المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أحكام للمفعول المطلق المحذوف عامله وجوبا] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٤

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن عشر باب الفاعل

- ‌[تعريفه]

- ‌[من أحكام الفاعل: الرفع وتقديم الفعل]

- ‌[من أحكام الفاعل: تأنيث الفعل وجوبا وجوازا]

- ‌[من أحكام الفاعل: ألا تلحقه علامة تثنية أو جمع]

- ‌[من أحكام الفاعل: جواز حذف الفعل]

- ‌الباب التاسع عشر باب النّائب عن الفاعل

- ‌[أغراض حذف الفاعل - ما ينوب عنه]

- ‌[جواز نيابة غير المفعول مع وجود المفعول]

- ‌[جواز نيابة أي المفعولين]

- ‌[بعض المنصوبات لا تجوز إنابتها]

- ‌[التغييرات التي تحدث في الفعل عند بنائه للمجهول]

- ‌[أحكام تأخير المفعول عن الفاعل وتقديمه عليه]

- ‌الباب العشرون باب اشتغال العامل عن الاسم السّابق بضميره أو ملابسه

- ‌[مواضع نصب المشغول عنه وجوبا]

- ‌[مواضع ترجيح النصب في المشغول عنه]

- ‌[جواز الرفع والنصب على السواء في المشغول عنه]

- ‌[مسألتان اختلف فيهما النحاة أيهما أرجح]

- ‌[ترجح رفع الاسم على الابتداء]

- ‌[أنواع ملابسة الضمير للمشغول عنه]

- ‌[مسألة يترجح فيها الرفع]

- ‌[رفع الاسم المشغول عنه وأحكامه في ذلك]

- ‌[مسألة أخيرة في باب الاشتغال]

- ‌الباب الحادي والعشرون باب تعدي الفعل ولزومه

- ‌[تقسيم الفعل إلى متعدّ ولازم - إجراء اللازم مجرى المتعدي]

- ‌[نوعا المتعدي: متعد إلى واحد - متعد إلى اثنين]

- ‌[مسائل تأخير المفعول وجوبا وتقديمه وجوبا وجواز الأمرين]

- ‌[حذف العامل الناصب للمفعول به جوازا ووجوبا]

- ‌[مواضع حذف المفعول ومواضع ذكره]

- ‌[تعدي الفعل بالهمزة والتضعيف]

- ‌الباب الثاني والعشرون باب تنازع العالمين فصاعدا معمولا واحدا

- ‌[تعريف التنازع - العامل في المتنازع فيه]

- ‌[خلاف البصريين والكوفيين في العامل]

- ‌[حكم ضمير المتنازع فيه من الإظهار أو الحذف]

- ‌[مسائل أربع في باب التنازع ختم بها الباب]

- ‌الباب الثالث والعشرون باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه

- ‌[تعريف المصدر - وأسماؤه وأصالته]

- ‌[المفعول المطلق: ناصبه - أنواعه - ما ينوب عنه]

- ‌[حذف عامل المفعول المطلق - جوازا ووجوبا - ومواضع ذلك]

- ‌[أحكام للمفعول المطلق المحذوف عامله وجوبا]

- ‌الباب الرابع والعشرون باب المفعول له

- ‌[تعريفه - ناصبه - أنواعه - وحكم كل نوع]

- ‌الباب الخامس والعشرون باب المفعول المسمّى ظرفا ومفعولا فيه

- ‌[تعريف الظرف - نوعاه]

- ‌[تقسيم ظرف الزمان إلى متصرف وغير متصرف]

- ‌[تقسيمات مختلفة لظرف الزمان وأمثلة لكلّ]

- ‌[حكم الظرف الواقع في جواب كم أو متى بالنسبة لحصول الفعل]

- ‌[أحكام إذ حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام إذا حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام مذ ومنذ حين تجيئان ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام الآن وبناؤه وإعرابه]

- ‌[أحكام قط وعوض]

- ‌[أحكام أمس من بنائه وإعرابه]

- ‌[الصالح للظرفية المكانية من أسماء الأمكنة]

- ‌[أحكام بعض الظروف المكانية مثل أسماء الجهات وحيث ولدن]

- ‌[التوسع في الظرف المتصرف]

- ‌الباب السادس والعشرون باب المفعول معه

- ‌[تعريفه وشرح التعريف]

- ‌[ناصب المفعول معه والآراء في ذلك]

- ‌[واو المفعول معه وحديث عنها]

- ‌[المفعول معه وحكم تقديمه]

- ‌[أقسام خمسة لما بعد الواو وحكم كل قسم]

- ‌[تعقيب على أقسام المفعول معه السابقة]

- ‌[أمثلة مختلفة في هذا الباب وما يجوز فيها]

- ‌[مسألتان في ختام هذا الباب]

الفصل: ‌[أحكام للمفعول المطلق المحذوف عامله وجوبا]

[أحكام للمفعول المطلق المحذوف عامله وجوبا]

قال ابن مالك: (فصل: المجعول بدلا من اللفظ بفعل مهمل مفرد كذفرا، وجائز الإفراد والإضافة كويله، ومضاف غير مثنّى كبله الشيء وبهله، ومثنّى كلبّيك وليس كلدى لبقاء يائه مضافا إلى الظّاهر، خلافا ليونس، وربّما أفرد مبنيّا على الكسر. وقد ينوب عن المصدر اللّازم إضمار ناصبه صفات كـ: عائذا بك، وهنيئا لك، وأقائما وقد قعد النّاس (1)، وأسماء أعيان كتربا وجندلا، وفاها لفيك، وأأعور وذا ناب؛ والأصحّ كون الأسماء مفعولات والصّفات أحوالا).

قال ناظر الجيش: اعلم أن صدر هذا الفصل إلى قوله: (وربما أفرد [2/ 388] مبنيّا على الكسر) قد تضمن كلام المصنف المتقدم شرحه مستوعبا، وأما قوله: وقد ينوب عن المصدر اللازم إضمار ناصبه إلى آخر الفصل، فقال المصنف في شرحه (2): الأصل في الدعاء والإنشاء والتوبيخ والاستفهام أن يكون الفعل، وكثرت نيابة المصدر عنه في ذلك، لقوّة دلالته عليه نحو: معاذ الله، وغفرانك، و:

1488 -

أذلّا إذا شبّ العدى نار حربهم (3)

وقعودا يعلم الله وقد سار الركب، وقد يقوم مقام المصدر صفات مقصودا بها الحالية على سبيل التوكيد نحو: عائذا بالله من شرها، وهنيئا لك، وأقاعدا وقد سار الركب، وقائما علم الله وقد قعد الناس، فوقعت الصفات في مواقع المصادر، لتضمنها إياها (4)، وجعلت أحوالا مؤكدة لعواملها المقدرة استغني بها عن المؤكد كما استغني بالمصادر، ولا يستبعد كون الحال مؤكدة لعاملها مع كونه -

(1) زاد في التسهيل بعد ذلك (ص 89): «وأقاعدا وقد سار الركب، وقائما قد علم الله وقد قعد الناس» .

(2)

انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 192).

(3)

تقدم ذكره. وهو صدر بيت من بحر الطويل لقائل مجهول وعجزه:

وزهوا إذا ما يجنحون إلى السلم

وهو في: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 187)، وفي الهمع (1/ 192)، والدرر (1/ 165).

(4)

ينظر: الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 240 - 241) تحقيق موسى العليلي، والمباحث الكاملية (ص 941، 942)، والأجوبة المرضية (ص 217).

ص: 1869

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من لفظها، فإن ذلك واقع في أفصح الكلام كقوله تعالى: وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا (1)، وقوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ (2). ومن نيابة الحال في الإنشاء قول عبد الله بن الحارث السهمي رضي الله عنه (3):

1489 -

ألحق عذابك بالقوم الّذين طغوا

وعائذا بك أن يعلوا فيطغوني (4)

أراد: وأعوذ عائذا بك، فحذف الفعل وأقام الحال كما كان يفعل بالمصدر، لو قال: عياذا بك؛ ومن نيابتها في التوبيخ قول الآخر:

1490 -

أراك جمعت مسألة وحرصا

وعند الحقّ زحّارا أنانا (5)

الأنان: الأنين، والعامل فيه (زحّارا)؛ لأن (زحر) قريب المعنى من أنّ.

ومن نيابة الحال في الاستفهام قول الذبياني:

1491 -

أتاركة تدلّلها قطام

وضنّا بالتّحيّة والكلام (6)

فهذا كقولك: قائما زيد وقد قعد الناس، وقد حمل المبرد: عائذا بك وأقائما -

(1) سورة النساء: 79.

(2)

سورة النحل: 12.

(3)

صحابي جليل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4)

البيت من البسيط وهو: في الكتاب (1/ 342)، وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 381)، والمباحث الكاملية (942)، وابن يعيش (1/ 123)، وشرح التسهيل للمصنف (1/ 193)، والروض الأنف (2/ 83)، والتذييل (3/ 249، 809)، واللسان «عوذ» .

والشاهد في قوله: «وعائذا بك» ؛ حيث أقيم اسم الفاعل مقام المصدر المضمر عامله وجوبا في غير الاستفهام.

(5)

البيت من الوافر، وهو في الكتاب (1/ 342) وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 204) برواية (فكيف) مكان (أراك) وينظر أيضا: المخصص (2/ 141)، والمقرب (1/ 258)، والتذييل (3/ 809)، واللسان «أنن» ، وإصلاح المنطق (123).

اللغة: المسألة: سؤال الناس. زحارا: هو من الزحير والزحار، وهو إخراج الصوت أو النفس بأنين عند عمل أو شدة. الأنان: الأنين.

والشاهد في قوله: «زحارا أنانا» ؛ حيث وقع حالا محذوف العامل وجوبا؛ لأنه بدل من اللفظ بالفعل في التوبيخ.

(6)

البيت من الوافر، وهو مطلع قصيدة للنابغة الذبياني يمدح فيها عمرو بن هند وينظر في: الأمالي الشجرية (2/ 115)، وابن يعيش (4/ 64)، وابن القواس (ص 791)، والتذييل (3/ 249، 809)، وديوان النابغة (ص 111) طبعة بيروت.

والشاهد في قوله: «أتاركة» ؛ حيث نصب بفعل مضمر، وهو قائم مقام المصدر، مسند إلى ظاهر وهو قطام.

ص: 1870

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد سار الركب ونحوهما - على أنها مصادر، وجاءت على وزن فاعل كقولهم:

فلج به فالجا، وما ذهب إليه غير صحيح (1)؛ لأنه يوافقنا على أن عائذا وقاعدا ونحوه لا يدل على المصدرية في غير الأمثلة التي ادعى فيها المصدرية؛ فدلالتها عليها في هذه الأمكنة اشتراك ومخالفة للاستعمال المجمع عليه فلا تقبل بمجرد الدعوى، ولو سلم الاشتراك لكانت المصدرية مرجوحة في الصفات المشار إليها؛ لأن استعمالها في غير المصدرية أكثر من استعمالها في المصدرية عند من يرى صلاحيتها؛ فكان الحكم بعدم مصدريتها أولى، ومما يدل على أن عائذا وقاعدا ونحوهما ليست مصادر في الأمكنة [2/ 389] المذكورة امتناع مجيئها في الأمكنة المختصة للمصدرية نحو: قعدت قعودا طويلا، وقعدت قعود خاشع، والقعود المعروف؛ فلو جعلت قاعدا في أحد هذه الأمكنة لم يجز، فدل ذلك على انتفاء مصدريته وبثبوت حاليته، ولذلك لا يجيء هذا النوع إلا نكرة، ولو كان مصدرا لجاز وقوعه معرفة، كما جاز تعريف المصدر، قال سيبويه: ومن العرب من ينصب بالألف واللام، من ذلك: الحمد لله، فنصبها عامة بني تميم، وناس من العرب كثير، وسمعنا العرب الموثوق بهم يقولون: العجب لك (2)، قلت: فعلى هذا لو قيل: العياذ بك على موضع عياذا بك لجاز، ولو عرف عائذ من قولهم: عائذا بك -

(1) تبع أبو حيان المصنف في هذه المسألة حيث نسب إلى المبرد هذا الرأي الذي نسبه المصنف إليه هنا، وقد رد محقق الجزء الثالث من كتاب التذييل على أبي حيان هذا الرأي، فقال: ما هو مصرح به هنا خلاف ما جاء في المقتضب، وعبارة المقتضب هي: وإن شئت وضعت اسم الفاعل في موضع المصدر، فقلت: أقائما وقد قعد الناس، فإنما جاز ذلك لأنه حال، والتقدير: أثبت قائما، فهذا يدلك على هذا المعنى. اه. المقتضب (3/ 229) وينظر: التذييل (3/ 248) هـ 3 وقد علق الشيخ عضيمة على هذه المسألة، فأورد نص سيبويه فيها، ثم قال: ومن هنا يتبين لنا أن سيبويه والمبرد على وفاق في أن نحو: أقائما وقد قعد الناس حال حذف عاملها، والخلاف بينهما في تقدير العامل؛ فسيبويه يقدر العامل من لفظ الوصف أي أتقوم قياما، والمبرد يقدر العامل: أتثبت، وفي تعليق السيرافي: قال المبرد: والقول عندي ما قاله سيبويه؛ لأنه قد تكون الحال توكيدا، كما يكون المصدر توكيدا، والرضي في شرح الكافية ينسب إلى سيبويه والمبرد أن الوصف عندهما مفعول مطلق والصفة قائمة مقام المصدر، والسيوطي ينسب إلى المبرد أن الوصف مصدر جاء على وزن فاعل. اه. المقتضب (3/ 229). اه.

وينظر المسألة في: الهمع (1/ 193 - 194)، وشرح الكافية للرضي (1/ 196)، وابن يعيش (1/ 123) والكتاب (1/ 340)، والمباحث الكاملية (ص 942).

(2)

الكتاب (1/ 329، 330).

ص: 1871

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لم يجز، فدل ذلك على أنه حال لا مصدر، وفي بعض ما ذكرته كفاية والحمد لله.

وكما استغنوا عن الفعل في هذه المواضع بالحال استغنوا في بعضها بالمفعول به كقولهم: تربا له وجندلا على تقدير: ألزمه الله وأطعمه، وكلا التقديرين قول سيبويه (1)، ومثله قولهم: فاها لفيك، والضمير ضمير الداهية، ومنه قول الشاعر (2):

1492 -

تحسّب هوّاس وأقبل أنّني

بها مفتد من واحد لا أغامره

فقلت له: فاها لفيك فإنّها

قلوص امرئ قاريك ما أنت حاذره (3)

ومن حكم بالمصدرية على هذه الأسماء، فليس بمصيب، ولو نال من الشهرة أوفر نصيب، لكن الموضع بالأصالة للفعل، ثم للمصدر، ثم للحال، ثم للمفعول به، فمن قال: تربا لك وجندلا، فكأنه قال: تربت وجندلت، ومن قال: فاها لفيك، فكأنه قال: دهيت، فلو روعي في النّيابة الدرجة الأولى لقيل: تربا لك، وجندلة، ودهيا، ولو روعيت الدرجة الثانية لقيل: متروبا ومجندلا ومدهيا؛ لكنهم راعوا الدرجة الثالثة فجيء بأسماء الأعيان، ومن نيابة المفعول به عن فعل الإنكار قول رجل من بني أسد: يا بني أسد أأعور وذا ناب؟! (4) يريد: أتستقبلون أعور وذا ناب، وذلك في يوم التقى فيه بنو أسد وبنو عامر، فرأى بعض الأسديين بعيرا أعور، فتطير وقال لقومه هذا الكلام، فقضي أن قومه هزموا وقتل منهم. انتهى كلام المصنف (5). -

(1) ينظر: الكتاب (1/ 314).

(2)

هو أبو سدرة الأسدي أو الهجيمي وقيل: إنه لرجل من بني الهجيم، ينظر: اللسان «حسب» ، والخزانة (1/ 280).

(3)

البيتان من الطويل وهما في: الكتاب (1/ 316)، وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 261)، ونوادر أبي زيد (ص 505، 506)، والمخصص (12/ 185)، والمستقصي (2/ 179)، والتذييل (3/ 254)، وابن يعيش (1/ 122)، والخزانة (1/ 279)، واللسان «حسب - فوه» .

اللغة: قاريك ما أنت حاذره: أي لا أقري لك إلا السيف.

والشاهد فيه: نصب «فاها» في البيت الثاني بفعل مضمر تقديره: ألصق الله، أو جعل الله فاها لفيك، ووضع موضع (دهاك الله) فنصب؛ لأنه بدل من اللفظ بالفعل.

(4)

سبق تخريج هذا المثل وهو في: الكتاب (1/ 343)، واللسان «عور» .

(5)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 195).

ص: 1872

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وها هنا أمور ننبه عليها منها:

1 -

أن الفعل الموافق (هنيئا) في الاشتقاق كهنأ، يقال: هنأني الطعام أي ساغ لي وطاب، واسم الفاعل هانئ، وهنيء عدل من هانئ إليه للمبالغة، وأجازوا أن يكون من هنؤ الطعام إذا ساغ كما يقال: ظرف فهو ظريف، قالوا: وكذلك (مريئا) يحتمل أن يكون من هنأني الطعام ومرأني، ومن هنؤ الطعام ومرؤ، ثم إذا لم يذكر هنأني يقال:

أمرأني رباعيّا، واستعمل مع هنأني [2/ 390] ثلاثيّا طلبا للتشاكل، والمريء ما ينساغ في الحلق (1)، وإذ قد عرف اشتقاق هاتين الكلمتين، فاعلم أن سيبويه قال:

هنيئا مرئيا صفتان نصبوهما نصب المصادر المدعو بها بالفعل غير المستعمل إظهاره المختزل للدلالة التي في الكلام عليه، كأنهم قالوا: ثبت ذلك هنيئا مريئا (2). انتهى.

ومريئا تابع لهنيئا، وقال الزمخشري: إن انتصاب هنيئا مريئا في قوله تعالى: فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (3) على أنه نعت لمصدر محذوف أي: فكلوه أكلا هنيئا، أو على أنه حال من ضمير المفعول (4). قال الشيخ: وهو قول مخالف لقول أئمة العربية سيبويه وغيره، فعلى ما قاله أئمة العربية يكون هنيئا مريئا من جملة أخرى غير (فكلوه)، ولا تعلق له به من حيث الإعراب، بل من حيث المعنى (5). انتهى.

وكان الزمخشري يقول: إن هنيئا له استعمالان:

أحدهما: أن لا يقصد به الدعاء، فيستعمل مكملا به كلام تقدمه، وحينئذ يكون معمولا للعامل الكائن في ذلك الكلام، وعلى ذلك جاء قوله تعالى: فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ومن ثم أعرب نعتا لمصدر محذوف، أو حالا.

ثانيهما: أن يقصد به الدعاء، فيؤتى به في ابتداء الكلام (6)، وذلك بأن يقول -

(1) ينظر: اللسان مادة «مرأ وهنأ» وشرح المفصل لابن الحاجب (1/ 240) وإصلاح المنطق (352)، والإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني للفارسي (ص 615)، والمباحث الكاملية (ص 941) والتذييل (3/ 250).

(2)

الكتاب (1/ 316، 317) بتصرف يسير.

(3)

سورة النساء: 4.

(4)

الكشاف (1/ 160).

(5)

التذييل (3/ 250).

(6)

الكشاف (1/ 160).

ص: 1873

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إنسان: أكلت أو شربت، فتقول له هنيئا مريئا، وهذا هو الذي يجب إضمار عامله، وهو الذي قصده سيبويه، إلا أن

يقال: ليس من شأن الطعام أن يكون هنيئا مريئا بنفسه، وإنما ذلك من فعل الله تعالى، وإذا كان كذلك تعين أن يكون هنيئا مريئا دعاء، وإذا كان دعاء تعين أن يكون له عامل غير ما هو له مذكور في الكلام، وهو ما أشار إليه سيبويه بقوله: كأنهم قالوا: نبت ذلك هنيئا مريئا (1).

ثم قال الشيخ: وجماع القول في (هنيئا) أنها حال قائمة مقام الفعل الناصب لها، فإذا قيل: إن فلانا أصاب خبزا، فقلت: هنيئا له ذلك، فالأصل ثبت له ذلك هنيئا فحذف ثبت وأقيم هنيئا مقامه.

واختلفوا حينئذ فيما يرفع به ذلك فقال السيرافي: إنه مرفوع بذلك الفعل الذي هو ثبت وهنيئا حال من ذلك، وفي هنيئا ضمير يعود على ذلك، وإذا قلت (هنيئا) ولم تقل ذلك بل اقتصرت على (هنيئا) ففيه ضمير مستتر يعود على ذي الحال وهو ضمير الفاعل الذي استتر في ثبت المحذوف (2)، وذهب الفارسي إلى أن (ذلك) مرفوع بقولك (هنيئا) القائم مقام الفعل المحذوف؛ لأنه صار عوضا منه، ولا يكون في هنيئا ضمير، لأنه قد رفع الظاهر أعني اسم الإشارة، وإذا قلت (هنيئا) دون (ذلك) ففيه ضمير فاعل بها وهو الضمير الذي كان فاعلا لثبت، ويكون (هنيئا) قد قام مقام الفعل المختزل مفرغا من الفاعل، قال: وإذا أتبعت (هنيئا) بقولك (مريئا) ففي نصب (مريئا) خلاف:

قال بعضهم (3): إنه صفة لقولك: (هنيئا)، وقال الفارسي (4): إن انتصابه [2/ 391] انتصاب (هنيئا) فالتقدير عنده ثبت (مريئا). ولا يجوز عنده أن يكون صفة لقولك: (هنيئا) من جهة أن حكم (هنيئا) حكم الفعل لنيابته عنه، والفعل لا يوصف (5). انتهى. ولا يخفى ضعف هذا التعليل، وليعلم أن سيبويه أجاز أن يكون الفعل المقدر الناصب لهنيئا هنأ، مع إجازته تقدير ثبت، والتقدير: هنأه ذلك -

(1) الكتاب (1/ 317).

(2)

شرح السيرافي للكتاب (3/ 86، 87).

(3)

هو أبو الحسن الحوفي كما في التذييل (3/ 251).

(4)

المسائل الشيرازيات (ص 342، 343)، وينظر: الارتشاف (ص 550).

(5)

التذييل (3/ 251).

ص: 1874

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هنيئا (1) قال بعض النحاة: وتقدير ثبت أولى، لكون الحال فيه مبينة، وإن قدر (هنأ) كانت الحال مؤكدة (2).

2 -

ومنها: أن سيبويه رحمه الله تعالى: بعد أن ذكر تربا وجندلا قال:

واختزل الفعل هنا؛ لأنهم جعلوه بدلا من قولك: تربت يداك (3)؛ فقد يتوهم من كلامه أن تربت هو الناصب لتربا، وليس مراده ذلك، بل مراده أنه لا يقال تربا إلا في المعنى الذي يقال فيه:(تربت يداك)، ثم إن تربا لما حل محل المصدر الذي اختزل فعله، وكان المصدر يجوز أن يعدل به من النصب إلى الرفع مع إرادة معنى النصب، جاز أن يعامل (تربا) هذه المعاملة، ومنه قول الشاعر:

1493 -

لقد ألّب الواشون ألبا بجمعهم

فترب لأفواه الوشاة وجندل (4)

فرفع وهو يريد ما يراد بالمنصوب من الدعاء، لكنهم نصوا على أن الرفع لا ينقاس في أسماء الأعيان التي يراد بها الدعاء لو قلت:(فوها لفيك) على قصد الدعاء لم يجز، قالوا: ولا يجوز تعريفها باللام، لأن الدعاء بالاسم قليل واللام -

(1) الكتاب (1/ 317).

(2)

في التذييل (3/ 253): «قال بعض أصحابنا: ونصبه بثبت أولى لكون الحال فيه مبينة، وإن نصب (بهنأ) كان (هنيئا) حالا مؤكدة» اه.

وينظر في هذه المسألة وفي اختلاف النحاة في الفعل المقدر الناصب لـ (هنيئا): المقرب (1/ 257) حيث ذكر ابن عصفور أن الفعل المقدر الناصب لهنيئا من لفظها، وهي حال مؤكدة. وقدر ابن يعيش الفعل الناصب لهنيئا هو (ثبت) حيث قال: وانتصابهما بفعل مقدر تقديره: ثبت لك ذلك هنيئا مريئا، فتكون حقيقة نصبه على الحال. اه. ابن يعيش (1/ 122).

وأجاز ابن هشام التقديرين دون ترجيح لأحدهما على الآخر. ينظر: الأشموني (2/ 193)، والتصريح (1/ 393).

وذكر ابن الشجري أن أبا الفتح ابن جني يقدر الفعل (ثبت)، ينظر: الأمالي الشجرية (1/ 162 - 165).

وينظر في المسألة أيضا: الأجوبة المرضية للراعي الأندلسي (ص 217)، وحاشية الخضري (1/ 221).

(3)

الكتاب (1/ 314، 315).

(4)

البيت من الطويل لقائل مجهول، وهو في: الكتاب (1/ 315)، والمقتضب (3/ 222)، وابن يعيش (1/ 122)، والمخصص (12/ 185)، والتذييل (3/ 254)، والغرة المخفية (ص 267)، وابن القواس (ص 331)، والهمع (1/ 194)، والدرر (1/ 166) الشطر الثاني فقط. وقد ذكر الشنقيطي أنه لم يعثر للبيت على تتمة.

والشاهد فيه: رفع (ترب) و (جندل) على الابتداء، والخبر هو الجار والمجرور.

ص: 1875

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للاسم الذي لم يوضع موضع الفعل (1)، لكن نقل الشيخ عن البسيط أن فيه:

وقد أدخلوا هنا اللام كما فعلوا في المصدر رفعا ونصبا، فقالوا: الترب له والترب له (2). انتهى.

وقال سيبويه - في أأعور وذا ناب -: ولو قال: أأعور وذو ناب كان مصيبا يعني أنه يرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر، التقدير: أمستقبلكم أو استقبالكم، ويكون إضمار ذلك المبتدأ واجبا، فلا يجوز إظهاره، كما أن الناصب لأعور كان كذلك (3).

3 -

ومنها: أنه قد فهم من قول المصنف ومن حكم على هذه الأسماء - يعني تربا وجندلا، ونحوهما - بالمصدرية فليس بمصيب أنه كما قيل بمصدرية عائذا بك ونحوه قيل بمصدرية تربا وجندلا، وما كان نحوهما، لكن المصنف ذكر أن القائل بمصدرية نحو عائذا بك هو المبرد، وأما القائل بمصدرية نحو تربا وجندلا، فلم يذكره، وقد قال الشيخ: وذهب الأستاذ أبو علي وغيره إلى أن تربا وجندلا ينتصب كنصب المصادر؛ لأنها وإن كانت جواهر فقد وضعت موضع المصادر، لأن هذا المعنى كثر فيها، قال: ولذلك قدرها سيبويه بألزمك الله أو أطعمك الله (4)، ثم قال: لأنهم جعلوه بدلا من تربت يداك؛ فالأول هو التقدير الأصلي، والثاني هو الطارئ الذي قلناه، وكذلك قدر في جندلا فعلا من لفظه ينتصب عليه، ولذلك تدخل فيه اللام، فتقول: تربا لك [3/ 392] كما تقول سقيا لك، وقصته قصته (5). انتهى.

ولم أفهم من هذا الكلام مقصودا، ثم ذكر الشيخ في:(أأعور وذا ناب) كلاما من نسبة هذا الكلام عن ابن عصفور (6)، وأتبعه بأن المصنف خلط، حيث جمع -

(1) هذا القول الذي ذكره ناظر الجيش هنا هو قول أبي حيان في التذييل (3/ 254) وينظر: الهمع (1/ 194).

(2)

التذييل (3/ 254).

(3)

الكتاب (1/ 346) بتصرف. وينظر أيضا: الكتاب (1/ 343).

(4)

ينظر: الكتاب (1/ 314).

(5)

التذييل (3/ 255، 256).

(6)

الذي ذكره أبو حيان في التذييل عن ابن عصفور هو: «وقال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور: قول سيبويه: أتستقبلون أعور؟ مشكل؛ لأن الأسماء التي ذكرت في هذا الباب أحوال مبنية» اه. التذييل (3/ 256) وينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 336).

ص: 1876

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بين تربا وجندلا، وفاها لفيك، وبين أأعور وذا ناب، وذكر أن سيبويه لم يفعل ذلك، بل أفرد الثلاثة الأول بباب، وذكر أأعور وذا ناب في باب آخر (1)، ولم يتحصل لي من ذلك كله شيء، ومن ثم يظهر فضل المصنف، فقد

أفصح عن المقصود، وأبان المطلوب بأفصح عبارة وأوضح إشارة، فرحمه الله تعالى ورحمنا، ورحمهم أجمعين بمنّه وكرمه، إنه وليّ الإجابة.

* * *

(1) التذييل (3/ 256).

ص: 1877