الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المفعول معه وحكم تقديمه]
قال ابن مالك: (ولا يتقدّم المفعول معه على عامل المصاحب باتّفاق ولا عليه خلافا لابن جنّي).
ــ
وجه المجاز الذي أيدوه في «أنت أعلم ومالك» على أن ما ذكروه في استوى الماء والخشبة وسار زيد والنيل من صحة العطف مجازا لا يتأتى في قول الشاعر:
1641 -
فكان وإيّاها كحرّان
وقولهم: إن المراد كحران والماء؛ لأنه لا يشبه اثنان بواحد - كلام عجيب إذ لا مانع من تشبيه اثنين وأكثر من اثنين بواحد، ولو سلم ذلك فالمقصود بالتشبيه في البيت إنما هو الرجل، فهو المشبه حال مصاحبته لمدلول «إياها» وهو المراد بالحران إذ المعنى على ذلك، ويدل عليه قوله:
1642 -
لم يفق
…
عن الماء إذ لاقاه حتّى تقدّدا
ولو كان المراد ما ذكر من تشبيه الرجل بالحران والمرأة بالماء، لكان ينفي الإفاقة عن المرأة لا عن الماء، وإذ قد تقرر هذا فنقول: الذي اختاره المصنف ونقله عن ابن خروف هو الحق وكلام بدر الدين الذي تقدم إيراده يقتضي أن واو المعية غير واو العطف (1).
قال ناظر الجيش: اعلم أن منع تقديم المفعول معه ظاهر على مذهب القائلين بأن أصل واو «مع» العطف، أما [2/ 489] كونها لا تتقدم على العامل، فلأن واو العطف لا تتقدم عليه (2)، وأما كونها لا تتقدم على المصاحب دون العامل وإن كان ذلك يجوز في واو العطف بشروط فقالوا: لأنها لما خرجت عن أصلها من العطف المحض لم يتصرف فيها كما تصرفوا في الأصل، لكن ابن جني مذهبه أن أصل الواو العطف (كما عملت)(3)، وقد جوز مع ذلك التقديم على المصاحب (4) كما -
(1) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 110).
(2)
مثّل ابن عصفور لمنع تقدم المفعول معه فقال: «فلا تقول: وعمرا قام زيد، كما تقول: وعمرو قام زيد» اه. شرح الجمل لابن عصفور (2/ 366).
(3)
كذا بالأصل، ولعل الصواب: كما علمت.
(4)
مع أنه يمنع تقديم المفعول معه على العامل. ينظر: الخصائص (2/ 383).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سيأتي، وقد يعتل له بأن الأصل في المفعول معه أن لا يمتنع تقديمه بخلاف المعطوف فإنه تابع، والأصل في التابع أن لا يتقدم على متبوعه، فليست في المفعول معه العلة المانعة من التقديم، وإنما المانع تشبيهه به، وهو قد جاز فيما هو الأصل مع وجود العلة المانعة وهي التبعية، فأن تجوز في الفرع مع فقد العلة أولى (1)، وأما منع تقديم المفعول معه على مذهب الآخرين وهم الذين لا يرون أن أصل الواو العطف، فقد يقال: إنه غير ظاهر؛ لأنها إذا لم يكن أصلها العطف فلا مانع من التقديم حينئذ، ولكن التقديم ممتنع عندهم كما هو عند أصحاب المذهب الآخر، ويعتلون لذلك بمشابهة هذه الواو واو العطف فيجب أن تعطى حكمها. وقد أشعر كلام المصنف أن المانع من التقديم شبه الواو بهمزة التعدية؛ فإنه قال في شرح هذا الموضع: قد تقدم بيان كون الواو التي بمعنى «مع» معدية وأن لها شبها بالواو العاطفة في اللفظ والمعنى؛ ولذلك لم تعمل عمل حروف الجر في لفظ ما عدت إليه العامل، بل أوصلت إليه عمل العامل لفظا ومحلّا ولازمت حملا واحدا لشبهها بهمزة التعدية فلا تتقدم على عامل المصاحب كما تتقدم «مع» في قولهم: مع الخشبة استوى الماء، فلا يقال: والخشبة استوى الماء، وكذا لا يقال:
استوى والخشبة الماء، فالأول مجمع على منعه، والثاني ممنوع إلا عند ابن جني فإنه أشار في الخصائص إلى جوازه (2)، وله شبهتان:
إحداهما: أنه قد جاز ذلك في العاطفة، فليجز فيها لأنها محمولة عليها.
والثانية: أن ذلك قد ورد في كلامهم، فينبغي [3/ 13] أن يحكم بذلك، ومن الوارد في ذلك قول الشاعر (3):
1643 -
أكنيه حين أناديه لأكرمه
…
ولا ألقّبه والسّوءة اللّقبا (4)
ومثله قول الآخر: -
(1) ينظر: التذييل (3/ 456).
(2)
ينظر: الخصائص (2/ 383).
(3)
هو بعض الفزاريين كما ذكر العيني.
(4)
البيت من البسيط وهو في: التذييل (3/ 456)، وديوان الحماسة (2/ 18)، والأشموني (2/ 137)، والعيني (3/ 89)، وابن الناظم (ص 111).
والشاهد فيه: قوله: «والسوءة اللقبا» ؛ حيث تقدم المفعول معه على مصاحبه على مذهب ابن جني.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
1644 -
جمعت وفحشا غيبة ونميمة
…
خصالا ثلاثا لست عنها بمرعوي (1)
ولا حجة في الشبهتين، أما الأولى فالجواب عنها من وجهين:
أحدهما: أن العاطفة أقوى وأوسع مجالا فجعل لها مزية بتجويز التقديم، ولأن المعطوف بالواو نسبة العامل إليه كنسبته إلى المتبوع فلم يكن في تقديمه محذور، بل كان فيه إبداء مزية للأقوى على الأضعف [2/ 490]، فلو أشرك بينهما في الجواز خفيت المزية.
والثاني: أن واو «مع» وإن أشبهت العاطفة فلها شبه يقتضي لها لزوم مكان واحد كما لزمت الهمزة مكانا واحدا.
وأما الشبهة الثانية عن احتجاجه بالبيتين المذكورين فضعيفة أيضا، إذ لا يتعين جعل ما فيهما من المنصوبين من باب المفعول معه، بل جعله من باب العطف ممكن وهو أولى؛ لأن القول بتقديم المعطوف في الضرورة مجمع عليه وليس كذلك القول بتقديم المفعول معه.
أما البيت الأول: فالعطف فيه ظاهر لأن تقديره: جمعت غيبة ونميمة وفحشا، وبهذا وجهه أكثر النحويين (2).
وأما البيت الثاني: فهو من باب:
1645 -
وزجّجن الحواجب والعيونا (3)
-
(1) البيت من الطويل وهو ليزيد بن الحكم بن أبي العاص وهو في: الخصائص (2/ 383)، والتذييل (3/ 456، 457)، وأمالي القالي (1/ 18)، وما يجوز للشاعر (ص 170)، وابن القواس (ص 556)، والتصريح (1/ 344)، والأشموني (2/ 137)، والعيني (3/ 86)، والخزانة (1/ 495)، والهمع (1/ 220)، والدرر (1/ 190)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 111).
والشاهد في قوله: «وفحشا» ؛ حيث يرى ابن جني أنه مفعول معه مقدم على مصاحبه، ويرى الجمهور أن الواو للعطف فهو معطوف على قوله: غيبة، ولكنه قدم عليها ضرورة.
(2)
ينظر: الأشموني (2/ 137)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 111).
(3)
عجز بيت من الوافر وهو للراعي النميري وصدره:
إذا ما الغانيات برزن يوما
وينظر في: الخصائص (1/ 432)، والتذييل (3/ 457)، ومعاني القرآن للفراء (3/ 123، 191)، والإنصاف (2/ 610)، والمغني (2/ 357)، وشرح شواهده (2/ 775)، والأشموني (2/ 140)، -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فنصب «العيون» بفعل دل عليه «زججن» تقديره: وكحلن العيون؛ فلو دعت ضرورة إلى التقديم لم يختلف التقدير، فكذلك أصل:
1646 -
ولا ألقّبه والسوأة اللّقبا (1)
ولا ألقبه اللقب وأسوؤه السوأة فحذف أسوؤه لدلالة ألقبه عليه ثم قدم مضطرّا وبقي التقدير على ما كان عليه (2). انتهى.
وهو كلام حسن غير أن قوله في الوجه الأول وجهين، فالجواب عن الشبهة الأولى أن العاطفة أقوى وأوسع مجالا فجعل لها مزية، لا يحسن ردّا على ابن جني؛ لأن واو «مع» عنده ليست غير العاطفة. فإذا ثبت للعاطفة حكم وجب ثبوته لها وهي للمعية، وقد قدمت العاطفة في الضرورة فليجز تقديم واو المعية للضرورة.
وأما الجواب عن الوجه الثاني فغايته أنها معدية ما قبلها إلى ما بعدها، بمعنى أن العامل يصل بسببها إلى ما بعدها،
ولا شك أن واو العطف كذلك؛ لأن الأصح من المذاهب أن العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه بوساطة حرف العطف، وليست واو «مع» في التعدية كالهمزة؛ لأن الهمزة ما عدت الفعل التي هي فيه، بل صار الفعل بسببها متعديا، والهمزة صارت من جملة حروف الفعل، فحكمها حكم أحد أجزائه، وجزء الكلمة لا يتقدم عليها، وأما الواو فهي معدية ومنفصلة عن الفعل الذي عدته وليست جزءا منه والفارق يمنع القياس، وأما الجواب الذي ذكره في البيتين فظاهر، لكن قد يقال في الجواب عن:
ولا ألقّبه والسوأة اللّقبا
لا يلزم من جواز تقديم المعطوف على المعطوف عليه إذا كان عاملهما واحدا جواز ذلك إذا كان لكل منهما عامل.
- والتصريح (1/ 246)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 111)، والهمع (1/ 122)، والمطالع السعيدة (337)، وحاشية يس (1/ 432)، واللسان (زجج).
والشاهد فيه: نصب «العيون» بفعل محذوف تقديره: وكحلن العيونا، ويذهب بعضهم إلى تضمين زججن معنى زيّنّ حتى يسوغ له نصب الاسمين، وقد ذهب العلماء إلى هذين التقديرين، لأن العطف ممتنع لانتفاء المشاركة والنصب على المعية ممتنع لانتفاء فائدة الإعلام بها.
(1)
تقدم ذكره.
(2)
شرح التسهيل للمصنف (2/ 245).