المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أغراض حذف الفاعل - ما ينوب عنه] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٤

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن عشر باب الفاعل

- ‌[تعريفه]

- ‌[من أحكام الفاعل: الرفع وتقديم الفعل]

- ‌[من أحكام الفاعل: تأنيث الفعل وجوبا وجوازا]

- ‌[من أحكام الفاعل: ألا تلحقه علامة تثنية أو جمع]

- ‌[من أحكام الفاعل: جواز حذف الفعل]

- ‌الباب التاسع عشر باب النّائب عن الفاعل

- ‌[أغراض حذف الفاعل - ما ينوب عنه]

- ‌[جواز نيابة غير المفعول مع وجود المفعول]

- ‌[جواز نيابة أي المفعولين]

- ‌[بعض المنصوبات لا تجوز إنابتها]

- ‌[التغييرات التي تحدث في الفعل عند بنائه للمجهول]

- ‌[أحكام تأخير المفعول عن الفاعل وتقديمه عليه]

- ‌الباب العشرون باب اشتغال العامل عن الاسم السّابق بضميره أو ملابسه

- ‌[مواضع نصب المشغول عنه وجوبا]

- ‌[مواضع ترجيح النصب في المشغول عنه]

- ‌[جواز الرفع والنصب على السواء في المشغول عنه]

- ‌[مسألتان اختلف فيهما النحاة أيهما أرجح]

- ‌[ترجح رفع الاسم على الابتداء]

- ‌[أنواع ملابسة الضمير للمشغول عنه]

- ‌[مسألة يترجح فيها الرفع]

- ‌[رفع الاسم المشغول عنه وأحكامه في ذلك]

- ‌[مسألة أخيرة في باب الاشتغال]

- ‌الباب الحادي والعشرون باب تعدي الفعل ولزومه

- ‌[تقسيم الفعل إلى متعدّ ولازم - إجراء اللازم مجرى المتعدي]

- ‌[نوعا المتعدي: متعد إلى واحد - متعد إلى اثنين]

- ‌[مسائل تأخير المفعول وجوبا وتقديمه وجوبا وجواز الأمرين]

- ‌[حذف العامل الناصب للمفعول به جوازا ووجوبا]

- ‌[مواضع حذف المفعول ومواضع ذكره]

- ‌[تعدي الفعل بالهمزة والتضعيف]

- ‌الباب الثاني والعشرون باب تنازع العالمين فصاعدا معمولا واحدا

- ‌[تعريف التنازع - العامل في المتنازع فيه]

- ‌[خلاف البصريين والكوفيين في العامل]

- ‌[حكم ضمير المتنازع فيه من الإظهار أو الحذف]

- ‌[مسائل أربع في باب التنازع ختم بها الباب]

- ‌الباب الثالث والعشرون باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه

- ‌[تعريف المصدر - وأسماؤه وأصالته]

- ‌[المفعول المطلق: ناصبه - أنواعه - ما ينوب عنه]

- ‌[حذف عامل المفعول المطلق - جوازا ووجوبا - ومواضع ذلك]

- ‌[أحكام للمفعول المطلق المحذوف عامله وجوبا]

- ‌الباب الرابع والعشرون باب المفعول له

- ‌[تعريفه - ناصبه - أنواعه - وحكم كل نوع]

- ‌الباب الخامس والعشرون باب المفعول المسمّى ظرفا ومفعولا فيه

- ‌[تعريف الظرف - نوعاه]

- ‌[تقسيم ظرف الزمان إلى متصرف وغير متصرف]

- ‌[تقسيمات مختلفة لظرف الزمان وأمثلة لكلّ]

- ‌[حكم الظرف الواقع في جواب كم أو متى بالنسبة لحصول الفعل]

- ‌[أحكام إذ حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام إذا حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام مذ ومنذ حين تجيئان ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام الآن وبناؤه وإعرابه]

- ‌[أحكام قط وعوض]

- ‌[أحكام أمس من بنائه وإعرابه]

- ‌[الصالح للظرفية المكانية من أسماء الأمكنة]

- ‌[أحكام بعض الظروف المكانية مثل أسماء الجهات وحيث ولدن]

- ‌[التوسع في الظرف المتصرف]

- ‌الباب السادس والعشرون باب المفعول معه

- ‌[تعريفه وشرح التعريف]

- ‌[ناصب المفعول معه والآراء في ذلك]

- ‌[واو المفعول معه وحديث عنها]

- ‌[المفعول معه وحكم تقديمه]

- ‌[أقسام خمسة لما بعد الواو وحكم كل قسم]

- ‌[تعقيب على أقسام المفعول معه السابقة]

- ‌[أمثلة مختلفة في هذا الباب وما يجوز فيها]

- ‌[مسألتان في ختام هذا الباب]

الفصل: ‌[أغراض حذف الفاعل - ما ينوب عنه]

‌الباب التاسع عشر باب النّائب عن الفاعل

[أغراض حذف الفاعل - ما ينوب عنه]

قال ابن مالك: (قد يترك الفاعل لغرض لفظيّ أو معنويّ جوازا أو وجوبا، فينوب عنه جاريا مجراه في كلّ ما له

مفعول به أو جارّ ومجرور، أو مصدر لغير مجرّد التّوكيد، ملفوظ به أو مدلول عليه بغير العامل، أو ظرف مختصّ متصرّف وفي نيابته غير متصرّف أو غير ملفوظ به خلاف).

قال ناظر الجيش: اعلم أن ابن عصفور صدر الكلام في هذا الباب بأن قال:

يحتاج في هذا الباب إلى معرفة خمسة أشياء: الأفعال التي يجوز بناؤها للمفعول، وكيفية بنائها له، والسبب الذي لأجله حذف الفاعل، والمفعولات التي تقام مقام الفاعل، والأولى منها بالإقامة إذا اجتمعت، فأما الأفعال فثلاثة أقسام:

قسم لا يجوز بناؤه للمفعول باتفاق: وهو الأفعال التي لا تنصرف [2/ 244] نحو: نعم وبئس.

وقسم فيه خلاف: وهو كان وأخواتها المتصرفة، والصحيح أنها تبنى للمفعول بشرط أن تكون قد عملت في ظرف أو مجرور فيحذف اسمها كما يحذف الفاعل، ويحذف الخبر؛ إذ لا يتصور بقاء الخبر دون مخبر عنه ويقام الظرف أو المجرور مقام المحذوف فيقال: كان في الدار، وكين يوم الجمعة.

وقسم لا خلاف في جواز بنائه للمفعول: وهو ما بقي من الأفعال المتصرفة (1). انتهى.

أما الأمر الأول؛ فلم يتعرض المصنف إلى ذكره؛ لوضوحه، ولأنه ذكر في الباب عن الكسائي والفراء: بناء كان، وجعل (2). وأما الأربعة الباقية؛ فقد تكلم عليها وبدأ بالكلام على السبب المقتضي لحذف الفاعل، وقد ذكروا أنه يحذف لعشرة أسباب فاختصر المصنف عدّها مكتفيا بقوله:(قد يترك الفاعل لغرض لفظي أو معنوي)(3)، -

(1) المقرب لابن عصفور (1/ 79).

(2)

ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 83).

(3)

حصر المرادي هذه الأسباب العشرة في قوله: «قد يحذف الفاعل لغرض لفظي: كالإيجاز، والتصحيح، والتوافق، والتقارب، أو معنوي: كالعلم به، والجهل، والإبهام، والتعظيم، والتحقير، والخوف منه، أو عليه» اه. شرح المرادي للألفية (2/ 21)، وينظر: التوطئة للشلوبين (ص 248)، -

ص: 1613

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فأشار باللفظي إلى قصد الإيجاز كقوله تعالى: وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ (1)، وإلى موافقة المسبوق السابق كقول بعض الفصحاء: من طابت سريرته حمدت سيرته، وإلى إصلاح النظم كقول الأعشى:

1255 -

علّقتها عرضا وعلّقت رجلا

غيري وعلّق أخرى ذلك الرّجل (2)

وكقول عنترة:

1256 -

وإذا شربت فإنّني مستهلك

مالي وعرضي وافر لم يكلم (3)

وأشار بالمعنوي إلى كون الفاعل معلوما كقوله تعالى: وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (4)، وكقوله تعالى: ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ (5) ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:

«نصرت بالرّعب مسيرة شهر» (6)، «ونصرت بالصّبا وأهلكت عاد بالدّبور» (7)، وإلى كونه مجهولا كقول الرجل: نبئت بكذا إذا لم يعرف من نبأه، ومنه ما يرد من قول بعض الرواة: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كيت وكيت» وإلى كونه لا يتعلق، ويتعقبه مراد المتكلم كقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (8)، وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها (9)، إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا (10)، ومنه قول الشاعر: -

- وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 534).

(1)

سورة الحج: 60.

(2)

البيت من البسيط وهو في التذييل (2/ 1182)، والعيني (2/ 504)، وأوضح المسالك (1/ 142)، والتصريح (1/ 286)، وحاشية الخضري (1/ 167)، وديوان الأعشى (ص 43).

والشاهد قوله: «علقتها

وعلقت

وعلق»؛ حيث بنى الفعل «علق» في المواضع الثلاثة للمفعول وحذف الفاعل لأجل إصلاح النظم.

(3)

البيت من الكامل وهو في التذييل (2/ 1182) برواية «فإذا» مكان «إذا» وهي موافقة لرواية الديوان، وانظر أيضا: الهمع (1/ 162)، والدرر (1/ 143)، وديوان عنترة (ص 122) طبعة بيروت.

والشاهد قوله: «لم يكلم» ؛ حيث حذف الفاعل لغرض لفظي وهو إصلاح النظم كما بين الشارح.

(4)

سورة النساء: 28.

(5)

سورة الحج: 73.

(6)

حديث شريف أخرجه البخاري في باب التيمم.

(7)

حديث شريف أخرجه البخاري في باب الاستسقاء.

(8)

سورة البقرة: 196.

(9)

سورة النساء: 86.

(10)

سورة المجادلة: 11.

ص: 1614

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

1257 -

وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن

بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل (1)

وإلى كون تعظيم الفاعل مقصودا فيصان اسمه عن مقارنة اسم المفعول كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بلي منكم بهذه القاذورات فليستتر» (2)، وإلى كون تعظيم المفعول مقصودا فيصان اسمه عن مقارنة اسم الفاعل كقولك: أوذي فلان إذا عظمته واحتقرت من أذاه، وإلى كون الستر على الفاعل مقصودا خوفا منه أو خوفا عليه، هذا ما ذكره المصنف (3).

وقد تضمن كلامه ذكر أسباب عشرة، وأفاد بقوله:(جوازا أو وجوبا) أن الفاعل قد يجب حذفه كما في نحو: من طابت سريرته حمدت سيرته (4)، وكما في:

1258 -

علّقتها عرضا

... .... البيت (5)

وفي

1259 -

وعرضي وافر لم يكلم (6)

[2/ 245] واعلم أن ابن الضائع قال: قولهم: يحذف الفاعل لكذا ولكذا هذيان من القول وما ارتكبه المتأخرين في ذلك نازع عن الحق جملة، ولا فرق بين طلب العلة لذلك وطلب العلة في لم بني الفعل للفاعل، ولا فرق بين السؤال لم لم يذكر الفاعل؟ وبين السؤال لم لم يذكر الظرف؟ أو لم لم يذكر الزمان؟ أو شبه ذلك. انتهى (7). وما قاله غير ظاهر وكأنه بنى الأمر على أن كلّا من التركيبين - -

(1) البيت من الطويل وهو للشنفرى وهو في: التذييل (2/ 1183)، والمغني (2/ 560)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 899)، والعيني (2/ 117)، (4/ 51)، والتصريح (1/ 202)، والهمع (1/ 127)، والدرر (1/ 101)، والأشموني (1/ 251)، (3/ 51) ولامية العرب (ص 42).

والشاهد قوله: «وإن مدت الأيدي» ؛ حيث حذف الفاعل؛ لأنه لا يتعلق مراد المتكلم بتعيينه.

(2)

الحديث في موطأ الإمام مالك «باب الحدود» (ح/ 12) برواية: «من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته، نقم عليه كتاب الله» . اه. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحديث وهو يخطب في الناس حينما اعترف رجل أمامه على نفسه بالزنا.

(3)

ينظر: شرح التسهيل للمصنف (2/ 126).

(4)

ينظر: حاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 167)، والتصريح (1/ 286).

(5)

تقدم ذكره.

(6)

تقدم ذكره.

(7)

ينظر: التذييل (2/ 1184) فقد ذكر فيه نص ابن الضائع.

ص: 1615

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أعني ضرب زيد، وضرب زيد - أصل بنفسه، ولا شك أن ذكر الفاعل هو الأصل وأن ضرب زيد ثان عن ضرب زيد، وإذا كان كذلك اتجه التعرض إلى ذكر العلة المقتضية حذف الفاعل.

ثم ثنى المصنف بذكر ما يقوم مقام الفاعل من المعمول، وأشار إلى ذلك بقوله:

(فينوب عنه جاريا مجراه في كل ما له مفعول به) إلى آخره فذكر أربعة وهي:

المفعول به، والجار والمجرور، والمصدر، والظرف.

وأفاد بقوله: (جاريا مجراه في كل ما له) أن النائب عن الفاعل يخلفه في الرفع ووجوب التأخير عن الفاعل والتنزل منزلة الجزء منه وعدم الاستغناء (1) عنه.

قال الشيخ: إلا أنه لا يجري مجراه في العامل؛ لأن الفاعل يرتفع باسم الفعل، وبالظرف، والمجرور، والأمثلة، والجامد الجاري مجرى المشتق، ولا يرتفع المفعول الذي لم يسم فاعله إلا بالفعل واسم المفعول، وفي ارتفاعه بالمصدر الذي يتصل بحرف مصدري والفعل خلاف، قال: فإذا لم يجر مجراه في كل ما له (2). انتهى.

وهذا الذي ذكره لا يتوجه على المصنف، لأن النائب عن الفاعل إنما يجري مجراه في كل ما له إذا تبين أنه نائب عنه ولا يتبين ذلك إلا بدليل، والدليل هو التغيير الذي يحدث في العامل، فما لم يحدث تغيير لا يجوز الحكم عليه بأنه نائب (3). فعلى هذا: المرفوع باسم الفعل والظرف والمجرور وما ذكره معها محكوم بفاعليته قطعا؛ إذ لا دليل إذ ذاك على حذف الفاعل لو حكمنا على المرفوع بها بأنه نائب عنه، وإذا كان الحكم على شيء بالنيابة عن الفاعل متوقفا على أمر ولم يوجد ذلك الأمر؛ لزم انتفاء الحكم عن ذلك الشيء قطعا، وعلى هذا: لا يحتاج إلى أن يستثني ويقول: إلا أنه لا يجري مجراه في العامل.

قال المصنف (4): ثم نبهت على أن النائب عن الفاعل إما المفعول به نحو: -

(1) ينظر: شرح عمدة الحافظ (ص 88)، والهمع (1/ 162)، والأشموني (2/ 61)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 126).

(2)

التذييل (2/ 1184).

(3)

ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 22)، وشرح الأشموني (2/ 61 - 62)، وشرح المفصل لابن يعيش (7/ 71).

(4)

انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 126) وما بعدها.

ص: 1616

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ضرب زيد، وإما جار ومجرور نحو: غضب عليه ولم يلزم من نيابة [2/ 246] الجار والمجرور مخالفته؛ لأن الفاعل قد يكون مجرورا نحو: فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (1)، وقيدت المصدر الذي ينوب بكونه (لغير مجرد التوكيد) تنبيها على أن المصدر المسوق لمجرد التوكيد لا يقام مقام الفاعل، فلا يقال في مثل ضلّ زيد ضلالا: ضلّ ضلالا؛ لعدم الفائدة، بخلاف قام في الدار قياما طويلا أو قومة أو قومتين، فإن المصدر فيه مسوق لغير مجرد التوكيد، فلا يخلو الإسناد إليه من فائدة (2).

ونبهت بقولي: ملفوظ به أو مدلول عليه بغير العامل، على أن المنوي مدلول عليه بالعامل لا يجوز، وقد أجاز ذلك قوم من المتأخرين (3)، ولا يصل إليه؛ لأن الفعل لا يدل على المصدر المختص ولا المحدود، وإنما يدل على الذي لمجرد التوكيد، والذي لمجرد التوكيد لا فائدة في الإسناد إليه، وهو ملفوظ به، فكيف إذا نوى ولم يلفظ به؟ (4). فإن كان المصدر المنوي مدلولا عليه بغير الفعل جاز الإسناد إليه كقولك: بلى سير، لمن قال: سير سير شديد؟ ولو جاز الإسناد إلى المصدر المنوي مطلقا لم يمتنع أن يقال ابتداء: ضرب أو نحو ذلك وفي كلام الزجاجي: إشعار بأن سيبويه يجيز ذلك؛ لأنه قال: وقد أجاز بعضهم على إضمار المصدر وهو مذهب سيبويه (5).

قال ابن خروف: لا يجيز أحد من النحويين ردّ الفعل إلى ما لم يسم فاعله على إضمار المصدر المؤكد، ولا يجيز أحد: قعد، وضحك، من غير شيء يكون بعد هذا الفعل، ثم ادعاؤه أنه مذهب سيبويه فاسد؛ لأن سيبويه لا يجيز إضمار المصدر المؤكد في هذا الباب، والذي أجازه سيبويه لا يمنعه بشر، وهو إضمار المصدر المقصود، مثل أن يقال لمتوقع القعود: قد قعد، ولمتوقع السفر: قد سوفر، أي: قد قعد القعود، وسوفر السفر الذي ينتظر وقوعه، والفعل لا يدل على هذا النوع من -

(1) سورة يونس: 29.

(2)

ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 536)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 90).

(3)

ذكر السيوطي في الهمع نقلا عن أبي حيان أن الذي أجاز ذلك هو ابن طاهر، يقول السيوطي في الهمع (1/ 163): «فإن كان مدلولا عليه بالفعل كقولك: جلس وضرب وأنت تريد هو أي:

جلوس، وضرب لم يجز، قال أبو حيان: وفي كلام ابن طاهر إشعار بجوازه» اه.

(4)

ينظر: أوضح المسالك (1/ 143)، وشرح الكودي (ص 78).

(5)

الجمل للزجاجي (ص 89) تحقيق ابن أبي شنب.

ص: 1617

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المصادر والدال عليه أمر آخر، هكذا قال ابن خروف (1) وهو الصحيح، وقيدت الظرف الصالح للنيابة بكونه مختصّا على أن غير المختص لا يصلح للنيابة كوقت وزمن ومدّة، فلا يقال في سرت وقتا: سير وقت؛ لعدم الفائدة (2)، بخلاف: سرت وقتا صعبا، أو زمنا طويلا، أو مدة من النهار، فإن الظرف فيه مختص والإسناد إليه مفيد، وقيدته بالتصرف تنبيها على أن ما لا يتصرف لا يصلح للنيابة، كسحر معينا، وثمّ؛ فلا يقال في أتيت سحر وجلست ثمّ: أتي سحر، وجلس ثمّ؛ لأن الظرفية لا تفارقها، ولا يسند إليهما منصوبين محكوما لمحلهما بالرفع؛ لأن الفاعل لم يحكم له بمثل (3) ذلك، وليس كذلك الحكم على [2/ 247] المجرور بالرفع، فإنه ثابت للفاعل كما سبق، فلم يلزم من معاملة النائب به محذور، وأجاز ابن السراج نيابة الظرف المنوي (4)، وأجاز الأخفش نيابة الظرف الذي لا يتصرف نحو أن تقول:

جلس عندك (5)، ومذهبه في هذه المسألة ضعيف. انتهى كلام المصنف (6).

لكن يتعلق بهذا الموضع الإشارة إلى أمور:

الأول: أن المصنف لم يتعرض إلى اشتراط التصرف في المصدر النائب، ولا بد من كونه متصرفا مع كونه مختصّا، كما أن الظرف النائب لا بد فيه من الأمرين، وقد كان يلزم التعرض إلى ذلك كما تعرض إليه في الظرف، فنحو: سبحان الله ومعاذ الله، لا يقام مقام الفاعل لعدم التصرف (7).

الثاني: قد عرفت أن الذي يقام مقام الفاعل من معمولات الفعل أربعة أشياء وهي:

المفعول به، والمجرور بحرف الجر، والمصدر، والظرف دون بقية المعمولات؛ والسبب -

(1) ينظر: التذييل (2/ 1190).

(2)

ينظر: الفصول الخمسون لابن معطي (ص 177)، والمقرب (1/ 81)، والتوطئة (ص 249).

(3)

في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 356): «ويشترط في الظرف أن يكون تامّا متصرفا وأعني بذلك أن يجوز استعماله في موضع الرفع فنقول: قيم يوم الجمعة، ولو قلت: قيم سحر، لم يجز؛ لأن سحر لا يتصرف» اه.

(4)

ينظر: أصول النحو لابن السراج (1/ 89، 90).

(5)

ينظر: الهمع (1/ 163) وفيه أنه مذهب الأخفش والكوفيين.

(6)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 128).

(7)

ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 90)، وشرح عمدة الحافظ (ص 92).

ص: 1618

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في ذلك: أن الذي يقام مقام الفاعل هو المفعول به حقيقة أو مجازا، ولا شك أنك إذا قلت: ضربت زيدا ومررت بعمرو، كان كل من زيد وعمرو مفعولا به حقيقة، وأما المصدر والظرف فيتصور في كل منهما أن يكون مفعولا به مجازا؛ لأنه يجوز الاتساع فيهما والنصب على أن الفعل واقع بهما، فمن الاتساع في المصدر ما حكاه سيبويه من قول بعضهم:«ثماني حجج حججتهنّ بيت الله» (1)؛ فالضمير في حججتهن منصوب على الاتساع انتصاب المفعول به، وإنما حمل على ذلك؛ لأن الكلام قد انتصب فيه بالفعل اسم آخر على المصدر وهو: ثمان حجج، ولا يجوز أن ينصب الفعل مصدرين (2)، ومن الاتساع في الظرف قوله:

1260 -

ويوما شهدناه سليما وعامرا (3)

ومن ثمّ لم يقم في هذا الباب المفعول معه، ولا المفعول من أجله؛ لأنه لا يجوز أن يتسع فيها فينصبان نصب المفعول به، وكذا لا يقام الحال ولا التمييز لهذه العلة أيضا (4).

وقد ذكر ابن الحاجب لامتناع إقامة المفعول له والمفعول معه مقام الفاعل تعليلا آخر غير ما ذكره غيره، أما امتناع إقامة المفعول له؛ فلأنه قد يكون علة لأفعال متعددة، تقول: ضربت وأكرمت وأعطيت إكراما لزيد؛ فلو أقيم هذا المفعول مقام الفاعل لكان، إمّا أن يقام مقام الجميع (5)، أو مقام أحدها، وعلى كل حال يلزم -

(1) الكتاب (1/ 178).

(2)

ينظر: الأشباه والنظائر (2/ 70).

(3)

صدر بيت من الطويل وعجزه:

قليل سوى الطّعن النّهال نوافله

وهو لرجل من بني عامر وهو في: الكتاب (1/ 178)، والمقتضب (3/ 105)، والكامل (ص 21)، وأمالي الشجري (1/ 6، 186)، ومعاني القرآن للزجاج (1/ 98)، والتذييل (2/ 1217)، وابن يعيش (2/ 45، 46)، والمقرب (1/ 147)، والمغني (2/ 503)، والهمع (1/ 203)، والدرر (1/ 172)، وتعليق الفرائد (ص 1656).

اللغة: سليم وعامر: قبيلتان من قيس عيلان. الطعن: اسم جنس جمعي لطعنة. النهال: المرتوية من الدماء. نوافله: غنائمه.

والشاهد قوله: «شهدناه» حيث نصب ضمير اليوم تشبيها بالمفعول به؛ اتساعا أو مجازا، والتقدير:«شهدناه في» .

(4)

ينظر: التصريح (1/ 290) وفيه: «ولا ينوب التمييز خلافا للكسائي وهشام ولا المفعول معه ولا خبر كان؛ فلا يقال: كين قائم، خلافا

للفراء» اه. وينظر: البهجة المرضية للسيوطي (ص 51).

(5)

في (ب): (المجموع) وهو موافق لنص ابن الحاجب في كافيته.

ص: 1619

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خلو بعض الأفعال عن الفاعل أو يضمر وهو باطل، فلما لم تطرد هذه القاعدة للعرب امتنعوا عن إثباتها في هذا الموضع الذي لا يتعدد فيه الأفعال لذلك، وأما امتناع إقامة المفعول معه؛ فلأنه مذكور [2/ 248] بحرف العطف؛ فلو أقيم مقام الفاعل لزم أحد الأمرين: إمّا أن تحذف الواو فيخرج المفعول معه عن أن يكون مفعولا معه، فإنه لا يفعل بدون الواو، وإمّا أن لا تحذف فيمتنع التركيب؛ لما لم يسم فاعله فإنه يكون عطفا على غير معطوف عليه (1).

الأمر الثالث: الحق أن النائب عن الفاعل في نحو: مرّ بزيد؛ إنما هو المجرور والحرف وصل معنى الفعل الذي هو المرور إليه، كما تقول في نحو: مررت بزيد أن الذي في محل النصب إنما هو المجرور والباء موصلة العامل إليه، ولكن المصنف تجوز فجعل النيابة للجار والمجرور معا (2)، ولا شك أنهما في الصورة هما القائمان مقام الفاعل فكان ذلك هو الحامل له على التجوز، وليس هذا الأمر مما يخفى على أضعف الناظرين في كلام النحاة، فما ظنك بالمصنف صاحب النظر العالي رحمه الله تعالى؟!.

وقال الشيخ: هذا الذي ذكره المصنف لم يذهب إليه أحد وهو أن يكون الجار والمجرور يقوم مقام الفاعل، فيكونان معا في مواضع رفع. انتهى (3).

وقد ذكر ابن عصفور وغيره مذاهب النحاة في هذه المسألة؛ قال ابن عصفور بعد أن تكلم على ما يقام مقام الفاعل من المفعولات: وأما المفعول به المقيد فإن فيه خلافا بين الكوفيين والبصريين. ذهب البصريون إلى أن المجرور من قولك: سير بزيد، في موضع رفع بالفعل كما إذا قلت: ما قام من أحد؛ كان المجرور بمن في موضع رفع (4)، ثم اختلفوا في القائم مقام الفاعل، فالفراء يرى أنه حرف الجر قلت: وهذا القول لا يعقل، -

(1) شرح ابن الحاجب على كافيته (1/ 350) تحقيق د. نزار الباز، تحقيق د. جمال مخيمر، وقد علل ابن الحاجب أيضا بمثل هذا التعليل في شرح الوافية نظم الكافية (1/ 94) تحقيق طارق عبد الله نجم، والفوائد الضيائية (2/ 128)، وشرح التبريزي مبسوط الأحكام (ص 78)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 84).

(2)

ينظر: شرح عمدة الحافظ (ص 87)، وشرح المكودي (ص 79)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 90).

(3)

التذييل (2/ 1184).

(4)

زاد بعد ذلك في (ب): «بالفعل ووافق الكوفيون البصريين على هذا الحكم فيما حرف الجر فيه زائد كما قام من أحد، وأما ما حرف الجر فيه غير زائد فاتفقوا على أن المجرور به لا يكون في موضع رفع» .

ص: 1620

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وذهب الكسائي وهشام إلى أنه ضمير مبهم مستتر في الفعل، وجعلا الضمير المستتر في الفعل مبهما من حيث كان محتملا أن يراد به ما يدل عليه الفعل من مصدر أو ظرف زمان أو مكان ولم يقم دليل على أن المراد به بعض ذلك دون بعض قلت وهذا القول لا يخفى عدم تحققه.

ومنهم من ذهب إلى أن مرفوع الفعل ضمير عائد على المصدر، قلت: وقد عرفت بطلان قيام المصدر الذي لا تزيد دلالته على دلالة فعله مقام الفاعل وكذا بطلان قيام ضميره (1)، ولا شك أن مثل هذه الأقوال لا ينبغي التشاغل بها؛ وإنما ذكرناها تبعا للذاكرين لها.

وقد ذكر الشيخ هذه المذاهب وأطال الكلام، وذكر مذهبا رابعا نسبه إلى قوم وهو أن: سير بزيد، إنما هو على إضمار الطريق؛ لأن السير لا يكون إلا في مكان، قال:

والمعنى: قطع به طريق (2)، ولا يخفى أن التعرض إلى ذكر مثل هذه المذاهب التي لا يقوم عليها دليل ولا تتطبع في النفوس؛ فيه إتعاب للنفس، وضياع للزمان، واشتغال بما لا يجدي شيئا، ولا تعود منه فائدة. وممن ذهب [2/ 249] إلى أن القائم مقام الفاعل - في نحو: سير بزيد - ضمير عائد على المصدر المفهوم من الفعل؛ أبو زيد السهيلي تابعا لابن درستويه، فالتقدير عنده: سير هو بزيد، أي: سير سير، واستدل السهيلي على امتناع إقامة المجرور مقام المفعول الذي لم يسم فاعله بأمور:

1 -

منها: أن المفعول المذكور إذا تقدم كان مبتدأ، كما أن الفاعل إذا تقدم صار مبتدأ وأنت لا تقول: بزيد سير؛ فيكون «بزيد» مبتدأ.

2 -

ومنها: أن الفعل لا يؤنث في نحو: سير بهند، وجلس في الدار، فلا يقال: سرت بهند، ولا جلست في الدار.

3 -

ومنها: أنه لا يتبع على المحل، فلا يقال: سير بزيد العاقل.

4 -

ومنها: أنه يجوز تقديمه قال الله تعالى: كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (3) أي: مسؤولا عنه، ولو كان في موضع رفع ما جاز تقديمه (4). -

(1) ينظر: الهمع (1/ 163)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 31).

(2)

التذييل (2/ 1188).

(3)

سورة الإسراء: 36.

(4)

ينظر: أوضح المسالك (1/ 143)، والأشموني (2/ 66، 67)، والهمع (1/ 163).

ص: 1621

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد رد الناس على السهيلي ذلك فقالوا: الدليل على بطلان مذهبه أن العرب تقول:

سير بزيد سيرا، بنصب المصدر؛ فدل ذلك على أن القائم مقام الفاعل هو المجرور.

وأما قوله: إن القائم مقام الفاعل إذا قدم كان مبتدأ؛ فيقال في جوابه: إن المبتدأ هو المعرّى من العوامل اللفظية، و «بزيد» ليس كذلك، فامتناع كونه مبتدأ لعارض.

وأما قوله: إن الفعل لا يؤنث في نحو: سير بهند؛ فلا شك أنك تقول: كفى بهند فاضلة، فـ «هند» فاعل «كفى» والباء زائدة، ولم يؤنث الفعل؛ فما كان جوابا عن:«كفى بهند فاضلة» ، فهو الجواب عن:«سير بهند» .

وأما قوله: إنه لا يتبع على المحل؛ فالجواب عنه: أن المانع من الإتباع على المحل أن هذا الموضع لا يجوز أن يلفظ به؛ فلا يقال: سير زيد، وما كان كذلك لا يراعى محله، وقد نصوا على أنه لا يجوز أن يقال: مررت بزيد الظريف؛ لأنه لا يجوز أن يقال: مررت زيدا، وهذا بخلاف: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (1)؛ لأنه يجوز: ما لكم إله غيره (2).

بقي الكلام على ثلاث مسائل:

الأولى: قد تقدمت الإشارة إلى أن المصدر المنوي المدلول عليه بالفاعل لا ينوب عن الفاعل، وتقدم قول المصنف: وقد أجاز ذلك قوم من المتأخرين، وتقدم أيضا نقله جواز ذلك عن الزجاجي، ونسبة الزجاجي الجواز إلى سيبويه، وتقدم رد ابن خروف لذلك، وأن أحدا من النحويين لا يجيز: قعد، ولا: ضحك، من غير شيء يكون بعد هذا الفعل وقد ذكر الشيخ هذه المسألة، ونقل الجواز فيها عن بعضهم وأطال الكلام ثم قال: وقد وجدت في لسان العرب ما يشهد لجواز: جلس، وقعد مبنيّا -

(1) سورة المؤمنون: 23.

(2)

ينظر في الرد على مذهب السهيلي: شرح الجمل لابن الضائع (1/ 31)، والتذييل (2/ 1186)، فقد رد أبو حيان على السهيلي في هذه المسألة فقال:«وهذا الذي ذكره السهيلي في: «سير بزيد» يرد عليه: «لم يضرب من رجل» ؛ فإن هذا المجرور في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل، ولو قدمته لم يجز:

«من رجل لم يضرب» ؛ فينبغي ألا يجوز ذلك، قال أصحابنا: والدليل على بطلان هذا المذهب أن العرب تقول: «سير بزيد سيرا» بنصب

المصدر؛ فدل ذلك على أن المجرور هو الذي يقام مقام الفاعل، وإنما امتنع أن يكون «بزيد» مبتدأ؛ لأن المبتدأ معرى من العوامل اللفظية فلا يتقدمه عامل لفظي أصلا إلا أن يكون حرف جر زائد، والباء في «بزيد» ليست بزائدة؛ فلذلك امتنع أن يكون مبتدأ» اه.

ص: 1622

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للفاعل دون أن يسند إلى شيء في اللفظ والفعل لازم قال الشاعر (1)[2/ 250]:

1261 -

وقالت متى يبخل عليك ويعتلل

يسؤك وإن يكشف غرامك تدرب (2)

«فيعتلل» فعل لازم مبني للمفعول، ولا مفعول له ظاهر، ولا جائز أن يكون المفعول «عليك» محذوفة لدلالة «متى يبخل عليك» عليه؛ لأن النائب عن الفاعل لا يجوز حذفه كالفاعل، فالأولى أن يعتقد أن «يعتلل» مفعوله ضمير يعود على المصدر الذي يدل عليه الفعل ويجعل فيه اختصاص، أي: يعتلل هو، أي: الاعتلال المعهود أو يجعل «عليك» محذوفة لدلالة ما قبلها عليها، ويكون في موضع نصب ليتخصص به المصدر المذكور كما تقول: فلان يغضب عليك ويحقد، تريد: ويحقد عليك (3).

وأجاز سيبويه اختصاص المصدر بوصف مقدر فيقول: سير بزيد سير؛ إذا أردت به نوعا من السير فحذف الصفة؛ لفهم المعنى، كما قال تعالى: الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ (4) أي: بالحق البين (5)، وقال ابن عصفور: إن هذا مما انفرد به سيبويه (6)، وأقول: إذا كان التقدير في «ويعتلل» ضمير الاعتلال - أعني ضمير مصدر معرف - كان النائب عن الفاعل مختصّا لا مؤكدا.

ولا شك أن الأمر إذا كان كذلك فالحكم كما ذكره المصنف من أنه لا يجوز -

(1) ذكر العيني أنه علقمة بن عبدة، وقال غيره: إنه امرؤ القيس، يقول الصبان في حاشيته على الأشموني (2/ 65):

«قال امرؤ القيس الكندي وهو الصحيح، ومن قال لعلقمة بن عبدة فقد وهم وهما فاحشا» اه.

(2)

البيت من الطويل وهو في التذييل (2/ 1193)، والمغني (2/ 516)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 92)، (2/ 883)، والعيني (4/ 506)، والتصريح (1/ 289)، وأوضح المسالك (1/ 144)، والأشموني (2/ 65)، وديوان امرئ القيس (ص 42). ويروى البيت برواية:«يبخل - نعتلل - نسؤك» .

والشاهد قوله: «ويعتلل» ؛ حيث أسند الفعل إلى ضمير يعود إلى المصدر، والتقدير:«يعتلل الاعتلال المعهود أو اعتلال عليك» ، ثم حذف «عليك» لدلالة ما قبلها عليها.

(3)

التذييل والتكميل (2/ 1193).

(4)

سورة البقرة: 71.

(5)

في الكتاب (1/ 229): «فإن قلت: ضرب به ضربا ضعيفا فقد شغلت الفعل بغيره عنه ومثله:

سير عليه سيرا شديدا، وكذلك إن أردت هذا المعنى ولم تذكر الصفة، تقول: سير عليه سير، وضرب به ضرب، كأنك قلت: سير عليه ضرب من السير، أو سير عليه شيء من السير» اه.

(6)

في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 536) طبعة العراق: «ويشترط فيه أيضا - أي المصدر - أن يكون مختصّا في اللفظ أو في التقدير نحو قولهم: قيم قيام حسن، وقيم قيام إذا أردت قياما ما؛ فحذفت الصفة وأقمت الموصوف مقامه، ولو قلت: قيم قيام، ولم تصفه لا في اللفظ ولا في التقدير لم يجز؛ لأنه لا فائدة فيه، ألا ترى أنه معلوم أنه لا يقام إلا قيام» اه.

ص: 1623

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نيابة المصدر المبهم عن الفاعل، ولا شك أن قول الشيخ: وقد وجدت في لسان العرب ما يشهد لجواز جلس وقعد إلى آخره؛ يوهم جواز إقامة المصدر المبهم ولم يستدل على ذلك إلا بشيء أقيم فيه ضمير المصدر المختص لا ضمير المصدر المبهم.

وأما التوجيه الآخر الذي ذكره في البيت وهو: أن يجعل «عليك» محذوفة؛ لدلالة ما قبلها عليها، ويكون في موضع نصب ليتخصص المصدر المذكور فلم يظهر لي؛ لأن «عليك» المحذوفة معمولة للفعل الذي هو «يعتلل» ، فمن أين يحصل التخصيص للمصدر الذي حكم بأن ضميره قائم مقام الفاعل؟ ولا يجوز أن يكون «عليك» معمولة لضمير المصدر، ولا في موضع الصفة؛ لأن ضمير المصدر لا يعمل والضمائر لا توصف إلا أن يقال: إن الفعل إذا تقيد بمعمول يتقيد مصدره أيضا؛ لأنه مصدر فعل مقيد، وإذا تقيد المصدر جعل له (تخصيص)(1).

ويحتمل أن يكون هذا مراد ابن أبي الربيع؛ فإنه قال: إذا كان المصدر مؤكدا لم يبن له الفعل إلا إن تعلق به ظرف غير متصرف نحو: جلس دونك، قال الله تعالى: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ (2)، ومنه قول الشاعر:

1262 -

فيالك من ذي حاجة حيل دونها

وما كلّ ما يهوى امرؤ هو نائله (3)

انتهى (4).

وقوله: إلا إن تعلق به ظرف؛ يحتمل أن يعود الضمير في «به» على الفعل، وأن يعود على المصدر المؤكد، وفي عوده على المصدر البحث السابق.

المسألة الثانية: إذا أقيم المصدر الموصوف مقام الفاعل وقيل: سير عليه سير سريع، وسير حثيت، فلا يجوز أن يحذف المصدر حينئذ [2/ 251] فيقال: سير عليه -

(1) تنظر هذه المسألة في: شرح الدماميني على المغني (2/ 196)، والمغني (2/ 516)، والتصريح (1/ 289) والأشموني (2/ 65).

(2)

سورة سبأ: 54.

(3)

البيت من الطويل وهو لطرفة بن العبد، وهو في: التذييل (2/ 1194)، والعيني (2/ 511)، وأوضح المسالك (1/ 144)، وحاشية الخضري على ابن عقيل (1/ 171)، والتصريح (1/ 290)، والأشموني (2/ 65)، وديوانه (ص 78) طبعة بيروت.

والشاهد قوله: «حيل دونها» ؛ حيث أسند الفعل المبني للمجهول إلى ضمير المصدر وهو «الحول» ، ولم يسند إلى الظرف وهو «دون» ؛ لعدم تصرفه.

(4)

ينظر نص ابن أبي الربيع في: التذييل (2/ 1194).

ص: 1624

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سريع، وسير عليه حثيث؛ بل يجب النصب فيقال: سير عليه سريعا، وسير عليه حثيثا، قال سيبويه: سير عليه حثيثا وشديدا، فالنصب في هذا على أنه حال قال:

ولا يكون فيه الرفع؛ لأنه لم يقع موقع الأسماء إذا كان صفة كذا تقول: سير عليه طويلا وحثيثا وكثيرا وقليلا وقديما؛ بالنصب لاغير (1). انتهى. والتقدير: سير عليه السير في هذه الحال؛ فلهذا لم يجز فيه الرفع، وأجاز الكوفيون الرفع في كل ما ذكر على أن الصفة فيه أقيمت مقام الموصوف، فيقولون: سير عليه حسن، أي: سير حسن، ومرّ به سريع، أي: مرور سريع قيل: إلا في شديد وبين؛ فإنهم لا يجيزون فيهما إلا النصب فيقولون: سير عليه بينا؛ لأن المعنى: سير عليه حقّا.

وحاصل ما ذكر عن البصريين في هذه المسألة: أن صفة المصدر لا يتصرف فيها فتقام مقام الفاعل؛ فلا يقال: سير سريع، ولا: سير حثيث، ولا حاجة إلى أن يقول: لا يحذف المصدر وتقام صفة مقامه. واعلم أن الخلاف في صفة الظرف - هل تقام مقام الفاعل؟ - كالخلاف في صفة المصدر؛ فلم يجز فيها سيبويه إلا النصب (2)، وأجاز الكوفيون الرفع (3).

المسألة الثالثة: قد تقدم أن نحو: «سحر» و «ثمّ» لا يقام مقام الفاعل لعدم التصرف، ومن ثم قال سيبويه:«سير عليه سحر» ، لا يجوز فيه إلا أن يكون ظرفا (4)، وقد ذكر سيبويه في هذا الباب كلمات حكمها حكم سحر في عدم التصرف وهي:

ضحى، وعمته، وضحوة، وليلا ونهارا، قال رحمه الله تعالى: وكذلك «سير عليه ضحى» إذا عنيت ضحى يومك، و «سير عليه عتمة» إذا أردت عتمة ليلتك، و «سير عليه ضحوة» إذا أردت ضحوة يومك الذي أنت فيه، و «سير عليه ليلا، وسير عليه نهارا إذا أردت ليل ليلتك، ونهار نهارك. هذا معنى كلام سيبويه (5)، والمراد أن هذه الظروف التي

ذكرت إذا كانت نكرات؛ جاز فيها: الرفع على سبيل المجاز، والنصب على الأصل، فإذا أريد بها شيء بعينه لم تتمكن؛ فتركت على بابها منصوبة.

والمنقول عن الكوفيين جواز الرفع في هذه الكلمات التي أوجب سيبويه فيها -

(1) ينظر: الكتاب (1/ 227).

(2)

في الكتاب (1/ 227): «وإنما نصبت صفة الأحيان على الظرف ولم يجز الرفع؛ لأن الصفة لا تقع مواقع الأسماء» اه.

(3)

ينظر: الهمع (1/ 163).

(4)

الكتاب (1/ 225).

(5)

ينظر: الكتاب (1/ 225، 226).

ص: 1625