المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أقسام خمسة لما بعد الواو وحكم كل قسم] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٤

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن عشر باب الفاعل

- ‌[تعريفه]

- ‌[من أحكام الفاعل: الرفع وتقديم الفعل]

- ‌[من أحكام الفاعل: تأنيث الفعل وجوبا وجوازا]

- ‌[من أحكام الفاعل: ألا تلحقه علامة تثنية أو جمع]

- ‌[من أحكام الفاعل: جواز حذف الفعل]

- ‌الباب التاسع عشر باب النّائب عن الفاعل

- ‌[أغراض حذف الفاعل - ما ينوب عنه]

- ‌[جواز نيابة غير المفعول مع وجود المفعول]

- ‌[جواز نيابة أي المفعولين]

- ‌[بعض المنصوبات لا تجوز إنابتها]

- ‌[التغييرات التي تحدث في الفعل عند بنائه للمجهول]

- ‌[أحكام تأخير المفعول عن الفاعل وتقديمه عليه]

- ‌الباب العشرون باب اشتغال العامل عن الاسم السّابق بضميره أو ملابسه

- ‌[مواضع نصب المشغول عنه وجوبا]

- ‌[مواضع ترجيح النصب في المشغول عنه]

- ‌[جواز الرفع والنصب على السواء في المشغول عنه]

- ‌[مسألتان اختلف فيهما النحاة أيهما أرجح]

- ‌[ترجح رفع الاسم على الابتداء]

- ‌[أنواع ملابسة الضمير للمشغول عنه]

- ‌[مسألة يترجح فيها الرفع]

- ‌[رفع الاسم المشغول عنه وأحكامه في ذلك]

- ‌[مسألة أخيرة في باب الاشتغال]

- ‌الباب الحادي والعشرون باب تعدي الفعل ولزومه

- ‌[تقسيم الفعل إلى متعدّ ولازم - إجراء اللازم مجرى المتعدي]

- ‌[نوعا المتعدي: متعد إلى واحد - متعد إلى اثنين]

- ‌[مسائل تأخير المفعول وجوبا وتقديمه وجوبا وجواز الأمرين]

- ‌[حذف العامل الناصب للمفعول به جوازا ووجوبا]

- ‌[مواضع حذف المفعول ومواضع ذكره]

- ‌[تعدي الفعل بالهمزة والتضعيف]

- ‌الباب الثاني والعشرون باب تنازع العالمين فصاعدا معمولا واحدا

- ‌[تعريف التنازع - العامل في المتنازع فيه]

- ‌[خلاف البصريين والكوفيين في العامل]

- ‌[حكم ضمير المتنازع فيه من الإظهار أو الحذف]

- ‌[مسائل أربع في باب التنازع ختم بها الباب]

- ‌الباب الثالث والعشرون باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه

- ‌[تعريف المصدر - وأسماؤه وأصالته]

- ‌[المفعول المطلق: ناصبه - أنواعه - ما ينوب عنه]

- ‌[حذف عامل المفعول المطلق - جوازا ووجوبا - ومواضع ذلك]

- ‌[أحكام للمفعول المطلق المحذوف عامله وجوبا]

- ‌الباب الرابع والعشرون باب المفعول له

- ‌[تعريفه - ناصبه - أنواعه - وحكم كل نوع]

- ‌الباب الخامس والعشرون باب المفعول المسمّى ظرفا ومفعولا فيه

- ‌[تعريف الظرف - نوعاه]

- ‌[تقسيم ظرف الزمان إلى متصرف وغير متصرف]

- ‌[تقسيمات مختلفة لظرف الزمان وأمثلة لكلّ]

- ‌[حكم الظرف الواقع في جواب كم أو متى بالنسبة لحصول الفعل]

- ‌[أحكام إذ حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام إذا حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام مذ ومنذ حين تجيئان ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام الآن وبناؤه وإعرابه]

- ‌[أحكام قط وعوض]

- ‌[أحكام أمس من بنائه وإعرابه]

- ‌[الصالح للظرفية المكانية من أسماء الأمكنة]

- ‌[أحكام بعض الظروف المكانية مثل أسماء الجهات وحيث ولدن]

- ‌[التوسع في الظرف المتصرف]

- ‌الباب السادس والعشرون باب المفعول معه

- ‌[تعريفه وشرح التعريف]

- ‌[ناصب المفعول معه والآراء في ذلك]

- ‌[واو المفعول معه وحديث عنها]

- ‌[المفعول معه وحكم تقديمه]

- ‌[أقسام خمسة لما بعد الواو وحكم كل قسم]

- ‌[تعقيب على أقسام المفعول معه السابقة]

- ‌[أمثلة مختلفة في هذا الباب وما يجوز فيها]

- ‌[مسألتان في ختام هذا الباب]

الفصل: ‌[أقسام خمسة لما بعد الواو وحكم كل قسم]

[أقسام خمسة لما بعد الواو وحكم كل قسم]

قال ابن مالك: (ويجب العطف في نحو: أنت ورأيك وأنت أعلم ومالك، والنّصب عند الأكثر في نحو: ما لك وزيدا، وما شأنك وعمرا، والنّصب في هذين ونحوهما بكان مضمرة قبل الجارّ أو بمصدر «لابس» منويّا بعد الواو لا بـ «لابس» خلافا للسيرافي وابن خروف، فإن كان [2/ 491] المجرور ظاهرا رجّح العطف وربّما نصب بفعل مقدّر بعد «ما» أو «كيف» أو زمن مضاف أو خبر ظاهر في نحو: ما أنت والصّبر، وكيف أنت وقصعة، وأزمان قومي والجماعة، وأنا وإيّاه في لحاف. ويترجّح العطف بلا تكلّف ولا مانع ولا موهن، فإن خيف به فوات ما يضرّ فواته رجّح النّصب على المعيّة).

قال ناظر الجيش: اعلم أنه قد تقدم أن المفعول معه لا بد له من عامل يتقدم الواو، وأنه إما فعل أو عامل عمل الفعل كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول، وأن العامل المعنوي وهو ما تضمن معنى الفعل دون حروفه لا عمل له

فيه، ولا شك أن دلالة الواو على المعية لا تتوقف على وجود العامل المذكور؛ لأنه ليس من شرط دلالتها على المعية نصب ما بعدها، فقد تفيد المعية ولا نصب أصلا كما في «كل رجل وضيعته» (1) فكون الواو صالحة للدلالة على المعية أعم من كونها صالحة لأن ينصب ما بعدها مفعولا معه، فليس النصب لازما للدلالة على المعية؛ إذ الأخص غير لازم للأعم، وإذا كان كذلك ساغ انقسام ما يذكر بعد الواو المفيدة للمعية إلى ما يصح فيه أن يكون معطوفا على ما قبله ولا يصح فيه النصب على المعية، وإلى ما يصح فيه أن ينصب على المعية، وعلى هذا كان ينبغي أن يقال: إذا قصدت المعية فإما أن لا -

(1) أي أنه يجب العطف في هذا المثال، ويمتنع النصب على المفعول معه لأن الواو قد تقدمها مفرد، وهذا رأي جمهور النحاة، وقد خالف الصيمري في ذلك حيث أجاز النصب على المفعول معه في هذا المثال؛ لأنه يزعم أن المفعول معه ينتصب عن تمام الاسم.

ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 365)، وشرح عمدة الحافظ (1/ 401) بتحقيق عدنان الدوري، والمطالع السعيدة (ص 235).

ص: 2058

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يكون ثمّ عامل يصح عمله في المفعول معه فالعطف أو يكون ثم عامل يصح منه ذلك فالنصب على المعية، فيكون أحد الأمرين أعني العطف المفهوم منه المعية والنصب على المعية لازما؛ لأن المعية إذا كانت مقصودة للمتكلم لا يجوز العدول عنها إلى ما لا يدل عليها وهو العطف المراد به التشريك في الحكم، لكن النحاة ضموا إلى القسمين قسمين آخرين، وهما جواز العطف مع أرجحيته وجواز النصب على المعية مع أرجحيته، فصارت الأقسام أربعة:

واجب العطف وواجب النصب وراجح العطف وراجح النصب.

وقد ذكرها المصنف في هذا الكتاب وفي بقية كتبه (1)، وذكر ابن عصفور قسما آخر وهو ما يستوي فيه الأمران (2)، أعني العطف والنصب، لكنه لم يذكر راجح النصب في الأقسام فتضمن كلامه أربعة أقسام كما تضمنها كلام المصنف، لكن أحد الأقسام الذي ذكره هذا غير القسم الذي ذكره هذا، فيخرج من كلام الرجلين خمسة [3/ 14] أقسام، لكنك قد عرفت أن النصب عند قصد المعية لازم فكيف يحكم برجحانه على العطف في بعض الصور، بل كيف يحكم بتساوي الأمرين في بعضها أيضا، والذي يرفع هذا الإشكال أن يقال: إنهم إنما حكموا بالرجحان أو بالتساوي نظرا إلى مجرد صور التراكيب [2/ 492] اللفظية مع قطع النظر عما يقصد من أحد المعنيين، أعني العطف والمعية، ولكن يشكل على هذا التقدير حكم المصنف برجحان العطف في مثل: كنت أنا وزيد كالأخوين (3)؛ لأن تجويز هذا المثال يسوغ فيه كل من الأمرين دون ضعف فينبغي الحكم فيه بالتساوي، نعم ينبغي الحكم

برجحان العطف في مثل: ما أنت وزيد وما شأن عبد الله وزيد، وبنحو هذا مثّل ابن عصفور لهذا القسم (4)، وإنما رجح العطف فيه لعدم ما يصلح أن يكون عاملا في المفعول معه في اللفظ والاحتياج إلى تكلف تقدير إذا نصبنا، وأما القسم -

(1) ينظر في ذلك: شرح عمدة الحافظ لابن مالك (1/ 401 - 409) بتحقيق عدنان الدوري.

(2)

ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 367)، والمقرب (1/ 159).

(3)

يقول ابن مالك: «ونحو: «كنت وزيدا كالأخوين» يجوز فيه الرفع على العطف والنصب على المفعولية وهو راجح، لأن فيه تخلصا من ضعف العطف على ضمير الرفع المتصل دون توكيد، ولا ما يقوم مقامه، فلو أكد الضمير لرجع العطف لأنه الأصل». اه، انظر: شرح عمدة الحافظ (1/ 408).

(4)

ينظر: المقرب (1/ 160).

ص: 2059

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الذي يحكم فيه برجحان النصب فإنما لم يتضمنه تقسيم ابن عصفور لما سنذكره بعد، وبهذا التقرير يظهر أن الصور في هذا الباب خمس لا أربع. إذا عرف هذا فلنشرع في إيراد الأقسام مع مراعاة ترتيب الكتاب ولفظه.

القسم الأول: ما يجب فيه العطف: ولوجوب العطف سبب واحد لفظي وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله: (ويجب العطف في نحو: أنت ورأيك، وأنت أعلم ومالك)، وضابطه: أن كل موضع كانت فيه الواو بمعنى «مع» بعد ذي خبر لم يذكر أو ذكر وهو أفعل التفضيل، وإنما لزم العطف في مثل هذا لعدم فعل وما يعمل عمله، والمراد بالعامل عمله أن يكون من جنس ما ينصب مفعولا به (1)، فلا أثر لوجود أفعل التفضيل؛ لأنه لا ينصب المفعول به (2).

قال المصنف: ولا خلاف في وجوب الرفع فيما أشبه المثالين المذكورين، ومن ادعى جواز النصب في:«كل رجل وضيعته» (3) على تقدير كل رجل كائن وضيعته فقد ادعى ما لم يقله عربي، فلا التفات إليه ولا تعريج عليه، ومثل كل رجل وضيعته وأنت ورأيك قول العرب: الرجال وأعضادها، والنساء وأعجازها (4) حكاه الأخفش ومثله: إنك ما وخيرا (5) حكاه سيبويه (6)، و «ما» زائدة، ومثله قول شداد أبي عنترة: -

(1) ينظر: المطالع السعيدة (ص 335).

(2)

يرى الدماميني في شرح التسهيل له أن «أعلم» في قولهم: أنت أعلم ومالك

ليس أفعل تفضيل وإنما هو عبارة عن جملة فعلية من فعل وفاعل معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، يقول:

الأقرب - فيما يظهر لي - أن يكون: «أنت ومالك» مثل كل رجل وضيعته كما قال، و «أعلم» جملة فعلية من فعل مضارع وفاعله معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه والفعل ملغى أي أنت ومالك مقرونان فيما أعلم لا أعلم من يقترن به - باعتبار إصلاحه وحسن النظر فيه. سواك، ولا يكون «أعلم» اسم تفضيل كما فهموه فتأمل. اه. شرح التسهيل للدماميني (ص 1671).

(3)

الذي جوز ذلك هو الصيمري كما ذكرت قبل ذلك. ينظر: شرح عمدة الحافظ (1/ 406).

(4)

ينظر: الهمع (1/ 221)، والمطالع السعيدة (ص 335).

(5)

مثل يضرب في موضع البشارة بالخبر وقرب نيل المطلوب. مجمع الأمثال (1/ 51)، تحقيق محمد محيي الدين.

(6)

ينظر: الكتاب (1/ 302)، (2/ 107).

ص: 2060

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

1647 -

فمن يك سائلا عني فإنّي

وجروة لا ترود ولا تعار (1)

ولمجيء هذه الواو بعد مبتدأ أو بعد اسم «إن» ، قال المصنف (2): ويجب العطف، ولم أقل ويجب الرفع، فإن المعطوف بعد مبتدأ يرفع وبعد اسم إنّ ينصب، فعمتهما العبارة، واعلم أنه قد تقدم الكلام في باب المبتدأ على إعراب:

«كل رجل وضيعته» ومثله أنت ورأيك، فاستغنى عن إعادته هنا. وأما أنت أعلم ومالك فالعطف فيه ظاهر الإشكال؛ لأنه إما أن يعطف على الخبر الذي هو أعلم فيلزم منه الإخبار بالمال عن «أنت» لأن المعطوف على خبر شيء خبر لذلك الشيء أيضا، ولا شك أنه لو قيل:«أنت مالك» لم يصح، وإما أن يعطف على الضمير المستكن في الخبر، فيلزم منه إسناد «أعلم» إلى المال، كما أنه مسند إلى الضمير المعطوف عليه، ولا يصح كون المال فاعلا لأعلم [2/ 493]، ثم إن العطف على الضمير يستلزم أمرين آخرين وهما:

العطف على الضمير المتصل المرفوع دون فصل بتوكيد ولا غيره.

والآخر: رفع أفعل التفضيل الظاهر، وقد يدعى جواز العطف على الضمير المذكور دون فصل على قلة (3)، وأنه لا يلزم من مجيء الظاهر مرفوعا بعد المرفوع بأفعل التفضيل صحة رفع أفعل لذلك الظاهر؛ لأن العطف لا يشترط في صحته حلول المعطوف محل المعطوف عليه، بدليل «رب رجل وأخيه» (4)، فالأولى أن تقول علة المنع

على ما ذكرناه أولا. -

(1) نسب هذا البيت أيضا إلى عنترة نفسه كما في الديوان وقيل إنه لشداد بن معاوية عم عنترة.

والبيت من الوافر وهو في: الكتاب (1/ 302)، والأغاني (16/ 32)، والتذييل (3/ 458)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 313)، والبحر المحيط (2/ 222)، (5/ 65)، وديوان عنترة (ص 62) واللسان «جرا» .

اللغة: جروة: اسم فرسه، ترود: أي تجيء وتذهب.

والشاهد فيه: عطف «جروة» على منصوب «إن» حيث لا يجوز نصبه على المعية لأن الذي تقدمه مفرد.

(2)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 254).

(3)

نقل ذلك أبو حيان عن أبي القاسم الخضراوي في التذييل (3/ 459).

وينظر أيضا: الأشباه والنظائر (4/ 68)، حيث ذكر السيوطي ما ذكره الشارح هنا بالتفصيل.

(4)

ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 243)، طبعة العراق.

ص: 2061

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإما أن يعطف على المبتدأ الذي هو أنت ويكون «أعلم» خبرا عنهما، أعني عن أنت وعن مالك، إن جاز ذلك، أو يقدر له خبر يكون معطوفا على الخبر الذي هو «أعلم» كما أن «ومالك» معطوف على المبتدأ الذي هو «أنت» فيكون المبتدأ قد عطف على المبتدأ والخبر المقدر قد عطف على الخبر، فيلزم إذ ذاك الإخبار عن المال بالأعلمية، ولا يصح أيضا لأنه كما لم يصح كون الأعلمية مسندة إلى المال على جهة الفاعلية لا يصح كونها مسندة إليه على جهة الخبرية (1)، فقد ظهر امتناع عطف «ومالك» على التقادير الثلاثة، وقد افترق الناس في توجيه ذلك فرقتين: فرقة استقرت بالواو على بابها من اقتضائها التشريك بين المتعاطفين في اللفظ والمعنى فاضطروا إلى دعوى المجاز بأن قالوا: إن مالك معطوف على المبتدأ الذي هو «أنت» وأخبر عنه «بأعلم» تجوزا، وذلك أنه لما كان النظر في المال يلزم منه في الأكثر مجيء المال على اختيار الناظر فيه صار مواتيا له فنسب العلم إليه مجازا (2).

وفرقة حملت الواو هنا على أنها غير مشركة في المعنى، وأنها إنما شركت في اللفظ فقط وقالوا: إن الواو في هذا المحل نابت عن حرف آخر وهو الباء كما سيأتي، والباء لا دلالة لها على تشريك معنوي فأعطيت الواو حكم ما نابت عنه، ولما كانت صورة العاطفة أعطت حكمها لفظا فشركت في الإعراب لا غير، وهذا القول هو المعول عليه (3)، وتقديره أن أصل الكلام: أنت أعلم بمالك، فحذفت الباء ونابت الواو منابها كما أنابوها منابها في قولهم: بعت الشاة شاة ودرهما أصله شاة بدرهم، ثم حذفت الباء وأقيمت الواو مقامها، والمعنى مع الواو كحاله مع الباء، فلم

تفد الواو إلا التشريك في اللفظ لا غير (4)، وإلى هذا ذهب الجرمي وابن طاهر أعني كون الواو عاطفة لفظا لا معنى (5) وهو اختيار المصنف، وقد -

(1) ينظر: الأشباه والنظائر (4/ 68)، والتذييل (3/ 459).

(2)

ينظر: الهمع (1/ 221)، والمطالع السعيدة (ص 335)، والأشباه والنظائر (4/ 68، 69).

(3)

ينظر: التذييل (3/ 459).

(4)

ينظر: شرح التسهيل للدماميني (1671)، والأزهية (232)، والمغني (2/ 358)، والأشباه والنظائر (4/ 69، 70).

(5)

ينظر: التذييل (3/ 459)، والأشباه والنظائر (4/ 69).

ص: 2062

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تقدم ذكر ذلك في أوائل الباب غير أنه قال: أنت أعلم مع مالك كيف تديره فلم يتعرض إلى ذكر الباء، وتبع فيما قاله سيبويه حيث قال: فإنما أردت: أنت أعلم مع مالك [3/ 15]، ويظهر أن كلّا من الاعتبارين صحيح، أما من قال: المراد:

مع مالك فمراده تفسير معنى الواو، ولا شك أن معناها [2/ 494] المعية لأنها واو «مع» أي الواو التي تفيد ما تفيد «مع» ، ومن قال: المراد: أنت أعلم بمالك فمراده أن الأصل كان للباء، ثم أقيمت الواو مقامها. فذكر الباء باعتبار أصل التركيب، وذكر «مع» باعتبار ما آل إليه الأمر بعد إبدال الباء بالواو، وأيضا فالخبر الذي هو أعلم مشعر بما كانت الباء تفيده لو ذكرت بخلاف ما لو ذكرت الباء فإنها مع «أعلم» لا دلالة لها على الصحبة، فكان تفسير سيبويه للواو في «ومالك» بمعنى «مع» أولى من تفسيرها بالباء، فإن قلت: ما الموجب لأن عدلوا إلى الواو فأقاموها مقام الباء في مثل هذا قلت: يمكن أن يقال: المراد من قولهم: أنت أعلم ومالك - شيئان:

أحدهما: الدلالة على المعية، والآخر: الدلالة على العلم بطرق التصرف فيه والتدبير، فلو لم يعدل إلى الواو وقيل: أنت أعلم بمالك، لانتفت الدلالة على المعية ظاهرا؛ لأن الباء أصلها أن تكون للإلصاق لا للمعية ولو لم تكن الواو نائبة عن الباء وكانت مأتيّا بها ابتداء انتفت الدلالة على العلم بطرق التصرف والتدبير في المال وتمحضت الدلالة على المعية والغرض أن كلا الأمرين مراد، فإذا ادعي في الواو النيابة عن الباء حصلت إفادة الأمرين معا؛ لأنها تفيد معنى الباء بالنيابة، وتفيد المعنى الآخر بالأصالة، فإذا عرفت أن الواو هنا نائبة عن الباء وأن العطف روعي فيه اللفظ دون المعنى، وقد تقدم الواو اسمان مبتدأ وخبر وهما أنت وأعلم وجب أن نبحث عن المعطوف ما هو من هذين الاسمين، وقد قيل بعطفه على كل منهما، ولا شك أنه إذا تقرر أن العطف هنا لفظي لا شركة بينه وبين

المعطوف عليه في المعنى كان العطف سائغا على أيهما شئت، لكن تنظير المصنف هذا الاستعمال باستعمال النعت على الجواز يقتضي أن يكون المعطوف عليه هو الخبر لقربه وبجواره لا الاسم، وقد صرح بعطفه على الخبر أبو بكر بن طاهر فقال: هو معطوف على «أعلم» لأن الأصل بمالك، فوضعت الواو موضع الباء فعطفت على ما قبلها ورفعت -

ص: 2063

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما بعدها في اللفظ وهي بمعنى الباء متعلقة بأعلم (1).

قال الشيخ: وهذا أقرب لتفسير كلام سيبويه لأنه قال في الواو: تعمل فيما بعدها المبتدأ، يريد أنك تعطفه على «أعلم» فيعمل فيه ما عمل في أعلم وهو المبتدأ (2)، هذا ما انتهى إليه الكلام في هذه المسألة، وقد قيل: إن «ومالك» خبر عن مبتدأ مقدر والتقدير: أنت أعلم وأنت ومالك فحذف المبتدأ، ثم حذفت الواو الداخلة لالتقائها مع الواو الأخرى، وعلى هذا يئول الأمر إلى عطف جملة على جملة (3)، ولا يخفى ما في هذا الإعراب من التكلف وتقدير مستغنى عنه، مع أنه يؤدي إلى أن القصد هو الإخبار عن المخاطب بأنه أعلم من غيره، ثم الإخبار بأنه مع ماله، ولا يخفى أن هذا ليس بمراده، ثم إنه إنما يتأتى جعل «ومالك» خبرا عن «أنت» [2/ 495] المقدر إلا على رأي ابن خروف، كما يدعيه في «كل رجل وضيعته» (4) وقد تقدم بيان ضعفه، وإما أن يكون «ومالك» مبتدأ والخبر محذوف فمنعه ظاهر (5)، وقد تقدم في كلام المصنف قوله:(ومالك) معطوف في اللفظ ولا يجوز رفعه على القطع وإضمار الخبر؛ لأن المال لا يخبر عنه «بأعلم» وشرط المبتدأ المضمر خبره أن يكون خبره مثل خبر المعطوف عليه. ثم إن المصنف لما أتم كلامه على مسألة: أنت أعلم ومالك قال: وأما قولهم: أنت أعلم وعبد الله فيحتمل ثلاثة أوجه:

أحدها: أن تكون الواو بمعنى «مع» وعطف بها في اللفظ مبتدأ حذف خبره وجوبا لوقوعه موقع المجرور بمع والاستطالة.

والثاني: أن تكون الواو لمجرد العطف وعبد الله مبتدأ محذوف الخبر جوازا، والتقدير: أنت أعلم بعبد الله وعبد الله أعلم بك، ثم دخله الحذف كما دخل في -

(1) ينظر رأي ابن طاهر في الارتشاف (2/ 287)، والتذييل (3/ 459).

(2)

التذييل (3/ 459، 460).

(3)

نسب السيوطي هذا الرأي إلى ابن الضائع. ينظر: الأشباه والنظائر (4/ 70).

(4)

ينظر: الأشباه والنظائر (4/ 70)، فقد ذكر فيه السيوطي رأي ابن خروف.

(5)

ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 196)، حيث نسب هذا القول إلى عبد القاهر في تخريجه قولهم: أنت أعلم وربك فقال «وقال عبد القاهر: المعنى أنت أعلم وربك يجازيك؛ فهو عنده على حذف خبر المبتدأ من الجملة الثانية» اه.

ص: 2064

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نحو: أأنت خير أم زيد؟ والأصل: أأنت خير من زيد أم زيد خير منك؟

الثالث: أن يكون عبد الله معطوفا على أنت وأعلم خبر عنهما كأنه قال: أنت وعبد الله أعلم من غير كما فيشتركان في المعنى، ويكون أعلم خبرا لهما (1) متوسطا بينهما (2). انتهى.

وأورد الشيخ هذه التوجيهات الثلاث في شرحه كما أوردها المصنف من غير زيادة ولا نقص، غير أنه قال بعد ذلك: قال أبو الفضل البطليوسي (3) في شرح الكتاب: فعلى هذا يجوز: زيد قائمان وعمرو ولا مانع منه، ثم قال الشيخ:

ولا ينبغي أن يجوز إلا بسماع من العرب. والفرق بين المسألتين أن «أعلم» أفعل التفضيل فيجري مفردا مذكرا على المفرد المذكر وفروعهما؛ فلا يظهر في ذلك مخالفة خبر لمخبر عنه فنقول: أنت أعلم وزيد كما تقول: أنت وزيد أعلم بخلاف إذا قلت: زيد قائمان وعمرو؛ إذ لا يصح: زيد قائمان للمخالفة فلا يصح: زيد قائمان وعمرو، والذي ينبغي منع زيد قائمان وعمرو، لأن فيه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما هو خبر لهما ومخالفة لفظه لفظ المبتدأ (4). انتهى.

وهذا الكلام من البطليوسي ومن الشيخ يقتضي صحة: زيد أعلم وعبد الله، على أن أعلم خبر عنهما كما رآه المصنف، وفي جواز ذلك نظر؛ وذلك أن المبتدأ في هذه المسألة هو مجموع الاسمين، لأن الخبر إنما هو خبر عنهما معا فوجبت نسبة المبتدأ فيه إليهما وشأن الخبر أن يذكر بعد مبتدأ به أو قبله، حيث يجوز تقديمه عليه، وأما أن يتوسط بين أجزائه فلا.

وأما الوجه الأول فلا يتجه فيه القول بوجوب حذف الخبر، وليس خبر هذا الاسم -

(1) ذكر السيوطي هذه المسألة وهي قوله: أنت أعلم وعبد الله فقال: لم أقف لأحد على القول بوجوب حذف الخبر في ذلك غير ابن مالك، وهو مخالف لقولهم: إن الخبر لا يجب حذفه إلا إذا سد شيء مسده، ولهذا ردوا تجويز الأخفش في نحو: ما أحسن زيدا، أن تكون «ما» موصولة أو موصوفة» اه.

الأشباه والنظائر (4/ 71).

(2)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 251).

(3)

هو عبد الله بن محمد بن السيد أبو محمد البطليوسي توفي سنة 521. سبقت ترجمته.

(4)

التذييل (3/ 460).

ص: 2065

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واقعا موقع المجرور بمع، فيجب حذفه (1)، وأما قوله في الواو الداخلة على المبتدأ:

إنها بمعنى «مع» فلا يتحقق، وليست هذه الواو [3/ 16] واو «مع» لأن «مع» لا تقع موقعها، وكيف تحكم بأنها واو «مع» وقد وقعت أول [2/ 496] الكلام؛ لأن الغرض أن عبد الله مبتدأ لا معطوف على ما قبله وواو «مع» لا تقع أولا، والذي يظهر أن هذا الوجه لا يتصور ولم يتحقق من الأوجه الثلاثة التي ذكرها غير الوجه الثاني وهو أن الواو عاطفة وعبد الله مبتدأ حذف خبره جوازا، لدلالة ما تقدم عليه، وتقديره: أنت أعلم بعبد الله وعبد الله أعلم بك كما ذكر المصنف.

القسم الثاني: ما يجب فيه النصب على المعية: ولوجوب النصب سببان: لفظي ومعنوي، أما المعنوي فيأتي الكلام عليه حيث أشار إليه المصنف، وأما اللفظي فقد مثّل له بنحو: مالك وزيدا، وما شأنك وعمرا.

قال المصنف: والإشارة بذلك إلى كل جملة آخرها واو المصاحبة، وتاليها وأولها «ما» المستفهم بها على سبيل الإنكار قبل ضمير مجرور باللام أو الشأن أو ما يؤدي ما يؤديانه (2). انتهى.

وتوجيه وجوب النصب: أن العطف في مثله ممتنع؛ إذ لا يصح العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار، وإذا لم يصح العطف تعين النصب، لكن ليس في الجملة السابقة عامل ينصب المفعول معه فوجب أن يقدر له ناصب (3) وقد ذكر المصنف أن الذي يقدر أحد أمرين: إما كان مضمرة قبل الجار للضمير، فيكون المنصوب مفعولا معه، وإما مصدر «لابس» منويّا بعد الواو، وجعل التقديرين في هذين المثالين وما أشبههما مذهبين لسيبويه (4)، وإذا قدر المصنف فقد يقدره منويّا وقد يقدره مضافا إلى ضمير المخاطب.

قال سيبويه: هذا باب ما يضمرون فيه الفعل لقبح الكلام إذا حمل آخره على -

(1) ينظر: الأشباه والنظائر (4/ 71).

(2)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 254، 255).

(3)

ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 112)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 100).

(4)

ينظر: شرح عمدة الحافظ (1/ 406) بتحقيق الدوري.

ص: 2066

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أوله، وذلك قولك: مالك وزيدا وما شأنك وعمرا (1)، ثم قال في متن الباب: فإذا أظهر الاسم فقال: ما شأن عبد الله وأخيه يشتمه فليس إلا الجر، ثم قال: وإذا أضمرت فكأنك قلت: ما شأنك وملابسة زيدا أو وملابستك زيدا فكان أن يكون على فعل وتكون الملابسة على الشأن؛ لأن الشأن معه ملابسة أحسن من أن يجروا المظهر على المضمر (2). هذا نصه.

قال المصنف: فحمل أبو علي الشلوبين كلامه على ظاهره واعتذر عن إعمال المصدر مضمرا بأنه هنا في قوة الملفوظ به، لوضوح الدلالة عليه (3)، ودعاه إلى الاعتذار أن سيبويه منع في باب الوصف بإلا حذف أن يكون وارتفاع «الفرقدان» به فقال بعد إنشاده:

1648 -

وكلّ أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلّا الفرقدان (4)

كأنه قال: وكل أخ غير «الفرقدان» مفارقه أخوه، ثم قال: ولا يجوز على «إلا» أن يكون لأنك لا تضمر الاسم الذي هذا من تمامه، لأن أن يكون اسم (5)، فظاهر كلامه أن المصدر العامل لا يضمر، فحمل كلامه ثمّ على أنه لا يضمر لضعف الدليل ووجود مندوحة عن حذفه وحكم هنا بجواز الحذف لقوة الدلالة عليه، وما ذهب إليه الشيخ [2/ 497] أبو علي هو الصحيح لا ما ذهب إليه من منع حذف المصدر مطلقا، فإن حذفه إذا قويت الدلالة عليه وارد في الكلام الفصيح (6) -

(1) الكتاب (1/ 307).

(2)

الكتاب (1/ 309).

(3)

ينظر: التوطئة للشلوبين (ص 361).

(4)

البيت من الوافر وهو لعمرو بن معديكرب وقيل لحضرمي بن عامر وينظر في: الكتاب (2/ 334)، والمقتضب (4/ 209)، وحماسة البحتري (ص 234)، وابن يعيش (2/ 89)، والتذييل (3/ 463)، والكامل (4/ 76)، والإنصاف (1/ 268)، وأمالي المرتضى (2/ 88)، والخزانة (2/ 52)، (4/ 79)، والمغني (1/ 72)، (2/ 568)، وشرح شواهده (1/ 266)، والغرة لابن الدهان (2/ 80)، وابن القواس (ص 385)، ومعاني القرآن للأخفش (1/ 86)، والهمع (1/ 229)، والدرر (1/ 194).

اللغة: الفرقدان: نجمان لا يفترقان.

والشاهد قوله: «إلا الفرقدان» ؛ حيث وقع وصفا لـ (كل) كما يرى سيبويه.

(5)

الكتاب (2/ 334، 335).

(6)

حذف المصدر وإبقاء معموله هو مذهب الكوفيين. ينظر: التذييل (3/ 464)، والأشموني (2/ 286).

ص: 2067

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كقوله تعالى: قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1) أي وصد عن المسجد الحرام (2)، وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ (3)، فحذف «صد وعن» قبل المسجد لدلالة مثلهما من قبل عليهما، ولا يجوز عطف المسجد على سبيل الله، وقد عطف كفر على «صد» فيلزم عطف على مصدر قبل ذكر ما يتعلق به، ولا يجوز عطف المسجد على «الهاء» من «به» ، لأن العطف على ضمير الجر لا يجوز عند الأكثر إلا إذا أعيد الجار (4)، ولا يصح أيضا من جهة المعنى، لأن المشركين كانوا يعظمون المسجد الحرام، فلا يصح أن ينسب إليهم الكفرية إلا لكونهم لا يعظمونه تعظيما مستندا إلى أمر الله تعالى، بل إلى أهوائهم، فهو حقيق بإطلاق الكفر عليه (5)، ومن حذف المصدر وبقاء ما يتعلق به قول الشاعر:

1649 -

لصونك من تعول أتمّ نفعا

لهم عن ضلة وهوى مطاع (6)

ومثله:

1650 -

المنّ للذّمّ داع بالعطاء فلا

تمنن فتلفى بلا حمد ولا مال (7)

فعن من البيت الأول متعلق بصون محذوف وبالعطاء من البيت الثاني متعلق «بمنّ» محذوف والمحذوفان بدلان من الموجودين فاستغني بمعمول البدل كما استغني في الآية الشريفة بمعمول المعطوف (8). انتهى. -

(1) سورة البقرة: 217.

(2)

ينظر: معاني القرآن للأخفش (1/ 366)، ومعاني الفراء (1/ 141).

(3)

سورة البقرة: 217.

(4)

ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 243) طبعة العراق.

(5)

ينظر: إملاء ما من به الرحمن (1/ 92، 93).

(6)

البيت من الوافر لقائل مجهول وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 256)، والتذييل (3/ 465).

والشاهد فيه: حذف المصدر وإبقاء معموله، والتقدير: صون عن ضلة وهوى مطاع.

(7)

البيت من البسيط لقائل مجهول وهو: في التذييل (3/ 465)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 256)، والأشموني (2/ 292).

والشاهد فيه: كالذي قبله حيث حذف المصدر وأبقى معموله كما يرى المصنف.

(8)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 255، 256).

ص: 2068

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد أفهم كلامه لما حكم بإضمار «كان» حيث قال: فيكون المنصوب مفعولا معه - أنه مع إضمار المصدر الذي هو ملابسة لا يكون نصب على أنه مفعول معه، وهو الحق، بل يتعين كونه مفعولا به كما سيأتي الكلام في ذلك، ومن منع تقدير المصدر هنا جعل تقدير سيبويه «وملابسة» تفسير معنى لا تفسير إعراب، وجعلوا العامل المضمر كان (1)، وقالوا: يدل على ذلك ترجمة الباب وهي قوله: هذا باب منه يضمرون فيه الفعل لقبح الكلام إذا حمل آخره على أوله، وذلك قولك: ما لك وزيدا، وما شأنك وعمرا (2)، فبنى الباب على إضمار الفعل. هذا مع ما تقرر من أن مذهب البصريين أنه لا يجوز حذف المصدر وإبقاء معموله لأنه موصول، ولا يجوز حذف الموصول (3)، ويدل على ذلك منع سيبويه له في قوله:«إلا الفرقدان» (4)، وقال أبو الحسن بن الضائع: آخر ما أخذت عن الأستاذ أبي علي في ذلك هو أن الاسم هنا منصوب على أنه مفعول معه، وأن تقدير سيبويه معنوي لا إعرابي بل تقدير الإعراب فيه: ما لك تلتبس وزيدا، قال: ويدل على أنه عند سيبويه كذا ذكر هذه المسألة في باب المفعول معه، ولو كان النصب على أنه [3/ 17] مفعول به لم يذكرها «هنا» . انتهى كلام ابن الضائع.

وما أشار إليه من أن تقدير المصدر في هذه المسألة لو كان [2/ 498] تقديرا إعرابيّا لكان المنصوب مفعولا به لا مفعولا معه ظاهر، وقد تقدم أن كلام المصنف يفهم أنه مع تقدير المصدر يكون مفعولا به، وحمل كلام سيبويه هنا على التفسير المعنوي أقرب، بل متعين لتصريحه بمنع حذف المصدر في «إلا الفرقدان» ، وما استدل به المصنف ليس متعينا للدلالة على مطلوبه، أما الآية الشريفة فقد ذكر هو فيها الوجوه المحتملة لغير ما ذكره، كيف وقد أجاز هو العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار، وقوى ذلك واستدل بشواهد كثيرة نثرا ونظما (5)، وأما البيتان فيمكن أن يكون المقدر فيهما فعلا مشتقّا من المصدر الملفوظ به ويكون المصدر دالّا عليه، ومما يستدل به على أن سيبويه قصد تفسير المعنى لا تفسير الإعراب أن المفعول -

(1) ينظر: التذييل (3/ 464)، وشرح التسهيل للدماميني (ص 1680).

(2)

ينظر: الكتاب (1/ 307).

(3)

ينظر: الأشموني (2/ 286).

(4)

ينظر: الكتاب (2/ 334، 335).

(5)

ينظر: شرح التسهيل للدماميني (ص 1680).

ص: 2069

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

معه حينئذ يكون نفس ملابسه ولا بد له من عامل، فيحتاج إلى تقدير كان بعد «ما» فلم يكن تقدير ملابسه مغنيا عن تقدير الفعل إذ ذاك.

واعلم أن السيرافي ذهب إلى أن العامل فعل مقدر بعد الواو، ووافقه ابن خروف وأوّل كلام سيبويه على هذا فقال في قوله: فكأنك قلت: ما شأنك وملابسة زيدا: إنما قدر بالمصدر حين أظهر؛ ليكون محمولا على الشأن والمضمر الفعل، لأنه لا يجوز أن يعمل المصدر مضمرا، والكوفيون يعملونه مضمرا غير ملفوظ به، ثم قال ابن خروف: يريد بهذا ما أراده بقوله: «من لد أن كانت شولا» ؛ لأنه لا يضمر الموصول مع بعض الصلة فكلامه هنا محمول على المعنى، وجاز إضمار الفعل هنا وهو لا يحمل على الأول من حيث لم يصرح بظهوره، فإن أظهرته على جهة التقدير جئت بالمصدر (1)، هذا كلام ابن خروف وهو تخريج حسن، غير أن نصب الاسم حينئذ إنما يكون نصبا على أنه مفعول به لا مفعول معه، كما يلزم ذلك على قول من قدر المصدر تقديرا إعرابيّا. ولا شك أنّا إذا فعلنا ذلك وقدرنا الفعل بعد الواو والمصدر أحلنا المسألة وأخرجناها من باب المفعول معه إلى غيره، وقد عرفت أن سيبويه ذكرها في باب المفعول معه، فتعين القول بأن النصب ليس بعامل مقدر بعد الواو. وإلى رد هذا القول أشار المصنف بقوله:(لا بلابس خلافا للسيرافي وابن خروف).

وقال في الشرح: قلت: يكفي من الرد على ابن خروف اعترافه بأن الموضع لا يصلح للفعل، واعترافه بأن سيبويه حمل قول الشاعر:

1651 -

من لد شولا فإلى إتلائها (2)

على أن أصله: من لد أن كانت شولا، فحكم بحذف أن والفعل في هذا الرجز لقوة الدلالة، وحكم بمنع ذلك في:

1652 -

لعمر أبيك إلّا الفرقدان (3)

لضعف الدلالة (4)، واعلم أنه قد تقدمت الإشارة إلى أن المقتضي لوجوب النصب -

(1) لمراجعة رأي السيرافي وابن خروف ينظر: الارتشاف (2/ 288)، والتذييل (3/ 464)، والهمع (1/ 221)، وشرح الكافية للرضي (1/ 197).

(2)

،

(3)

تقدم ذكرهما.

(4)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 257).

ص: 2070

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في نحو: ما لك وزيدا وما شأنك [2/ 499] وعمرا، إنما هو امتناع العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار، ولكن ليس امتناع العطف مجمعا عليه، فإن الكوفيين يجيزون ذلك، ووافقهم بعض البصريين (1)، فلذلك قيد المصنف وجوب النصب بكونه عند الأكثر، وقال في الشرح: ونسبت وجوب النصب في نحو: ما لك وزيدا وما شأنك وعمرا إلى الأكثر؛ لأن ابن خروف حكى عن الكسائي أنه قال: إذا أوقعت «ما بال» و «ما شأن» على اسم مضمر، ثم عطف عليه اسم ظاهر كان الوجه في المعطوف النصب والخفض جائز، فصرح الكسائي بجواز الجر، وبه أقول لا على العطف، بل على حذف مثل ما جرّ به الضمير لدلالة السابق عليه (2). انتهى.

ومقتضى إجازته ذلك أن لا نقول بوجوب النصب في نحو هذين المثالين.

وحكايته ذلك عن الأكثر لا يلزم منها أن يكون المحكي مذهبه. والعجب من المصنف أنه لم يوجب النصب في نحو: ذهبت وزيد بل جعله مختارا كما سيأتي، وقد جعله ابن عصفور واجبا، فمثل لهذا القسم - أعني ما يجب فيه نصب الاسم - بنحو: ما لك وزيدا وما شأنك وعمرا، وجعل ضابطه أن يتقدم الواو جملة اسمية مضمنة معنى جملة فعلية وضمير خفض، وبنحو: ما صنعت وأباك، وجعل ضابطه أن يتقدم الواو جملة فعلية وضمير متصل مرفوع غير مؤكد ولا مفصول (3)، وتسوية ابن عصفور بين هذين التركيبين في وجوب النصب ظاهر ويلزم المصنف التسوية بينهما، بل يلزمه أن يكون الحكم عنده بوجوب النصب مع الضمير المرفوع أولى منه مع الضمير المجرور؛ لأنه قد حكم في باب العطف من كتاب التسهيل بضعف العطف على ضمير الرفع المتصل دون فصل، ولم يشترط إعادة الجار في العطف على ضمير الجر، بل جعل ذلك مختارا (4)، وقال في الألفية: -

(1) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 197)، وشرح عمدة الحافظ (1/ 407)، حيث قال ابن مالك فيه: وأجاز الأخفش والكوفيون على ضعف. اه. فالمقصود بقول الشارح هنا «ووافقهم بعض البصريين» هو الأخفش.

(2)

انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 257).

(3)

ينظر: المقرب (1/ 159).

(4)

ينظر: التسهيل (ص 177).

ص: 2071

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإن على ضمير رفع متّصل

عطفت فافصل بالضّمير المنفصل

أو فاصل ما وبلا فصل يرد

في النّظم فاشيا وضعفه اعتقد

وعود خافض لدى عطف على

ضمير خفض لازما قد جعلا

وليس عندي لازما إذ قد أتى

في النّظم والنثر الصّحيح مثبتا

فجعل العطف على ضمير الجر دون إعادة الجار واردا في النظم وفي النثر. وأشار بالصحيح إلى المقطوع بصحته وهو القرآن العزيز، وجعل العطف على الضمير المتصل المرفوع واردا في النظم وضعفه مع ذلك، فكان الواجب إجراء هذين التركيبين مجرى واحدا إما في وجوب النصب أو رجحانه، وهو [2/ 500] قد فرق بينهما إلا أن يقال: قد أشير إلى أنه لا يلزم من حكايته لوجوب النصب في:

«ما لك وزيدا» [3/ 18] عن الأكثر أن يكون المحكي مذهبا له، وإذا لم يلزم ذلك وهو قد أجاز العطف على الضمير المجرور إما بتقدير محذوف أو دونه فينبغي أن لا يكون قائلا بوجوب النصب، وحينئذ يكون النصب راجحا وقد صرح هو برجحانه في نحو: ذهبت وزيدا (1)، فعلى هذا استوى الموضعان عنده في رجحانية النصب، وارتفع الإشكال عن كلامه، ولزم أن يكون لوجوب النصب عنده سبب واحد وهو المعنوي وسيذكره، فيكون موجب النصب عنده على هذا منحصرا في الأمر الراجع إلى المعنى، ثم إذا كان المجرور باللام أو الشأن بعد «ما» الاستفهامية اسما ظاهرا نحو: ما لزيد وأخيك، وما شأن عبد الله وعمرو، رجح العطف لانتفاء المحذور حينئذ ولم يمتنع النصب، لكنه مرجوح لعدم عامل ملفوظ به والاحتياج إلى تقدير عامل، ومنع بعض النحاة المتأخرين النصب في هذا (2) مستندا في ذلك إلى قول سيبويه: فإذا ظهر الاسم فقال: ما شأن عبد الله وأخيه يشتمه فليس إلا الجر (3)، ولا شك أن هذا الكلام من سيبويه يدل دلالة صريحة على أن -

(1) لأنه لو رفع يكون قد عطف على الضمير المرفوع المتصل بغير توكيد أو فصل وهذا ضعيف.

ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 99).

(2)

ينظر: شرح عمدة الحافظ (1/ 408)، والمقرب (1/ 160).

(3)

الكتاب (1/ 309).

ص: 2072

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

النصب ممتنع (1).

قال المصنف: وهو لا يريد ذلك لأنه قال بعد هذا بقليل: ومن قال: ما أنت وزيدا قال: «ما شأن عبد الله وزيدا، كأنه قال: ما كان شأن عبد الله وزيدا» (2)، فعلم بهذا أن مذهبه جواز النصب لكنه غير الوجه المختار، ويتبين أنه أراد

بقوله أولا:

«فليس إلا الجر» ما أريد بنحو: «لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار» (3) قال: ولو قرأ - يعني مانع النصب - ما بعد الكلام الأول من كلام سيبويه لم يقع فيما وقع، ومثل هذا اتفق للزمخشري في انته أمرا قاصدا حين جعله من المنصوبات اللازم إضمار عاملها (4)؛ لأن سيبويه ذكره بعد أمثلة التزم إضمار ناصبها، ثم بين بعد ذلك بقليل أن الذي نصب أمرا قاصدا يجوز إظهاره (5)، وغفل الزمخشري عن ذلك (6).

واعلم أن المصنف لما ذكر وجوب تقدير عامل في هذه المسألة أعني مسألة «ما لك وزيدا» و «ما شأنك وعمرا» أتبع ذلك بذكر مواضع شاركت المسألة المذكورة في تقدير العامل، لكنها خالفتها في أن العطف فيها ممتنع بخلاف ما ذكره أولا، ولكون العطف في هذه المواضع لا مانع منه، والنصب يحتاج معه إلى تقدير عامل كان العطف أولى فلا جرم أن المصنف قال:(وربما نصب بفعل مقدر بعد «ما» أو «كيف») إلى آخره، فنبه بذلك على مرجوحيته، وعلى هذا فالرفع في «ما أنت -

(1) علق أبو حيان على رأي بعض المتأخرين الذين يمنعون النصب في هذه المسألة فقال: وهذا وهم منه، نظر إلى كلام سيبويه أولا ولم ينظر إليه آخرا، فقول سيبويه: فليس إلا الجر يعني في الأفصح، ويدل على هذا التقييد بالأفصح قول سيبويه بعد ذلك: ومن قال: ما أنت وزيدا قال: ما شأن عبد الله وزيدا، وحمله على كان، لأن كان تقع هاهنا والرفع أجود وأكثر، والجر في قولك: ما شأن عبد الله وزيد أحسن وأجود كأنه قال: ما شأن عبد الله وشأن أخيه، ومن نصب أيضا قال: ما لزيد وأخاه. اه. فهذا نص من سيبويه على ترجيح العطف وتجويز النصب على أنه مفعول معه. اه التذييل (3/ 466).

(2)

الكتاب (1/ 309).

(3)

ذكر في (أبو عثمان المازني المجدد)(ص 193) على أنه بيت من الكامل ولم أجده في غيره بهذا التخريج.

(4)

ينظر: المفصل للزمخشري (ص 49).

(5)

ينظر: الكتاب (1/ 284).

(6)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 258).

ص: 2073

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وزيد»، و «كيف أنت وقصعة من ثريد» هو الجيد الراجح لعدم الفعل وما يعمل عمله (1)، وقد قال سيبويه: وزعموا أن ناسا يقولون: كيف أنت وزيدا وما أنت وزيدا، وهو قليل [2/ 501] في كلام العرب، ولم يحملوا الكلام على «ما» و «كيف» ، (لكنهم) (2) حملوه على الفعل؛ لأن كنت وتكون يقعان هنا كثيرا وأنشد سيبويه (3):

1653 -

وما أنت والسّير في متلف

يبرّح بالذّكر الضّابط (4)

وأنشد:

1654 -

أتوعدني بقومك يا ابن حجل

أشابات يخالون العبادا

بما جمّعت من حضن وعمرو

وما حضن وعمرو والجيادا (5)

ثم قال: وزعموا أن الراعي كان ينشد هذا البيت:

1655 -

أزمان قومي والجماعة كالّذي

لزم الرّحالة أن تميل مميلا (6)

-

(1) ينظر: المطالع السعيدة (ص 336)، والمقرب (1/ 160).

(2)

في (جـ)(ولكنهم) وهو الصواب لموافقته نص سيبويه.

(3)

الكتاب: (1/ 303).

(4)

البيت من المتقارب قائله أسامة بن الحارث بن حبيب الهذلي ويكنى أبا سهم وهو في: الكتاب (1/ 303)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 128)، وشرح عمدة الحافظ (1/ 404)، والتذييل (3/ 466)، وابن يعيش (2/ 51، 52)، وتعليق الفرائد (ص 1682)، والعيني (3/ 93)، وابن الناظم (ص 110)، والدرر (1/ 90). واللسان «عبر» .

ويروى البيت برواية (وما أنا) مكان (وما أنت).

اللغة: المتلف: القفر الذي يتلف فيه من سلكه، الضابط: القوي.

والشاهد فيه: قوله: «والسير» ؛ حيث نصب على رأي بعضهم والجمهور على عطف مثل هذا.

(5)

البيتان من الوافر لقائل مجهول وهما في: الكتاب (1/ 304)، والمحتسب (1/ 215)، (2/ 14)، وأمالي الشجري (1/ 66).

اللغة: الأشابات: الأخلاط من الناس وهو جمع أشابة، حضن: بطن من القين.

والشاهد في قوله: «والجيادا» ؛ حيث نصب حملا على معنى الفعل أي وملابستها الجيادا.

(6)

البيت من الكامل وهو للراعي النميري وهو في: الكتاب (1/ 305)، والتذييل (3/ 469)، وجمهرة القرشي (ص 176)، وطبقات ابن سلام (ص 508)، والغرة لابن الدهان (2/ 81)، والمقرب (1/ 160)، وشرح عمدة الحافظ (2/ 405)، وابن الناظم (ص 111)، والارتشاف -

ص: 2074

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كأنه قال: أزمان (كان)(1) قومي والجماعة، فحملوه على كان لأنها تقع في هذا الموضع كثيرا (2).

وعلل سيبويه إضمار الفعل في نحو: ما أنت وزيدا، وكيف أنت وقصعة، بأن العرب يستعملون الفعل مع الاستفهام

كثيرا فيقولون: ما كنت وكيف تكون، إذا أرادوا معنى مع، قال: من ثم قالوا:

1656 -

أزمان قومي والجماعة

لأنه موضع يدخل فيه الفعل كثيرا فيقولون: أزمان كان قومي، وحين كان (3)، هذا نصه، وقد ذكر المصنف ثلاثة المواضع التي ذكرها سيبويه، وضم إليها رابعا وهو الذي أشار إليه بقوله:(أو قبل خبر ظاهر)، وتبع في ذلك ابن خروف فإنه قال في شرح الكتاب يشير إلى سيبويه: ولم يذكر في قولهم: أنت وشأنك، وكل رجل وضيعته، وما أشبهه إلا الرفع، ثم قال ابن خروف: وبعض العرب تنصب إذا كان معه خبر (4)، وجعل من ذلك قول عائشة رضي الله عنها:«كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي وأنا وإيّاه في لحاف» (5)، (6).

قال المصنف: ويجوز عندي أن يكون «إيّاه» في موضع رفع عطفا على «أنا» على سبيل النيابة عن ضمير الرفع، كما ناب عن ضمير الجر فيما حكى الفراء من قول العرب: مررت بإياك، قال: وأنشد الكسائي: -

- (ص 454، 1150)، والخزانة (1/ 502)، والتصريح (1/ 295)، والهمع (1/ 122)، (2/ 156)، والدرر (2/ 211).

اللغة: الرحالة: سرج من الجلد ليس فيه خشب كانوا يتخذونه للركض الشديد.

والشاهد فيه: نصب «والجماعة» على إضمار كان.

(1)

سقطت كلمة (كان) من (أ، جـ) وما أثبته من الكتاب.

(2)

الكتاب (1/ 303 - 305). وينظر: شرح التسهيل للمصنف (2/ 259).

(3)

الكتاب (1/ 306).

(4)

ينظر: التذييل (3/ 470، 471).

(5)

الحديث في المستدرك (4/ 10) برواية: وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد، وهذه الرواية لا شاهد فيها ولم يتيسر لي العثور عليه في غير هذا الكتاب بهذه الرواية التي هنا.

(6)

زاد في نسخة (جـ): (كأنها قالت: وكنت وإياه في لحاف أو وأنا كائنة وإياه في لحاف).

ص: 2075

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

1657 -

فأحسن وأجمل في أسيرك إنّه

ضعيف ولم يأسر كإيّاك آسر (1)

وكما ناب ضمير الرفع عن ضمير الجر في قول بعض العرب وقد سئل عن الصعلوك: هو الغداة كأنا، وليس هذا ببدع لأن أصل المبني أن لا يختص بموضع من الإعراب دون موضع، والمضمرات من المبنيات فلا يستبعد ذلك

فيها إلا أن حمل «أنا وإياه في لحاف» على باب المفعول معه أولى؛ لأنه قد روي في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أبشروا فو الله لأنا وكثرة الشّيء أخوف عليكم من قلّته» (2) بنصب «وكثرة» ذكره الشلوبين وعضده بما حكاه الصيمري (3) من جواز النصب في أنت وشأنك، وكل رجل وضيعته (4)، (5) انتهى.

وبقي الكلام ها هنا في أمرين:

أحدهما: أنهم اختلفوا في «كان» هذه المضمرة، فمنهم من جعلها التامة وهو رأي الفارسي، وهو قول مبني على أن الناقصة لا عمل لها في غير الاسم والخبر، لكونها سلبت الدلالة على الحدث (6)، قال الشيخ: وهو اختيار الشلوبين (7) فعلى هذا [3/ 19] كيف [2/ 502] في موضع نصب على الحال، ولكن يشكل أمر «ما» ؛ لأنها لا تكون حالا، لأنها سؤال عن الذات لا عن أحوال الذات، حتى زعم بعضهم أنها مخرجة هنا عن أصلها إلى السؤال عن الحال (8)، قلت: ودعوى -

(1) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في: مجالس ثعلب (1/ 133)، والخزانة (4/ 274)، والهمع (2/ 31)، والدرر (2/ 27).

والشاهد في قوله: «كإياك» حيث ناب عن ضمير الجر.

(2)

الحديث في المصنف للحافظ أبي بكر عبد الرزاق الصنعاني برواية «لأنا للغنى أخوف عليكم من الفقر» وهذه الرواية لا شاهد فيها.

(3)

هو أبو محمد عبد الله بن علي بن إسحاق، سبقت ترجمته.

(4)

ينظر: تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي للصيمري (1/ 257) تحقيق د/ فتحي أحمد مصطفى (جامعة أم القرى)، وينظر أيضا: شرح عمدة الحافظ (1/ 406)، والتصريح (1/ 343).

(5)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 260).

(6)

ينظر: الارتشاف (2/ 289)، والمطالع السعيدة (ص 336)، والهمع (1/ 221)، والتصريح (1/ 343).

(7)

التذييل (3/ 468)، وينظر: المطالع السعيدة (ص 336).

(8)

ينظر: التصريح (1/ 343).

ص: 2076

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الابتدائية فيها ممكن فتقدير ما أنت وزيدا: ما كان شأنك وزيدا، المعنى: أي شيء وقع شأنك مع زيد، ثم بعد حذف «كان» حذف المضاف الذي هو شأن، وأقيم المضاف إليه وهو ضمير المخاطب مقامه. ومنهم من جعلها الناقصة وهم الذين يصححون عمل الناقصة في غير الاسم والخبر، ووجه تصحيحهم ذلك أن دلالتها على الحدث عندهم باقية، وهذا المذهب هو أصح المذهبين (1)، فعلى هذا تكون «كيف» في موضع الخبر، وكذا «ما» أيضا

التقدير: على أي حال تكون مع قصعة من ثريد، وأي شيء تكون مع زيد (2).

الأمر الثاني: أن سيبويه قدر مع «ما كنت» ومع «كيف» تكون (3) فاختلفوا: هل ذلك مقصود لسيبويه أو لا، فقال السيرافي: إنه غير مقصود، ولو عكس لأمكن (4)، وقال بعضهم: إن ذلك مقصود من سيبويه، وذلك أن قولهم: ما أنت وزيدا، إنما يقال لمن أنكر عليه أن قال: خالطت زيدا أو لابسته، فيقال له: ما كنت وزيدا، ولا يقال له إذا قال ما لابسته: ما أنت وزيدا لأنه لا ينكر ما لم يقع إنما ينكر الواقع، وأما كيف أنت وقصعة، فإنما يقال على معنى كيف تكون، كذا يستعمل عندهم، ولم ينقل خلاف هذا، فهذا النصب إنما يقال منه ما سمع (5). انتهى.

ولا يخفى ضعف هذا التقدير، فالحق ما قاله السيرافي.

واعلم أنه قد تبين مما تقدم أن العطف راجح في صور خمس وهي: ما لزيد وأخيه، وما أنت والسير، وكيف أنت وقصعة، و:

1658 -

أزمان قومي والجماعة (6)

و «أنا وإياه في لحاف» ، وضابطها: أن لا يكون ثم فعل ملفوظ به، ولكن في -

(1) اختار أبو حيان هذا المذهب في التذييل (3/ 468)، فاختيار الشارح إذن لهذا المذهب موافق لما اختاره شيخه أبو حيان.

(2)

ينظر: المطالع السعيدة (ص 336).

(3)

ينظر: الكتاب (1/ 303).

(4)

شرح السيرافي (3/ 69).

(5)

ينظر: الهمع (1/ 221)، حيث ذكر ذلك عن ابن ولاد، وينظر: التذييل (3/ 469).

(6)

تقدم ذكره.

ص: 2077

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الجملة ما يدل عليه لو قدر، وليس ثم مانع يمنع من العطف (1)، وإذا كان العطف في هذه الصور راجحا، لوجود ما يصح العطف عليه دون مانع، فالنصب على المعية مرجوح حينئذ للاحتياج إلى تقدير عامل، وينبغي أن تذكر هذه الصور فيما ترجح عطفه على أنها داخلة في الضابط الذي ذكره لما ترجح فيه العطف على النصب كما سيجيء الإشارة إليه، وإنما قدم ذكرها قبل الشروع في ذكر راجح العطف لأنها فروع مسألة:«ما لك وزيدا» فنبه بذكرها على أنها شاكلت ما قبلها في تقدير العامل، إلا أنها خالفته بكون النصب فيها مرجوحا.

القسم الثالث: ما ترجح فيه العطف، واعلم أن المصنف أشار إلى هذا القسم وإلى القسم الرابع وهو ما ترجح فيه

النصب على المعية، ووقعت الإشارة أيضا في كلامه هنا إلى الضرب الثاني من القسم الذي يجب فيه النصب لسبب [2/ 503] معنوي، وهو الذي تقدم الوعد بأنه سيأتي ذكره، غير أن المصنف مزج الكلام في إيراد ذلك، ودل ما ذكره على شيء بالمنطوق وشيء بالمفهوم، وذلك أنه ذكر قيودا لما ترجح عطفه، تلك القيود منها ما ترجح النصب مع انتفائه، ومنها ما يجب مع انتفائه النصب، فنشير أولا إلى كل من القسمين على سبيل الإجمال، ثم نعود إلى تطبيق ذلك على لفظ الكتاب.

أما رجحان العطف فله سببان:

أحدهما: يرجع إلى المعنى وهو انتفاء التكلف أي إذا كان تصحيح الكلام يحتاج إلى تقدير متكلف لو عطفنا، فحينئذ لا يكون العطف راجحا كما سيتبين.

وثانيهما: يرجع إلى اللفظ وهو انتفاء الموهن أي المضعف للعطف، فإذا انتفى الأمران فيما لا يمتنع العطف فيه لأمر خارجي، كان العطف راجحا على النصب على المعية، وذلك نحو: جئت أنا وزيد، وقام زيد وعمرو (2)، ومن أمثلة النحاة:

كنت أنا وزيدا كالأخوين (3)، ويدخل في هذا الضابط الذي ترجح العطف معه، أعني انتفاء التكلف، وانتفاء الموهن - ما تقدمت الإشارة إليه آنفا وهو خمس -

(1) ينظر: المقرب (1/ 160) حيث ذكر مثل هذا الضابط لهذه المسألة.

(2)

ينظر: شرح الألفية للمرادي: (2/ 99)، حيث أشار إلى ذلك.

(3)

ينظر: شرح عمدة الحافظ (1/ 401)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 112)، حيث مثلا بهذا المثال.

ص: 2078

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المسائل التي ذكر أن النصب فيها على المعية مرجوح وهي: ما شأن عبد الله وأخيه، وما أنت وزيد، وكيف أنت وقصعة؟ و:

أزمان قومي والجماعة

و «أنا وإياه في لحاف» .

وأما رجحان النصب فعند وجود أحد الأمرين المشروط انتفاؤهما فيما تقدم، فيكون له سببان أيضا:

أحدهما: يرجع إلى المعنى وهو حصول التكلف لو عطفنا، والآخر: يرجع إلى اللفظ وهو حصول الموهن للعطف، وسيأتي أمثلة ذلك في كلام المصنف.

إذا عرف هذا فاعلم أن المصنف اشترط لرجحان العطف ثلاثة أمور وهي: انتفاء التكلف، وانتفاء المانع، وانتفاء الموهن، فأشار بالأول إلى نحو قول الشاعر:

1659 -

فكونوا أنتم وبني أبيكم

مكان الكليتين من الطّحال (1)

قال: فإن العطف فيه حسن من جهة اللفظ وفيه تكلف من جهة المعنى لأن مراد الشاعر: كونوا لبني أبيكم، فالمخاطبون هم المأمورون، وإذا عطف يكون التقدير:

كونوا لهم، وليكونوا لكم، وذلك خلاف المقصود وكذا قول الآخر:

1660 -

إذا أعجبتك الدّهر حال من امرئ

فدعه وواكل أمره واللّياليا (2)

معناه: وواكل أمره لليالي، وتقدير العطف فيه تكلف بيّن. -

(1) البيت من الوافر لقائل مجهول وهو في: الكتاب (1/ 298)، وابن يعيش (2/ 48)، والتذييل (3/ 446)، والغرة لابن الدهان (2/ 73)، وابن القواس (ص 378)، والعيني (3/ 102)، والتصريح (1/ 345)، والأشموني (2/ 139)، والهمع (1/ 220)، والدرر (1/ 190)، ومجالس ثعلب (1/ 103)، وأوضح المسالك (1/ 180).

ويروى البيت برواية (وكونوا) مكان (فكونوا).

والشاهد فيه: - على مذهب الجمهور - جعل «فكونوا» ناقصة وهي عاملة النصب في المفعول معه وهو «بني أبيكم» وقوله: «مكان الكليتين» خبر لها، ومن ذهب إلى منع عمل «كان» الناقصة في المفعول معه جعل قوله:«مكان الكليتين» حالا والراجح من هذين المذهبين هو مذهب الجمهور.

(2)

البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في: معاني القرآن للفراء (2/ 57)، والتذييل (3/ 471)، والعيني (3/ 99)، وابن الناظم (ص 112)، والأشموني:(2/ 139، 169).

والشاهد فيه: قوله: «واللياليا» ؛ حيث يترجح نصبه مفعولا معه لأن العطف فيه تكلف من جهة المعنى.

ص: 2079

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأشار بالثاني إلى نحو: لا تنه عن القبيح وإتيانه، أي مع إتيانه، فالعطف هنا بيّن الامتناع (1)، وكذا في: استوى الماء والخشبة، وما زلت أسير والنيل (2)، قلت:

وهذا هو السبب المعنوي الموجب للنصب الذي تقدم الوعد بذكره، وأشار بالثالث إلى نحو: ما صنعت وأباك، فإن نصبه على المعية مختار وعطفه جائز على ضعف؛ لأن المعطوف عليه ضمير رفع [2/ 504] متصل غير مفصول بينه وبين العاطف، وما كان كذلك فعطفه ضعيف، وأكثر ما يكون في الشعر كقول الشاعر:

1661 -

ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه

ما لم [3/ 20] يكن وأب له لينالا (3)

فلو نصب الأب لكان أجود لما تبين من ضعف العطف، هذا آخر كلام المصنف (4) في تقرير هذا الموضع، وقد تبين منه أن رجحان العطف متوقف على انتفاء كل من الأمور الثلاثة، أما إذا لم ينتف ما ذكر، وذلك بأن يوجد التكلف أو المانع أو الموهن فإن رجحان العطف ينتفي حينئذ، ولكن إذا انتفت رجحانية العطف فقد يكون العطف جائزا ولكنه يكون مرجوحا؛ لأن النصب على المعية هو الراجح إذ ذاك كما إذا وجد التكلف أو الموهن وقد يكون العطف ممتنعا كما إذا وجد المانع منه، وإنما احتاج إلى ذكر انتفاء المانع، لأنه لو اقتصر على قوله:(بلا تكلف ولا موهن) لورد عليه نحو: لا تنه عن القبيح وإتيانه، لانتفاء التكلف والموهن فيه، مع أن العطف لا غير راجح، بل هو ممتنع، فإن قيل: كيف يصدق انتفاء رجحانية العطف على الصورة التي يمتنع فيها العطف؟ فالجواب: أن انتفاء رجحانيته أعم من جوازه مع مرجوحيته، ومن (امتناعه)(5) أصلا، ولا شبهة في -

(1) ينظر: التذييل (3/ 472).

(2)

لأنه لا يصح مشاركة ما بعد الواو هنا لما قبلها في حكمه.

ينظر: الأشموني (2/ 139، 140).

(3)

البيت من الكامل وهو لجرير وهو في: المقرب (1/ 234)، والعيني (4/ 160)، والتصريح (2/ 151)، والإنصاف (2/ 476)، والأشموني (3/ 114)، والهمع (2/ 138)، والدرر (2/ 191)، وديوان جرير (ص 451).

والشاهد فيه قوله: «وأب» ؛ حيث رفع على العطف ولو نصب كما ذكر المصنف لكان أجود.

(4)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 260، 261).

(5)

في (أ): (انتفائه).

ص: 2080

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جواز صدق الأعم على الأخص، فعند امتناع العطف يصدق أنه غير راجح، واعلم أن الذي يعطيه كلام المصنف ظاهرا أنه عند وجود التكلف أو الموهن تنتفي رجحانية العطف، ولكن لا يلزم من انتفائها كون العطف مرجوحا، فجاز أن يستوي الأمران أعني العطف والنصب على المعية، وليس هذا بمراد له وإنما يقصد أن العطف يكون مرجوحا حينئذ، والذي يدفع هذا الظاهر أن يقال: إنه تقدم أن أقسام مسائل هذا الباب عند المصنف أربعة:

أحدها: ما ترجح نصبه: وهو لم يتقدم له ذكر هذا القسم، وقد قلنا آنفا: إنه مزج ذكره بذكر ما ترجح عطفه، وإن

كلامه دلّ على أحدهما بالمنطوق وعلى الآخر بالمفهوم، والذي دلّ عليه بالمنطوق هو رجحان العطف، فيتعين أن يكون المدلول عليه بالمفهوم هو رجحان النصب، وإذا كان كذلك انتفت الدلالة على الاستواء، وإذا تقرر هذا، فمن الأمور الثلاثة التي ذكرها أمران إذا وجدا كان النصب على المعية راجحا على العطف وهما التكلف والموهن، وقد عرفت أن الأول يرجع إلى المعنى، وأن الثاني يرجع إلى اللفظ، وتقدم لك ذكر أمثلتهما، لكن قول المصنف في:

1662 -

فكونوا أنتم وبني أبيكم (1)

وإذا عطفت يكون التقدير: كونوا لهم وليكونوا لكم، وذلك خلاف المقصود يقتضي أن يكون النصب فيه واجبا لا راجحا، أما عبارة متن الكتاب أعني التسهيل فلا تقتضي ذلك.

وأما الأمر الثالث من الأمور الثلاثة وهو المانع فلا شك أنه إذا وجد [2/ 505] كان النصب على المعية واجبا نحو: لا تنه عن القبيح وإتيانه، واستوى الماء والخشبة، وهذا هو أحد السببين الموجبين للنصب على المعية وهو المعنوي، فقد دل هذا الكلام أعني كلام المصنف بمفهومه على ما يجب نصبه على المعية وإلى ما يرجح فيه ذلك، ثم إن المصنف ذكر صورة أخرى ترجح النصب على المعية فيها على العطف، وإليها أشار بقوله:(فإن خيف فيه فوات ما يضر فواته رجح النصب على المعية)(2)، وهذا -

(1) تقدم ذكره.

(2)

التسهيل (ص 100)، وينظر: شرح التسهيل للمصنف (2/ 261).

ص: 2081

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكلام من تتمة ما قبله، وكأنه لما قال: إن العطف يرجح عند انتفاء كل من الأمور الثلاثة - وكانت هذه الصورة التي سيمثل لها داخلة تحت هذا الضابط لانتفاء الأمور المذكورة عنها، مع أن العطف فيها مرجوح - أفردها بالذكر ونص عليها بخصوصها، قال في الشرح: وأشرت بقولي: فإن خيف به أي بالعطف فوات ما يضر فواته رجح النصب على المعية - إلى نحو: لا تغتد بالسمك واللبن ولا يعجبك الأكل والشبع بمعنى لا تغتد بالسمك مع اللبن، ولا يعجبك الأكل مع الشبع، فالنصب في هذين المثالين وأشباههما على المعية يبين مراد المتكلم والعطف لا يبينه (1) فتعين رجحان النصب للسلامة من فوات ما يضر فواته، وضعف العطف إذ هو بخلاف ذلك (2). انتهى.

وعلى هذا صار لمرجح النصب على العطف ثلاثة أمور وهي: التكلف والموهن والخوف من فوات المعنى المقصود، إلا أنه قد تتوجه المنازعة للمصنف في إدراجه هذه الصورة في قسم ما ترجح نصبه، ويدعى أن العطف فيها ممتنع لإفهامه غير المراد، ويقال: إن هذين المثالين وما أشبههما داخلة في قسم ما يجب نصبه ويكون قد

شملها مفهوم قوله: (ولا مانع) فنقول: كما استفدنا من قوله: (ولا مانع) أن النصب واجب في: لا تنه عن القبيح وإتيانه لوجود مانع يمنع من العطف، هكذا نستفيد منه وجوب النصب في نحو: لا تغتد بالسمك واللبن لوجود المانع من العطف أيضا، ومما يدل على أن النصب واجب في مثل هذا وجوب نصب الفعل بإضمار «أن» في نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن إذا لم يقصد العطف ولا الاستئناف، وإذ قد انتهى القول في الأقسام الأربعة أعني: ما يجب عطفه وما يجب نصبه وما ترجح عطفه وما ترجح نصبه، وكنت قد عرفت أن القسم الرابع منها وهو ما ترجح نصبه لم يتضمنه كلام ابن عصفور، وأنه ذكر قسما لم يتضمنه كلام المصنف وهو ما يتساوى فيه الأمران أعني العطف والنصب على المعية (3)، وأنه ينتظم من كلام الرجلين خمسة أقسام، فلنذكر الأقسام المذكورة الآن منتظمة كي يسهل ضبطها على -

(1) ينظر: التذييل (3/ 472)، والمطالع السعيدة (ص 336).

(2)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 261).

(3)

ينظر: المقرب (1/ 159)، وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 367).

ص: 2082

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الناظر [2/ 506].

أما وجوب العطف فله سبب واحد لفظي وهو أن تكون الواو المفيدة للمعية بعد ذي خبر لم يذكر أو ذكر وهو أفعل التفضيل نحو: كل رجل وضيعته، وأنت أعلم ومالك.

وأما وجوب النصب فله سببان لفظي ومعنوي كما عرفت:

أما اللفظي فمقتضيه أن يكون ثم جملة آخرها واو المصاحبة، وتاليها وأوّلها «ما» المستفهم [3/ 21] بها على سبيل الإنكار قبل ضمير مجرور باللام أو الشأن أو ما يؤدي ما يؤديانه نحو: ما لك وزيدا، وما شأنك وعمرا. هذا هو الضابط الذي ذكره المصنف؛ لأنه قصر السبب اللفظي الموجب للنصب على ما ذكره، وأما ابن عصفور فلم يقصر الأمر على ذلك، بل عداه إلى نحو: ما صنعت وأباك فأوجب فيه النصب أيضا، ولهذا جعل الضابط لما يجب نصبه أن يكون ثم جملة فعلية وقبل الواو ضمير خفض (1)، وقد تقدم البحث مع المصنف في كونه أوجب النصب في: ما لك وزيدا، ورجحه في:«ما صنعت وأباك» مع أنه يجيز العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار، ويجيز إضمار الجار مع المعطوف أيضا، وأنه كان يجب عليه بمقتضى مذهبه في العطف على الضمير المجرور أن يسوّي المسألتين إما في الوجوب أو في الرجحان، أما كونه يوجب في إحدى المسألتين ويرجح في الأخرى فغير

ظاهر، ولكن تقدم أيضا ذكر ما يصلح أن يكون جوابا عن إيجابه النصب في نحو: ما لك وزيدا، وهو أن ذلك قد لا يكون اختياره، وإنما حكاه حكاية لكونه مذهب الأكثرين، وأما المعنوي فالمقتضي له أن لا يصلح العطف من حيث المعنى، مع أنه ليس في اللفظ ما يمنع منه، وموجب عدم صحة العطف انتفاء مشاركة ما بعد الواو لما قبلها في الحكم المذكور نحو: لا تنه عن القبيح وإتيانه، واستوى الماء والخشبة، وسار زيد والنيل.

واعلم أن ابن عصفور لم يتعرض إلى ذكر السبب المعنوي الموجب للنصب، وكأن المقتضي عنده لعدم التعرض إليه ما أذكره، أما نحو: استوى الماء والخشبة، وسار زيد والنيل، فيظهر من كلامه وكلام غيره أنه لا يجب فيه النصب، ومن ثم -

(1) المقرب (1/ 159).

ص: 2083

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غلطوا الزجاجي في ادعائه وجوب النصب في استوى الماء والخشبة وقالوا: إن لم يصح العطف حقيقة فإنه يصح مجازا (1)، ولا شك أن هذا القول هو جار على مقتضى ما يقال: إن أصل المفعول معه العطف، وإن الواو هي العاطفة في الأصل وقد عرفت أنه قول الأكثرين، وأما نحو: لا تنه عن القبيح وإتيانه فقد يقول أعني ابن عصفور: إن العطف في هذا ممتنع لأن تشريك ما بعد الواو لما قبلها في الحكم [2/ 507] لا يجوز أن يكون مرادا هنا والمعية مرادة قطعا، وحينئذ يكون النصب متعينا بنفسه والعطف ممتنع من أصله لفساد المعنى إذا عطف، وإذا كان العطف غير متصور فهو منتف من الأصل، فليس النصب في مثل هذا إلا لأن الكلام لا يتصور فيه غير المعية، وإذا كان كذلك فلا نذكر هذه المسألة مع مسائل هذا الباب؛ لأنها إنما يقال فيها: يجب العطف أو يرجح أو يجب النصب أو يرجح، ألا وقد تصورنا صحة كل من العطف والمعية في تلك المسألة لكن منع من أحد الأمرين مانع أو جعله مرجوحا.

وأما رجحان العطف فله سببان أيضا معنوي ولفظي كما تقدم:

فالمعنوي هو انتفاء التكلف، وضابطه أن الكلام لا يكون فيه مانع من العطف من جهة اللفظ، ولا يحتاج فيه إلى تقدير فيه تكلف؛ لأنه إذا احتيج في العطف إلى ما فيه تكلف يكون النصب على المعية هو الراجح حينئذ، فيكون العطف مرجوحا لا محالة، واللفظي هو انتفاء الموهن أي المضعف للعطف، وضابطه أن يكون ثم ما لا يضعف العطف عليه، ثم قد لا يوجد عامل لفظا يصح توجهه إلى نصب المفعول معه، فيحتاج في النصب على المعية إلى تقدير عامل نحو: ما لزيد وأخيك، وما أنت والسير، وكيف أنت وقصعة، و:

1663 -

أزمان قومي والجماعة (2)

و «أنا وإياه في لحاف» ، وقد يوجد عامل نحو: جئت أنا وزيد، هذا عند المصنف. وأما عند ابن عصفور، فإنما ترجح العطف عنده في الأول أعني الذي لم -

(1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 367)، والتذييل (3/ 453)، وقد سبق فصل القول في هذه المسألة.

(2)

تقدم ذكره.

ص: 2084

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يذكر فيه عامل، وأما الثاني وهو الذي ذكر العامل فيه فهو من قبيل ما يستوي فيه الأمران عنده أعني العطف والنصب على المعية؛ ولهذا جعل ضابط ما ترجح عطفه أن تكون الجملة اسمية متضمنة معنى الفعل، وأن يتقدم الواو اسم لا يتعذر العطف عليه (1)، وكأنه يعني بقوله: لا يتعذر: لا يضعف، ثم قال: وإذا كانت الجملة فعلية وتقدم الواو اسم يسوغ العطف عليه نحو: جاء البرد والطيالسة، استوى الأمران (2)، وما جنح إليه ابن عصفور هو الظاهر، وقد تقدم ما يدل على أرجحية رأيه في هذه المسألة، وأما رجحان النصب فله سببان أيضا لفظي ومعنوي وهما الأمران اللذان قلنا: إن انتفاءهما موجب لأرجحية العطف، فإذا وجدا كان العطف مرجوحا كما تقدم، وحينئذ يكون النصب على المعية هو الراجح، فاللفظي هو وجود موهن للعطف نحو: ما صنعت وأباك، والمعنوي هو وجود التكلف لو عطفنا نحو:

1664 -

فكونوا أنتم وبني أبيكم (3)

والخوف من فوات المعنى المقصود [2/ 508] لو عطفنا أيضا نحو: لا تغتد بالسمك واللبن، وقد تقدم البحث مع المصنف في إيراده هذا الضرب في قسم ما يرجح نصبه، وكونه لم يورده في قسم الواجب النصب، وقد تقدمت الإشارة إلى أن ابن عصفور لم يتضمن كلامه هذا القسم أعني ما يرجح نصبه على عطفه، والموجب لأن لم يذكره أنه في نحو: ما صنعت وأباك يوجب النصب لعدم تجويزه العطف، وأما في:

فكونوا أنتم وبني أبيكم

فقد تقدم أنه ربما يدعى فيه وجوب النصب، وأما في نحو: لا تغتد [3/ 22] بالسمك واللبن فإنه إن ادعي أن النصب واجب في:

فكونوا أنتم وبني أبيكم

وجب أن يدعى وجوبه في: لا تغتد بالسمك واللبن بطريق الأولى، هذا آخر الكلام -

(1) ينظر: المقرب (1/ 159، 160).

(2)

ينظر: المقرب (1/ 159).

(3)

تقدم ذكره.

ص: 2085