الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أحكام الآن وبناؤه وإعرابه]
قال ابن مالك: (ومنها الآن لوقت حضر جميعه أو بعضه، وظرفيته غالبة لا لازمة، وبني لتضمن معنى الإشارة، أو لشبه الحرف في ملازمة لفظ واحد، وقد يعرب على رأي، وليس منقولا من فعل خلافا للفرّاء).
ــ
كلام ابن عصفور بقية لهذا المعنى.
قال ناظر الجيش: مسمى الآن الوقت الحاضر (1) جميعه كوقت فعل الإنشاء حال النطق به أو الحاضر بعضه؛ كقوله تعالى: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (2) وكقوله: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ (3) وكقول النبي صلى الله عليه وسلم:
«تصدّقوا فيوشك الرّجل أن يمشى بصدقته فيقول الّذي أعطيها:
لو جئتني بالأمس لأخذتها، وأمّا الآن فلا حاجة لي بها» (4)، ومثله قول علي رضي الله تعالى عنه: كان ذلك والإسلام قلّ، وأمّا الآن فقد اتّسع نطاق الإسلام فامرأ وما اختار (5). ومثل قول الشاعر (6):
1556 -
فلو أنّها إحدى يديّ وزئتها
…
ولكن يدي بانت على إثرها يدي
فآليت لا آس على إثر هالك
…
قدي الآن من وجد على هالك قدي (7)
ومثله قول عنترة: - -
(1) هذا نص شرح التسهيل لابن مالك (2/ 318).
(2)
سورة الجن: 9.
(3)
سورة الأنفال: 66.
(4)
الحديث في مسند أحمد بن حنبل (4/ 306) برواية: تصدقوا فإنه يوشك أحدكم أن يخرج بصدقته، فلا يجد من يقبلها منه.
ولم أتمكن من العثور عليه بالرواية التي أوردها المصنف هنا.
(5)
نهج البلاغة (ص 367)، ورواية القول فيه، إنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك والدين قل، فأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه، فامرؤ وما اختار. ا. هـ.
(6)
هو رجل من بني كلب قالهما في أخ له مات بعد أخ.
(7)
البيتان من الطويل وهما في: التذييل (3/ 361)، وشرح التسهيل للمصنف، وديوان الحماسة (1/ 370، 371 - 446).
اللغة: آليت: أقسمت. لا أس: لا أحزن. وقدي: بمعنى حسبي.
والشاهد في البيتين: وقوع «الآن» على وقت حضر بعضه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
1557 -
فإني لست خاذلكم ولكن
…
سأسعى الآن إذ بلغت أناها (1)
وليست ظرفيته لازمة، بل وقوعه ظرفا أكثر من وقوعه غير ظرف، ومن وقوعه غير ظرف قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمع [2/ 447] وجبة:«هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النّار الآن حين انتهى إلى قعرها» (2)، فإن الآن هنا في موضع رفع بالابتداء، وحين انتهى خبره، وهو مبني لإضافته إلى جملة مصدرة بفعل ماض.
ومن وقوع «الآن» غير ظرف قول الشاعر: -
1558 -
أإلى الآن لا يبين ارعواؤك
…
بعد المشيب عن ذا التّصابي (3)
وبني لتضمنه معنى الإشارة، فإن معنى قولك: افعل الآن، افعل في هذا الوقت (4)، وجائز أن يقال: بني لشبهه
بالحروف في ملازمة لفظ واحد، فإنه لا يثنى ولا يجمع ولا يصغر، بخلاف حين ووقت وزمان ومدة، وقيل: بني لتضمن معنى حرف التعريف، والحرف الموجود غير معتد به (5) وضعف هذا القول بيّن؛ لأن -
(1) البيت من الوافر وهو في: التذييل (3/ 361)، وشرح التسهيل للمرادى، والتوطئة (ص 134، 135)، وديوان عنترة (ص 55) طبعة بيروت، وشرح الديوان (ص 77).
اللغة: أناها: منتهاها.
والشاهد فيه أيضا: وقوع الآن على وقت حضر بعضه كما في البيت السابق.
(2)
حديث شريف أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (ص 700) ط الشعب: وابن حنبل (2/ 371).
ويروى الحديث أيضا برواية: حتى انتهى إلى قعرها، ولا شاهد في الحديث على هذه الرواية.
(3)
البيت من الخفيف، وهو لعمر بن أبي ربيعة، وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 219)، والتذييل (3/ 361)، والارتشاف (572)، وشرح التسهيل للمرادي، والهمع (1/ 207)، والدرر (1/ 174). والشاهد فيه: مجيء (الآن) غير ظرف حيث جر بإلى.
(4)
هذا مذهب الزجاج وقد صرح بذلك في معاني القرآن له (1/ 126) فقال: وبني «الآن» وفيه الألف واللام؛ لأن الألف واللام دخلتا بعهد غير متقدم، إنما تقول: الغلام فعل كذا إذا عهدته أنت ومخاطبك، وهذه الألف واللام تنوبان عن معنى الإشارة، المعنى أنت إلى هذا الوقت تفعل، فلم يعرب الآن كما لا يعرب هذا. ا. هـ.
وينظر: التذييل (3/ 361، 362)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 126)، وشرح المفصل لابن يعيش (4/ 103).
(5)
هذا مذهب الفارسي. ينظر: الإغفال للفارسي (ص 254)، والاقتضاب (ص 63)، وشرح الرضي (2/ 126)، والظروف المفردة والمركبة (ص 184)، والإنصاف (2/ 523).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تضمن اسم معنى حرف اختصار ينافي زيادة ما لا يعتد به، هذا مع كون المزيد غير المتضمن معناه، فكيف إذا كان إياه. وجعل الزمخشرى سبب بنائه وقوعه أول أحواله بالألف واللام (1)؛ لأن حق الاسم في أول أحواله التجرد منها، ثم يعرض تعريفه فيلحقانه كقولك: مررت برجل فأكرمني الرجل، فلما وقع الآن في أول أحواله بالألف واللام خالف الأسماء وأشبه الحروف، ولو كان هذا سبب بنائه لبني الجماء الغفير واللات ونحوهما مما وقع في أول أحواله بالألف واللام، ولو كانت مخالفة الاسم لسائر الأسماء موجبة لشبه الحرف واستحقاق البناء لوجب بناء كل اسم خالف الأسماء بوزن أو غيره، وعدم اعتبار ذلك مجمع عليه، فوجب اطراح ما أفضى إليه، وزعم بعض النحويين أن بعض العرب يعرب الآن، واحتج على ذلك بقول الشاعر: -
1559 -
كأنّهما ملآن لم يتغيّرا
…
وقد مرّ للدارين من بعدنا عصر (2)
أراد: من الآن، فحذف نون من لالتقاء الساكنين، كقول الشاعر: -
1560 -
ليس بين الحي والميت نشب
…
إنّما للحي ملميت النّصب (3)
وكسر نون «الآن» لدخول «من» عليها، فعلم أن «الآن» عند هذا الشاعر معرب، قلت: وفي الاستدلال بهذا ضعف لاحتمال أن تكون الكسرة كسرة بناء ويكون في بناء «الآن» لغتان الفتح والكسر كما في «شتّان» إلا أن الفتح أكثر وأشهر، وزعم الفراء أن «الآن» منقول من آن بمعنى «حان» ثم استصحب فيه الفتحة التي كانت فيه إذا كان فعلا (4)، وجعله نظير قولهم: من شبّ إلى دبّ، -
(1) ينظر: المفصل للزمخشري (ص 173)، وابن يعيش (4/ 102، 103).
(2)
البيت من الطويل وهو لأبي صخر الهذلي، وهو في الأمالي الشجرية (1/ 386)، وشرح الجمل لابن الضائع، والارتشاف (ص 572)، والتذييل (3/ 363)، وشرح التسهيل للمرادي، والخصائص (1/ 310)، وابن يعيش (8/ 35)، وشذور الذهب (ص 169)، والهمع (1/ 208)، والدرر (1/ 175)، والظروف المفردة والمركبة (ص 185)، وأمالي القالي (1/ 148). واللسان «أين» .
والشاهد في قوله: «ملآن» ؛ حيث احتج بالبيت بعض النحويين على أن كلمة (الآن) فيه معربة.
(3)
البيت من الرمل لقائل مجهول وهو في: التذييل (3/ 363) برواية (نسب) مكان (نشب).
والشاهد في قوله: «ملميت» ؛ حيث حذفت نون من الجارة لالتقائها ساكنة مع اللام الساكنة والأصل:
من الميت.
(4)
هذا الوجه أحد وجهين أجازهما الفراء في «الآن» والوجه الآخر هو أن أصلها (أوان) حذفت منها الألف واللام، وغيرت واوها إلى الألف. ينظر: معاني القرآن للفراء (1/ 468، 469).