الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم ضمير المتنازع فيه من الإظهار أو الحذف]
قال ابن مالك: (ويعمل الملغى في ضمير المتنازع مطابقا له غالبا فإن أدّت مطابقته [2/ 349] إلى تخالف خبر ومخبر عنه فالإظهار، ويجوز حذف الضّمير غير المرفوع ما لم يمنع مانع ولا يلزم حذفه أو تأخيره معمولا للأوّل
خلافا لأكثرهم بل حذفه إن لم يمنع مانع أولى من إبقائه متقدّما ولا يحتاج غالبا إلى تأخيره إلّا في باب ظنّ وإن ألغي الأوّل رافعا صحّ دون اشتراط تأخير الضّمير خلافا للفرّاء ولا حذفه خلافا للكسائي).
ــ
الإضمار قبل الذكر، ففي مقابلته ما يؤدي إليه إعمال الأول من الفصل بين العامل والمعمول بجملة أجنبية في جميع المسائل، وذلك لا يجوز في باب من الأبواب، إلا في هذا الباب؛ لتداخل الجملتين واشتراكهما، فما يؤدي في بعض المسائل إلى تجوز في قليل من كلام العرب، أولى مما يؤدي في جميع المسائل، إلى ما لا يجوز في باب من الأبواب إلا في هذا الباب خاصة، ثم أنشد على إعمال الأول:
1377 -
ولم أمدح لأرضيه بشعري
…
لئيما أن يكون أفاد مالا (1)
وقول الآخر:
1378 -
قطوف فما يلقاه إلّا كأنّما
…
زوى وجهه أن لاكه فوه حنظل (2)
فأعمل «زوى» في «حنظل» وأضمر المفعول في «لاكه» (3).
قال ناظر الجيش: هذا شروع في بيان كيفية الإعمال على تقدير إعمال الأسبق، أو الأقرب، وقد ذكر المصنف ذلك في متن الكتاب على وجه فيه قلق، والجماعة غيره ذكروه على وجه سهل يقرب ضبطه للمحصل؛ فأنا أذكر أولا ما ذكره الجماعة، ثم أشير إلى ما ذكره المصنف ففي كلّ خير.
والذي ذكره الجماعة أن قالوا: لا يخلو أن تعمل الأول أو الثاني؛ فإن أعملت الأول أضمرت في الثاني جميع ما يحتاج إليه من مرفوع، أو منصوب، أو مخفوض، -
(1) تقدم ذكره.
(2)
البيت من الطويل لقائل مجهول في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 615)، والتذييل (3/ 142).
اللغة: القطوف: من الدواب: البطيء، وقيل: الضيق المشي. وزوى الشيء يزويه: نحاه، وزواه:
قبضه. والحنظل: الشجر المر.
(3)
شرح الجمل لابن عصفور (1/ 614، 615).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد يجوز حذف المعمول إذا لم يكن مرفوعا في ضرورة كقوله:
1379 -
بعكاظ يعشي النّاظري
…
ن إذا هم لمحوا شعاعه (1)
فـ «شعاعه» فاعل «يعشي» ، ومفعول «لمحوا» محذوف، تقديره: إذا هم لمحوه، ولو أعملت الثاني؛ فلا يخلو الأول
من أن يحتاج إلى مرفوع، أو منصوب، أو مخفوض. فإن احتاج إلى غير مرفوع، فلا يخلو أن يكون مما يجوز حذفه اقتصارا، أو لا يكون؛ فإن كان مما يجوز حذفه حذفته؛ وذلك نحو: ضربت وضربني زيد، ولا يجوز إضماره قبل الذكر، فنقول: ضربته وضربني زيد إلا في ضرورة شعر؛ وذلك نحو قول الشاعر:
1380 -
علّموني كيف أبكيهم إذا خفّ القطين (2)
فأعمل في «القطين» «خف» وأضمر لـ «أبكي» مفعوله قبل الذكر، وقد كان يجوز له حذفه، وكذلك قول الآخر:
1381 -
ألا هل أتاها على نأيها
…
بما فضحت قومها غامد (3)
فأضمر لـ «أتى» مفعولا قبل الذكر؛ وإن كان المنصوب لا يجوز حذفه اقتصارا؛ وذلك كأحد مفعولي ظننت وبابه؛ ففيه للنحويين ثلاثة مذاهب:
منهم؛ من قال: أضمره قبل الذكر.
ومنهم؛ من قال: أؤخره وأفرق بينه، وبين الفاعل في ذلك؛ فإن الفاعل إذا أضمر كان مع الفعل كالشيء الواحد؛ ولذلك يسكن له آخر الفعل، فلم يجز تأخيره لذلك؛ لئلا يفصل بينه وبين ما يعمل فيه بجملة أجنبية، وهو العامل الثاني، وأما المفعول فجاز تأخيره؛ لأنه مع الفعل ليس كالشيء الواحد.
ومنهم؛ من ذهب إلى أنه يحذف؛ إذ الحذف في هذا الباب، إنما هو حذف اختصار لا حذف اقتصار [2/ 350]؛ لأنه حذف لفهم المعنى، وحذف الاختصار في باب ظننت جائز (4)، قال ابن عصفور: وهذا أصح المذاهب؛ إذ الإضمار قبل الذكر، والفصل بين العامل والمعمول لم تدع إليهما ضرورة، وذلك نحو: ظنني وظننت زيدا قائما، وتقول -
(1) و (2) و (3) تقدم ذكرها.
(4)
ما ذكره ناظر الجيش من أول قوله: (والذي ذكره الجماعة أن قالوا) إلى هنا، هو نص ابن عصفور في شرح الجمل (1/ 616، 617)، ما عدا البيت الثاني الذي أوله: ألا هل أتاها على نأيها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على المذهب الأول: ظننته وظننت زيدا قائما، وعلى المذهب الثاني: ظنني وظننت زيدا قائما إياه؛ فإن احتاج الأول إلى مرفوع، ففي المسألة أيضا، ثلاثة مذاهب:
مذهب سيبويه: الإضمار قبل الذكر، ومذهب الكسائي: حذفه فاعلا كان أو مشبها بالفاعل، ومذهب الفراء: أن كل مسألة يؤدي فيها إعمال الثاني إلى الإضمار قبل الذكر على مذهب البصريين، أو إلى حذف الفاعل على مذهب الكسائي؛ أنها لا تجوز بأن ذلك لا يوجد في كلام العرب، فأما ما وجد من كلامهم من مثل: قام وقعد زيد، فإن زيدا
يرتفع بالفعلين معا، فلا يجوز عنده إعمال الثاني مع احتياج الأول إلى مرفوع، إلا أن يتساوى العاملان في عمل الرفع، فيكون الاسم مرفوعا بهما.
قال ابن عصفور: وهذا فاسد؛ لأنه تقرر أن كل عامل يحدث إعرابا، وعلى مذهبه يكون العاملان لا يحدثان إلّا إعرابا واحدا، وأيضا فالسماع يرد عليه، قال الشاعر:
1382 -
وكمتا مدمّاة كأنّ متونها
…
جرى فوقها واستشعرت لون مذهب (1)
فإنه روي بنصب «لون» ، فأعمل الثاني وهو «استشعرت» مع احتياج الأول وهو «جرى» إلى مرفوع، وليس العاملان متفقين في العمل، فتعملهما في «لون» ، فلم يبق إلا مذهب سيبويه، أو مذهب الكسائي (2). انتهى.
ثم ذكروا مذهب الكسائي في حذف الفاعل، واستدلاله بما هو معروف مشهور، وذكروا الجواب عنه (3)، كما سنذكر ذلك بعد إن شاء الله تعالى. -
(1) البيت من الطويل، وهو لطفيل الغنوي (شاعر جاهلي)، وهو في: الكتاب (1/ 77)، والمقتضب (4/ 75)، والإنصاف (1/ 88)، وابن يعيش (1/ 77، 78)، (4/ 75)، وشرح الدرة الألفية لابن القواس (437)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 618)، وشرح الجمل لابن العريف (70 / أ)، ومنهج السالك لأبي حيان (133)، والتذييل (3/ 134، 147)، والعيني (3/ 24)، والأشموني (2/ 104)، وأساس البلاغة، واللسان «شعر» ، وتاج العروس «كمت» ، وديوانه (ص 7)، وشرح ابن الناظم (ص 100).
اللغة: الكمت: جمع أكمت من الكمتة، وهي حمرة تضرب إلى السواد. مدماة: شديدة الحمرة.
المتون: الظهور. والمذهب: المموه بالذهب.
والشاهد قوله: «جرى فوقها واستشعرت لون مذهب» ؛ حيث أعمل العامل الثاني دون الأول.
(2)
شرح الجمل لابن عصفور (1/ 617، 618).
(3)
ينظر: رأي الكسائي والرد عليه في: التذييل (3/ 148، 149)، والارتشاف (969)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 617)، والهمع (2/ 109)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 68)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 100).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما المصنف فإنه قال (1): تناول قولي: ويعمل الملغى في ضمير المتنازع؛ أن يكون أولا؛ وأن يكون ثانيا؛ وأن يكون الضمير مرفوعا، ومنصوبا، ومجرورا، فمثال ذلك في إلغاء الأول والضمير مرفوع: قول الشاعر:
1383 -
جفوني ولم أجف الأخلّاء إنّني
…
لغير جميل من خليليّ مهمل (2)
ومثال ذلك والضمير منصوب: قول الشاعر:
1384 -
إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب
…
جهارا فكن في الغيب أحفظ للعهد
وألغ أحاديث الوشاة فقلّما
…
يحاول واش غير تغيير ذي ودّ (3)
ومثال ذلك والضمير مجرور: قول الشاعر:
1385 -
وثقت بها وأخلفت أمّ جندب
…
فزاد غرام القلب إخلافها الوعدا (4)
[2/ 351] ومثال ذلك في إلغاء الثاني والضمير مرفوع: قول الشاعر:
1386 -
أساء ولم يجزه عامر
…
فعاد بحلمي له محسنا (5)
ومثال ذلك والضمير مجرور: قول الشاعر:
1387 -
إذا هي لم تستك بعود أراكة
…
تنحّل فاستاكت به عود إسحل (6)
-
(1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 171).
(2)
تقدم ذكره.
(3)
البيتان من الطويل لقائل مجهول، وينظر فيهما: الارتشاف (1136)، ومنهج السالك لأبي حيان (134)، والتذييل (3/ 136، 145) والأول في شرح الألفية لابن الناظم (ص 99)، وأوضح المسالك (1/ 166)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 71)، والبهجة المرضية (ص 57)، والمغني (1/ 333)، والبيتان في شرح شواهد المغني (2/ 745)، وشرح ابن عقيل (1/ 184)، والأشموني، وحاشية الصبان (2/ 105)، وشذور الذهب (ص 503).
والشاهد قوله: «ترضيه ويرضيك صاحب» ؛ حيث أعمل الثاني في «صاحب» وأضمر في الأول ضمير المفعول.
(4)
البيت من الطويل لقائل مجهول، وهو في التذييل (3/ 136، 145)، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 134).
والشاهد قوله: «وثقت بها وأخلفت أم جندب» ؛ حيث أعمل «وأخفلت» في الظاهر، وأضمر في الأول، وهو «وثقت بها» .
(5)
البيت من المتقارب مجهول القائل، وهو في: التذييل (3/ 136)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 172).
والشاهد فيه: أنه أعمل الفعل الأول، وهو «أساء» في الظاهر، وأضمر في الثاني، وهو «لم يجزه» مفعوله.
(6)
تقدم ذكره.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن المحتمل لإعمال الأول والثاني: قول الشاعر (1):
1388 -
على مثل أهبان تشقّ جيوبها
…
وتعلن بالنّوح النّساء الفواقد (2)
وأكثر النحويين لا يجيزون: ضربته وضربني زيد، ومررت به ولقيني عمرو؛ لاشتماله على تقديم ضمير، هو
فضلة على مفسر متأخر لفظا ورتبة؛ وإنما يغتفر ذلك في ضمير مرفوع؛ لكونه عمدة غير صالح للاستغناء عنه.
هذا تعليل المبرد، ومن وافقه من البصريين (3)، وأما الكوفيون فلا فرق عندهم بين الفضلة والعمدة في المنع؛ فلا يجيزون: ضربوني وضربت الزيدين، ولا:
ضربته وضربني زيد (4)، والصحيح جوازهما لثبوت السماع بذلك في الشواهد المتقدمة الذكر، إلا أن تقديم المرفوع أسوغ لكونه غير صالح للحذف، وقل تقديم غيره، وقد تقدم في كتابي هذا بيان ما يدل على صحة ما ذهبت إليه في هذه المسألة؛ فلا حاجة إلى إعادته، وبعض من لا يجيز تقديم الضمير يلتزم تأخيره أو إظهاره إن لم يستغن عنه، نحو: ظنني وظننت زيد فاضلا إياه، أو ظنني فاضلا وظننت زيد إياه، أو ظنني فاضلا وظننت زيدا إياه، ومثال ما يؤدي فيه مطابقة الضمير مفسره إلى تخالف (5) خبر ومخبر عنه، قولك: ظناني منطلقا، وظننت الزيدين منطلقين؛ فإذا قلت كذا بإظهار ثاني (مفعولي)(6)«ظناني» خلصت من أمرين ممتنعين؛ وذلك إذا أضمرت، فإما أن تراعي جانب المفسر فتثنّي، فتكون قد أخبرت بمثنى عن مفرد، وإما أن تراعي جانب المخبر عنه، وهو ياء «ظناني» فتفرد فتكون قد أعدت ضمير واحد إلى مثنى، وكلاهما ممتنع فتعين الإظهار -
(1) هو ابن أهبان الفقعسي يرثي أخاه.
(2)
البيت من الطويل، وهو في: التذييل (3/ 137)، وديوان الحماسة (1/ 141)، برواية «على مثل همام» بدل «على مثل أهبان» .
اللغة: الفواقد: جمع فاقدة، وهي المرأة التي مات زوجها.
والشاهد: هو أن الفعلين «تشق وتعلن» قد تنازعا قوله: «النساء الفواقد» فاعلا، ويحتمل أن يكون الأول أو الثاني هو العامل في هذا الاسم، وفي الآخر ضمير رفع مستتر فاعل له.
(3)
ينظر: المقتضب (4/ 72 - 78)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 172)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 99، 100)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 616)، والأشموني (2/ 104، 105).
(4)
ينظر: التصريح (1/ 322)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 70، 71).
(5)
في (ب): (تخلاف).
(6)
ساقطة من (أ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لتخلصه من ممتنع، ووافق الكوفيون على جواز الإظهار، وأجازوا أيضا الإضمار مراعى به جانب المخبر عنه، كقولك: ظننت وظناني الزيدين قائمين إياه؛ لأن المثنى لما فيه من الجمع يتضمن الواحد؛ فعود ضميره إلى ما
تضمنه جائز، وأجازوا أيضا الحذف، كقولك: ظننت وظناني الزيدين قائمين تريد: ظننت وظناني قائما الزيدين قائمين، فحذفت ثاني مفعولي ظناني، لدلالة ثاني مفعولي ظننت عليه، كما جاز مثل ذلك في باب الابتداء (1).
وأشرت بقولي: ويجوز حذف الضمير غير المرفوع (2)، إلى جواز حذف الهاء ونحوها، من نحو قولك: ضربني وضربته زيد، ومرّ بي ومررت به زيد، فيقال:
ضربني وضربت زيد [2/ 352] ومرّ بي ومررت به زيد، كما قال:
1389 -
يرنو إليّ وأرنو من أصادقه
…
في النّائبات فأرضيه ويرضيني (3)
وأشرت بقولي: ما لم يمنع مانع؛ إلى مثل: مال عني وملت إليه زيد؛ فإن حذف الضمير منه غير جائز؛ لإيهامه أن يكون المراد: مال عني وملت عنه زيد، ومثل ذلك قول الشاعر:
1390 -
مال عنّي تيها وملت إليه
…
مستعينا عمرو فكان معينا (4)
وحذف الضمير غير المرفوع؛ إن تقدم أحسن من بقائه، ما لم يكن عامله من باب ظن، فيظهر أو يؤخر، وكذا إن كان من غير باب ظن، وكان الحذف موقعا في لبس (5)، ومثال ذلك والفعل من باب ظن: حسبتني وحسبت عمرا كريما إياه، ومثله والفعل من غير باب ظن استعنت واستعان عليّ به زيد، وإلى هذين وأمثالهما، -
(1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 616، 617)، والهمع (2/ 109)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 173).
(2)
شرح التسهيل لابن مالك (2/ 173).
(3)
البيت من البسيط مجهول القائل، وهو في: التذييل (3/ 142).
والشاهد قوله: «يرنو إلي وأرنو من أصادقه» ؛ حيث أعمل الفعل الأول، وهو «يرنو» في الظاهر، وأعمل الثاني في ضميره المجرور، ثم حذفه، والأصل: يرنو إليّ وأرنو إليه من أصادقه.
(4)
البيت من الخفيف مجهول القائل، وهو في: التذييل (3/ 143)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 173).
والشاهد قوله: «مال عني تيها وملت إليه» ؛ حيث أعمل «مال» في «عمرو» فرفعه، وأعمل «ملت» في ضميره المجرور، ولا يجوز حذف هذا الضمير؛ لأنه لو حذف لأدى إلى معنى: مال عني وملت عنه، وهو خلاف المراد، كما بين المصنف.
(5)
ينظر: التصريح (1/ 321، 322).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أشرت بقولي: ولا يحتاج غالبا إلى تأخيره إلا في باب ظن، وإلغاء العامل الأول، وهو مقتض للرفع، كقولك: ضربوني وضربت قومك، فهذا الاستعمال جائز في مذهب البصريين ممتنع في مذهب الكوفيين وتصحيحه عند
الفراء بتأخر الضمير منفصلا، كقولك: ضربني وضربت قومك هم (1)، وتصحيحه عند الكسائي بالحذف، كقولك: ضربني وضربت قومك، وربما استدل بقول الشاعر:
1391 -
تعفّق بالأرطى لها وأرادها
…
رجال فبذّت نبلهم وكليب (2)
ولا دلالة فيه لإمكان جعله من باب إفراد ضمير الجماعة مؤوّلة بمفرد اللفظ مجموع المعنى (3)، قال سيبويه: فإن قلت: ضربني وضربت قومك، فجائز وهو قبيح أن تجعل اللفظ كالواحد، كما تقول هو أجمل الفتيان، وأحسنه وأكرم بنيه وأنبله ثم قال: كأنك قلت: ضربني من ثمّ، وضربت قومك (4)، هذا آخر كلام المصنف رحمه الله تعالى، وفيه من المخالفة لكلام الجماعة، والزيادة على ما ذكروه ما أشير إليه.
فالأول: أنك إذا أعملت الثاني، وكان العامل الأول من غير باب ظن، وطلب المعمول منصوبا، أو مجرورا؛ فإن الجماعة يوجبون الحذف، ولا يثبتون الضمير إلا في الضرورة، والمصنف يجيز ذكره من غير تقييد بضرورة؛ لكنه يعترف بقلة ذلك.
والثاني: أنك إذا أعملت الأول، وكان العامل الثاني من غير باب ظن أيضا؛ فإن الجماعة يوجبون ذكر الضمير، ولا يجيزون الحذف إلا في الضرورة، والمصنف يجيز الحذف من غير تقييد بضرورة أيضا، كما في المسألة الأولى؛ ولكنه يعترف بقلة ذلك أيضا (5)، وإنما أوجب المصنف الذكر، ومنع الحذف في صورة خاصة، وهي: نحو مال عني وملت إليه زيد؛ لأنه لو حذف هاهنا لم يعلم المراد، فكان -
(1) ينظر: الأشموني (2/ 102، 103)، والتصريح (1/ 321)، والتذييل (3/ 157).
(2)
تقدم ذكره.
(3)
ينظر: المقرب (1/ 251).
(4)
الكتاب (1/ 79، 80).
(5)
في شرح الألفية للمرادي (2/ 70، 71): «إذا أهمل الأول فإما أن يطلب مرفوعا أو منصوبا؛ إن طلب مرفوعا أضمر فيه خلافا للكوفيين، كما سبق؛ وإن طلب منصوبا فإما أن يكون فضلة أو غير فضلة. فإن كان فضلة وجب حذفه عند الجمهور؛ لأنه مستغنى عنه، فلا حاجة لإضماره قبل الذكر، ولم يوجب في التسهيل حذفه بل جعله أولى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذكر واجبا [2/ 353] من أجل أنه لو حذف لم يفهم المقصود (1).
والثالث: أنهم ذكروا في نحو: ظنني وظننت زيدا قائما؛ ثلاثة أعمال:
إضماره متقدما، وإضماره متأخرا، والحذف (2)، وزاد المصنف رابعا وهو الإظهار (3)؛ ولكن لما ذكر المصنف الحذف في هذه المسألة جعل ذلك مذهب الكوفيين، والذي يعطيه كلام الجماعة أنه مذهب للبصريين، وهو الظاهر؛ فإن حذف مفعولي باب ظن اختصارا جائز؛ وكذلك حذف أحدهما، والمصنف قد قال في ذلك الباب: ولا يحذفان معا أو أحدهما إلا بدليل، ولا شك في وجود الدال في هذا المثال الذي ذكرناه؛ فكيف يقصر ذلك على مذهب الكوفيين؟.
والرابع: أن المصنف ذكر نحو: استعنت واستعان على به زيد، ونبه على أن ذكر الضمير فيها واجب (4) فهذه المسألة أعملت فيها الثاني، وطلب العامل الأول المعمول غير مرفوع ولم يكن من باب ظن ولم يمتنع حذفه؛ بل وجب ذكره (5)، وعلى هذا تكون هذه المسألة مستدركة على الجماعة.
والخامس: أن الجماعة ذكروا أن الفراء، لا يجيز نحو: ضربني وضربت زيدا، ويقول: إنه ليس من كلام العرب كما تقدم ذكر ذلك، ومنهم من نقل أن الفراء يجيز هذا التركيب؛ ولكنه يوجب إعمال الأول ليتخلص من حذف الفاعل، ومن إضماره قبل الذكر، والمصنف ذكر أن الفراء يصحح المسألة، ويأتي بالضمير المرفوع -
(1) ينظر: التذييل (3/ 143).
(2)
ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 614 - 617)، والتوطئة للشلوبين (ص 269، 270)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 99، 100)، وشرح المكودي (ص 89)، والأشموني (2/ 104، 105).
(3)
ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 80)، والتصريح (1/ 332).
(4)
ينظر: البهجة المرضية للسيوطي (ص 58)، والتصريح (1/ 321).
(5)
أوضح صاحب التصريح هذه المسألة مبينا سبب وجوب ذكر الضمير، فقال:«فإن أوقع حذفه - أي المنصوب - في لبس ظاهر، أو لم يوقع في لبس ولكن كان العامل من باب كان، أو من باب ظن؛ وجب إضمار المعمول مؤخرا عن المتنازع فيه في المسائل الثلاث، فالأولى نحو: استعنت واستعان على زيد به، فالأول يطلب زيدا مجرورا بالياء، والثاني يطلبه فاعلا؛ لأنه استوفى معموله المجرور بـ «على» فأعملنا الثاني، وأضمرنا ضمير «زيد» مجرورا بالياء مؤخرا، وقلنا به والذي حملنا على ذلك؛ أنا لو أضمرناه مقدّما قبل «استعان» لزم الإضمار قبل الذكر، ولو حذفناه أوقع في لبس؛ فلا يعلم هل زيد مستعان به أو عليه؟» اه. التصريح (1/ 321).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منفصلا مؤخرا، لكن قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه الله تعالى: لم يرو أحد من العلماء المتقدمين فيما
علمت في مثل هذه المسألة عن الفراء، إلا إيجاب إعمال الأول، وروى جمال الدين بن مالك صاحبنا رحمه الله تعالى أن الفراء في مثل هذه المسألة، يجيز إعمال الثاني في الظاهر، ويضمر في الأول، كما يقول سيبويه وأصحابه: إنه إذا أضمر في الأول وجب أن يكون الضمير بارزا بعد الثاني ومعموله؛ فتقول مثلا: ضربني وضربت زيدا هو، وضربني وضربت الزيدين هما، ولم أقف على هذا النقل عن الفراء من غير كلام ابن مالك، وهو الثقة فيما ينقل (1). انتهى.
والقول بأن الفراء يوجب إعمال الأول مشكل؛ لأن القول بوجوب عمل أحد العاملين يخرج المسألة من باب التنازع، إلا أن يقول الفراء: شرط التنازع إنما هو صحة عمل كل من العاملين من حيث المعنى، وقد يمنع من عمل أحدهما بعد ذلك مانع لفظي، (فمن أجل ذلك المانع يلتزم عمل أحدهما دون الآخر؛ ولا شك أن للنظر في ذلك مجالا)(2).
ثم نشير هاهنا إلى أمرين:
أحدهما: أنه لا يجوز في هذا الباب أن يفصل بين الثاني، ومعموله بمعمول الأول، فعلى هذا لا يقال: ضربت وضربني إياه زيد؛ لأن ذلك يؤدي إلى فصلين، وذلك مستكره عندهم لا يجوز.
الثاني: ذكر بعض الفضلاء في مسألة: أظن ويظناني أخا [2/ 354] الزيدين أخوين؛ بحثا فقال: الذي يظهر لي فساد دعوى التنازع في «أخوين» ؛ لأن يظناني لا يطلبه؛ لكونه مثنى، والمفعول الأول مفرد (3). انتهى. -
(1) ينظر: التذييل (3/ 147)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 597)، والهمع (2/ 109).
(2)
ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 617، 618).
(3)
هذا رأي المرادي في شرح الألفية (2/ 74)، بالمعنى، وقد ذكر صاحب التصريح هذا النص بعد أن بحث هذه المسألة، فقال:(هذا تقرير ما قالوه في هذه المسألة، قال الموضح تبعا لجماعة على سبيل البحث: والذي يظهر لي فساد دعوى التنازع في الأخوين؛ لأن «يظنني» لا يطلبه؛ لكونه مثنى والمفعول الأول مفرد). اه، التصريح (1/ 323).
وأصل هذه المسألة كما في التصريح (1/ 322، 323): (قبل الإعمال: أظن ويظنني الزيدين أخوين بالتثنية فيهما، فـ «أظن» يطلب «الزيدين أخوين» مفعولين و «يظنني» يطلب «الزيدين» فاعلا -