادة ضمير غائب على حاضر، ولزم أن يقال على إعمال الثاني:
ما قاموا وقعد إلا نحن، وعلى إعمال الأول: ما قام وقعد إلا نحن، وكان يلزم من ذلك إخلاء الفعل من الإيجاب؛ لأن الفعل المنفي؛ إنما يصير موجبا بمقارنة «إلّا» لمعموله لفظا أو معنى، وعلى تقدير التنازع لم تقارن «إلا» معمول الملغي لفظا ولا معنى؛ فيلزم بقاؤه على النفي، والمقصود خلاف ذلك، فلا يصح الحكم بما أفضى إليه، ويتعين الاعتراف بصحة الوجه الآخر لموافقته نظائر لا يشك في صحتها؛ ومن أظهر الشواهد على صحة الاستعمال المشار إليه، قول الشاعر:
1393 -
ما جاد رأيا ولا أجدى محاولة
…
إلّا امرؤ لم يضع دنيا ولا دينا (2)
[2/ 355] ومثله:
1394 -
ما صاد قلبي وأضناه وتيّمه
…
إلّا كواعب من ذهل بن شيبانا (3)
-
- والتذييل (3/ 154)، وديوان «الهذليين» (3/ 22) واللسان «جفن - نجا» .
ويروى «والروح منه بشدقه» مكان «والنفس منه بشدقه» .
وقد استشهد المصنف بالبيت على أن المحذوف في قوله: «ولم ينج إلا جفن سيف» من باب حذف المنفي العام؛ لوجود قرينة لفظية عليه، والتقدير: ولم ينج شيء.
(1)
ينظر: شرح الكافية للرضى (1/ 77، 78).
(2)
البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 153)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 598)، والهمع (2/ 110)، والدرر (2/ 144).
والشاهد فيه: أنه أيضا من باب الحذف العام، والتقدير: ما جاد أحد رأيا، ولا أجدى محاولة.
(3)
البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في التذييل (3/ 153)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 599)، وتعليق الفرائد للدماميني (1462)، والتصريح (1/ 319)، والهمع (2/ 110)، والدرر (2/ 144).
والشاهد قوله: «ما صاد قلبي» ؛ حيث استشهد به المصنف على أنه من باب الحذف العام، لدلالة القرائن، والتقدير:«ما صاد قلبي شيء» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
انتهى (1).
وهذه المسألة تقدم الكلام عليها كما عرفت (2)، وقد تطابق فيها كلام المصنف وكلام ابن الحاجب على أن مثل هذا التركيب ليس فيه تنازع؛ وأن ذلك محمول الحذف (3)؛ لكن اختلف كلامهما في تقدير المحذوف كما رأيت، والتقدير الذي يصح معه المعنى ويسلم من الخدش؛ هو الذي قدره ابن الحاجب بلا شك، وهو الذي عول عليه الشيخ، وقد بحث مع المصنف هاهنا بحثا جيدا، فقال بعد ذكر كلامه، وتنظيره بالآيات الشريفة والبيت الذي هو:
1395 -
نجا سالم ..... البيت (4)
وليست المسألة من باب الآيات الشريفة والبيت؛ لأن المحذوف في الآيتين مبتدأ، والمبتدأ يجوز حذفه، إذا دلّ عليه دليل فالتقدير: وما منا أحد إلّا له مقام معلوم، وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به، وأما: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها (5)، فليست كالآيتين؛ لأن ما بعد «إلا» هو المبتدأ، وهو وارِدُها لكن من حيث المعنى اشتركت الثلاثة في حذف أحد، وأما: ما قام وقعد إلا زيد فمن حذف الفاعل، والفاعل لا يحذف فقد تباين البابان في المحذوف، وأما:
نجا سالم ..... البيت
فلم يحذف فيه الفاعل؛ وإنما المحذوف فضلة، والتقدير: ولم ينج بشيء (6)، ثم ذكر التخريج المعروف في البيت إلى آخره، كما هو مذكور في باب الاستثناء.
قال: وإذا سلم أنه حذف الفاعل، وهو «أحد» فإعرب ما بعد «إلّا» يكون على طريق البدل، فإن جعلته بدلا من «أحد» المحذوف؛ فلا تنصب الفعل الثاني على البدل، وإن جعلته بدلا من الضمير العائد على «أحد» المحذوف على ما زعم المصنف؛ فلا تنصب الفعل الأول على البدل، والذي يدل عليه المعنى أن الفعلين ينصبان على البدل، قال: والذي أختاره على تقدير حذف الفاعل أن المحذوف هو -
(1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 176).
(2)
سبق شرحه.
(3)
ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 77، 78).
(4)
تقدم ذكره.
(5)
سورة مريم: 71.
(6)
التذييل (3/ 154).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من الفعل؛ وأن التقدير: ما قام إلا زيد ولا قعد إلا زيد فحذف «إلا زيد» لدلالة «إلا زيد» الثاني عليه، وبذلك يصح المعنى (1).
المسألة الثانية:
أن التنازع قد يقع مع أكثر من عاملين، قال المصنف: وقد تقدمت الإشارة إلى تنازع أكثر من عاملين في ترجمة الباب، وفي الشرح لا في المتن؛ فنبه الآن عليه في هذا المكان، وما ورد منه؛ فإنما ورد بإعمال الآخر، وإلغاء ما قبله، كقول الشاعر (2):
1396 -
سئلت فلم تبخل ولم تعط نائلا
…
فسيّان لا ذمّ عليك ولا حمد (3)
وكقول الآخر:
1397 -
جئ ثمّ حالف وثق بالقوم إنّهم
…
لمن أجاروا ذرى عزّ بلا هون (4)
وكقول الآخر:
1398 -
أرجو وأخشى وأدعو الله مبتغيا
…
عفوا وعافية في الرّوح والجسد (5)
فهذه الأبيات قد تنازع في كل واحد منها ثلاثة عوامل أعمل آخرها وألغي أولها وثانيها، وعلى هذا استقر الاستعمال، ومن أجاز إعمال غير الثالث فمستنده الرأي؛ إذ لا سماع [2/ 356] في ذلك، وقد أشار إلى هذا أبو الحسن بن خروف في شرح -
(1) التذييل (3/ 155).
(2)
هو الحطيئة أحد فحول الشعراء كان كثير الهجاء سفيها، أسلم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: في عهد الرسول، ثم ارتد وعاد إلى الإسلام (سبقت ترجمته)، وقيل: إن البيت للكميت بن زيد أيضا.
(3)
البيت من الطويل، وهو في: المقرب (1/ 250)، والتذييل (3/ 114، 115، 157)، وشرح الصفار للكتاب (ق 87 / ب)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 613)، والأغاني (2/ 168)، والشعر والشعراء (ص 325)، وديوان الحطيئة (ص 329)، وديوان الكميت (1/ 155)، والبحر المحيط (3/ 529). ويروى البيت أيضا بتقديم «لا حمد» على «لا ذم» .
والشاهد قوله: «سئلت فلم تبخل، ولم تعط نائلا» ؛ حيث تنازع العوامل الثلاثة «سئلت - فلم تبخل - لم تعط» معمولا واحدا هو «نائلا» .
(4)
تقدم ذكره.
(5)
البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 114، 156، 157)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 600)، وشذور الذهب (ص 500)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 166).
والشاهد قوله: «أرجو وأخشى، وأدعو الله
…
عفوا»؛ حيث تنازع ثلاثة عوامل معمولا واحدا، وأعمل آخرها، وهو الثالث.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كتاب سيبويه (1)، واستقرأت الكلام فوجدت الأمر كما أشار إليه (2). انتهى.
قال الشيخ: وقد سمع إعمال الأول، قال أبو الأسود (3):
1399 -
كساك ولم تستكه فاشكرن له
…
أخ لك يعطيك الجزيل وناصر (4)
فأعمل الأول، وأضمر في الثاني (والثالث)(5).
المسألة الثالثة:
قال المصنف (6): منع بعض النحويين التنازع في متعدّ إلى اثنين أو ثلاثة بناء على أن العرب لم تستعمله، وما زعمه غير صحيح؛ فإن سيبويه حكى عن العرب: متى رأيت أو قلت: زيدا منطلقا؛ على إعمال «رأيت» ، ومتى رأيت وقلت: زيد منطلق (7)؛ على إعمال «قلت» ، أعني بإعمالها: حكاية الجملة بها. انتهى.
وقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس: وأما الأفعال المتعدية إلى ثلاثة فمنع الجرمي، وجماعة معه جواز التنازع فيها، وقالوا: إن باب التنازع خارج عن القياس، فيقتصر فيه على السموع، ولم يسمع عن العرب التنازع في ذوات الثلاثة في نظم، ولا نثر فلا يجوز البتة (8)، وذهب المازني وجماعة معه إلى جواز ذلك في ذوات الثلاثة، قياسا لما لم يسمع على ما سمع من المتعدي إلى واحد وإلى اثنين (9) قال: وليس لسيبويه رحمه الله تعالى في ذوات الثلاثة نص، ولا إشارة إلى شيء فمثال ذلك -
(1) ينظر: التصريح (1/ 316).
(2)
شرح التسهيل للمصنف (2/ 277).
(3)
هو أبو الأسود الدؤلي يمدح المنذر بن الجارود لما كساه؛ وكان يعجبه حديثه، وقيل: كان يمدح عبيد الله بن زياد.
(4)
البيت من الطويل، وهو في: التذييل (3/ 156)، والارتشاف (ص 671)، وتعليق الفرائد (1469)، والتصريح (1/ 316)، والأشموني (2 /
102)، ودرة الغواص (ص 157)، وحماسة البحتري (ص 149)، وديوانه (ص 85)، والأغاني (11/ 123) طبعة بولاق.
والشاهد فيه: تنازع ثلاثة عوامل معمولا واحدا، وإعمال الأول منها.
(5)
التذييل (3/ 156).
(6)
شرح التسهيل لابن مالك (2/ 177).
(7)
الكتاب (1/ 79).
(8)
ينظر: التذييل (3/ 158)، والارتشاف (ص 971)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 82)، والهمع (2/ 111).
(9)
ينظر: التذييل (3/ 158)، والارتشاف (ص 971)، والأشموني (2/ 107).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على قول من أجاز إذا أعملت الأول: أعلمني وأعلمته إيّاه إيّاه زيد عمرا قائما، وإذا أعملت الثاني: أعلمني وأعلمت زيدا عمرا قائما إيّاه إياه، هذا على قول من لم يجز الاقتصار على المفعول الأول، وأما من أجاز فيقول إذا أعمل الأول: أعلمني وأعلمته زيد عمرا قائما، وإذا أعمل الثاني: أعلمني وأعلمت زيدا عمرا قائما؛ وكذلك إن قدمت «أعلمت» على «أعلمني» يجوز فيه التفريع على المذهبين، فتقول إذا أعملت الأول على رأي من لا يقتصر: أعلمت وأعلموا إيّاه إيّاه زيدا عمرا قائما، وإذا أعملت الثاني على هذا الرأي قلت: أعلمني وأعلمت زيد عمرا قائما إيّاه إيّاه إيّاه، وتقول في إعمال الأول على رأي من يقتصر: أعلمت وأعلمني زيدا عمرا قائما، وفي إعمال الثاني: أعلمت وأعلمني زيد عمرا قائما إياه (1).
المسألة الرابعة:
هل يقع التنازع في أفعال التعجب؟!، قال المصنف (2): ومنع أيضا بعض النحويين تنازع فعلي تعجب (3)، والصحيح عندي جوازه؛ لكن بشرط إعمال الثاني، كقولك: ما أحسن وأعقل زيدا؛ تنصب «زيدا» بـ «أعقل» لا بـ «أحسن» ؛ لأنك لو نصبته بـ «أحسن» فصلت ما لا يجوز فصله، وكذلك تقول: أحسن به وأعقل بزيد، بإعمال الثاني، ولا تعمل الأول، فتقول: أحسن وأعقل به بزيد، فيلزمك فصل ما لا يجوز فصله، ويجوز على أصل مذهب الفراء أن يقال [2/ 357]:
أحسن وأعقل بزيد؛ فتكون الباء متعلقة بـ «أحسن وأعقل» معا (4)، كما يكون -
(1) أورد أبو حيان هذا النص في: التذييل (3/ 158، 159) غير منسوب، وهو في التعليقة (ورقة 117) لبهاء الدين بن النحاس.
(2)
شرح التسهيل لابن مالك (2/ 177).
(3)
الذي قاله المصنف هنا من حيث المنع هو ظاهر مذهب سيبويه، يقول سيبويه:«هذا باب ما يعمل عمل الفعل، ولم يجر مجرى الفعل، ولم يتمكن تمكنه؛ وذلك قولك: ما أحسن عبد الله، زعم الخليل أنه بمنزلة قولك: شيء أحسن عبد الله، ودخله معنى التعجب، وهذا تمثيل ولم يتكلم به، ولا يجوز أن تقدم «عبد الله» وتؤخر «ما» ، ولا تزيل شيئا عن موضعه، ولا تقول فيه: ما يحسن، ولا شيئا مما يكون في الأفعال سوى هذا» اه. الكتاب (1/ 72، 73)، وذكر ذلك أبو حيان عند تعقيبه على كلام المصنف أيضا في التذييل (3/ 160).
(4)
ينظر: معاني القرآن للفراء (2/ 139) في شرحه لقوله تعالى: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ، وقوله تعالى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عنده فاعل قام وقعد زيد مرفوع بالفعلين معا؛ ولا يمتنع على مذهب البصريين أن يقال: أحسن وأعقل بزيد، على أن يكون الأصل: أحسن به وأعقل بزيد، ثم حذفت الباء لدلالة الثانية عليها، ثم اتصل الضمير واستتر، كما استتر في الثاني من قوله تعالى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ (1)؛ فإن الثاني يستدل به على الأول، كما يستدل بالأول على الثاني، إلا أن الاستدلال بالأول على الثاني أكثر من العكس (2).
انتهى (3).
قال الشيخ: مذهب سيبويه منع التنازع بين فعلي التعجب (4)، ومذهب المبرد (5)، الجواز (6)، ثم إنه ناقش المصنف في كونه أجاز التنازع مع إيجابه، إعمال الثاني، فقال: هذا - يعني إيجاب العمل للثاني - ليس من باب الإعمال؛ لأن شرط الإعمال جواز إعمال أيهما شئت (7). انتهى.
واعلم أن البحث الذي تقدم عند ذكر مذهب الفراء في نحو: قام وقعد زيد يعاد هنا، فيقال: المراد من تنازع العاملين صحة تسلط كل منهما من حيث المعنى على ذلك المعمول، ثم إنه قد يعرض مانع لفظي يمنع من عمل أحدهما، فيتعين إعمال الآخر، كما في مسألة: ما أحسن وأعقل زيدا؛ فإن كلّا منهما طالب لـ «زيد» من حيث المعنى؛ ولكن يمنع من إعمال الأول ما يلزم من الفصل بين فعل التعجب ومعموله، وعلى هذا يستقيم كلام المصنف، وقد ختم الشيخ هذا الباب بذكر أشياء تركت إيرادها خشية الإطالة (8)، على أن من استحضر القواعد النحوية، لا يكاد تخفى عليه الأحكام فيما أشار إليه.
* * *
(1) سورة مريم: 38.
(2)
ينظر: الأشباه والنظائر (4/ 150)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 60).
(3)
شرح التسهيل للمصنف (2/ 177).
(4)
ينظر: الكتاب (1/ 72، 73).
(5)
ينظر: المقتضب (4/ 184).
(6)
التذييل (3/ 160).
(7)
التذييل (3/ 161).
(8)
ما ختم به الشيخ أبو حيان الكلام على هذا الباب هو ذكره: ما ينازع، وما لا يتنازع فيه، وأيضا ذكر سبع مسائل في ختام الباب، فارجع إليها إن شئت. ينظر: التذييل (3/ 162 - 170).