المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حذف عامل المفعول المطلق - جوازا ووجوبا - ومواضع ذلك] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٤

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن عشر باب الفاعل

- ‌[تعريفه]

- ‌[من أحكام الفاعل: الرفع وتقديم الفعل]

- ‌[من أحكام الفاعل: تأنيث الفعل وجوبا وجوازا]

- ‌[من أحكام الفاعل: ألا تلحقه علامة تثنية أو جمع]

- ‌[من أحكام الفاعل: جواز حذف الفعل]

- ‌الباب التاسع عشر باب النّائب عن الفاعل

- ‌[أغراض حذف الفاعل - ما ينوب عنه]

- ‌[جواز نيابة غير المفعول مع وجود المفعول]

- ‌[جواز نيابة أي المفعولين]

- ‌[بعض المنصوبات لا تجوز إنابتها]

- ‌[التغييرات التي تحدث في الفعل عند بنائه للمجهول]

- ‌[أحكام تأخير المفعول عن الفاعل وتقديمه عليه]

- ‌الباب العشرون باب اشتغال العامل عن الاسم السّابق بضميره أو ملابسه

- ‌[مواضع نصب المشغول عنه وجوبا]

- ‌[مواضع ترجيح النصب في المشغول عنه]

- ‌[جواز الرفع والنصب على السواء في المشغول عنه]

- ‌[مسألتان اختلف فيهما النحاة أيهما أرجح]

- ‌[ترجح رفع الاسم على الابتداء]

- ‌[أنواع ملابسة الضمير للمشغول عنه]

- ‌[مسألة يترجح فيها الرفع]

- ‌[رفع الاسم المشغول عنه وأحكامه في ذلك]

- ‌[مسألة أخيرة في باب الاشتغال]

- ‌الباب الحادي والعشرون باب تعدي الفعل ولزومه

- ‌[تقسيم الفعل إلى متعدّ ولازم - إجراء اللازم مجرى المتعدي]

- ‌[نوعا المتعدي: متعد إلى واحد - متعد إلى اثنين]

- ‌[مسائل تأخير المفعول وجوبا وتقديمه وجوبا وجواز الأمرين]

- ‌[حذف العامل الناصب للمفعول به جوازا ووجوبا]

- ‌[مواضع حذف المفعول ومواضع ذكره]

- ‌[تعدي الفعل بالهمزة والتضعيف]

- ‌الباب الثاني والعشرون باب تنازع العالمين فصاعدا معمولا واحدا

- ‌[تعريف التنازع - العامل في المتنازع فيه]

- ‌[خلاف البصريين والكوفيين في العامل]

- ‌[حكم ضمير المتنازع فيه من الإظهار أو الحذف]

- ‌[مسائل أربع في باب التنازع ختم بها الباب]

- ‌الباب الثالث والعشرون باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه

- ‌[تعريف المصدر - وأسماؤه وأصالته]

- ‌[المفعول المطلق: ناصبه - أنواعه - ما ينوب عنه]

- ‌[حذف عامل المفعول المطلق - جوازا ووجوبا - ومواضع ذلك]

- ‌[أحكام للمفعول المطلق المحذوف عامله وجوبا]

- ‌الباب الرابع والعشرون باب المفعول له

- ‌[تعريفه - ناصبه - أنواعه - وحكم كل نوع]

- ‌الباب الخامس والعشرون باب المفعول المسمّى ظرفا ومفعولا فيه

- ‌[تعريف الظرف - نوعاه]

- ‌[تقسيم ظرف الزمان إلى متصرف وغير متصرف]

- ‌[تقسيمات مختلفة لظرف الزمان وأمثلة لكلّ]

- ‌[حكم الظرف الواقع في جواب كم أو متى بالنسبة لحصول الفعل]

- ‌[أحكام إذ حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام إذا حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام مذ ومنذ حين تجيئان ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام الآن وبناؤه وإعرابه]

- ‌[أحكام قط وعوض]

- ‌[أحكام أمس من بنائه وإعرابه]

- ‌[الصالح للظرفية المكانية من أسماء الأمكنة]

- ‌[أحكام بعض الظروف المكانية مثل أسماء الجهات وحيث ولدن]

- ‌[التوسع في الظرف المتصرف]

- ‌الباب السادس والعشرون باب المفعول معه

- ‌[تعريفه وشرح التعريف]

- ‌[ناصب المفعول معه والآراء في ذلك]

- ‌[واو المفعول معه وحديث عنها]

- ‌[المفعول معه وحكم تقديمه]

- ‌[أقسام خمسة لما بعد الواو وحكم كل قسم]

- ‌[تعقيب على أقسام المفعول معه السابقة]

- ‌[أمثلة مختلفة في هذا الباب وما يجوز فيها]

- ‌[مسألتان في ختام هذا الباب]

الفصل: ‌[حذف عامل المفعول المطلق - جوازا ووجوبا - ومواضع ذلك]

[حذف عامل المفعول المطلق - جوازا ووجوبا - ومواضع ذلك]

قال ابن مالك: (ويحذف عامل المصدر جوازا لقرينة لفظيّة أو معنويّة، ووجوبا لكونه بدلا من اللّفظ بفعل مهمل، أو لكونه بدلا من اللّفظ بفعل مستعمل في طلب، أو خبر إنشائيّ، أو غير إنشائيّ، أو في توبيخ مع استفهام، ودونه للنفس، أو لمخاطب [2/ 370] أو غائب في حكم حاضر، أو لكونه تفصيل عاقبة طلب أو خبر، أو نائبا عن خبر اسم عين بتكرير أو حصر، أو مؤكّد جملة ناصّة على معناه، وهو مؤكّد نفسه، أو صائرة به نصّا وهو مؤكّد غيره، والأصحّ منع تقديمهما. ومن الملتزم إضمار ناصبه المشبّه به مشعرا بحدوث بعد جملة حاوية فعله وفاعله معنى دون لفظ، ولا صلاحية للعمل فيه، وإتباعه جائز، وإن وقعت صفته موقعه فإتباعها أولى من نصبها، وكذا التّالي جملة خالية ممّا هو له.

وقد يرفع مبتدأ المفيد طلبا وخبرا المكرّر والمحصور والمؤكّد نفسه، والمفيد خبرا إنشائيّا، وغير إنشائيّ).

ــ

لأن المصدر المنصوب إنما ينتصب على أنه مفعول مطلق، والصناعة أن لا يتعدى فعل إلى معمولين من نوع واحد دون عطف.

قال ناظر الجيش: قال المصنف (1): حذف عامل المصدر جواز لقرينة لفظية كقولك لمن قال: أيّ سير سرت؟ سيرا حثيثا، ولمن قال: ما قمت؟ بلى قياما طويلا، وحذفه لقرينة معنوية كقولك لمن تأهب لسفر: تأهبا مباركا ميمونا، وسفرا مأمونا، ولمن قدم من حج: حجّا مبرورا وسعيا مشكورا، والمحذوف العامل وجوبا لكونه بدلا من اللفظ بفعل مهمل: إما مفرد كقولهم: أفّة له، وتفّة، وذفرا، بمعنى نتنا، وبهرا بمعنى تبّا كقول الشاعر:

1431 -

تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي

بجارية بهرا لهم بعدها بهرا (2)

-

(1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 183) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.

(2)

البيت من الطويل وهو لابن ميادة في: الكتاب (1/ 311)، والإنصاف (1/ 241)، والكامل (2/ 245)، والمخصص (12/ 184)، وشرح الجمل لابن الضائع، والتذييل (3/ 197، 222)، واللسان «بهر - فقد» .

ص: 1834

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وبمعنى عجبا كقول عمر بن أبي ربيعة:

1432 -

ثمّ قالوا تحبّها قلت بهرا

عدد الرّمل والحصا والتّراب (1)

وإما مضاف: كقول الشاعر:

1433 -

تذر الجماجم ضاحيا هاماتها

بله الأكفّ كأنّها لم تخلق (2)

أي تترك الأكف تركا كأنها لم تخلق، وروي (بله الأكفّ) بالنصب على أنها اسم فعل بمعنى اترك.

ومن المهمل الفعل اللازم للإضافة: قولهم في القسم الاستعطافي: قعدك الله إلا فعلت، أي تثبيتك الله، ومثله: عمرك الله في لزوم الإضافة والاستعطاف إلا أن هذا مختصر من التعمير مصدر عمرتك الله (3)، ومنه قول الشاعر (4):

1434 -

عمرتك الله إلّا ما ذكرت لنا

هل كنت جارتنا أيّام ذي سلم (5)

-

- والشاهد قوله: «بهرا لهم بعدها بهرا» ؛ حيث حذف عامل المصدر وجوبا؛ لأنه بدل من الفعل المهمل.

(1)

البيت من الخفيف لعمر بن أبي ربيعة وهو في: الكتاب (1/ 311)، والخصائص (2/ 281)، وأمالي الشجري (1/ 266)، والتذييل (3/ 197، 198)، وإعراب الحديث النبوي للعكبري (ص 75)، وابن يعيش (1/ 121)، وشرح الجمل لابن الضائع، وما يجوز للشاعر في الضرورة (173)، والمغني (1/ 15)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 39)، والهمع (1/ 188)، والكافي شرح الهادي (391) واللسان (بهر) وقد تقدم البيت ولكن اختلف في موطن الشاهد.

والشاهد في قوله: «بهرا» ؛ حيث جاء المصدر بدلا من اللفظ بالفعل المهمل، ويروى البيت برواية (عدد النجم والحصا) وبرواية (الفطر والحصا).

(2)

البيت من الكامل وهو لكعب بن مالك الخزرجي الأنصاري، والبيت من قصيدة قالها يوم الخندق، وهو في: الغرة لابن الدهان (2/ 194)، ومنهج السالك لأبي حيان (179)، والتذييل (3/ 198، 684)، وابن يعيش (4/ 47، 48)، وابن القواس (786)، والارتشاف (639)، والخزانة (3/ 20)، والمغني (1/ 115)، وشرح شواهده (1/ 353)، وشذور الذهب (477)، والتصريح (2/ 199)، والأشموني (2/ 121)، (3/ 203)، والهمع (1/ 236)، والدرر (1/ 200)، وديوانه (ص 245)، واللسان «بله» .

اللغة: ضاحيا: بارزا، الهامات: جمع هامة وهي الرأس.

والشاهد فيه: أن قوله: «بله» مصدر مضاف، والعامل فيه فعل من معناه؛ لأنه لا فعل له، أما إذا روي (بله الأكفّ) بنصب الأكف فيكون (بله) اسم فعل.

(3)

ينظر المباحث الكاملية (ص 938، 939).

(4)

الأحوص الأنصاري، وهو عبد الله بن محمد بن أبي الأقلع شاعر إسلامي.

(5)

البيت من البسيط، وهو في: الكتاب (1/ 323)، والمقتضب (2/ 329)، وأمالي الشجري (1/ 349)،

ص: 1835

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأصله من العمر وهو البقاء، فالمتكلم به متوسل باعتقاد البقاء لله. ومن المهمل الفعل ما يضاف ويفرد كقولهم للمصاب: المرحوم ويحه، وويح فلان، وويح له، وفي الحديث:«ويح عمّار تقتله الفئة الباغية» (1) وللمتعجّب منه: ويبا له، وويبك، وويب غيرك، قال الشاعر:

1435 -

فلا تجبهيه ويب غيرك إنّه

فتى عن دنيّات الخلائق نازح (2)

وكذا يقال: ويح غيرك وويبه مثله أو قريب منه، ويقال للمضاف المغضوب عليه:

[2/ 371] ويله وويل له ويل طويل، وويل له ويلا طويلا، وويل له ويلا كبيلا، وويل له وعول، وويلك وعولك، ولا يفرد عول، وقد يفرد ويل (3) منصوبا كقول الشاعر:

1436 -

كسا اللّؤم تيما خضرة في جلودها

فويلا لتيم من سرابيلها الخضر (4)

ومن المهمل الفعل اللازم للإضافة: سبحان الله، أي براءة له من السوء، وليس بمصدر يسبح، بل سبح مشتق منه كاشتقاق حاشيت من حاش إذا نطق بلفظها، وكاشتقاق لوليت وصهصهت وأفّفت وسوّفت وبأبأت ولبّب من: لولا وصه وأف -

- والارتشاف (626)، والتذييل (3/ 199، 621)، والخزانة (1/ 231)، والهمع (2/ 45)، والدرر (2/ 53)، واللسان «عمر» والمسائل الشيرازيات (ص 65).

والشاهد فيه: أن «عمرتك الله» منصوب بفعل مهمل على رأي ابن مالك، واعترض على ذلك أبو حيان؛ لأنه يرى أن «عمرتك» إذا كان مختصرا

من التعمير على ما ذكر ابن مالك له فعل مستعمل.

(1)

حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الصلاة (1/ 93)، ومسلم (2235)، وابن حنبل (2/ 161)، (3/ 5) والمقصود بالكلام هو عمار بن ياسر.

(2)

البيت من الطويل، وهو لكثير عزة في: التذييل (3/ 199)، وشرح الجمل لابن الضائع، وديوان كثير (183).

اللغة: تجبهيه: ترديه. نازح: من نزح ينزح أي بعد يبعد.

والشاهد فيه: استعمال «ويب» مفردا.

(3)

في الكتاب (1/ 318): «وهذا حرف لا يتكلم به مفردا، إلا أن يكون على ويلك، وهو قولك:

ويلك وعولك، ولا يجوز: عولك» اه.

(4)

البيت من الطويل، وهو لجرير، في الكتاب (1/ 333)، والمقتضب (3/ 22)، والتذييل (3/ 202)، وابن يعيش (1/ 121)، والارتشاف (ص 540)، والكافي شرح الهادي (390)، وديوان جرير (ص 162) برواية:

كسا اللؤم تيما خضرة في وجوهها

فيا خزي تيم من سرابيلها الخضر

اللغة: الخضرة: السواد، السرابيل: جمع سربال وهي القمصان. -

ص: 1836

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وسوف بأبأ ولبيك، وقالوا أيضا: سبحل إذا قال: سبحان الله، وقد يفرد في الشعر سبحان منونة إن لم تنو الإضافة (1) كقول الشاعر:

1437 -

سبحانه ثمّ سبحانا نعوذ به

وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد (2)

وغير منونة إن نويت الإضافة كقول الآخر (3):

1438 -

أقول لمّا جاءني فخره

سبحان من علقمة الفاخر (4)

أراد سبحان الله، فحذف المضاف إليه وترك المضاف بهيئته التي كان عليها قبل الحذف كما قال الراجز:

1439 -

خالط من سلمى خياشيم وفا (5)

-

- والشاهد فيه: «فويلا لتيم» ؛ حيث أفرد (ويل) منصوبا.

(1)

ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (1/ 118 - 120) والأجوبة المرضية للراعي الأندلسي (283).

(2)

البيت من البسيط وهو لأمية بن أبي الصلت، وقيل: زيد بن عمرو بن نفيل، وقيل: ورقة ابن نوفل. وهو في: الكتاب (1/ 326)،

والمقتضب (3/ 217)، وأمالي الشجري (1/ 348)، (2/ 250)، وابن يعيش (1/ 37، 120)، (4/ 36)، والمخصص (14/ 86)، وابن القواس (330)، والتذييل (3/ 204، 207)، والبحر المحيط (1/ 138)، والخزانة (2/ 37)، (3/ 247)، والهمع (1/ 190)، والدرر (1/ 163)، وديوان أمية بن أبي الصلت (ص 30) واللسان «جمد - جود» ، ومعجم البلدان (الجمد).

اللغة: الجودي: جبل بالموصل أو بالجزيرة. الجمد: جبل بين مكة والبصرة.

والشاهد في قوله: «سبحان» ؛ حيث جاء مفردا منونا، وذلك لعدم نية الإضافة، وهذا من ضرورة الشعر؛ لأن المعروف فيه أنه يضاف إلى ما بعده، أو يجعل مفردا معرفة.

(3)

هو الأعشى.

(4)

البيت من السريع وهو في: الكتاب (1/ 324)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 157)، والمقتضب (3/ 218)، وأمالي الشجري (1/ 347)، (2/ 250)، والخصائص (2/ 197، 435)، وابن يعيش (1/ 37، 120)، والمقرب (1/ 149)، وابن القواس (ص 330)، والتذييل (3/ 204، 206، 207)، والبحر المحيط (1/ 138، 363)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (361)، وشواهد التوضيح لابن مالك (ص 40) ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 78)، وشرح الكافية للرضي (2/ 133)، والهمع (1/ 19)، والدرر (1/ 164)، والمحكم (3/ 154)، وصحاح الجوهري (سبح)، وحاشية الصبان (1/ 135)، وحاشية يس (1/ 125)، والكافي شرح الهادي (ص 387)، والمباحث الكاملية (938)، والمرتجل (291)، وشرح المقرب لابن عصفور.

والشاهد فيه: قوله «سبحان» حيث جاءت غير منونة لنية الإضافة.

(5)

رجز للعجاج، وهو في: ديوان العجاج (492)، وابن يعيش (6/ 98)، وابن القواس (78)، -

ص: 1837

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تريد وفاها، وهذا التوجيه أولى من جعل سبحان علما، ومثل سبحانك في المعنى وإهمال الفعل سلامك في قول الشاعر:

1440 -

سلامك ربّنا في كلّ فجر

بريئا ما تغنّثك الذّموم (1)

أي براءتك ربنا من كل سوء، وبريئا حال مؤكدة، وما تغنثك أي ما تعلق بك، والذموم جمع ذم.

ومن المهمل اللازم للإضافة: قولهم في إجابة الداعي: لبيك. ومعناه لزوما لطاعتك بعد لزوم، قال سيبويه: أراد بقوله: لبيك وسعديك، إجابة بعد إجابة كأنه قال: كلما أجبتك في أمر فأنا في الآخر مجيب، وهو مثنى اللفظ، وزعم يونس أنه مفرد اللفظ وأن ياءه منقلبة عن ألف إجراء له مجرى (على). ورد عليه سيبويه بقول الشاعر (2):

1441 -

دعوت لما نابني مسورا

فلبّى فلبّي يدي مسور (3)

-

- والارتشاف (265)، والتذييل (3/ 205)، والخزانة (2/ 62، 261)، والعيني (1/ 152)، وحاشية يس (1/ 125)، وحاشية الصبان (1/ 135)، واللسان «خرطم - فوه - نهى» ، والهمع (1/ 40) والدرر (1/ 41).

والشاهد في قوله: «وفا» ؛ حيث حذف المضاف إليه وترك المضاف بهيئته، فلم يبدل حرف العلة ميما، فيقال «فما» .

(1)

البيت من الوافر، وهو لأمية بن أبي الصلت وهو في: الكتاب (1/ 325)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 305)، والتذييل (3/ 205، 209، 820) برواية (في كل وقت) في أحد هذه المواطن، والعيني (3/ 183)، وديوانه (ص 54)، واللسان «ذمم» ويروى أيضا (ما يليق بك) مكان (ما تغنثك).

اللغة: تغنثك: تعلق بك. الذموم: العيوب.

والشاهد فيه: نصب (سلامك) على المصدر الواقع بدلا من الفعل.

(2)

ذكر السيوطي أنه أعرابي من بني أسد، والمعروف أن البيت من الخمسين المجهولة القائل، وينظر:

شرح شواهد المغني للسيوطي (2/ 910).

(3)

البيت من المتقارب، وهو في: الكتاب (1/ 352)، والمحتسب (1/ 78)، (2/ 23)، والمخصص (4/ 129، 481)، (5/ 409)، (7/ 513)، والخزانة (1/ 268)، والمغني (578)، وشرح شواهده (2/ 910)، والعيني (3/ 381)، والتصريح (3/ 38)، والهمع (1/ 90)، والدرر (1/ 163)، والأشموني (1/ 251)، والتذييل (3/ 212)، واللسان «لبب» .

والشاهد في قوله: «فلبي يدي مسور» ؛ حيث رد به سيبويه على يونس الذي زعم أن (لبيك) مفرد قلبت ألفه ياء لأجل الضمير، ولو كان كما يقول فكيف قلبت هنا ألف (لبيك) ياء مع أنه مضاف إلى الظاهر؟ وفي البيت أيضا شاهد آخر وهو إضافة (لبي) إلى الظاهر شذوذا.

ص: 1838

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فأثبتت الياء في إضافته إلى الظاهر، ولو كان جاريا مجرى (على) لم يفعل به ذلك كما لا يفعل بعلى (1)، وفي قول الشاعر إضافة لبي إلى ظاهر، والمعروف إضافته إلى ضمير المخاطب، فشذّت إضافته لبّي إلى ظاهر كما شذت إضافته إلى ضمير الغائب في قول الراجز:

1442 -

إنّك لو دعوتني ودوني

زوراء ذات مترع بيون

لقلت لبّيه لمن يدعوني (2)

وقد يغني عن لبيك لب مفردا مكسورا جعلوه اسم فعل بمعنى أجيب (3)، والمحذوف العامل وجوبا، لكونه بدلا من اللفظ بفعل مستعمل في طلب منه مضاف نحو: غفرانك وفَضَرْبَ الرِّقابِ (4)، ومنه مفرد وهو أكثر من المضاف وليس مقيسا عند سيبويه مع كثرته (5)، وهو عند الفراء والأخفش مقيس (6) بشرط إفراده وتنكيره نحو:[2/ 372] سقيا له ورعيا وجدعا لعدوك وتعسا. ومنه قول الشاعر:

1443 -

سقيا لقوم لدنياهم وإن بعدوا

وخيبة للألى وجدانهم عدم (7)

-

(1) الكتاب (1/ 350 - 352) بتصرف يسير.

(2)

الرجز لقائل مجهول في: التذييل (3/ 213)، والمغني (2/ 578)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 910)، وشرح ابن عقيل (2/ 8)، وشرح شواهده (ص 159)، والعيني (3/ 383)، والتصريح (2/ 38)، والهمع (1/ 190)، والدرر (1/ 163) واللسان «لبب - بين» .

اللغة: الزوراء: الأرض الواسعة. مترع: ممتلئ. بيون: واسعة بعيدة.

والشاهد في قوله: «لبيه» ؛ حيث أضيف إلى ضمير الغائب وهو شاذ؛ لأن المعروف إضافته إلى ضمير المخاطب.

(3)

في الهمع (1/ 190) وسمع مفرد (لبيك) بالكسر وهو مصدر بمعنى إجابة منصوب مبني كأمس وغاق لقلة تمكنه. كذا نص سيبويه، ورد به أبو حيان على ابن مالك حيث قال: إنه اسم فعل بمعنى أحببت. اه. وينظر: الكتاب (1/ 351)، والتذييل (3/ 213، 219).

(4)

سورة محمد: 4.

(5)

ينظر: الكتاب (1/ 318 - 321).

(6)

ينظر: معاني القرآن للفراء (1/ 188)، (3/ 57)، ومعاني القرآن للأخفش (1/ 88)، والتذييل (3/ 220).

(7)

البيت من البسيط وهو لقائل مجهول وهو في شرح التسهيل للمصنف، والتذييل (3/ 220) برواية «وإن قربوا» مكان «وإن بعدوا» .

اللغة: دنياهم: قربهم. وجدانهم: وجودهم.

والشاهد في البيت: هو نصب قوله «سقيا وخيبة» بإضمار الفعل المستعجل في الطلب.

ص: 1839

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومثله في الأمر:

1444 -

فصبرا في مجال الموت صبرا

فما نيل الخلود بمستطاع (1)

ومثله في النهي:

1445 -

قد زاد حزنك لمّا قيل لا حزنا

حتّى كأنّ الّذي ينهاك يغريكا (2)

والوارد منه في خبر إنشائي نحو:

حمدا وشكرا لا كفرا وعجبا، وقسما لأفعلن. قال سيبويه: ومما ينتصب فيه المصدر على إضمار الفعل المتروك إظهاره، ولكنه في معنى التعجب، قولك: كرما وصلفا (3) كأنه يقول: أكرمك الله، ثم قال: لأنه صار بدلا من

قولك: أكرم به وأصلف (4)، قلت: وهذا أيضا مما يتناوله الخبر الإنشائي، وأما الخبر غير الإنشائي فكقولك في وعد من يعز عليك: افعل وكرامة ومسرة (5)، وكقولك للمغضوب عليه: لا أفعل ولا كيدا ولا غمّا، ولأفعلن ما يسوءك ورغما وهوانا (6).

وأما الوارد في التوبيخ مع استفهام: فكقول الشاعر:

1446 -

أذلّا إذا شبّ العدى نار حربهم

وزهوا إذا ما يجنحون إلى السّلم (7)

-

(1) البيت لقطري بن الفجاءة المازني، أحد زعماء الخوارج، وهو من الوافر، وينظر في شرح التسهيل للمصنف، والتذييل (3/ 221، 224)، والتصريح (1/ 331)، والعيني (3/ 51)، والأشموني (2/ 117)، وحاشية يس (1/ 330).

والشاهد في قوله: «فصبرا في مجال الموت صبرا» ؛ حيث نصب المصدر بإضمار فعله في الأمر، التقدير: اصبري يا نفس صبرا.

(2)

لم أهتد إلى قائله، وهو من البسيط، وينظر في شرح التسهيل للمصنف، وشرح التسهيل للمرادي، وتعليق الفرائد (1493)، والتذييل (3/ 221، 224).

والشاهد فيه: نصب (حزنا) بإضمار فعله المستعمل في النهي، والتقدير: لا تحزن حزنا.

(3)

الصلف: هو مجاوزة القدر في الظرف والبراعة والادعاء فوق ذلك تكبرا «اللسان: صلف» .

(4)

الكتاب (1/ 328).

(5)

في الارتشاف (544): (لا تستعمل) مسرة إلا بعد كرامة - لا يقال: مسرة وكرامة، وكرامة اسم وضع موضع المصدر الذي هو الإكرام. اه.

(6)

ينظر: المقرب (1/ 255).

(7)

البيت من الطويل لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 229)، والهمع (1/ 192)، والدرر (1/ 165).

ص: 1840

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفي توبيخ دون استفهام: كقول الشاعر:

1447 -

خمولا وإهمالا وغيرك مولع

بتثبيت أسباب السّيادة والمجد (1)

وقد يفعل هذا من يخاطب نفسه كقول عامر بن الطفيل - لعنه الله -:

«أغدّة كغدّة البعير، وموتا في بيت سلوليّة» (2).

وقد يقصد بمثل هذا غائب في حكم حاضر كقولك وقد بلغك أن شيخا يكثر اللهو واللعب: ألعبا وقد علاه الشيب.

ومثال الكائن في تفصيل عاقبة طلب: قوله تعالى (3): فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً (4).

ومثال المفصل به عاقبة خبر: قول الشاعر:

1448 -

لأجهدنّ فإمّا درء واقعة

تخشى وإمّا بلوغ السّؤل والأمل (5)

ومثال النائب عن خبر اسم عين بتكرير: قول الشاعر: -

- والشاهد في قوله: «أذلّا - وزهوا» ؛ حيث حذف عامل المصدر وجوبا في الاستفهام التوبيخي، والتقدير: أتذلون ذلّا، وتزهون زهوا؟

(1)

البيت من الطويل لقائل مجهول، وهو في الارتشاف (ص 545)، والتذييل (3/ 229)، وتعليق الفرائد (ص 1496)، وشرح التسهيل للمرادي، والهمع (1/ 191)، والدرر (1/ 165)، والمطالع السعيدة (ص 302).

والشاهد في قوله: «خمولا وإهمالا» ؛ حيث حذف عامل المصدر وجوبا في التوبيخ غير المقرون بالاستفهام.

(2)

أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة الرجيع (3/ 26) برواية: «غدة كغدة البكر في بيت امرأة من آل فلان» ، وقد أورده الميداني في المثل:«غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية» (2/ 57) من مجمع الأمثال، وذكره سيبويه في الكتاب (1/ 338) وابن مالك في شرح الكافية الشافية (ص 227)، وأبو حيان في الارتشاف (ص 545)، والسهيلي في الأمالي (20/ 1216)، والراعي الأندلسي في الأجوبة المرضية (ص 219) وابن منظور في اللسان «غدو» .

(3)

زاد في (ب): (حتى إذا أثخنتموهم).

(4)

سورة محمد: 4.

(5)

البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 233)، وشرح التسهيل للمرادي، وتعليق الفرائد (ص 1498)، والهمع (1/ 192)، والدرر (1/ 165)، والمطالع السعيدة (ص 303).

والشاهد فيه: نصب «درء» و «بلوغ» بفعل محذوف وجوبا؛ لكونه تفصيل كلام خبري قبله وهو (لأجهدن).

اللغة: الدرء: الدفع وهو يريد أن يقول: لأبذلن جهدي لعلي أمنع وأدفع شيئا أخشى وقوعه أو أحقق هدفي الذي أتمناه.

ص: 1841

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

1449 -

أنا جدّا جدّا ولهوك يزدا

د إذا ما إلى اتّفاق سبيل (1)

ومثال النائب بحصر قول الشاعر:

1450 -

ألا إنّما المستوجبون تفضّلا

بدارا إلى نيل التّقدم والفضل (2)

واشترط كون هذا بتكرير، ليكون أحد اللفظين عوضا من ظهور الفعل، فيثبت بذلك سبب التزام إضمار الفعل، وقام الحصر مقام التكرير؛ لأنه لا يخلو من لفظ يدل عليه، وهو إنما أو إلّا بعد نفي، فجعل ذلك عوضا أيضا، ولأن

في الحصر من تقوية المعنى ما يقوم مقام التكرير، واشترط كون المخبر عنه اسم عين؛ لأنه لو كان اسم معنى لكان المصدر خبرا، فيرفع كقولك: جدّك جدّ عظيم، وإنما بدارة بدار حريص، وإذا كان اسم عين لم يصلح جعل المصدر خبرا له إلا على سبيل المجاز، وإذا لم يصلح جعله خبرا تعيّن نصبه بفعل هو الخبر.

فتقدير [2/ 373] أنا جدّا جدّا: أنا أجد جدّا. وتقدير: إنّما المستوجبون تفضّلا بدارا: إنما المستوجبون تفضلا يبادرون بدارا، ولو عدم الحصر والتكرير لم يلزم الإضمار بل يكون جائزا هو والإظهار (3).

ومن المضمر عامله وجوبا: المصدر المؤكد مضمون جملة، فإن كان لا يتطرق إليه احتمال يزول بالمصدر سمي مؤكدا لنفسه؛ لأنه بمنزلة تكرير الجملة، فكأنه نفس الجملة، وكأن الجملة نفسه، وهو كقولك: له عليّ دينار اعترافا، فإن كان مضمون الجملة تطرق إليه احتمال يزول بالمصدر فتصير الجملة به نصّا سمّي مؤكدا لغيره؛ لأنه ليس بمنزلة تكرير الجملة، فهو غيرها لفظا ومعنى، وذلك كقولك: هو -

(1) البيت من الخفيف لقائل مجهول وهو في: التذييل (3/ 233)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 188)، والهمع (1/ 192)، والدرر (1/ 165).

والشاهد قوله: «جدّا جدّا» ؛ حيث نصب بفعل محذوف وجوبا، والتقدير: أنا أجد جدّا، وهو نائب عن خبر اسم العين وهو (أنا)؛ لأنه مكرر.

(2)

البيت من الطويل مجهول القائل، وهو في شرح التسهيل (1/ 188)، والتذييل (3/ 233)، والهمع (1/ 192)، والدرر (1/ 165).

والشاهد في قوله: «بدارا» ؛ حيث نصب بفعل محذوف وجوبا؛ لأنه نائب عن خبر اسم العين وهو (المستوجبون تفضّلا)، والتقدير: المستوجبون تفضلا يبادرون بدارا.

(3)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 189).

ص: 1842

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابني حقّا، ولا يجوز تقدمهما على الجملة؛ لأن مضمونها يدل على العامل فيها، ولا يتأتى ذلك إلا بعد تمام الجملة (1)، وأما قولهم: أجدّك لا تفعل فأجاز فيه أبو علي الفارسي تقديرين:

أحدهما: أن يكون لا تفعل في موضع الحال.

والثاني: أن يكون أصله أجدك أن لا تفعل، ثم حذفت أن، وبطل عملها (2).

وزعم أبو علي الشلوبين أن فيه معنى القسم، ولذلك قدم (3).

ومن الملتزم إضمار ناصبه: المصدر المشبه به بعد جملة مشتملة على معناه، وعلى ما هو فاعل في المعنى، ولا بد من دلالته على الحديث، فمن ذلك قولهم: له دق دقّك بالمنحاز حب المقلقل، وله صوت صوت حمار، ومنه قول الشاعر يصف طعنة:

1451 -

لها بعد إسناد الكليم وهدئه

ورنّة من يبكي إذا كان باكيا

هدير هدير الثّور ينفض رأسه

يذبّ بروقيه الكلاب الضّواريا (4)

فلو لم يكن بعد جملة لم يجز النصب كقولك: دقه دقك بالمنحاز، وصوته صوت حمار، وهديرها هدير الثور، فلو كان بعد جملة تضمنت معنى الحديث دون معنى الفاعل لم يجز النصب إلا على ضعف كقولك فيها صوت صوت حمار، فيجعل صوت حمار بدلا ويضعف النصب؛ لأنه إنما استجيز في: له صوت صوت حمار؛ لأن (له صوت) بمنزلة هو يصوّت، لاشتماله على صاحب الصوت والصوت، فجاز أن يجعل بدلا من اللفظ بصوت مسندا إلى ضمير بخلاف فيها صوت، فإنه لم -

(1) ينظر: المطالع السعيدة (ص 303)، والأجوبة المرضية للراعي الأندلسي (ص 220)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 84).

(2)

ينظر: المسائل الشيرازيات (ص 318) بالمعنى، رسالة دكتوراه بجامعة عين شمس، وينظر أيضا:

التذييل (3/ 238).

(3)

ينظر: التذييل (3/ 238)، وشرح التسهيل للمرادي.

(4)

البيتان من الطويل، وهما للنابغة الجعدي، وهما في: الكتاب (1/ 355)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 96)، والتذييل (3/ 242)، والكافي شرح الهادي (379)، وديوانه (ص 180).

اللغة: الكليم: المجروح. وإسناده: أي إقعاده معتمدا بظهره على شيء يمسكه لضعفه. الرنة: رفع الصوت بالبكاء. الرق: الضواري التي اعتادت الصيد.

والشاهد في قوله: «هدير الثور» ؛ حيث نصب على المصدر التشبيهي بفعل مضمر وجوبا.

ص: 1843

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يتضمن إلا الصوت، فلم يحسن أن يجعل بدلا من اللفظ بصوت، ومع ذلك فالنصب جائز على ضعف؛ لأن الكلام الذي قبله وإن لم يتضمن اسم ما هو فاعل في المعنى؛ فكونه جملة متضمنة الصوت كاف، فإنك إذا قلت: فيها صوت، علم أن فيها مصوتا، لاستحالة صوت بلا مصوت، ولو كان المصدر غير دال على حدوث لم يجز النصب كقولك: له ذكاء ذكاء الحكماء؛ لأن نصب صوت وشبهه لم يثبت إلا لكون ما قبله بمنزلة [2/ 374] يفعل مسند إلى الفاعل، فقولك: مررت بزيد وله صوت بمنزلة قولك: مررت به وهو يصوت، فاستقام نصب ما بعده لاستقامة تقدير الفعل في موضعه، وإذا قلت: مررت بزيد، وله ذكاء - فلست تريد أنك مررت به وهو يفعل، لكنك أخبرت

عنه بأنه ذو ذكاء، فنزل ذلك منزلة مررت به، وله يد يد أسد، فكما لا ينصب يد أسد، لا ينصب ما هو بمنزلته، فإن عبرت بالذكاء عن عمل دال على الذكاء جاز النصب (1). وإن وقع موقع المصدر المشار إليه صفته ضعف النصب ورجح الإتباع كقولك: له صوت أي صوت، ولو نصب لجاز على تقدير:

يصوت أي تصويت، ومنه قول رؤبة بن العجاج:

1452 -

قولك أقوالا مع التّحلاف

فيه ازدهاف أيّما ازدهاف (2)

ولم يضمن المصدر الذي تضمنته الجملة من إضمار فعل لعدم صلاحية العمل، فإن شرط عمل المصدر إذا لم يكن بدلا من اللفظ بالفعل صلاحية تقديره بحرف مصدري وفعل، والمصدر المشار إليه بخلاف ذلك. فلو تضمنت الجملة ما فيه معنى الفعل والصلاحية للعمل، لكان هو العامل نحو: هو مصوّت تصويت حمار، ومن هذا ونحوه احترزت بقولي:(دون لفظ ولا صلاحية للعمل فيه)، ويلحق بـ «له صوت صوت حمار» قول أبي كبير الهذلي:

1453 -

ما إن يمسّ الأرض إلا منكب

منه وحرف السّاق طيّ المحمل (3)

-

(1) ينظر: الكتاب (1/ 355، 356)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 85، 86)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 106)، والأجوبة المرضية للراعي الأندلسي (ص 219، 220).

(2)

الرجز في الكتاب (1/ 364)، والتذييل (3/ 245) برواية (فيها ازدهاف). وتعليق الفرائد (1507)، والخزانة (1/ 244)، وديوان رؤبة (ص 100)، واللسان «زهف» .

اللغة: الازدهاف: الكذب. والشاهد فيه: نصب (إيّما) على إضمار فعل دل عليه ما قبله.

(3)

تقدم ذكره.

ص: 1844

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولذلك قال سيبويه بعد إنشاد هذا البيت: صار ما إن يمس بمنزلة له طي، ويجوز في نحو:

إنما أنت سيرا، الرفع على أن يجعل المعنى خبرا عن اسم العين مبالغة، ومنه قول الخنساء:

1454 -

ترتع ما غفلت حتّى إذا ادّكرت

فإنّما هي إقبال وإدبار (1)

وكذلك يجوز في: له عليّ دينار اعترافا، رفع اعتراف على تقدير: هذا الكلام اعتراف، فإذا استوفيت شروط نصب المشبه به فرفعه على الإتباع جائز، وكذا نصبه على الحال والعامل يبديه أو نحوه.

ومثال رفع المفيد طلبا: قول حسان رضي الله تعالى عنه:

1455 -

أهاجيتم حسّان عند ذكائه

فغيّ لأولاد الحماس طويل (2)

ومثله:

1456 -

يشكو إليّ جملي طول السّرى

صبر جميل فكلانا مبتلى (3)

قال سيبويه بعد إنشاد هذا: والنصب أجود وأكثر؛ لأنه يأمره (4). -

(1) البيت من البسيط، وقد قالته الخنساء في رثاء أخيها صخر، وينظر في: الكتاب (1/ 337)، والمقتضب (3/ 230)، (4/ 305)، والخصائص (2/ 203)، (3/ 189)، والمحتسب (2/ 43)، ودلائل الإعجاز (292)، وأمالي الشجري (1/ 71)، وابن يعيش (1/ 115)، وابن القواس (600)، والتذييل (3/ 235)، والخزانة (1/ 207 - 240)، والكافي شرح الهادي (378)، والتصريح (1/ 332)، والكامل (ص 336) طبعة بيروت، وديوان الخنساء (ص 26)، واللسان «قبل - سوى» .

اللغة: غفلت ورتعت الماشية أي أكلت ما شاءت، ويقال: نرتع: أي نلعب وننعم، ادكرت: تذكرت.

والشاهد في قوله: «هي إقبال وإدبار» ؛ حيث رفع المصدر خبرا على سعة الكلام مبالغة.

(2)

البيت من الطويل قاله حسان رضي الله عنه، وهو في: الكتاب (1/ 314)، وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 311)، والمخصص (12/ 185)، والتذييل (3/ 247)، وديوان حسان (212).

اللغة: الغي: الضلال. الحماس: بطن من بني الحارث بن كعب.

والشاهد في قوله: «فغي» ؛ حيث رفع المصدر على الابتداء وهو مفيد الطلب غير مكرر.

(3)

رجز لم يعلم قائله، وهو في: الكتاب (1/ 321)، وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 317)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 54)، وحاشية التفتازاني (1/ 350)، والتذييل (3/ 247)، وشرح الجمل لابن الضائع، والبحر المحيط (5/ 289)، وتعليق الفرائد (1508)، وشروح سقط الزند (620)، وأمالي المرتضى (1/ 107)، والأشموني (1/ 221)، واللسان:«شكا» .

اللغة: السرى: السير ليلا.

والشاهد في قوله: «صبر جميل» ؛ حيث رفع على الابتداء، وهو مفيد الطلب غير مكرر؛ ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، ويروى بالنصب أيضا.

(4)

الكتاب (1/ 321).

ص: 1845

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومثال رفع المفيد إنشاء قول الشاعر (1):

1457 -

عجب لتلك قضيّة وإقامتي

فيكم على تلك القضيّة أعجب (2)

ومثال رفع المفيد خبرا غير إنشائي قول الشاعر يصف أسدا:

1458 -

أقام وأقوى ذات يوم وخيبة

لأوّل من يلقى وشرّ ميسّر (3)

هذا آخر كلام المصنف (4)، وهو كما قال القائل:

1459 -

وهو المشيّع بالمسامع إن مضى

وهو المضاعف حسنه إن كرّرا (5)

ولنردفه بمباحث:

الأول:

إن المصنف أطلق القول في جواز حذف عامل المصدر [2/ 375] لقرينة، وقيد -

(1) هو هنيء بن أحمر من بني الحارث بن مرة بن عبد مناة بن كنانة، شاعر جاهلي، وقيل: هو ضمرة ابن جابر بن نهشل، شاعر جاهلي أيضا.

(2)

البيت من الكامل، وهو في: الكتاب (1/ 319)، وشرح المفصل لابن يعيش (1/ 114)، والتذييل (3/ 225، 226، 228، 247)، وشرح الجمل لابن الضائع، وشرح التسهيل للمرادي، وتعليق الفرائد (1510)، والخزانة (1/ 241)، والعيني (2/ 340)، والتصريح (2/ 87)، والهمع (1/ 191)، والدرر (1/ 164)، والأشموني (1/ 206).

والشاهد في قوله: «عجب» ؛ حيث رفع وأصله النصب، ورفعه على أنه مبتدأ وخبره الجار والمجرور بعده، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف.

(3)

البيت من الطويل، وهو لأبي زبيد الطائي، واسمه المنذر بن حرملة من طيئ، وهو في: الكتاب (1/ 313)، والمخصص (12/ 184)، وابن يعيش (1/ 114)، وابن القواس (ص 331)، والتذييل (3/ 221، 247)، وشرح الجمل لابن الضائع، والغرة المخفية (ص 266)، والارتشاف (ص 539)، وتعليق الفرائد (ص 1513)، والهمع (1/ 188)، والدرر (1/ 162)، واللسان «يسر» .

اللغة: أقوى: نفد ما عنده من الزاد.

والشاهد فيه: أنه رفع (وخيبة) على الابتداء والخبر هو الجار والمجرور بعده.

(4)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 192) وما قبلها.

(5)

البيت من بحر الكامل من قصيدة للمتنبي يمدح بها أبا الفضل محمد بن العميد، مطلعها قوله:

باد هواك صبرت أم لم تصبرا

وبكاك إن لم يجر دمعك أو جرى

وقبل بيت الشاهد قوله:

نطف الرجال القول حين نباته

ونطفت أنت القول لما نوّرا

ويستشهد بالبيت على: بلاغة القول، وانظر ديوان أبي الطيب بشرح العكبري (2/ 167).

ص: 1846

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك في الألفية بأن يكون المصدر غير مؤكد حيث قال: «وحذف عامل المؤكد امتنع» معللا ذلك بأن المؤكد إنما جيء به لتقوية عامله وتقرير معناه (1)، والحذف ينافي هذين الأمرين، وهو تعليل ظاهر، وقد رد ابنه الإمام بدر الدين ذلك ردّا فظيعا وقال: قد حذف عامل المؤكد جوازا في نحو: أنت سيرا، ووجوبا في: أنت سيرا سيرا، وفي نحو: سقيا ورعيا. انتهى (2).

وفيما رد به نظر، أما نحو سقيا ورعيا فلا يرد؛ لأن المصدر في مثله جعل بدلا من اللفظ بالعامل، فذكر العامل معه مناف للمقصود به، ثم لا نسلم أنه حينئذ مؤكد لعامله، والدليل على أنه غير مؤكد أنه إذا وقع بعده معمول نحو: ضربا زيدا، كان معمولا له لا للعامل المحذوف على المذهب الصحيح، وإذا كان عاملا انتفى كونه مؤكدا؛ لأن النحاة نصوا على أن المؤكد لا يعمل (3)، وأما نحو: أنت سيرا سيرا، فلاشك أن التكرير فيه قائم مقام العامل، وإذا كان كذلك فالعامل في حكم الموجود لفظا، فكأنه لم يحذف (4). وأما نحو: أنت سيرا فهو صورة مخصصة لعموم قوله: عامل المؤكد لا يحذف، ثم لك أن تفرق بين الصورتين، وهما ضربت ضربا، وأنت سيرا؛ حيث امتنع في الأولى، وجاز في الثانية بأن تقول: تقدير الفعل في نحو: أنت سيرا متعين متحتم لازم لا محيد عنه من أجل أن اسم العين الذي هو المبتدأ لا بد له من خبر، واسم المعنى لا يخبر به عن اسم العين، فجعل تحتم التقدير لصحة المعنى في قوة الموجود المنطوق به.

الثاني:

استفيد من كلام المصنف أن المصدر المنصوب بفعل مهمل بالنسبة إلى استعماله مضافا وغير مضاف أربعة أقسام:

ما هو مفرد: أي لا يستعمل مضافا وذلك كأفّة وتفّة وذفرا وبهرا، والأفة في الأصل ريح الأذن، والتفة وسخ الأظفار، وما هو مضاف: أي لا يقطع عن الإضافة وهذا قسمان: مفرد ومثنى. -

(1) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 81).

(2)

شرح الألفية لابن الناظم (ص 104).

(3)

ينظر: الأجوبة المرضية للراعي الأندلسي (ص 221).

(4)

ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (1/ 115).

ص: 1847

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالمفرد: بله نحو: بله الأكف، وقعدك الله في القسم، وسبحانك وسلامك، إلا أن سبحان قد يقطع عن الإضافة قليلا كما ذكر. والمثنى نحو: لبيك (1).

وما يستعمل مضافا وغير مضاف: نحو: ويح وويب وويس وويل وعول (2)، وأن المصدر المنصوب بفعل مستعمل منه مضاف كغفرانك، وفَضَرْبَ الرِّقابِ (3).

وغير مضاف وهو أكثر من المضاف كسقيا ورعيا. هذا في الطلب، وكذلك في الخبر كما ستأتي أمثلته، والويل الفضيحة، والحيرة والويب في معناه، وانتصاب ويح وويل مع الإضافة لا شك فيه، أما إذا أفردا [2/ 376] عن الإضافة، فالذي فهم من كلام المصنف المتقدم أن كلمة ويل ترفع؛ لأنه لما مثل بها غير مضافة قال: ويح له، وأن كلمة ويل يجوز فيها النصب، لكنه أقل من الرفع؛ لأنه مثل بقوله: ويل له، ثم قال: وقد يفرد (ويل) منصوبا كقول القائل:

1460 -

فويلا لتيم من سرابيلها الخضر (4)

وكذا يقتضيه كلام غيره، وقال ابن أبي الربيع: تبّا لك التزم نصبه، وويح لك التزم رفعه، وويل لك فيه الوجهان، وقال: ولو قسنا لساوياه، لكن لا يتعدى السماع (5)، ثم قال: وإن عطفت ويحا على تب نصبته ولا يجوز رفعه؛ لأنه لا خبر له. وإن عطفت تبّا على ويح فكحاله قبل العطف، وتكون قد عطفت جملة فعلية على جملة اسمية لتساويهما في المعنى، وتقول: تبّا له وويح له؛ فلا يكون في ويح إلا الرفع كحاله قبل العطف (6). انتهى.

وحاصله: أن ويحا إذا أفرد عن الإضافة يرفع أبدا إلا إذا عطفته على قولك: تبّا له فقلت: تبّا له وويحا، فإنك تنصبه، إلا إذا ذكر خبره، فإنك ترفعه، نحو: تبّا له وويح، وهو كلام محرر، لكن في شرح الشيخ وربما نقله عن ابن عصفور: أنك -

(1) ينظر التذييل (3/ 197 - 199)، والمباحث الكاملية (ص 937 - 940)، والأجوبة المرضية (ص 215، 216).

(2)

جعل ابن عصفور مثل هذه المصادر لا يستعمل إلا مضافا فقال: «ومنه إلا أنه لا يستعمل إلا مضافا ويحك وويلك وويك وويبك» . اه. المقرب (1/ 255).

(3)

سورة محمد: 4.

(4)

تقدم ذكره.

(5)

ينظر: الأجوبة المرضية (ص 217) حيث ذكر هذا النص لابن أبي الربيع.

(6)

ينظر: التذييل (3/ 200) فقد ذكر فيه النص لابن أبي الربيع، والهمع (1/ 189).

ص: 1848

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا عطفت (تبّا) على قولك: ويح له، جاز رفعه فتقول: ويح له وتب (1)، وهذا مخالف لما قاله ابن أبي الربيع وغيره، وذكر عن المازني أنه يمنع هذا العطف، ويقول: كيف يتصور أن يكون مدعوّا له وعليه في خبر واحد، وذلك أن معنى «تبّا له» خسران له، ومعنى «ويح له»: رحمة له، وخرج الناس هذا على وجهين:

أحدهما: أن قولك: ويح له ليس بدعاء كما في: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * (2).

فمعنى تبّا له وويح له خسران له، وهو لكونه ذا خسران يجب أن يقال فيه: رحمة له.

الثاني: أن يكون تبّا له دعاء له على حد: قاتله الله ما أشعره!

ويذكر عن الجرمي منع هذا الباب جملة، قال: لأنه يؤدي إلى أن يرفع ما شأنه النصب، وينصب ما شأنه الرفع (3).

وبعد؛ فلم يتحرر لي الكلام في صور هذا الفصل وأطلت النظر في شرح الشيخ، فلم ينضبط لي ما قاله؛ لعدم تطابق منقولاته عن النحاة.

المبحث الثالث:

هذه المصادر إذا عرفت باللام فالنصب فيها جائز كما كان، لكن الرفع حينئذ أحسن من النصب؛ ولهذا كان الجمهور على قراءة الحمد لله رب العالمين (4) بالرفع (5).

قال سيبويه: وإنما استحبّوا الرفع؛ لأنه صار معرفة، وهو خبر، فقوي في الابتداء بمنزلة عبد الله والرجل، وهو في رفعه بمنزلة رفع العمدة من معنى الفعل، وما بعده خبر (6). انتهى.

والحكم في المصدر المفرد من اللام بالعكس، فالنصب فيه الوجه، ولا يقال الرفع إلا سماعا كقول الشاعر:

1461 -

عجب لتلك قضيّة وإقامتي

فيكم على تلك القضيّة أعجب (7)

-

(1) من (ب): (وتب له)، وينظر: التذييل (3/ 203).

(2)

سورة المرسلات: 15 وغيرها، وسورة المطففين:10.

(3)

التذييل (3/ 200، 201)، وينظر: الهمع (1/ 189).

(4)

سورة الفاتحة: 2.

(5)

ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 7)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 3).

(6)

الكتاب (1/ 328).

(7)

تقدم ذكره.

ص: 1849

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[2/ 377] ثم إن إدخال (أل) ليس مطردا في جميع المصادر، وإنما هو سماع (1)، قال سيبويه: ليس كل حرف يدخل فيه (أل) من هذا الباب، لو قلت: السّقي لك والرعي (2) لم يجز. انتهى.

ولكن الفراء والجرمي أجازا ذلك قياسا (3).

المبحث الرابع:

جعل المصنف غفرانك بدلا من اللفظ بفعله المستعمل، لكنه لم يذكر الفعل الناصب ما هو، وقد اختلف فيه: فقيل: إنه (اغفر) والتقدير: اغفر غفرانك (4)، فعلى هذا الجملة طلبية، وقال الزمخشري: يقال: غفرانك لا كفرانك أي:

نستغفرك ولا نكفرك (5)، وعلى هذا الجملة خبرية، وأجاز بعضهم أن ينتصب على المفعول به (6) أي نسأل غفرانك وهو غير ظاهر؛ لأنه لو كان مفعولا به، لم يكن حذف عامله واجبا، ولكن قد اضطرب كلام ابن عصفور، فتارة أوجب إضمار عامله (7) وتارة أجاز إظهاره (8)، فيمكن أن يقال: إنه إنما أجاز الأمرين باعتبارين، فحيث جعله مصدرا، أوجب حذف العامل، وحيث جعله مفعولا به أجاز إظهاره، ثم قد علمت أن المصنف لما ذكر المحذوف عامله وجوبا في الأمر، ومثله بقول القائل:

1462 -

فصبرا في مجال الموت صبرا (9)

قال: ومثله في النهي:

1463 -

قد زاد حزنك لمّا قيل لا حزنا (10)

-

(1) ينظر: الهمع (1/ 189).

(2)

الكتاب (1/ 329).

(3)

ينظر: التذييل (3/ 204)، والارتشاف (540)، والهمع (1/ 189)، وحاشية الصبان (2/ 117).

(4)

هذا رأي الزجاج في معاني القرآن له (1/ 370) حيث قال: «ومعنى: غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: 285] أي: اغفر غفرانك» اه. وذكر أبو حيان في التذييل (3/ 223) أن بعضهم نسبه إلى سيبويه.

والذي قاله سيبويه في هذا المصدر هو: «ونظير سبحان الله في البناء من المصادر والمجرى لا في المعنى (غفران)؛ لأن بعض العرب يقول: غفرانك لا كفرانك، يريد استغفارا لا كفرا» اه. الكتاب (1/ 325).

(5)

الكشاف (1/ 111، 112).

(6)

ينظر: الهمع (1/ 191).

(7)

ذكر ذلك في المقرب (1/ 148) حيث عده مع المصادر التي يجب إضمار عاملها مثل: سبحان.

(8)

ذكر ذلك في شرح الجمل (2/ 339) رسالة بجامعة القاهرة.

(9)

،

(10)

تقدم ذكرهما.

ص: 1850

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فاستدرك الشيخ ذلك عليه، وقال: هذا تفسير معنى لا تفسير إعراب؛ لأن (لا) التي للنهي من خصائص الفعل المضارع، ولا تدخل على الاسم، ولا يجوز أن يدعى أن فعلها محذوف وأن التقدير لا يحزن حزنا؛ لأن فعل (لا) التي للنهي لا يجوز حذفه، قال: والذي نختاره أن (لا) للنفي، ولو دخلت على حزن، فنفته وهو مبني على الفتح معها، ونوّن ضرورة كما نوّن:

1464 -

سلام الله يا مطر عليها (1)

وهو نفي معناه النهي كما في قوله: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (2)؛ فإنه نفي معناه النهي على أحد التأويلين (3). انتهى.

ولك أن تقول: لا شك أن المعنى على النهي، ولا حاجة بنا إلى أن نجعله نفيا ثم نؤوله به، إذ يمكن كونه نهيا من الأصل، فأما دعوى الشيخ أن فعل (لا) التي للنهي لا يجوز حذفه وإطلاقه ذلك، فقد يمنع، فيقال: إنما يجب الذكر إذا لم يدل دليل على المحذوف، أما إذا قام غيره مقامه، فالحذف لازم، وأي فرق بين قولنا:

(صبرا) وبين قولنا: (لا حزنا) بالنسبة إلى كون المصدر بدلا من اللفظ بالفعل في المسألتين، وقد كان الفعل قبل قيام (صبرا) مقامه لا يجوز حذفه، ثم صار حذفه بعد ذكر (صبرا) واجبا إذا قصد إقامته مقامه.

فكذلك (لا حزنا)، قد كان الفعل المقصود بالنهي غير جائز الحذف، فلما أقيم (حزنا) مقامه عاد الحذف واجبا. -

(1) صدر بيت من الوافر للأحوص وعجزه:

وليس عليك يا مطر السّلام

وهو في: الكتاب (2/ 202)، والمقتضب (4/ 214، 224)، ومجالس ثعلب (1/ 74، 474)، وأمالي الزجاجي (ص 81)، والمحتسب (2/ 93)، والتذييل (3/ 224)، وأمالي الشجري (1/ 341)، والإنصاف (1/ 311)، والخزانة (1/ 294)، والارتشاف (1121)، وابن القواس (34)، والمغني (1/ 343)، والعيني (1/ 108)، (4/ 211)، والتصريح (2/ 171)، والهمع (2/ 80)، والدرر (2/ 105)، وشعر الأحوص (121)، والأشموني (3/ 144).

والشاهد قوله: «يا مطر» ؛ حيث نون المنادى الذي حقه أن يبنى على الضم ضرورة.

(2)

سورة الواقعة: 79.

(3)

التذييل (3/ 224، 225).

ص: 1851

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المبحث الخامس:

لا شك أن المسائل التي يجب فيها حذف عامل المصدر، منها ما هو سماعي، ومنها ما هو قياسي، والظاهر أن المذكور من أول الفصل [2/ 378] إلى قوله:

أو غائب في حكم حاضر - هو السماعي، وأن المذكور بعد ذلك إلى آخر الفصل هو القياس، وليس في كلام المصنف ما يشعر بذلك، غير أنه لما ذكر المصدر المضاف نحو: غفرانك وفَضَرْبَ الرِّقابِ (1)، قال: ومنه مفرد وهو أكثر من المضاف، وليس مقيسا عند سيبويه مع كثرته، وهذا صريح في أن نحو: سقيا ورعيا سماعي عند سيبويه، ثم قال: وهو عند الفراء والأخفش مقيس بشرط إفراده وتنكيره، وسرد الكلام إلى آخره كما تقدم، وقد صرح ابن الحاجب: بأنه سماعي في مثل:

سقيا ورعيا وخيبة وجدعا وحمدا وشكرا وعجبا، وأنه قياسي في ست مسائل وهي:

ما أنت إلا سيرا وفَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً (2)، وإذا له صوت صوت حمار، وله علي ألف اعترافا، وزيد قائم حقّا، ولبيك وسعديك (3). وعلى هذا الذي ذكره ابن الحاجب يستثنى من الصور الأول التي قلنا: إنها سماعية - لبيك وسعديك، ويضم إلى الصور التي قلنا: إنها قياسية على أن الظاهر عد (لبيك) من السماعي دون القياسي، وهذا أمر لا يحتاج إلى نقل عن أئمة هذا الشأن.

المبحث السادس:

يظهر أن قول ابن الحاجب معبرا عن فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً (4) ما وقع تفصيلا لأثر مضمون جملة متقدمة أحسن من قول المصنف: إنه تفصيل عاقبة طلب أو خبر، وأما قول المصنف:(أو نائبا عن خبر اسم عين بتكرير أو حصر) فهو أولى من قول ابن الحاجب: ما وقع مثبتا بعد نفي أو بمعنى نفي داخل على اسم لا يكون خبرا (5) -

(1) و (2) سورة محمد: 4.

(3)

ينظر: شرح ابن الحاجب على كافيته (ص 395 - 404) حيث ذكر ابن الحاجب هذه المسائل السماعية والقياسية بالتفصيل.

(4)

سورة محمد: 4، شرح ابن الحاجب على كافيته (ص 395 - 404) تحقيق د/ جمال مخيمر رحمه الله.

(5)

المرجع السابق نفسه.

ص: 1852

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عنه، لأن نحو: زيد سيرا سيرا لم يدخل تحت عبارة ابن الحاجب، ولا شك أن إضمار عامل المصدر في مثلها واجب.

المبحث السابع:

يشمل قول المصنف: (نائبا عن خبر اسم عين بتكرير) نحو: أنت سيرا سيرا، وإن زيدا سيرا سيرا، وكان زيد سيرا سيرا، وأنت سيرا سيرا مستفهما، ويجوز أن يكون المصدر معرفة نحو: زيد السير السير، وقد تقدم إنشاد قول الشاعر:

1465 -

أنا جدّا جدّا (1)

فلا فرق بين أن يكون اسم العين المخبر عنه ضمير مخاطب أو متكلم أو غائب، أو اسما ظاهرا، قالوا: لا يكون ذلك يعني هذا التركيب الذي يجب فيه إضمار العامل إلا إذا رأيته يعني المخبر عنه على تلك الحال، أو ذكر ذلك، أو قدرت ذلك لنفسك أو غيرك، وذلك على جهة الاتصال أي السير المتصل بعضه ببعض، أي توقعه سيرا متواليا (2).

قال الشيخ: ومثله في التكرير ما كان بغير لفظه نحو: أنت قياما قعودا، وما عطف عليه مصدر آخر نحو: زيد ضربا وقيلا، وزيد سيرا وردّا، قال: وكذا لو لم تكن الواو نحو: زيد إما قياما إما قعودا (3)، ومما نبه عليه الشيخ أنه لما ذكر وجوب [3/ 379] إضمار العامل فيما إذا كان المصدر محصورا نحو: ما أنت إلا سيرا، وما أنت إلا شرب الإبل، على التشبيه، أي تشرب شربا مثل شرب الإبل، قال:

أو كان المصدر مستفهما عنه نحو: أأنت سيرا، وعلل ذلك بأن ما فيه من معنى الاستفهام الطالب للفعل كأنه ناب عن التكرير (4)، ثم قال الشيخ - بعد التمثيل بـ (ما أنت إلا سيرا) وأخواته -:«والإخبار فيه على ما تقدم من مشاهد هذه الحال والاتصال» ، ثم قال: فأما قولك: زيد سيرا - وما زيد سيرا فنص سيبويه على أن (أنت سيرا) أنه ما لا يجوز إظهار العامل فيه؛ لأنه أدخله في الباب، قال:

وكذلك: ما أنت سيرا، قال: وأجاز ذلك غيره، وأطلق بعضهم جواز ذلك، ولم -

(1) تقدم ذكره.

(2)

ذكر أبو حيان هذا النص في التذييل (3/ 234) نقلا عن البسيط. وينظر: الكتاب (1/ 335، 336).

(3)

،

(4)

التذييل (3/ 234).

ص: 1853

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يفرق بين الاستفهام وغيره (1). انتهى.

والذي ذكره عن بعضهم من جواز ذلك هو المشهور، وكذا عدم التفرقة بين الاستفهام وغيره، ونسبة القول بوجوب إضمار العامل في مثل: أنت سيرا، وما أنت سيرا إلى سيبويه، لكونه أدخله في الباب - فيه نظر؛ لأنه لا يلزم من إدخاله له في الباب أن يكون حكمه حكم ما ذكر معه .. (2).

المبحث الثامن:

قد علم أن المصدر المؤكد مضمون جملة قسمان: مؤكد نفسه، ومؤكد غيره، فليعلم أن هذا المصدر في ضربيه يجوز أن يأتي نكرة ومعرفة بأل وبالإضافة، فما استعمل معرفة بأل ونكرة: الحق والباطل، تقول: هذا عبد الله حقّا، وهذا زيد الحق لا الباطل، واليقين لا الشك، وغير وقول يستعمل مضافا إلى معرفة نحو: هذا القول لا قولك، وهذا القول غير ما تقول، وتقول هذا القول غير قيل باطل، وقال تعالى: صُنْعَ اللَّهِ (3) ووَعْدَ اللَّهِ (4)؛ لأن الكلام الذي قبله (صنع ووعد). ومن النكرة: هذا عبد الله قطعا ويقينا، ومنه لا إله إلا الله قولا حقّا، قيل:

ومنه هو عالم جدّا (5)، كقوله (6):

1466 -

وإنّ الّذي بيني وبين بني أبي

وبين بني عمّي لمختلف جدّا (7)

قال الشيخ: وسيبويه يقول في هو حسيب جدّا: إنه على الحال (8)؛ لأنه يجري عنده وصفا في قولك: هو العالم جد العالم، فكان على الحال، وقد التزم في بعض هذه المصادر التعريف، فلا يستعمل على التأكيد إلا معرفة نحو: ألبتة كقولك: -

(1) المرجع السابق نفسه.

(2)

ينظر: الكتاب (1/ 339).

(3)

سورة النمل: 88.

(4)

سورة الزمر: 20 وتمام الآية وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ.

(5)

ينظر: الهمع (1/ 192)، والمقرب (1/ 255، 256)، والكتاب (1/ 379 - 382) والمباحث الكاملية (ص 935).

(6)

المقنع الكندي وهو محمد بن ظفر بن عمير، شاعر مقل من شعراء الإسلام في عهد بني أمية، وكان يعرف بالشرف والمروءة في قومه.

(7)

البيت من الطويل وهو في: التذييل (3/ 236)، وديوان الحماسة (2/ 37، 38).

والشاهد في قوله: «جدّا» ؛ حيث جاء المصدر محذوف الفعل وجوبا؛ لأنه مؤكد الجملة قبله وهو نكرة.

(8)

ينظر: الكتاب (2/ 118) وعبارة سيبويه: وهذا حسيب جدّا.

ص: 1854

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا أفعله ألبتة، ومعناه القطع، ولا عودة له ألبتة لا يستعمل دون ألف ولام، فأما قوله:

1467 -

وإنّي لآتيها وفي النّفس هجرها

بتاتا لأخزي الدّهر ما طلع الفجر (1)

فهو على الحال، قيل: ومن هذا الباب وهو شاذ (2)، ثم قد علمت أن الأصح منع تقديم المصدرين المذكورين على الجملة، وتقدمت الإشارة في كلام المصنف إلى علة ذلك، وأفاد كلامه أن في التقديم خلافا.

قال الشيخ: وأجاز الزجاج توسيطه [3/ 380] تقول: هذا حقّا عبد الله، وهو مسموع من كلامهم (3)، وأجاز بعضهم تقديمها على الجملة، قال أبو علي: يجوز غير ذي شك زيد منطلق، فتقدم وتؤخر والعامل فيه المعنى، وإن كان متقدما؛ لأن غير ذي شك يقتضيه، فظني أنه قد أجري مجرى الظرف، والظرف يعمل فيه المعنى متقدما نحو: أكلّ يوم لك ثوب؟ فكذلك هذا. انتهى (4).

وقد استدل بعضهم على جواز ذلك بقول العرب: أحقّا زيد منطلق؟ ولا دليل في ذلك؛ لأن حقّا منصوب على الظرف لا على المصدر (5)، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر ثم ما كان مصدرا نصب بفعل من لفظه: التقدير: أحق وأقطع وأبت، وما كان غير مصدرا نصبت بأقول مضمرا، فتقدير هذا القول غير ما يقول أقول غير ما يقول (6).

المبحث التاسع:

قد تقدم في كلام المصنف الإشارة إلى قولهم: أجدّك لا تفعل، وأن الفارسي له فيه تقديران: -

(1) البيت من الطويل، نسب لكثير عزة كما نسب للأحوص، وهو في: التذييل (3/ 237)، وديوان كثير عزة (ص 522)، برواية: بتاتا لأخزي الدهر أو لتثبيت، في الشطر الثاني، وينظر في ملحقات شعر الأحوص (ص 147) برواية. (لقد كنت آتيها) في الشطر الأول.

والشاهد قوله: (بتاتا)؛ حيث نصب على الحال؛ لأن البت لا ينصب على المصدرية إلا معرفا بأل، وقيل: إنه نصب عليها شذوذا.

(2)

التذييل (3/ 237).

(3)

ينظر: التذييل (3/ 239).

(4)

التذييل (2/ 237).

(5)

ينظر: الهمع (1/ 192)، والكتاب (3/ 334، 335).

(6)

ينظر: الكتاب (1/ 378، 379).

ص: 1855

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحدهما: أن لا تفعل في موضع الحال.

ثانيهما: أن يكون أصله: أجدك أن لا تفعل، ثم حذف (أن) وبطل عملها، وأن الشلوبين زعم أن فيه معنى القسم، قال: ولذلك قدم، ولم ينضج المصنف الكلام في المسألة.

وقد تكلم غيره على ذلك، فقال ابن الحاجب في شرح المفصل: أجدّك لا تفعل كذا، أصله: لا تفعل كذا جدّا؛ لأن الذي ينتفي الفعل عنه يجوز أن يكون بجد منه، ويجوز أن يكون من غير جد، فإذا قال: جدّا فقد ذكر أحد المحتملين، ثم أدخلوا همزة الاستفهام إيذانا بأن الأمر ينبغي أن يكون كذلك على سبيل التقرير، فقدم لأجل الاستفهام، فقيل: أجدك لا تفعل كذا، ثم لما كان معناه تقرير أن يكون الأمر على وفق ما أخبر، صار في معنى تأكيد كلام المتكلم، فيتكلم به من يقصد إلى التوكيد، وإن كان ما تقدم هو الأصل الجاري على قياس لغتهم.

ويجوز أن يكون معنى أجدك في مثله: أتفعله جدّا منك، على سبيل الإنكار لفعله جدّا، ثم نهاه عنه، وأخبر بأنه لا يفعله، فيكون (أجدك) توكيدا لجملة مقدرة، دل سياق الكلام عليها، ومما يدل على أنهم يقولون: أفعله جدّا قول أبي طالب:

1468 -

إذا لاتّبعناه على كلّ حالة

من الدّهر جدّا غير قول التّهازل (1)

انتهى (2).

وقال الشيخ - بعد إيراده كلام المصنف في المسألة -: فإن قلت: كيف أدخل سيبويه هذا في المصدر المؤكد لما قبله، وليس كذلك، لأنك إذا فرضته مؤكدا فإنما يكون مؤكدا لما بعده، قلت: إنما هو جواب لمن قال: أنا لا أفعل كذا، وأنا أفعل كذا، وبلا شك أن المتكلم يحمل كلامه على الجد، فهو مجد فيما يقول. فإذا قلت:

أتجد ذلك جدّا فهو مؤكد لما قبله، لكنه لم يستعمل قط إلا مضافا، قال الشاعر (3): -

(1) البيت من الطويل، وهو في الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 232) تحقيق موسى العليلي، والخزانة (1/ 251)، وسيرة ابن هشام (1/ 176)، وديوان أبي طالب ق 4 خ بدار الكتب تحت رقم 38 ش.

والشاهد فيه: أن قوله: «جدّا» توكيد لجملة مقدرة دل عليها سياق الكلام.

(2)

انظر: شرح المفصل لابن الحاجب المسمى بالإيضاح في شرح المفصل (1/ 233)(العراق).

(3)

هو قس بن ساعدة الأيادي، أو عيسى بن قدامة الأسدي أو الحسن بن الحارث أو نصر بن غالب.

ص: 1856

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

1469 -

خليليّ هبّا طالما قد رقدتما

أجدّكما لا تقضيان كراكما (1)

وقال آخر:

1470 -

أجدّك لن ترى بثعيلبات

ولا بيدان ناجية ذمولا (2)

وقال آخر:

1471 -

أجدّك لم تغتمض ليلة

فترقدها مع رقّادها (3)

قال: وغالبا بعده «لا» أو «لم» ، أو «لن» (4)، وفي [2/ 381] النهاية قال الأعشى:

1472 -

أجدّك ودعت الدّمى والولائدا (5)

يعني أن ودعت موجب، وجاء مع لم كثيرا، ومع لا، نقول: أجدك لا تفعل، وهو مصدر مؤكد تقدم على الجملة من أجل همزة الاستفهام، وهو - يعني همزة الاستفهام - دخلت على قولك: لا تفعل، فصار معنى الكلام التقرير، كأنه قال:

ألا تفعل كذا وكذا جدّك، فقدم المصدر لما ذكرنا (6). انتهى ما نقله عن النهاية. -

(1) البيت من الطويل، وهو في: التذييل (3/ 238)، وشرح المفصل لابن يعيش (1/ 116)، والخزانة (1/ 261)، وديوان الحماسة (1/ 362)، والأغاني (14/ 40)، واللسان «جدد» .

اللغة: تقضيان: تتمان. كراكما: نومكما.

والشاهد في قوله: «أجدكما» ؛ حيث نصب على المصدر بفعل محذوف، وهو مؤكد لما قبله تقديرا.

(2)

البيت من الوافر، وهو للمرار بن سعيد الأسدي الفقعسي، وهو في معاني القرآن للفراء (1/ 171)، ومجالس ثعلب (1/ 131)، والتذييل (3/ 238)، والبحر المحيط (2/ 290)، (7/ 475)، والمسائل الشيرازيات للفارسي (ص 318) رسالة بجامعة عين شمس، والخزانة (1/ 262)، واللسان «بيد» .

اللغة: ثعيلبات وبيدان: موضعان. الناجية: الناقة السريعة، الذمول: ضرب من سير الإبل.

والشاهد في قوله: «أجدك» ؛ حيث نصب بفعل محذوف على المصدرية، وهو مؤكد لما قبله تقديرا.

(3)

البيت من المتقارب، وهو للأعشى من قصيدة يمدح بها سلامة بن يزيد الحميري، وهو في: التذييل (3/ 239)، والارتشاف (ص 766) برواية (أجدك لم تغتمض ساعة) وينظر أيضا: الخزانة (1/ 262)، والكافي في شرح الهادي (ص 383)، والكامل (3/ 882)، وديوانه (ص

69).

والشاهد في قوله: «أجدك» ؛ حيث نصب بفعل محذوف، وهو مؤكد لما قبله تقديرا. كما في الأبيات السابقة.

(4)

التذييل (3/ 238، 239).

(5)

صدر بيت من الطويل، وعجزه: وأصبحت بعد الجور فيهنّ قاصدا.

وهو في: الارتشاف (ص 547)، والخزانة (1/ 263) عرضا، والكافي شرح الهادي (ص 383).

برواية (ودعت الصبي)، وديوانه (ص 48).

والشاهد في قوله: (أجدك) كالأبيات السابقة.

(6)

ينظر: الارتشاف (ص 547، 548).

ص: 1857

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو كلام حسن، وينحل به ما قاله ابن الحاجب، ثم قال الشيخ في الارتشاف:

وها هنا نكتة وهي أن الاسم المضاف إليه جد، حقه أن يناسب فاعل الفعل الذي بعدها في التكلم والخطاب والغيبة نحو: أجدّك لا أكرمك، وأجدّك لا تفعل، وأجدّه لا يزورنا، وعلة ذلك أنه مصدر يؤكد الجملة التي بعده، فلو أضفته لغير فاعل اختل التوكيد (1).

المبحث العاشر:

قال سيبويه - في مسألة: له صوت صوت حمار -: فإنما انتصب هذا؛ لأنك مررت به في حال تصويت ولم ترد أن تجعل الآخر صفة للأول ولا بدلا منه، ولكنك لما قلت: له صوت، علم أنه قد كان، ثم عمل، فصار قولك: صوت بمنزلة قولك:

فإذا هو بصوت، فحملت الثاني على المعنى ثم قال: كأنه توهم بعد قوله: صوت:

يصوت صوت حمار، أو يبديه، أو يخرجه صوت حمار (2). انتهى.

وفهم الناس منه أن صوت حمار يكون مصدرا مبينا إن قدر العامل من لفظ صوت، ويكون حالا إن قدر العامل من غير لفظ صوت (3)، وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله المتقدم: فإذا استوفيت شروط نصب المشبه به، فرفعه على الإتباع جائز، وكذا نصبه على الحال والعامل يبديه أو نحوه (4).

المبحث الحادي عشر:

أشار المصنف بقوله: (وإتباعه جائز) في المتن، وبقوله في الشرح: إن رفعه على الإتباع جائز (5) إلى جواز رفع هذا المصدر، إذ لا مانع من ذلك، ثم إن كان المصدر نكرة، جاز فيه كونه صفة، وكونه بدلا، ويؤخذ هذا من قول

سيبويه: ولم ترد أن تجعل الآخر صفة للأول ولا بدلا منه (6) ويجوز أيضا أن يكون خبر مبتدأ محذوف، وإن كان المصدر معرفة كقولهم: لها هدير هدير الثور - تعين البدل، -

(1) الارتشاف (ص 548).

(2)

الكتاب (1/ 356).

(3)

ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (1/ 115)، والتصريح (1/ 333)، والأجوبة المرضية للراعي الأندلسي (ص 219)، والمطالع السعيدة (ص 303، 304).

(4)

ينظر: شرح التسهيل للمصنف.

(5)

شرح التسهيل للمصنف.

(6)

الكتاب (1/ 356).

ص: 1858

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويجوز كونه خبرا لمبتدأ محذوف أيضا، ولا يجوز أن يكون صفة، لأنه معرفة، وأجاز ذلك الخليل؛ لأنه عنده في معنى النكرة، لأنها مضاف إليها مثل، وزعم سيبويه أن هذا قبيح ضعيف، لا يجوز إلا في موضع اضطرار (1)، ثم قول المصنف:(وإتباعه جائز) يفهم منه ظاهرا أن النصب أرجح من الرفع، وقد اختلف في ذلك، فقال ابن خروف:

النصب في هذا الباب الوجه؛ لأن الثاني ليس الأول فيدخله المجاز والإتباع، يعني إذا رفع (2)، وقال ابن عصفور: الرفع والنصب فيه متكافئان؛ لأن النصب فيه [2/ 382] الإضمار، وفي الرفع المجاز، لأنه جعل الأول: الثاني (3) وليس به، وفيما قاله ابن عصفور نظر، فإن العامل المضمر قد قام شيء مقامه؛ ولذا التزم إضماره.

وأما قول المصنف: (وإن وقعت صفة موقعه فإتباعها أولى من نصبها) فقد تقدم شرحه له، وقد نص سيبويه على أن الاختيار في ذلك الرفع (4) كما ذكر المصنف.

وقرن سيبويه بهذه المسألة ما إذا كرر صوت ووصف نحو: له صوت صوت حسن، وعلل ذلك بأنه إنما أريد الوصف، فذكر صوت توطئة له، وأشار سيبويه إلى أن النصب جائز بقوله: وإن قلت: له صوت، أيما صوت أو مثل صوت الحمار، أو له صوت صوتا حسنا جاز. وزعم ذلك الخليل، ويقوي ذلك أن يونس وعيسى جميعا زعما أن رؤبة كان ينشد هذا البيت نصبا:

1473 -

فيه ازدهاف أيّما ازدهاف (5)

فحمله على الفعل ينصب صوت حمار؛ لأن ذلك الفعل لو ظهر نصب ما كان صفة، وما كان غير صفة (6). وأما

قول المصنف: (وكذا التالي جملة خالية مما هو له) فأراد به الإشارة إلى نحو: فيها صوت صوت حمار، يعني أن الإتباع فيه أولى من النصب، وقد تقدم ذلك في كلام المصنف.

قال سيبويه: ولو نصبت كان وجها؛ لأنه إذا قال: هذا صوت، فقد علم أن مع الصوت فاعلا نحمله على المعنى كما قال:

1474 -

ليبك يزيد ضارع لخصومة (7)

-

(1) ينظر: الكتاب (1/ 361).

(2)

ينظر: التذييل (3/ 345)، والتصريح (1/ 334).

(3)

شرح الجمل لابن عصفور (2/ 335)، والتصريح (1/ 334).

(4)

ينظر: الكتاب (1/ 363).

(5)

تقدم ذكره.

(6)

الكتاب (1/ 364).

(7)

تقدم البيت في باب الفاعل، وهو من بحر الطويل للحارث بن نهيك كما في كتاب سيبويه:(1/ 288) -

ص: 1859

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المبحث الثاني عشر:

قسم ابن عصفور المصدر بالنظر إلى التصرف والانصراف أربعة أقسام:

الأول: متصرف لا منصرف: وهو كل ما أقيم من الصفات مقام مصدر محذوف نحو: قعد زيد أكثر من قعود عمرو، وما جمع من المصادر جمعا متناهيا نحو: جربت هذا الأمر تجارب كثيرة، وما فيه ألف تأنيث نحو: رجعته رجعى، وذكرته ذكرى.

الثاني: منصرف لا متصرف عكس الأول، وهو سبحان الله ومعاذ الله وريحانه أي استرزاقه، وعمرك الله وقعدك، وغفرانك لا كفرانك أي استغفارا، وحنانيك وهذاذيك، وحذاريك، ودواليك ولبّيك وسعديك.

والثالث: لا متصرّف ولا منصرف ومثله: «بسبحان» إذا جعل علما ولم يضف نحو: سبحان من علقمة الفاخر.

والرابع: متصرّف منصرف، وهو ما عدا ما ذكر نحو: ضرب وقتل إذا نصبتهما (1). انتهى.

وهو أمر غير محتاج إلى التنبيه عليه، لوضوحه، ولهذا لم يتعرض المصنف إلى ذكره، فإن قيل: كيف تعرض إلى

مثل هذا التقسيم في الظرف؟

فالجواب: أن الظرف ثبت عنده كما ثبت عنده غيره أن فيه قسما لا ينصرف ولا يتصرّف، وهو سحر المعيّن (2)، وبثبوت ذلك صارت القسمة رباعية [2/ 383] وهو محتاج إلى التنبيه على ما لا ينصرف، كما احتاج إلى التنبيه على ما لا يتصرّف ولا ينصرف، فلما كان ذكر هذين القسمين متعينا، والقسمة رباعية كما عرفت - ناسب أن يشير إلى الأقسام الأربعة، وأما المصدر فلم يكن عنده فيه قسم لا ينصرف ولا يتصرف، لأن سبحان عنده من قول القائل:

1475 -

سبحان من علقمة الفاخر (3)

-

- والضارع: الذليل. وقد ورد البيت بعدة مراجع منها شرح المفصل (1/ 80)، وشرح التصريح (1/ 274)، والمحتسب (1/ 230)، والمقتضب (3/ 282).

(1)

المقرب (1/ 148، 149) وقد تقدم البيت السابق، وينظر أيضا: تقريب المقرب لأبي حيان (ص 63).

(2)

سوف يأتي الحديث عن ذلك في باب المفعول فيه إن شاء الله.

(3)

تقدم ذكره.

ص: 1860

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

منوي الإضافة، فتنوينه إنما حذف لنيّة الإضافة كما تقدم تقريره، ولهذا قال: قد ينون إن لم تنو الإضافة نحو:

1476 -

سبحانه ثمّ سبحانا نعوذ به (1)

فامتنع ذكر هذا القسم، وما ينصرف ويتصرّف معلوم، وكذا ما ينصرف ولا يتصرف معلوم أيضا، فلم يبق مما يحتاج إلى التنبيه عليه من ذلك إلا قسم واحد، وهو: ما ينصرف ولا يتصرف، وقد ذكر المصنف منه عدة كلمات كما عرفت حين تكلم على حذف عامل المصدر، لكنه لم يتعرض في هذا الباب إلى عدم تصرفه، وكان الواجب أن ينبه على ذلك، ثم إن ابن عصفور تعرض إلى الكلام على بعض المصادر التي لا تتصرف (2)، وأنا أذكر من كلامه على ذلك ما لم يتضمنه كلام المصنف، فأقول: ذكر في سبحان ما ذكره المصنف من أنه مصدر، ونسب القول بمصدريته إلى السيرافي، قال: مذهب أبي سعيد السيرافي أنه مصدر فعل غير مستعمل كأنه قيل: سبح سبحانا كما يقال: كفر كفرانا وشكر شكرانا، قال - يعني السيرافي -: وقولهم سبح فعل ورد على سبحان بعد أن ذكر، وعلم، ومعنى سبح: قال: سبحان الله كما نقول: بسمل إذا قال: بسم الله، وذهب غيره إلى أنه يقال: سبح الله إذا نزهه. وبقوله: سبحان الله، أو بغير ذلك من ألفاظ التنزيه، وأن سبحان مصدر له غير جار عليه، كما قالوا: افترقوا فرقة، فجعلوا

فرقة مصدر الافتراق، وإن لم يكن جاريا عليه، قال: وهذا المذهب هو الذي يعطيه كلام سيبويه، بدليل قوله: كأنه حين قال: سبحان الله قال: تسبيحا (3)، ثم قال ابن عصفور: وأما معاذ، فله فعل من لفظه يقال: أعوذ بالله عواذا ومعاذا؛ فإذا قالوا: معاذ الله فكأنهم قالوا: عياذا بالله، إلا أنهم أوصلوا معاذا إلى المفعول بنفسه، ولذلك أضافوه، ويقال أيضا: معاذه وجه الله أي: عياذا بوجه الله (4)، أنشد القالي (5) في نوادره لابن الدّمينة: -

(1) تقدم ذكره.

(2)

ينظر: المقرب (1/ 148).

(3)

ينظر: الكتاب (1/ 322).

(4)

ينظر: التذييل (3/ 307، 308)، والهمع (1/ 190).

(5)

هو أبو إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون بن عيسى بن محمد بن سليمان، وجده سليمان مولى عبد الملك بن مروان الأموي، ولد بمناز جرد من ديار بكر سنة 288 هـ، فنشأ بها ورحل منها إلى العراق لطلب العلم والتحصيل، وينسب أبو علي إلى قالي قلا، وهي بلد من أعمال أرمينية، قرأ النحو على ابن درستويه -

ص: 1861

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

1477 -

معاذه وجه الله أن أشمت العدى

بليلى وإن لم تجزني ما أدينها (1)

قال: وأما ريحان فمصدر ليس له فعل من لفظه، فإذا قالوا: ريحان الله فكأنهم قالوا: استرزاقه، لأن الريحان الرزق، فوضع موضع استرزاقه، ثم سأل فقال: فقد رفع في قول النمر بن تولب:

1478 -

سلام الإله وريحانه

ورحمته وسماء درر (2)

وأجاب عن ذلك بأن قوله: [2/ 384] وريحانه معناه: ورزقه، فهو مضاف إلى غير المفعول، وريحانه الذي هو من هذا الباب مضاف إلى المفعول، فقد حكى سيبويه أن معنى قوله: سبحان الله وريحانه: أسبح الله وأسترزقه (3). انتهى.

وفي شرح الشيخ: وأما ريحان فقيل: معناه الاسترزاق، وقيل: الطيب والريحان في كلام العرب على هذين الوجهين، ومنه قوله تعالى: فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ (4)، وقال الشاعر:

سلام الإله وريحانه

وإذا كان بهذا المعنى تصرف وتدخله (أل) ومعنى الاسترزاق لا يتصرف ولا يكون إلا مضافا، ثم قيل: إنه لا يستعمل وحده، بل مقترنا بسبحان الله، ويضيف هذا القول أن سيبويه ذكره وحده، ولم يتعرض إلى التنبيه على ذلك (5) ثم ستعرف في التصريف أن أصل: ريحان ريوحان بوزن فيعلان، لأن أصله (روح) فقلبت الواو ياء على القاعدة المعروفة، وحصل الإدغام فصار: ريحان، ثم حذفت عين الكلمة، ووزنها بعد الحذف فيلان، وهو حذف سماعي غير مطرد (6). -

- والزجاج والأخفش الصغير وابن السراج وغيرهم، ومن كتبه: الأمالي، والممدود والمقصور، وفعلت وفعلت، والنوادر وغيرها. توفي سنة 356 هـ (ينظر: ترجمته في البغية (1/ 453) تحقيق محمد أبو الفضل).

(1)

البيت من بحر الطويل، وهو لابن الدمينة، وهو في الأمالي لأبي علي القالي كما نسب في الشرح، انظر: الأمالي (1/ 99) طبعة الهيئة العامة للكتاب 1975.

(2)

البيت من المتقارب، وهو في: التذييل (3/ 205، 208)، والمنصف (2/ 11)، والمباحث الكاملية (ص 940)، وتهذيب اللغة، واللسان «روح» .

والشاهد في قوله: «وريحانه» ؛ حيث أريد به الرزق، ولذلك تصرف.

(3)

ينظر: الكتاب (1/ 322)، وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 330، 331)، والمقرب (1/ 148).

(4)

سورة الواقعة: 89.

(5)

التذييل (3/ 208)، والكتاب (1/ 322).

(6)

ينظر: تهذيب اللغة للأزهري مادة (روح) وإملاء ما منّ به الرحمن لأبي البقاء (2/ 255).

ص: 1862

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثم قال ابن عصفور: وأما عمر من قولهم: عمرك الله فمصدر لعمر واقع موقع تعمير حذفت زوائده، ورد إلى الأصل، ونظيره في ذلك (قدر) من قول الشاعر:

1479 -

فإن يبرأه لم أنفث عليه

وإن يهلك فذلك كان قدري (1)

يريد: تقديري، فحذف منه الزوائد ورده إلى الأصل، وهو مصدر تشبيهي جعل بدلا من الناصب له، وهو عمر، فإذا قلت: عمرك الله، فالتقدير: عمرتك الله عمرك الله نفسك، أي عمرتك الله مثل تعميرك إياه نفسك، إلا أنه حذف الثاني من مفعولي المصدر للعلم به، ومعنى عمرتك الله: تعميرك إياه نفسك، سألت الله أن يعمرك كسؤالك أن يعمرك الله. وقعدك الله بمعنى عمرك الله، والقول فيه كالقول في عمرك الله، أعني أنه مصدر لقعد واقع موقع

تقعيد حذفت زوائده، ورد إلى الأصل، كما أن عمرك الله كذلك، وهو أيضا مصدر تشبيهي جعل بدلا من الناصب له وهو قعد؛ فإذا قلت: قعدك الله فالتقدير: قعدتك قعدك الله نفسك، أي قعدتك الله تقعيدا مثل تقعيدك إياه نفسك، ومعنى قعدتك قعدك الله نفسك حفظتك تحفيظا كتحفيظك إياه نفسك، أي: سألت الله أن يحفظك كسؤالك إياه أن يحفظك، إلا أنه لم يستعمل من قعدك فعل، فيقال: قعدتك الله، كما قالوا: عمرتك الله (2)، وليس قعدتك من القعود الذي هو خلاف القيام، ولكنه من قوله تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (3) أي حفيظ، يبين ذلك قوله تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (4)، وقد جاء في الشعر [2/ 385]: قعيدك الله كما قال الشاعر:

1480 -

قعيدكما الله الّذي أنتما له

ألم تسمعا بالبيضتين المناديا (5)

-

(1) البيت من الوافر، وهو ليزيد بن سنان، وهو في الأمالي الشجرية (1/ 350)، والمخصص (9/ 92)، والمفضليات (ص 71)، والشيرازيات (ص 99).

والشاهد في قوله: «قدري» ؛ حيث إنه مصدر تشبيهي جعل بدلا من اللفظ بفعله.

(2)

لمراجعة ذلك ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 331)، والمباحث الكاملية (ص 937 - 939)، والمسائل الشيرازيات للفارسي (ص 65، 66)، وشرح المقدمة الجزولية للشلوبين بمعهد المخطوطات العربية.

(3)

سورة ق: 17.

(4)

سورة ق: 18.

(5)

البيت من الطويل، وهو للفرزدق، وهو في: المسائل الشيرازيات للفارسي (ص 70)، والهمع (2/ 45)، والدرر (2/ 54) ومعجم البلدان (البيضتان)، وديوان الفرزدق (895).

والشاهد في قوله: «قعيدكما» ؛ حيث إنه مصدر جعل بدلا من اللفظ بفعله.

ص: 1863

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو مصدر كالنذير من أنذر، ثم قال: وقعدك الله، وعمرك الله وإن كان تفسيرها ما ذكرناه، فإنها لما كانت كثيرا تستعمل عند الطلب والسؤال صار قائلها كأنه قال: سألتك الله هل كان كذا وكذا، فوقع بعدها لذلك ما وقع عليه السؤال، والذي يقع عليه السؤال ست: الأمر والنهي والاستفهام، وأن ولما حقيقة وإلا فوقع بعدها الأمر والنهي والاستفهام؛ لأنها كلا بمعنى السؤال ومن ذلك قوله:

1481 -

عمرك الله ساعة حديثنا

ودعينا من ذكر ما يؤذينا (1)

وقول بعضهم:

عمرك الله لا تقل إلا صدقت، ولا تسر إلا وقفت.

ووقعت بعدها أن؛ لأنها في صلة السؤال، ومن ذلك قوله:

1482 -

قعيدك أن لا تسمعيني ملامة

ولا تنكأي قرح الفؤاد فييجعا (2)

كأنه قال: سألتك بالله أن لا تسمعيني ملامة، ووقعت بعدها لما حقيقة، قالا:

لأنهما يقعان بعد السؤال؛ فقالوا: عمرتك الله لما تفعل كذا، وإلا فعلت كذا، من ذلك قوله:

1483 -

عمرتك الله إلّا ما ذكرت لنا

هل كنت جارتنا أيّام ذي سلم (3)

وساغ إدخال (إلا) بعد السؤال في نحو قولك: سألتك بالله إلا فعلت، حملا على ما أفادوه من معنى النفي، لأنهم أرادوا: ما أسألك بالله إلا فعلت، والأصل في قولهم:(إلا فعلت): إلا أن تفعل، فأوقعوا الماضي موقع المضارع ولم يدخلوا (أن)، وقال الفارسي: إن الأصل فيه: إلا فعلك، فأوقعوا الفعل موقع المصدر، كما وقع موقعه في قول الشاعر أنشده أبو زيد: -

(1) البيت من الخفيف لقائل مجهول، وهو في: المحتسب (1/ 100)، والكافي شرح الهادي (ص 388)، واللسان «عمر» .

والشاهد في قوله: (عمرك الله ساعة حدّثينا ودعينا) حيث وقع بعد (عمرك) ما وقع عليه السؤال وهو الأمر.

(2)

البيت من الطويل، وهو لمتمم بن نويرة وهو في: المقتضب (2/ 238)، والخزانة (1/ 234، 214)، والمباحث الكاملية (ص 939)، والهمع (2/ 45)، والدرر (2/ 55)، والرضي (119).

والشاهد في قوله: «قعيدك أن لا تسمعيني» ؛ حيث وقعت أن بعد قعيدك؛ لأنها في صلة السؤال.

(3)

تقدم ذكره.

ص: 1864

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

1484 -

وقالوا ما تشاء فقلت ألهو

إلى الإصباح آثر ذي أثير (1)

فأوقع (ألهو) في جواب (ما تشاء) موقع اللهو (2)، ونظير ذلك في الإتيان بألّا لإرادة معنى النفي قوله (3):

1485 -

وهل هند إلّا مهرة عربيّة

سليلة أفراس تحلّلها بغل (4)

فأتى بإلّا، لأن المعنى: ما هند إلا مهرة عربية، وقول الآخر:

1486 -

وكلّهم حاشاك إلّا وجدته

كعين الكذوب جهدها واحتفالها (5)

فأتى أيضا بإلا؛ لأن المعنى: ما منهم أحد حاشاك إلا وجدته كعين الكذوب، قال (6): وأما غفرانك من قولهم: غفرانك لا كفرانك، فمصدر واقع موقع استغفار، ولا يستعمل على هذا المعنى إلا منصوبا مضافا إلى المفعول، ثم قال: وأما حنانيك، وهذاذيك وحذاريك ودواليك ولبيك وسعديك، فمصادر مثناة بلا خلاف، إلا لبيك فإن فيه خلافا، ثم ذكر المسألة إلى آخرها ومذهب يونس فيها، واستدلال سيبويه (7) عليه كما تقدم [2/ 386] في كلام المصنف، ثم قال: -

(1) البيت من الوافر، وهو لعروة بن الورد، وهو في: الخصائص (2/ 433)، والمحتسب (2/ 32)، والأغاني (2/ 185)، وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 95)، والشيرازيات (58)، والهمع (1/ 6)، والدرر (1/ 3)، وديوان عروة (89)، واللسان «أثر» وليس في نوادر أبي زيد.

الشاهد في قوله: (ألهو)؛ حيث وقع الفعل موقع المصدر وهو (اللهو) في جواب قوله: (ما تشاء) كما يرى الفارسي.

(2)

المسائل الشيرازيات للفارسي (ص 58، 59).

(3)

هي بنت النعمان بن بشير الأنصاري قالته في زوجها روح بن زنباع، ويقال: إن اسمها حمدة.

(4)

البيت من الطويل، وهو في كتاب التنبيه لأبي علي القالي (ص 31)، واللسان «حلل» .

والشاهد في قوله: «وهل هند إلا مهرة» ؛ حيث وقعت (إلا) بعد الاستفهام المراد منه النفي.

(5)

البيت من الطويل لقائل مجهول، وهو في: معاني القرآن للفراء (1/ 140)، والتذييل (3/ 620)، وما يجوز للشاعر في الضرورة (136)، والارتشاف (626).

اللغة: احتفالها: من الحفل، وهو اجتماع الماء في محفله.

والشاهد في قوله: «إلا وجدته» ؛ حيث وقعت (إلا) بعد ما يراد به النفي، وفيه أيضا شاهد آخر، وهو وقوع الفعل الماضي بعد (إلا) دون اقترانه بقد أو دون سبق فعل منفي، ويرد الثاني أن قوله (كلهم حاشاك) في تأويل النفي كما ذكر ابن عصفور، وقد خرج بعض العلماء البيت على أنه ضرورة شعرية.

(6)

أي ابن عصفور، فالكلام ما زال له.

(7)

ينظر: الكتاب (1/ 351، 352)، والمقرب (1/ 148).

ص: 1865

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والغرض بتثنية هذه المصادر التكثير بمعنى حنانيك تحنّنا بعد تحنّن، ثم فسر ذلك بأن قال: أي كلما كنت في رحمة منك فلا تنقطع عنا، ولكن موصولة بأخرى، وفيه نظر، قال: سبحان الله وحنانيه، فكأنه قال: سبحان الله واسترحامه، أي أسبح الله وأسترحمه استرحاما موصولا بمثله، وإذا قال:

حذاريك فكأنه قال: ليكن منك حذر بعد حذر، وإذا قال: فعلته دواليك، فكأنه قال: مداولتك، وهو مصدر تشبيهي أي نتداوله مرة بعد أخرى مداولة مثل دواليك، أي مثل مداولتك، وإذا قال: هذاذيك فكأنه قال: هذا بعد هذا.

وإذا قال لبيك وسعديك كأنه قال: إجابة بعد إجابة أي كلما أجبتك في أمر، فإني في الآخر مجيب، قال: وإنما استعملتا في هذا المعنى وإن كان لبيك من قولهم: ألبّ على الأمر، إذا داوم عليه، ولم يفارقه. وسعديك من قولهم:

أسعد فلان فلانا على مراده، وساعده عليه، ولا يقال: ألب ولا أسعد بمعنى أجاب؛ لأن الإلباب والمساعدة دنوّ منه ومتابعة، وكل من دنا منك وتابعك على ما تريده فقد أجابك إلى ما تريد منه (1)، ثم قال: ولكون هذه المصادر المثناة قد دخلها بالتثنية في حال انتصابها على أنها مصادر معنى، ليس للتثنية بحق الأصالة، وهو الكثير - لم يتصرفوا فيها، ومما يدل على ذلك أنهم لما أفردوا حنانا لم يمنعوه التصرف، قال الله تعالى: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا (2)، وقال الشاعر:

1487 -

فقالت حنان ما أتى بك هاهنا (3)

ثم قال: فأما حنانيك وهذاذيك، وحذاريك، فإنها مضافة إلى الفاعل، وأما -

(1) لمراجعة ذلك ينظر: التذييل (3/ 213 - 216)، والهمع (1/ 189، 190).

(2)

سورة مريم: 13.

(3)

البيت للمنذر بن أدهم الكلبي، وهو صدر بيت من الطويل، وعجزة:

أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف

وهو في: الكتاب (1/ 320)، والمقتضب (3/ 225)، والكامل (2/ 199)، وأمالي الزجاجي (131)، وابن يعيش (1/ 118)، وشرح الجمل لابن الضائع، والتذييل (3/ 211)، والعيني (1/ 539)، والتصريح (1/ 177)، والهمع (1/ 189)، والكافي شرح الهادي (386)، والأشموني (1/ 221).

والشاهد في قوله: (حنان)؛ حيث رفع بتقدير مبتدأ ولم ينصب؛ لأنه مفرد. وقيل: إن أصله «حننا عليك حنانا» ثم حذف الفعل، ثم رفع المصدر.

ص: 1866

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سعديك ولبيك وحنانيه من سبحان الله وحنانيه، فإنها مضافة إلى المفعول، قال:

وما ذهب إليه الأعلم من أن الكاف في دواليك وهذاذيك حرف خطاب (1) بمنزلتها في النجاك (2) باطل؛ لأن النون

قد حذفت لها، ولا يعرف من كلامهم حذف النون للكاف التي هي حرف خطاب. هذا انتهاء كلام ابن عصفور (3)، وفي بعضه بحث، وسيأتي الكلام على هذه المصادر أعني المثناة كدواليك في باب الإضافة إن شاء الله تعالى.

وفي شرح الشيخ: وأما سلاما فقال أبو الخطاب (4): موضع تسليم برأه، أي لا خير بيننا ولا شر، وإذا لقيت فلانا فقل سلاما، فسره بعضهم بالبرأة عنه، ومعنى سلامك ربنا في كل فجر (5)، وسلامتك أي برأتك من كل سوء كما تقول: سلم سلامة من هذا الأمر أي لم يتثبت منه بشيء. وعلل عدم تصرفه بأنه حذفت منه التاء فلزم النصب، قال سيبويه: إن من العرب من يرفعه [2/ 387] فيقول: سلام وهو يريد معنى المبارأة، كما رفعوا حنان، سمع من العرب من يقول: لا تكونن مني إلا سلام بسلام (6)، وهو استثناء منقطع، التقدير: إلا أن يكون مباركة ومبارأة، كأنه قال: إلا أمرنا سلام فسلام، أي مبارأة ما جرى، يريد مني ومنك، وكأنه قال: لا تكونن مني إلا مجانبا ومسالما، وكان هنا تامة؛ لأن -

(1) ينظر: شرح شواهد الكتاب للأعلم بهامش الكتاب (1/ 175) طبعة الأميرية، والتذييل (2/ 217)، والهمع (1/ 190).

(2)

النجاء: السرعة في السير، وهو يمد ويقصر، فيقال: نجا نجاء ونجا، وقالوا: النجاك فأدخلوا الكاف للتخصيص بالخطاب، ولا موضع لها من الإعراب؛ لأن الألف واللام معاقبة للإضافة «اللسان: مادة نجا» وتحدث ابن جني عن هذه الكلمة في سر صناعة الإعراب (1/ 309) فقال:

النجاءك: أي: انج، وكذلك قولهم: أبصرك زيدا، لا يجوز أن تكون الكاف اسما؛ لأن هذا الفعل لا يتعدى إلى ضمير المأمور به. اه.

(3)

ينظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 331 - 333).

(4)

هو عبد الحميد بن عبد المجيد أبو الخطاب الأخفش الأكبر، كان إماما في العربية حيث لقي الأعراب وأخذ عنهم، وعن أبي عمرو بن العلاء، وأخذ عنه سيبويه والكسائي ويونس وأبو عبيدة، وهو أول من فسر الشعر تحت كل بيت، ولم يكن الناس يعرفون ذلك قبله. (البغية (2/ 74) تحقيق محمد أبو الفضل).

(5)

صدر بيت تقدم ذكره.

(6)

ينظر: الكتاب (1/ 326).

ص: 1867

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

النهي لا يكون في الناقصة، كما لا يكون الأمر وقد حمل على الناقصة وهو للمبرد (1) فيكون مني متعلّقا بمحذوف هو الخبر لها على معنى لا يكونن منسوبا إلى إلا بالمجانبة (2). انتهى، وقول هذا القائل: إن النهي لا يكون في الناقصة كما لا يكون الأمر - كلام عجيب، وما المانع أن تقول لمخاطبك: لا تكن ظالما، ولا تكن جاهلا،

وكن عالما، وكن عادلا، وقد قال الله تعالى: قُلْ كُونُوا حِجارَةً (3) وفي الشرح المذكور أيضا: وأما حجرا فكأنه من الحجر، وهو المنع فاستعمل مكسورا، كاستعمال العمر في القسم مفتوحا وهو من العمر، وقيل: هو الاسم واقع موقع المصدر، فيكون على فعل من لفظه، كأنه قال: أحجر حجرا، أي أمنعه عن نفسي وأبعده وأبرأ منه، ويقول الرجل للرجل: أتفعل هذا؟ فيقول:

حجرا، أي منعا، وقال سيبويه: أي سترا وبرأة من هذا (4). والحجر يراد به الستر ومنه: وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (5) أي حراما (6)؛ لأن الحرام ممنوع منه.

ومحجورا تأكيد يريد حجرا حجرا، لكن أتى بصيغة المفعول وهو لا ينصرف إن كان بمعنى المبارأة والتعوذ، فإن كان على أصله من المنع أو الستر من غير أن يشاب هذا المعنى، تصرف كقوله تعالى: قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (7) أي لصاحب مانع يمنعه عن الباطل، أي صاحب عقل، ولذلك فسر هنا بالعقل؛ فأما وَحِجْراً مَحْجُوراً (8) يعد برزخا فمعناه ستر، فلم يجعل موضع الفعل على ذلك المعنى، وقيل: هو هنا على الأصل المذكور نائبا عن فعل، كأنه لما جعل بينهما البرزخ قدر ذلك بينهما تنافرا، فصار كل واحد منهما كأنه يقول للآخر: حجرا محجورا، مبالغة في الحجر، قال: وذهب المبرد (9) إلى أن حجرا يتصرف لما رآه يتصرف في موضع، ولكن قد تقدم الفرق (10).

(1) ينظر: المقتضب (3/ 219).

(2)

التذييل (3/ 209، 210).

(3)

سورة الإسراء: 50.

(4)

الكتاب (1/ 326).

(5)

سورة الفرقان: 22.

(6)

ينظر: معاني القرآن للفراء (2/ 266)، وإصلاح المنطق (ص 20).

(7)

سورة الفجر: 5.

(8)

سورة الفرقان: 53.

(9)

ينظر: المقتضب (3/ 218).

(10)

التذييل (3/ 210).

ص: 1868