المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أحكام مذ ومنذ حين تجيئان ظرفا وغير ظرف] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٤

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن عشر باب الفاعل

- ‌[تعريفه]

- ‌[من أحكام الفاعل: الرفع وتقديم الفعل]

- ‌[من أحكام الفاعل: تأنيث الفعل وجوبا وجوازا]

- ‌[من أحكام الفاعل: ألا تلحقه علامة تثنية أو جمع]

- ‌[من أحكام الفاعل: جواز حذف الفعل]

- ‌الباب التاسع عشر باب النّائب عن الفاعل

- ‌[أغراض حذف الفاعل - ما ينوب عنه]

- ‌[جواز نيابة غير المفعول مع وجود المفعول]

- ‌[جواز نيابة أي المفعولين]

- ‌[بعض المنصوبات لا تجوز إنابتها]

- ‌[التغييرات التي تحدث في الفعل عند بنائه للمجهول]

- ‌[أحكام تأخير المفعول عن الفاعل وتقديمه عليه]

- ‌الباب العشرون باب اشتغال العامل عن الاسم السّابق بضميره أو ملابسه

- ‌[مواضع نصب المشغول عنه وجوبا]

- ‌[مواضع ترجيح النصب في المشغول عنه]

- ‌[جواز الرفع والنصب على السواء في المشغول عنه]

- ‌[مسألتان اختلف فيهما النحاة أيهما أرجح]

- ‌[ترجح رفع الاسم على الابتداء]

- ‌[أنواع ملابسة الضمير للمشغول عنه]

- ‌[مسألة يترجح فيها الرفع]

- ‌[رفع الاسم المشغول عنه وأحكامه في ذلك]

- ‌[مسألة أخيرة في باب الاشتغال]

- ‌الباب الحادي والعشرون باب تعدي الفعل ولزومه

- ‌[تقسيم الفعل إلى متعدّ ولازم - إجراء اللازم مجرى المتعدي]

- ‌[نوعا المتعدي: متعد إلى واحد - متعد إلى اثنين]

- ‌[مسائل تأخير المفعول وجوبا وتقديمه وجوبا وجواز الأمرين]

- ‌[حذف العامل الناصب للمفعول به جوازا ووجوبا]

- ‌[مواضع حذف المفعول ومواضع ذكره]

- ‌[تعدي الفعل بالهمزة والتضعيف]

- ‌الباب الثاني والعشرون باب تنازع العالمين فصاعدا معمولا واحدا

- ‌[تعريف التنازع - العامل في المتنازع فيه]

- ‌[خلاف البصريين والكوفيين في العامل]

- ‌[حكم ضمير المتنازع فيه من الإظهار أو الحذف]

- ‌[مسائل أربع في باب التنازع ختم بها الباب]

- ‌الباب الثالث والعشرون باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه

- ‌[تعريف المصدر - وأسماؤه وأصالته]

- ‌[المفعول المطلق: ناصبه - أنواعه - ما ينوب عنه]

- ‌[حذف عامل المفعول المطلق - جوازا ووجوبا - ومواضع ذلك]

- ‌[أحكام للمفعول المطلق المحذوف عامله وجوبا]

- ‌الباب الرابع والعشرون باب المفعول له

- ‌[تعريفه - ناصبه - أنواعه - وحكم كل نوع]

- ‌الباب الخامس والعشرون باب المفعول المسمّى ظرفا ومفعولا فيه

- ‌[تعريف الظرف - نوعاه]

- ‌[تقسيم ظرف الزمان إلى متصرف وغير متصرف]

- ‌[تقسيمات مختلفة لظرف الزمان وأمثلة لكلّ]

- ‌[حكم الظرف الواقع في جواب كم أو متى بالنسبة لحصول الفعل]

- ‌[أحكام إذ حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام إذا حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام مذ ومنذ حين تجيئان ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام الآن وبناؤه وإعرابه]

- ‌[أحكام قط وعوض]

- ‌[أحكام أمس من بنائه وإعرابه]

- ‌[الصالح للظرفية المكانية من أسماء الأمكنة]

- ‌[أحكام بعض الظروف المكانية مثل أسماء الجهات وحيث ولدن]

- ‌[التوسع في الظرف المتصرف]

- ‌الباب السادس والعشرون باب المفعول معه

- ‌[تعريفه وشرح التعريف]

- ‌[ناصب المفعول معه والآراء في ذلك]

- ‌[واو المفعول معه وحديث عنها]

- ‌[المفعول معه وحكم تقديمه]

- ‌[أقسام خمسة لما بعد الواو وحكم كل قسم]

- ‌[تعقيب على أقسام المفعول معه السابقة]

- ‌[أمثلة مختلفة في هذا الباب وما يجوز فيها]

- ‌[مسألتان في ختام هذا الباب]

الفصل: ‌[أحكام مذ ومنذ حين تجيئان ظرفا وغير ظرف]

[أحكام مذ ومنذ حين تجيئان ظرفا وغير ظرف]

قال ابن مالك: (ومنها مذ ومنذ وهي الأصل، وقد تكسر ميمهما ويضافان إلى جملة مصرّح بجزأيها أو محذوف فعلها بشرط كون الفاعل وقتا يجاب به متى أو كم، وقد يجران الوقت أو ما يستفهم به عن حرفين بمعنى من، إن صلح جوابا لمتى، وإلّا فبمعنى «في» أو بمعنى «من وإلى» معا، وقد يغني عن جواب «متى» في الحالين مصدر معيّن الزّمان أو «أنّ» وصلتها، وليسا قبل المرفوع مبتدأين بل ظرفين خلافا للبصريّين، وسكون ذال «مذ» قبل متحرك أعرف من ضمها، وضمّها قبل ساكن أعرف من كسرها).

ــ

وذكر الشيخ في شرحه أن المذاهب فيها ثلاثة: -

مذهب المازني أنها زائدة (1)، ومذهب الزجاج أنها دخلت على حد دخولها في جواب الشرط، ومذهب أبي بكير مبرمان (2) أنها عاطفة، قال: ورجح أبو الفتح قول المازني، وذكر عنه وجه الترجيح بما يوقف عليه في كتابه (3)، وظهر من كلامه تصحيح مذهب مبرمان، كما نقل ذلك عن الشلوبين الصغير، ثم قال: والذي نقطع بأن الفاء عاطفة وقوع غيرها من حروف العطف موقعها، قال الله تعالى:

ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (4).

قال ناظر الجيش: «منذ» أصل «مذ» بدليلين (5): -

أحدهما: أنّ ذال «مذ» تضم لملاقاة ساكن كما تفعل بميم هم، وليس ذلك إلا لأن أصلها منذ بالضم، فروجع بها الأصل حين احتيج إلى تحريكها، فقيل: لم أره -

(1) ينظر: أبو عثمان المازني (ص 159)، والظروف المفردة والمركبة (ص 166).

(2)

هو محمد بن علي بن سليمان أبو بكر العسكري، أخذ عن المبرد والزجاج وأخذ عنه الفارسي والسيرافي، له من التصانيف: شرح كتاب سيبويه، لم يتم، وشرح شواهده، وشرح كتاب الأخفش، وغير ذلك، توفي سنة (345 هـ).

ينظر: بغية الوعاة (1/ 275)، وطبقات ابن شهبة (194، 195)، ومعجم المؤلفين (10/ 307).

(3)

ينظر: سر صناعة الإعراب (1/ 264).

(4)

سورة الروم: 20. التذييل (3/ 336 - 338).

(5)

انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 216) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، د/ محمد بدوي المختون.

ص: 1960

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مذ الجمعة، كما روجع الأصل في نحو: هم القوم، ولو لم يكن الأصل الضم لقيل: مذ الجمعة كما قيل: قم الليل (1)، وقد يقال: مذ الجمعة كما يقال: وهم القضاة ومنهم الحكام.

والثاني: أن بني غنى يضمون الذال قبل متحرك باعتبار أن النون محذوفة لفظا لا نية، فلو لم يكن الأصل منذ لم يصح هذا الاعتبار، ونظير هذا قولهم في «لدن وقط» . «لد وقط» بضم الدال والطاء بعد الحذف على تقدير ثبوت المحذوف، وبنو سليم يقولون: منذ ومذ بكسر الميم (2) وهما اسمان في موضع، وحرفا جرّ في موضع، ويتعين اسميتهما إن وليهما مرفوع أو جملة تامة، ويتعين حرفيتهما إن وليهما مجرور (3) ويجوز الأمران قبل «أنّ» وصلتها، وإذا وليهما جملة تامة فهما عند سيبويه ظرفان لها، فإنه قال في باب ما يضاف إلى الأفعال من الأسماء: ومما يضاف إلى الفعل أيضا قولهم: ما رأيته مذ كان عندي ومذ جاءني (4).

وقال ابن خروف في الشرح: وأما منذ ومذ من الظروف فهما مضافان إلى الفعل عنده لا على حذف مضاف، ولولا ذلك لم ندخلهما في الباب، وقول السيرافي موافق لقوله (5)، فمن زعم خلاف ذلك فقد خالف سيبويه بما لا دليل عليه، وزعم الأكثرون أن الواقع منهما قبل مرفوع مبتدأ بمعنى أول المدة في مثل: لم أره مذ يوم الجمعة، وبمعنى جميعها في مثل: لم أره [2/ 436] مذ يومان، وما بعده خبر (6)، والصحيح عندي أنهما ظرفان مضافان إلى جملة حذف صدرها، -

(1) اعترض الرضي على أن تحريك «ذال» «مذ» بالضم دليل على أن أصلها «منذ» فقال: وأما تحريك ذال «مذ» في نحو: مذ اليوم بالضم للساكنين أكثر من الكسر، فلا يدل أيضا على أن أصله «منذ» لجواز أن يكون للإتباع. ا. هـ.

شرح الرضي على الكافية (2/ 117)، وينظر: الجني الداني (ص 197).

(2)

ينظر: شرح الكافية للرضي (2/ 117، 118)، والهمع (1/ 216).

(3)

ينظر: رصف المباني للمالقي (ص 319، 328)، ومعاني الحروف للرماني (ص 103، 104)، وشرح عمدة الحافظ (1/ 262) بتحقيق عدنان الدوري.

(4)

الكتاب (3/ 117).

(5)

ينظر: شرح السيرافي (6/ 469 - 471)، والارتشاف (ص 569)، والتذييل (3/ 346).

(6)

ينظر: إصلاح الخلل لابن السيد (ص 235)، والمطالع السعيدة (ص 412).

ص: 1961

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والتقدير: مذ كان يوم الجمعة، ومذ كان يومان (1) وهو قول المحققين من الكوفيين (2)، وإنما اخترته لأن فيه إجراء «مذ ومنذ» في الاسمية على طريقة واحدة مع صحة المعنى، فهو أولى من اختلاف الاستعمال، وفيه تخلص من ابتداء بنكرة بلا مسوغ إن ادعي التنكير، ومن تعريف غير معتاد إن ادعي التعريف، وفيه أيضا تخلص من جعل جملتين في حكم جملة واحدة من غير رابط ظاهر ولا مقدر (3)، ويعامل المصدر المعين زمانه بعد «مذ ومنذ» معاملة الزمان المعين في الرفع والجر، فيقال: ما رأيته مذ قدوم زيد ومنذ قدوم زيد، والأصل: مذ زمن قدوم زيد، ومنذ زمن قدوم زيد، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كما فعل في غير هذا المكان (4) وأجاز ابن كيسان أن يقال: إنّ منذ جئت زيدا غائب كما يقال: إن حين جئت زيد غائب، وقد يجران المستفهم به عن الوقت نحو: مذ متى رأيته، ومذ كم فقدته، وقد تقع أنّ وصلتها بعد «مذ» فيحكم لموضعها بما حكم به للفظ المصدر؛ لأنها مؤولة بمصدر، ومثال الإضافة إلى جملة مصرح بجزأيها قول الشاعر: -

1552 -

ما زال مذ عقدت يداه إزاره

فسما فأدرك خمسة الأشبار

يدني خوافق من خوافق تلتقي

في ظلّ معترك العجاج مثار (5)

-

(1) شرح التسهيل للمصنف (2/ 217).

(2)

ينظر: المغني (1/ 335) وقد بين ابن هشام فيه أن الرأي الأول الذي عبر عنه المصنف هنا بقوله:

«وزعم الأكثرون» هو رأي المبرد وابن السراج والفارسي والأخفش والزجاج والزجاجي، وعلق على هذا الرأي قائلا: ولا خفاء بما فيه من التعسف. اه.

(3)

ينظر: التذييل (3/ 347، 348)، والهمع (1/ 216، 217).

(4)

ينظر: التذييل (3/ 353، 354)، وشرح الكافية للرضي (2/ 122).

(5)

البيتان من الكامل، وهما للفرزدق في: المقتضب (2/ 176)، والتذييل (3/ 346، 356)، وابن يعيش (2/ 121)، (6/ 33)، وابن القواس (ص 872)، والارتشاف (ص 569)، والمغني (1/ 336)، وشرح شواهده (2/ 775)، والعيني (3/ 321)، والتصريح (2/ 21)، والهمع (1/ 216)، (2/ 150)، والدرر (1/ 185)، (2/ 206)، والأشموني (1/ 187)، (2/ 228)، وديوان الفرزدق (ص 378)، والفصول الخمسون (ص 243).

والشاهد فيه قوله: «مذ عقدت يداه» ؛ حيث أضيفت «مذ» إلى الجملة الفعلية المصرّح بجزأيها، ويستشهد به أيضا على: أن العدد المضاف إذا أريد تعريفه عرف المضاف إليه، فيصير بذلك العدد مضافا إلى معرفة، وذلك في قوله:«خمسة الأشبار» .

ص: 1962

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومثله قول الآخر: -

1553 -

قالت أمامة ما لجسمك شاحبا

منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع (1)

ومثله قول الآخر في الجملة الاسمية: -

1554 -

وما زلت محمولا عليّ ضغينة

ومضطلع الأضغان مذ أنا يافع (2)

وروى الكوفيون مذ ومنذ بكسر الميم، وجعلوا ذلك حجة على تركيبهما من «من وذو» الطائية (3)، ولا حجة فيه؛ لأنّ الأصل عدم التركيب، وإذا ولي مذ ساكن ضمت ذالها كقولك: لم أر فلانا مذ اليوم؛ لأن أصلها منذ فحرّك لالتقاء الساكنين وضم للإتباع. فلما حذفت النون سكنت الذال؛ إذ لا موجب للحركة، فلما وليها لام التعريف حركت الذال؛ لئلا يلتقي في الوصل ساكنان، وكان أولى الحركات بها الضمة؛ لأنها حركتها قبل أن تحذف النون، وبعض العرب يقول: مذ اليوم بالكسر على أصل التقاء الساكنين، وقد تقدم الكلام على ذلك، هذا كلام المصنف رحمه الله تعالى (4)، وقد استفيد منه أن «مذ» و «منذ» إما أن يليهما جملة أو مفرد، والمفرد إما مرفوع وإما مجرور، وأنهما إذا وليهما جملة اسمية كانت أو فعلية فهما ظرفان معمولان لما يصح عمله فيهما من أجزاء الجملة الواقعة بعدهما، وإذا وليهما مفرد مرفوع فالمختار عنده أن ذلك المرفوع يقدر له رافع محذوف، وعلى هذا يكون الواقع بعدهما حينئذ [2/ 437] جملة فيحكم على مذ ومنذ بالظرفية أيضا، كما كان الحكم فيهما إذا وقعت الجملة تامة بعدهما، وإذا -

(1) البيت من الكامل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي من قصيدة يرثي بها بنيه. وهو في: التذييل (3/ 345)، والمفضليات (ص 421)، وجمهرة القرشي (ص 128)، والهمع (1/ 216)، والدرر:(1/ 185)، وديوان الهذليين (1/ 2).

والشاهد فيه: إضافة منذ إلى الجملة الفعلية في قوله: (منذ ابتذلت).

(2)

البيت من الطويل، وهو لرجل من سلول، وقيل: للكميت بن معروف الأسدي. وهو في: الكتاب (2/ 45)، وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 522)، والتذييل (3/ 345)، والعيني (3/ 324)، والخزانة (2/ 89)، والمطالع السعيدة (ص 412).

والشاهد فيه: إضافة «مذ» إلى الجملة الاسمية، وهذا قليل بالنسبة للجملة الفعلية.

اللغة: الضغينة: الحقد. المضطلع بالشيء: القادر عليه المثقل به. واليافع: الذي ناهز الحلم.

(3)

ينسب هذا الرأي إلى الفراء. ينظر: شرح الكافية للرضي (2/ 118)، والهمع (1/ 216).

(4)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 216 - 218).

ص: 1963

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وليهما مفرد مجرور كانا حرفين جارين لما بعدهما يتعلقان بالعامل قبلهما كسائر حروف الجر، ودل قوله:(وقد يجران الوقت أو ما يستفهم به)«عنه» أن الجر بهما أقل من وقوع المرفوع بعدهما، وأن الذي بعدهما لا يكون إلا ظرفا؛ لأن الذي يستفهم به عن الوقت لا بد أن يكون وقتا، وإذ قد عرف هذا فأنا أذكر كلام غير المصنف على هاتين الكلمتين.

قال ابن عصفور رحمه الله تعالى: «مذ ومنذ يكونان اسمين وحرفين، فيكونان اسمين إذا ارتفع ما بعدهما وحرفين إذا انخفض ما بعدهما، إلا أن الغالب على «مذ» الاسمية، وعلى «منذ» الحرفية، وسبب ذلك أنها مخففة من منذ، والحذف في الأسماء أكثر منه في الحروف؛ لأنه تصرف وبابه أن يكون في الأسماء (1)، وزعم بعض النحويين أن مذ ومنذ لا يكونان إلا اسمين مستدلّا على ذلك بأن الاسمية قد ثبتت لهما إذا كان ما بعدهما مرفوعا، ويمكن بقاء الاسمية إذا كان مخفوضا بأن يكونا ظرفين في موضع نصب بالفعل (2)، وهو ضعيف. ومذ ومنذ إما أن يدخلا على الماضي أو على الحال، فإن دخلتا على الحال فلا يكون إلا مخفوضا، والحال هو اليوم والليلة والآن والحين والساعة وما أضفته إلى نفسك قرب أو بعد مثل: يومنا وشهرنا وعامنا، وكل زمان أشرت إليه نحو: هذا العام وهذا الشهر وهذه الأيام الثلاثة؛ لأنك لم تشر إلى شيء إلا وقد قدرته حاضرا، ولم تضفه إلى نفسك إلا على هذا المعنى، ومعناهما إذا دخلتا على الحال الغاية، وإن دخلتا على الماضي فإما أن يكون الداخل «مذ» أو «منذ» ، فإن كان «مذ» فلا يكون إلا مرفوعا مثل: ما رأيته مذ يوم الجمعة، ولا يجوز الخفض إلا قليلا ومنه: -

1555 -

أقوين مذ حجج ومذ دهر (3)

في رواية من رواه مذ، فإن كان الداخل منذ جاز الرفع والخفض، والرفع قليل، -

(1) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 37، 38).

(2)

من القائلين بهذا ابن الضائع في شرح الجمل له.

(3)

عجز بيت لزهير وصدره: -

لمن الديار بقنّة الحجر

والبيت من قصيدة له من الكامل يمدح بها هرم بن سنان، وهو في جمل الزجاجي (ص 150)، وإصلاح الخلل (ص 233)، والإنصاف (1/ 371)، وابن يعيش (4/ 93)، (8/ 11)، والخزانة -

ص: 1964

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثم ليعلم أن الاسم الواقع بعد مذ ومنذ إن كان مرفوعا فإما معدود أو غير معدود. إن كان معدودا فهما للغاية، وإن كان غير معدود فهما لابتداء الغاية، وإن كان مخفوضا فالأمر كذلك إلا أن يكون المخفوض حالا؛ فهما للغاية، ولا يدخلان إلا على الزمان، واختلف في المرفوع بعدهما: فقيل: فاعل لفعل مضمر وهو مذهب الكسائي، وقيل هو مبتدأ ومذ ومنذ الخبر، وقيل العكس وهو قول الفارسي (1)، وهو الصحيح (2)، وقال الشيخ - في شرح الغاية له -: إما أن يكون ما بعد مذ ومنذ حالا أو ماضيا، إن كان حالا فعامة العرب على الجر بهما نحو: ما رأيته مذ اليوم أو الساعة أو يومنا، وإن كان ماضيا والكلمة «مذ» فالرفع وقل الجر، أو «منذ» فالجر وقل [2/ 438] الرفع، ثم إن كان الاسم معدودا فهما للغاية نحو: ما رأيته مذ يومان، ومعناه أمد انقطاع رؤيتي له يومان، أو غير معدود فإما أن يكون حالا أو ماضيا؛ إن كان حالا نحو: ما رأيته مذ اليوم فلابتداء الغاية، وتقديره: أول انقطاع رؤيتي له اليوم، أو ماضيا نحو: ما رأيته مذ يوم الخميس فللغاية، والفرق بين تقدير «أمد وأوّل» أنه في تقدير «أمد» تنتفي الرؤية عن جميع أجزاء الزمان، وفي تقدير «أول» قد لا تنتفى. ثم إذا انجر ما بعدهما فبهما، وهما حرفان يتعلقان بالفعل قبلهما والكلام جملة واحدة، وإذا ارتفع فالصحيح أنه خبر عن مذ أو منذ، وهما ظرفان معناهما أمد وأول على التفسير السابق، وزعم الزجاجي أنه مبتدأ ومذ ومنذ خبر عنه، وزعم الكسائي أنه فاعل بفعل مضمر، وزعم بعض الكوفيين أنه خبر مبتدأ مضمر (3). انتهى. إلا أن قوله: إن كان حالا نحو: ما رأيته مذ اليوم فلابتداء الغاية وتقديره: أول انقطاع رؤيتي له اليوم - لم ينتضم لي مع قول ابن عصفور: ومعناهما -

- (4/ 126)، والمغني (1/ 335)، وشرح شواهده (2/ 750)، والعيني (3/ 312)، والتصريح (2/ 17)، والهمع (1/ 217)، والدرر (1/ 186)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 345)، والأشموني (2/ 229)، وديوانه (ص 586)، ورصف المباني (ص 320)، والأزهية (ص 283).

والشاهد فيه: «مذ حجج ومذ دهر» ؛ حيث إن «مذ» في الموضعين لابتداء الغاية في الزمان الماضي، وجرها الماضي وهو قليل؛ لأن الأكثر على جرها للحاضر.

(1)

ينظر: الإيضاح للفارسي (ص 261).

(2)

شرح الجمل لابن عصفور (2/ 37 - 39).

(3)

ينظر: التذييل (3/ 347 - 349) بالمعنى، وإصلاح الخلل (ص 234، 235)، والجمل للزجاجي (ص 151)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 242).

ص: 1965

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا دخلتا على الحال الغاية، وكذا قوله: أو ماضيا نحو: ما رأيته مذ يوم الخميس فللغاية - مع قول ابن عصفور: وإن كان الاسم الواقع بعدهما غير معدود فهما لابتداء الغاية. والظاهر أن الصواب هو الذي ذكره ابن عصفور.

وبعد وقوف على كلام هذين الرجلين الكبيرين في هذه المسألة يتبين له أن كلام المصنف فيها مع وجازته ولطافته شاف واف بالمقصود، فإن قيل: ليس في كلامه تعرض إلى ما تفيده هاتان الكلمتان من الغاية وابتداء الغاية، فالجواب: أنه إن لم يذكر ذلك صريحا فإنه يفهم من كلامه؛ لأنه ذكر أنهما إذا جرّ ما بعدهما فإما أن يكونا بمعنى «من» أو بمعنى «في وإلى» معا (1)، فحيث كانا بمعنى «من» فهما لابتداء الغاية، وحدث كانا بمعنى من وإلى معا؛ فهما لابتداء الغاية وانتهائها، وحيث كانا بمعنى «في» فهما للحال أي الزمان الذي هو حال، ولا شك أنهما في نحو: ما رأيته مذ يوم الخميس بمعنى «من» فهما في مثله لابتداء الغاية، وأنهما في نحو: ما رأيته مذ ثلاثة أيام بمعنى «من وإلى» معا، فهما لابتداء الغاية وانتهائها، وابن عصفور قد قال: إن كان الواقع بعدهما (2) معدودا فهما للغاية، ولكن قولنا:

لابتداء الغاية وانتهائها أولى من الاقتصار على ذكر الغاية، وأنهما في: ما رأيته مذ اليوم بمعنى «في» وابن عصفور قد قال: إن معناهما إذا دخلتا على الحال الغاية (3) ولا يتحقق ذلك؛ لأن الغاية إنما تكون فيما له ابتداء، وزمان الحال حاضر بجملته، فلا يعقل معه لنفي الرؤية ابتداء وانتهاء، ولأن انتهاء الغاية إنما يقصد حيث يمكن أن يتحلل بين الابتداء والانتهاء وقوع ذلك المعنى المنفي مثلا، والزمان إذا فرض حالا كان ذلك المعنى المذكور معه واقعا فيه لا يتصور وقوعه في غيره [2/ 439] وعلى هذا تعبير المصنف عن ذلك بمعنى «في» ، وعدوله عن قولهم: إن معنى الحرف الغاية أسدّ.

بقي أن يقال: الظاهر من كلام المصنف حيث قال: (وقد يجران الوقت بمعنى من أو في) إلى آخره - أنهما إنما يكونان بمعنى ما أشار إليه من الحروف المذكورة إذا انجرّ ما بعدهما أي حيث يكونان حرفين، وظاهر كلام ابن عصفور والشيخ أنهما -

(1) ينظر: التسهيل (ص 94).

(2)

زاد في (ب): (غير معدود فهما لابتداء الغاية وأنهما في نحو: ما رأيته منذ ثلاثة أيام بمعنى من وإلى معا فهما لابتداء الغاية وانتهائها، وابن عصفور قد قال: إن كان الواقع بعدهما). ا. هـ.

(3)

ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 37 - 39).

ص: 1966

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يكونان بمعنى الحروف المذكورة سواء أكانا حرفين أم اسمين، وإذا حقق النظر ظهر أنه يحتاج إلى تفسيرهما بأحد الحروف المذكورة إذا كانا حرفين، أما إذا كانا اسمين ورفع ما بعدهما فقد عرفت أن الجماعة يقولون: إنهما إما أن يكونا لابتداء الغاية كما في نحو: ما رأيته مذ يوم الخميس، فيقدرونهما حينئذ بأول، وإما أن يكونا للغاية كما في نحو: ما رأيته مذ أربعة أيام فيقدرونهما حينئذ بأمد (1)، وإذا كان كذلك فابتداء الغاية إنما يستفاد من أول، وانتهاؤها إنما يستفاد من أمد، وأما المصنف فقد عرفت أن اختياره إذا رفع ما بعد هاتين الكلمتين تقدير رافع، ليصير الواقع بعدهما جملة، فما كان معنى مذ ومنذ من الظرفية حال الإتيان بجزأي الجملة بعدهما لفظا كان معناهما حين يذكر المرفوع، ويحذف رافعه. وبهذا الذي قلناه يتبين أن ما فعله المصنف من أنه قصر تفسيرهما بالحروف المذكورة على حالة الجر بهما أولى من إطلاق غيره الكلام في ذلك، فإن قيل: إذا كان المصنف حال رفع الاسم الواقع بعدهما لا يقدرهما بأول ولا بأمد، والغرض أنه لا يجعلهما بمعنى ما ذكره من الحروف إلا إذا جرا ما بعدهما، فمن أين يستفاد كونهما لابتداء الغاية في صورة وللغاية في صورة؟

فالجواب أن يقال: معنى الغاية أن العمل يتحتم كونه في جميع المدة، ومعنى ابتداء الغاية أن لا يتحتم ذلك، ولا شك أنهما إنما يكونان للغاية إذا كان اسم الزمان الذي بعدهما معدود، وإنما يكونان لابتداء الغاية إذا كان اسم الزمان بعدهما مختصّا غير معدود، وإذا كان كذلك فالمصنف قد أفاد ذلك بقوله في أوائل هذا الباب: إن مظروف ما يكون جوابا لكم واقع في جميعه، وإن مظروف ما يكون جوابا لمتى إذا لم يكن اسم شهر غير مضاف إليه شهر جائز أن يكون العمل في جميعه أو بعضه.

وإذ قد عرف هذا فلنذكر أبحاثا: - الأول:

قد عرفت أنهم ذكروا أن «مذ» أصلها «منذ» وتقدم استدلال المصنف على ذلك، لكن ذهب بعضهم (2) إلى أن كلّا منهما أصل، قال: لأن الحذف -

(1) ينظر: شرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 341)، وشرح الكافية للرضي (2/ 121)، والمغني (1/ 335)، والأشموني (2/ 226، 227)، والمطالع

السعيدة (ص 412).

(2)

هو أبو إسحاق بن ملكون كما في: التذييل (3/ 344)، والأشموني (2/ 229).

ص: 1967

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تصريف، والتصريف لا يكون في الحروف ولا في الأسماء غير المتمكنة. ورد الشلوبين ذلك بأن الحذف قد جاء في الحروف؛ فقد خففوا إنّ وأنّ وكأنّ [2/ 440] قال: وقد جعل سيبويه على من العلو (1)، فقال الشيخ: والعجب لهم أنهم يجعلون «مذ» فرعا من «منذ» ، وأن الغالب على مذ الاسمية وعلى «منذ» الحرفية، ويستدلون على ذلك بأن الحذف في الأسماء أكثر منه في الحروف؛ لأنه تصرف، والتصرف بابه أن يكون في الأسماء، وكون «مذ» محذوفة من «منذ» يقتضي أن يكون «منذ» اسما؛ لأنها هي، ومحال أن يكون الشيء حرفا فإذا أخذ منه شيء صار اسما؛ لأن الحذف من الشيء لا يغير الماهية، ألا تراهم حين حذفوا من «حر» الحاء وهو اسم بقي اسما، وكذا «رب» هي بعد الحذف حرف أيضا كما كانت قبله، وكذا «يعد» لما حذفوا منه الواو باق على الفعلية، قال: فالذي ينبغي أن يقال: إن «مذ» إذا استعملت اسما مرفوعا ما بعدها فهي محذوفة من «منذ» الاسمية أيضا، لكن جاء الرفع بعدها أكثر مما جاء بعد منذ، وقد يغلب على الفروع حكم يقل في الأصول (2). انتهى، وهو كلام حسن.

الثاني:

قد تقدم من كلام المصنف أن «مذ ومنذ» إذا وليهما جملة تامة كانا ظرفين لها وأنهما مضافان إلى الجملة، وتقدم أن ذلك مذهب السيرافي ورأي ابن خروف، وأنه مذهب سيبويه، وأشعر كلامه بأن في المسألة خلافا؛ لأنه قال بعد ما تقدم من كلام سيبويه: فمن زعم خلاف ذلك فقد خالف سيبويه بما لا دليل عليه، والمخالف في ذلك أبو الحسن، فإنه ذهب إلى أنهما إذا وليهما الجملة لفظا لا يكونان إلا مرفوعين على الابتداء، ولا بد من تقدير اسم زمان محذوف يكون خبرا عنهما؛ لأنهما لا يدخلان عنده إلا على أسماء الزمان ملفوظا بها أو مقدرة (3)، وقد اختار ابن عصفور هذا المذهب، فإنه قال: مذ ومنذ لا يدخلان إلا على الزمان، فإن دخلتا على جملة فعلى حذف اسم الزمان، فإذا قلت: ما رأيته مذ زيد قائم، -

(1) ينظر: التذييل (3/ 344)، والمغني (1/ 337)، والتصريح (2/ 21)، والأشموني (2/ 229).

(2)

التذييل (3/ 353).

(3)

ينظر: التذييل (3/ 346)، والارتشاف (ص 569)، والهمع (1/ 216).

ص: 1968

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالتقدير: ما رأيته مذ زمن زيد قائم (1)، انتهى. ولا شك أن هذا مصادمة لقول سيبويه: ومما يضاف إلى الفعل أيضا قولهم: ما رأيته مذ كان عندي ومذ جاءني (2)، وقد شرح الفارسي كلام سيبويه فقال: مذ فيمن رفع بهما بمنزلة «إذ» و «حيث» ووجه الجمع بينهما أنه إذا رفع بها تصير اسما من أسماء الزمان كقولك: مذ يومان، وخبر المبتدأ لا يكون إلا المبتدأ في المعنى. فإذا كان كذلك علمت أن «مذ» إذا رفعت اسم (3)، وإذا جعل اسما من أسماء الزمان جاز إضافته إلى الجملة كما جاز إضافة «إذا» إليها، وذلك نحو قولهم: لم أره مذ كان كذا ومذ خرج زيد، ألا ترى أن «مذ» المتصلة بالفعل لا تخلو من أن تكون اسما أو حرفا، فلا يجوز أن تكون حرف جر؛ لأن حروف الجر لا تدخل على الأفعال، فإذا لم يجز أن تكون حرف جر ثبت أنها اسم، وأنه أضيف إلى الفعل لما كان اسما من أسماء الزمان (4)[2/ 441].

الثالث:

قد تقدمت الإشارة إلى حكم مذ ومنذ إذا وليتهما جملة، وكذا حكمهما إذا وليهما اسم مرفوع، وتقدم ذكر المذاهب في ذلك. والقصد الآن ذكر ذلك ملخصا كي يحصل ضبط ذلك المحصل، فيقال: مذ ومنذ إما أن يقع بعدهما جملة مصرح بها ففيهما مذهبان: قيل: ظرفان مضافان إلى الجملة وهو الأصح، وقيل: مبتدآن، وحينئذ لا بد من تقدير خبر، فيقدر زمان يضاف إلى الجملة يكون ذلك المقدر هو الخبر، وإما أن يقع بعدهما اسم مرفوع فالمذاهب فيهما أربعة: -

قيل: مبتدآن، والمرفوع بعدهما الخبر، وقيل: ظرفان مخبر بهما عما بعدهما، فإذا قلت: ما رأيته مذ يومان فالتقدير: بيني وبين لقائه يومان، ومستند القائل بهذا القول أنهما إذا كانا خبرين لم يخرجا عن الظرفية بخلاف ما إذا كانا مبتدأين، وقيل: إن المرفوع خبر مبتدأ محذوف، قال بعض الكوفيين: ولا يخفى ضعفه، وقيل: إنه مرفوع بفعل مقدر، فالذي بعد «مذ» و «منذ» حينئذ جملة (5)، وقد -

(1) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 43).

(2)

ينظر: شرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 242).

(3)

زاد في (ب): (من أسماء الزمان).

(4)

ينظر: التذييل (3/ 347) حيث ذكر نص الفارسي.

(5)

ينظر: شرح الجمل لابن بابشاد (1/ 242)، والجمل للزجاجي (ص 151)، وإصلاح الخلل -

ص: 1969

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عرفت حكمهما قبل الجملة التامة ما هو، ومن القائلين بالمذهب الأول ابن السراج والفارسي (1)، وأما المذهب الثاني فهو لبعض الكوفيين، والمذهب الثالث مذهب طائفة من البصريين منهم الزجاج ونسب إلى الأخفش. وأما المذهب الرابع فهو مذهب الكوفيين (2)، وقد عرفت أنه مختار المصنف، وتقدم توجيهه، وقد ضعف هذا المذهب بشيء وهو: قول العرب: ما رأيته مذ أن الله خلقه، فإنه روي بالفتح والكسر (3)، قلت: وسيأتي الكلام في هذه المسألة، وفي شرح الشيخ: قال بعض أصحابنا: والصحيح مذهب الفارسي وابن السراج من وجهين: -

أحدهما: أنهما مفردان لم يعطف عليهما غيرهما، كما أن الأمد وأول الوقت كذلك، فكان الحكم لهما بحكم ما يساويهما في الإفراد أولى، وليس كذلك بيني وبين لقائه؛ لأنهما اسمان منصوبان على الظرفية معطوف أحدهما على الآخر.

الوجه الثاني: تقديرهما ببين في بعض الصور لا يتصور، وذلك إذا قلت مثلا يوم الأحد: ما رأيت زيدا مذ يوم الجمعة؛ فليس بينك وبين لقائه يوم الجمعة (4)، بل قدر من الزمان أوله يوم الجمعة وآخره الوقت الذي أنت فيه، ولا يقدر بيني وبين لقائه يوم الجمعة وما بعده إلى الآن؛ لأن فيه حذف حرف العطف والمعطوف وهو قليل، وأيضا فلم يصرحوا بهذا المعطوف المقدر في موضع ما؛ فدل على عدم إرادته (5). انتهى.

ولا يخفى ضعف هذا الاستدلال، ولا سيما ضعف الوجه الأول، ثم على تقدير صحة الوجهين المذكورين. إنما يلزم من ذلك بطلان قول من يجعلهما - أعني «مذ ومنذ» - خبرين، أما من يجعلهما ظرفين، وقد حذف رافع ذلك الاسم، فيكون -

- (ص 234، 235)، والمغني (1/ 335).

(1)

ينظر: الأصول لابن السراج (2/ 113)، والإيضاح للفارسي (ص 261).

(2)

ينظر: شرح الكافية للرضي (2/ 118)، والهمع (1/ 216)، والأشموني (2/ 227، 228)، والزجاج وأثره في النحو (ص 231).

(3)

في شرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 242): «وقال أبو القاسم الزجاجي: يرتفع اليومان بالابتداء ومذ خبره، وحجته حمل الكلام على معنى آخر وهو تقديره بالبين كأنه قال: بيني وبين لقائه يومان، وليس هذا التقدير بصحيح، والدليل على ذلك أنك تقول: ما رأيته مذ أن الله خلقه، فلو كان ما بعده مرتفع بالابتداء لكانت «أنّ» المفتوحة تقع مبتدأ، وهذا لا يجوز، لأن «أنّ» المفتوحة إنما تقع خبرا ولا تقع مبتدأ». ا. هـ.

(4)

في (ب): (إلا يوم الجمعة).

(5)

التذييل (3/ 349).

ص: 1970

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما بعدهما جملة، فكيف يبطل مذهبه بهذا [2/ 442] الاستدلال، والمستدل قد قال: والصحيح مذهب الفارسي وابن السراج، فدل على أن مذهبهما أصح المذاهب في المسألة، وقد يتبين أن الأمر ليس كذلك، ثم قال الشيخ: وعلى هذا المذهب - يعني به مذهب الفارسي وابن السراج - الكلام جملتان، قال: فإذا قلنا: إنه جملتان، فاختلفوا في الجملة من «مذ» أو «منذ» وما بعدها من المرفوع، فذهب الجمهور إلى أنها لا موضع لها من الإعراب، وذلك لأنها خرجت مخرج الجواب، كأنه قيل له: ما أمد ذلك؟ فقال: أمد ذلك يومان، وذهب السيرافي إلى أن لها موضعا من الإعراب وهي في موضع الحال، كأنه قال: ما رأيته متقدما، ولا يخفى ضعف هذا القول، ثم مما يبطل كون الجملة حالا أن الجملة الحالية لا بد فيها من رابط يعود على ذي الحال أو واو الحال، والجملة المذكورة خالية من ذلك (1).

وإما أن يقع بعد «مذ» و «منذ» اسم مجرور، فيحكم بحرفيتهما حينئذ، وتقديرهما إما «بمن» أو «بمن وإلى» أو «بفي» . وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى، وقد تقدم أن بعضهم لا يثبت حرفيتهما، بل يدعي بقاءهما على الاسمية مع انجرار ما بعدهما مستدلّا على ذلك بأنه قد ثبت اسميتهما، فلا تخرجهما عنهما ما أمكن بقاؤهما عليها، قال: وقد أمكن ذلك بأن يجعلا ظرفين في موضع نصب بالفعل قبلهما، ورد هذا القول بأن الظرف إذا نفي عنه الفعل لم يقع الفعل في جزء منه، تقول: ما رأيته يوم الجمعة، فالرؤية منتفية في جميع أجزاء اليوم، وإذا قلت:

ما رأيته منذ يوم الجمعة أمكن أن يكون رأيته في بعضه ثم انقطعت الرؤية أو لم تره، وأيضا فالظرف إذا نفي عنه الفعل لم ينتف إلا عنه خاصة، فإذا قلت: ما رأيته يوم الجمعة انتفت الرؤية عن يوم الجمعة خاصة، وأمكن إن رأيته قبل إخبارك إلى آخر انقضاء يوم الجمعة، ومنذ ليست كذلك، فإذا قلت: ما رأيته منذ يوم الجمعة إلى زمن إخبارك، والذي يدل على حرفيتهما إيصالهما الفعل إلى كم، كما يوصل حرف الجرّ نحو قولك: منذ كم سرت كما تقول: بمن تمرّ، ولو كانا منصوبين على الظرف لجاز أن يستغني الفعل الواقع بعدهما عن العمل فيهما بإعماله في ضمير عائد عليهما، فكنت تقول: منذ كم سرت فيه أو سرته إن اتسعت في الضمير كما تقول: يوم الجمعة -

(1) التذييل (3/ 349).

ص: 1971

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قمت فيه أو قمته، وامتناع العرب من التكلم بذلك دليل على أنهما حرفا جر (1).

البحث الرابع:

قد تقدم من كلام المصنف أن المصدر المعين الزمان يعامل بعد «مذ ومنذ» معاملة الزمان في الرفع والجر، وتقدم

تمثيل ذلك، وذكر أن الأصل في: مذ قدوم زيد، مذ زمن قدوم زيد، وتقدم أن «أنّ وصلتها» [2/ 443] تقع بعدهما، فيحكم لموضعهما بما حكم به للفظ المصدر؛ لأنها مؤولة بمصدر، واحترز المصنف بمعين الزمان من مبهمه نحو: ما رأيته مذ قدوم أو مذ قدوم رجل. وعرف من هذا أن أنّ مع صلتها يجوز الحكم عليها بالجر وبالرفع، كما كان الأمر مع المصدر الصريح، وكذا يقدر المضاف معها أيضا كما قدر مع المصدر، واعلم أن الشيخ لما ذكر المصنف فيما إذا ولي «مذ» فيه اسم مرفوع أنه يقدر لذلك الاسم رافعا، لتكون «مذ» مضافة إلى جملة حذف أحد جزأيها إلى آخره، وذكر أن ذلك مذهب الكوفيين، قال: وقد رد هذا المذهب بأن العرب تقول: ما رأيته مذ أن الله خلقه بالفتح والكسر ولو كان كما زعموا لم يجز إلا فتح «أن» ؛ لأن الموضع الذي ينفرد بالاسم أو بالفعل تفتح فيه «أنّ» ليس إلا، وهذا قد انفرد بالفعل، فكان يجب التزام فتحها، وهم قد كسروها فيه (2). انتهى.

والجواب عن هذا الذي ذكره أن يقال: لا شك أن فتح «أنّ» في هذا المثال هو المتفق عليه، وأما الكسر فالذي صرح بإجازته الأخفش، وغيره ساكت عن ذلك كسيبويه وابن السراج كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب «إنّ» (3) وهذا يدل على مرجوحية الكسر، ولا يلزم من إجازة الأخفش لذلك أن يكون مسموعا، فقد تكون إجازته له بطريق النظر، ثم إنّ المعروف من مذهب الأخفش أنه يقدر بعد مذ ومنذ اسم زمان مضافا إلى الجملة التي تذكر بعدهما وإذا كان يقدر مضافا فلا أعرف كيف يتوجه له القول بالكسر، ثم على تقدير تسليم صحة الكسر للمصنف -

(1) ينظر: التذييل (3/ 350، 351)، والهمع (1/ 217)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 244).

(2)

التذييل (3/ 348).

(3)

سبق الكلام عن هذه المسألة في باب إن وأخواتها، ولمراجعتها ينظر: أصول النحو لابن السراج (1/ 326، 327) والتذييل (2/ 701).

ص: 1972

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أن نجيب عنه بأن نقول: القاعدة المقررة أن كل موضع يصح تقدير المصدر فيه وتقدير الجملة، وتقع فيه «إنّ» فإنه يجوز فيها الفتح والكسر، ولا شك أن المثال المذكور وهو مذ أن الله خلقه يجوز أن يكون التقدير فيه: مذ خلق الله إياه، وأن يكون: مذ هو مخلوق، وإذا كان الكسر إنما يجوز بهذا الاعتبار فكيف يلزم من القول بجوازه إبطال أن يكون الاسم المرفوع الواقع بعد «مذ أو منذ» مرفوعا بعامل مقدر، فإن المصنف يقول: إذا فتحت «أن» فتقدير العامل أعني الواقع لا شك فيه، وإذا كسرت كانت الجملة بتمامها واقعة بعد «مذ» واستحقت «إنّ» الكسر لذلك، فما وجه فتح «أن» على هذا التقدير؟.

ثم اعلم أن ابن عصفور ذكر أحكاما تتعلق بهاتين الكلمتين أعني «مذ ومنذ» ، فمنها: أن الفعل الواقع قبلهما إن كان

منفيّا فلا تفصيل فيه، بل كل نفي جائز أن يقع قبلهما، وقد مرت أمثلة ذلك، وإن كان الفعل الواقع قبلهما موجبا فلا بد أن يكون ذلك الفعل متطاولا ممتدّا، وإلا لم يجز فتقول: مررت مذ يوم الجمعة، ولا تقول: قتلت عمرا منذ يوم الجمعة؛ لأن السير يمتد والقتل لا [2/ 444] يمتد، وكذا الحكم فيما هو للحال، لا يجوز قتلت زيدا منذ يومنا؛ لأن معناه: في يومنا، والقتل لا يمتد في اليوم أجمع، وإنما يكون في جزء منه، ولا شك أنهما يقدران مع زمن الحال بفي، قال: فتقول: ما رأيته في يومنا، فهو لم يره في جزء من اليوم، وإذا قلت: سرت مذ يومنا، فالسير في جملة اليوم بخلاف قولك: سرت في اليوم، فهي مع المنفي توافق سائر الظروف في أن الفعل لم يقع في جزء من اليوم، ومع الموجب تخالف، لأنك إذا قلت: سرت اليوم أمكن أن يكون السير في بعض اليوم بخلاف «مذ» ؛ لأنه لا يكون السير الموجب إلا في جميع اليوم (1).

ومنها: أن الواقع بعدهما إذا كان معدودا فإن العرب تختلف فيه، فمنهم من لا يعتد بالناقص أصلا، وإنما يعتد بالكامل، فإذا قال: ما رأيته مذ ثلاثة أيام فلا بد أن تكون الثلاثة بجملتها لم يره فيها، ومنهم من يعتد بالناقص الأول، فإذا رأى شخصا ظهر يوم الجمعة ثم انقطعت الرؤية إلى ظهر يوم الاثنين قال: ما رأيته مذ ثلاثة أيام، ولا يعتد بالناقص الثاني. -

(1) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 41).

ص: 1973

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنهم من يعتد في هذه المسألة بالناقص الثاني ولا يعتد بالأول، فيكون اللفظ واحدا. ومنهم من يعتد بالناقص الأول والثاني فيقول في هذه المسألة: ما رأيته مذ أربعة أيام. والأقيس الأول؛ لأن تسمية الناقص يوما مجاز، ومن يعتد بالناقص لا يفعل ذلك إلا إذا كان ثم يوم كامل؛ فإن لم يكن ثم يوم كامل لم يجز، لأن الكلام كله مجاز، فلو رأيت شخصا ظهر يوم الجمعة ثم انقطعت الرؤية إلى ظهر السبت لم يجز في هذا أن يقال: ما رأيته منذ يومان ولا مذ يوم، لأنه ليس معك يوم كامل، فإنما يكون المجاز إذا اختلط بالحقيقة (1).

ومنها: أنك إذا عطفت على مدخولهما، فإما أن تعطف حالا على حال أو ماضيا على ماض، أو حالا على ماض، أو ماضيا على حال، فعطف الحال على الحال جائز نحو: ما رأيته مذ يومنا وليلتنا ومذ شهرنا وعامنا، ويكون في بعض هذه المسائل ما في قوله تعالى: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (2)، وقوله تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ (3) من تكرار ما يدخل تحت عموم ما قبله.

وإن عطفت ماضيا على ماض لم يجز، قدمت المتقدم في الزمان أو أخرته فلا يجوز ما رأيته مذ يوم الخميس

ويوم الجمعة؛ لأن قولك: مذ يوم الخميس يقتضي أنك لم تره في يوم الجمعة، وقولك: ويوم الجمعة يقتضي أنك رأيته في أوله؛ لأن «مذ» إذا دخلت على الماضي المعرفة كانت لابتداء الغاية، فالفعل واقع في أول ذلك الزمان، ثم يتصل انقطاعه، فكان عطف الماضي على الماضي مؤديا إلى التناقض فلم يجز.

وكذلك لو قدمت يوم الجمعة فقلت: ما رأيته مذ يوم الجمعة ويوم الخميس لم يجز؛ لأن يوم الخميس يقتضي أنك رأيته في أوله، ثم انقطعت الرؤية فيما بعد، وقولك: يوم الجمعة تقتضي أنك رأيته في أوله، وذلك تناقض، فإن قيل: هل يجوز النصب على إضمار فعل، فالجواب أن تقول [2/ 445]: إن بدأت بالمتأخر جاز فقلت: ما رأيته مذ يوم الخميس ويوم الأربعاء، لأن الرؤية انقطعت عما بعد يوم الخميس، ثم أخبرت أنك لم تره يوم الأربعاء، ولو عكست فبدأت بالمتقدم لم يجز وكان عيّا، لأنك إذا قلت: -

(1) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 40).

(2)

سورة الرحمن: 68.

(3)

سورة البقرة: 98.

ص: 1974

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما رأيته مذ يوم الخميس، ويوم الجمعة اقتضى أنك لم تره في يوم الجمعة، فلا فائدة في قولك بعد ويوم الجمعة، وإن عطفت ماضيا على حال لم يجز، فلا تقول: ما رأيته مذ يومنا ويوم الجمعة ولا عكسه؛ لأن «مذ» إذا دخلت على الحال كانت بمعنى «في» ، وإذا دخلت على الماضي كانت بمعنى «من» فهما مختلفان، وإذا اختلفا امتنع العطف، فإن قيل: فهل يجوز النصب على إضمار فعل؟ فالجواب أن يقول:

إن تقدم الحال جاز، وإن تقدم الماضي لم يجز، ألا ترى أنه سائغ أن تقول: ما رأيته مذ يومنا ويوم الجمعة على تقدير: وما رأيته يوم الجمعة، ولا يسوغ أن تقول: ما رأيته مذ يوم الجمعة ويومنا؛ لأن قولك: يوم الجمعة يقتضي أنك رأيته في أوله وانقطعت الرؤية إلى زمن الإخبار، فلا فائدة في قولك: ويومنا إلا أن يكون من باب قوله تعالى:

فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (1).

ومنها: أنهما لا يدخلان إلا على الزمان كما تقدم ذكر ذلك، فإن دخلا على غيره فمؤول، ولا يدخلان منه إلا على المعدود أو معرفة، فلا يجوز: ما رأيته مذ حين، ولا مذ زمان، ولا مذ وقت، بخلاف مذ الليلة ومذ اليوم، ولا يجوز مذ الليل ولا مذ النهار؛ لأنّ النهار عبارة عن الضياء والليل عبارة عن الظلام، وذلك لا يحصل شيئا، فإن قيل: ألم يجز سيبويه: سرت الليل تريد ليل ليلك، والنهار تريد نهار نهارك؟ (2) فهلا أجزتم مذ الليل ومذ النهار على هذا المعنى؟

فالجواب: أن ذلك لا يتصرف و «مذ» توجب التصرف لما تدخل عليه، لأنها ترفعه أو تجره (3).

ومنها: أنهما لا يجران الصباح والمساء إلا قليلا؛ لأن الصباح والمساء اسما مصدر، والأصل الإصباح والإمساء، وهاتان الكلمتان إنما يدخلان على الزمان، والصباح والمساء وإن استعملا في الزمان ليس ذلك لهما بطريق الأصالة فلذلك لا تدخل عليهما مذ ومنذ في الغالب، نعم إذا استعملا مرادا بهما الزمان جاز دخول «مذ ومنذ» حينئذ، هذا معنى كلامه (4)، ومن هنا نشأ بحث وهو أنك إذا قلت:

ما رأيته مذ أن الله خلقني، فإن الفارسي يقدر زمانا محذوفا؛ لأن (أن) ليست -

(1) سورة الرحمن: 68. شرح الجمل لابن عصفور (2/ 41 - 43).

(2)

ينظر: الكتاب (1/ 218).

(3)

شرح الجمل لابن عصفور (2/ 43).

(4)

ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 44).

ص: 1975

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زمانا (1)، ومن الناس من لم يقدر ذلك، وجعل «أن» مع صلتها مصدرا يراد به الزمان بمنزلة خفوق النجم ومقدم الحاج، فقال ابن عصفور: القول الأول أحب إليّ؛ لأنهم لا يقولون: مذ الصباح إلا قليلا، فالأولى أن لا يجروا بها «أنّ» التي تتقدر بالمصدر (2)، ثم يكون ذلك المصدر زمانا. انتهى.

ولا يخفى ضعف هذا الذي ذكره؛ لأن نيابة المصادر عن ظروف الزمان قد ثبتت كثيرا في كلام العرب، ولا فرق بين المصدر المؤول [2/ 446] والمصدر الصريح في ذلك.

ومنها: أنهما إذا وقع بعدهما الزمان ووقع بعد الزمان فعل، وجب أن يكون ذلك الفعل ماضيا، فلا يقال: ما رأيته مذ زمن يقوم أمس، ولا ما رأيته مذ زمن يقول غدا، أما الأول فلتنافر ما بين يقوم وأمس، وأما الثاني فلأن معنى الكلام على المضي، ولا يقع المضارع موقع الماضي إلا في مواضع محفوظة، فإن جئت بالمضارع غير معمل في شيء جاز، ويكون على حكاية الحال نحو: ما رأيته مذ زمن يقوم، تريد مذ زمن كان فيه يقوم، أما إذا دخلتا على الفعل مباشرة، فلا بد أن تكون الصيغة ماضية فتقول: ما رأيته مذ قام، ولا يجوز مذ يقوم، قال: وعلة ذلك أن الفعل إذا وقع بعدهما فلا بد من تقدير زمن محذوف، فهو مجاز، فكرهوا أن يكون ثم مجازان حذف الزمان وحكاية الحال (3).

ومنها: أنك إذا أوقعت بعدهما الليالي فإن الأيام داخلة معها؛ فإذا قلت:

ما رأيته مذ ليلتان كنت فاقدا له ليلتين ويومين، وهو قد انقطعت رؤيته مثلا في عشية يوم الجمعة ثم اتصل ذلك إلى عشية يوم الأحد؛ لأن العرب كنّت بالليالي عن الأيام ولم تفعل ذلك بالأيام، فإذا قلت: ما رأيته مذ ثلاثة أيام، أمكن أن يكون انقطاع الرؤية في ليلتين، لأنها لم تكنّ عن الأيام إلا بالبياض (4). انتهى.

وقد تعرض الشيخ في شرحه إلى ذكر شيء آخر غير ما ذكره ابن عصفور، فتركت إيراده خشية الإطالة مع أنه لا يتعلق به كثير فائدة (5)، وكذا تركت من -

(1) ينظر: المقتصد شرح الإيضاح (ص 426)، والإيضاح للفارسي (131، 132).

(2)

شرح الجمل لابن عصفور (2/ 44).

(3)

شرح الجمل لابن عصفور (2/ 45).

(4)

شرح الجمل لابن عصفور (2/ 45)، وينظر: المقرب (1/ 202).

(5)

ذكر أبو حيان في ختام حديثه عن مذ ومنذ ثماني مسائل زاد فيها على ما ذكره ابن عصفور هنا بعض الأشياء. ينظر: التذييل (3/ 354 - 359).

ص: 1976