الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أحكام أمس من بنائه وإعرابه]
قال ابن مالك: (ومنها أمس مبنيّا على الكسر بلا استثناء عند الحجازيّين وباستثناء المرفوع ممنوع الصّرف عند التّميميين، ومنهم من يجعل كالمرفوع غيره، وليس بناؤه على الفتح لغة خلافا للزّجاجيّ، فإن نكّر أو أضيف أو قارن الألف واللّام أعرب باتفاق، وربما بني المقارن لهما).
ــ
بكثرة الاستعمال، ومن بناه على الكسر راعى أصل التقاء الساكنين ولم يلتفت إلى توهم الجر؛ لأن الكسرة لا تكون علامة جر إلا مع تنوين أو إضافة أو ألف ولام، ولا واحد منها في «قط» فلا إيهام، ومن قال «قط» بالضم والتخفيف فمخفف ناو للتضعيف، فلذلك استصحب ما كان معه من الحركة، ومن قال: قط بالتسكين خفف ولم ينو التضعيف فعامله معاملة «منذ» إذ قيل فيه «مذ» (1).
وبني «عوض» لأنه مثل قط فيما نسب إليه مما سوى الصلاحية لأن يضاف ويضاف إليه، وبني على حركة لئلا يلتقي ساكنان، ومن ضمّ فحملا على «بعد» أو لتحرك آخره بحركة تجانس ما قبله، ومن فتح كره اجتماع مستثقلين الضمة والواو، ومن كسر راعى أصل التقاء الساكنين، وأعرب حين يضاف أو يضاف إليه؛ لأنه عومل بما لم يعامل [2/ 449] مقابله مما هو خاص بالأسماء (2) فاستحق مزية عليه (3).
قال ناظر الجيش: قال المصنف (4): إذا قصد «بأمس» اليوم الذي وليه اليوم الذي أنت فيه بناه الحجازيون في موضع الرفع والنصب والجر على الكسر لتضمنه معنى الألف واللام، ولشبهه بضمير الغائب في التعريف بغير أداة ظاهرة، وكون حضور مسماه مانعا من إطلاق لفظه عليه، ولشبهه «بغاق وحوب» في الانفراد بمادة مع التوافق في الوزن، ووافق فيه الحجازيون أكثر التميميين في موضعي النصب والجر، وأعربوه في موضع الرفع غير منصرف للتعريف والعدل عن الألف واللام -
(1) ينظر: التذييل (3/ 364، 367).
(2)
ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (4/ 108)، وشرح الرضي (2/ 124)، والتذييل (3/ 367).
(3)
شرح التسهيل للمصنف (2/ 222).
(4)
شرح التسهيل للمصنف (2/ 223).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيقولون: مضى أمس بما فيه، وكان ذلك أمس وأول من أمس، فيتفقون في موضعي النصب والجر ويختلفون
في موضع الرفع (1).
ومن لغة الحجازيين قول الشاعر (2): -
1564 -
اليوم أعلم ما يجيء به
…
ومضى بفصل قضائه أمس (3)
ومن لغة تميم قول الآخر: -
1565 -
اعتصم بالرّجاء إن عزّ بأس
…
وتناس الّذي تضمّن أمس (4)
ومن بني تميم من يسوي المجرور والمنصوب بالمرفوع في الإعراب ومنع الصرف، وعليه قول الراجز: -
1566 -
لقد رأيت عجبا مذ أمسا
…
عجائزا مثل السّعالي خمسا (5)
-
(1) ينظر: شرح الجمل لابن بابشاذ (2/ 113)، والمطالع السعيدة (ص 328)، والهمع (1/ 208، 209)، والظروف المفردة والمركبة (190، 191).
(2)
هو أسقف نجران أو تبع بن الأقرن أو روح بن زنباع.
(3)
البيت من الكامل وهو في: أمالي القالي (3/ 29)، والروض الأنف للسهيلي (1/ 24)، والتذييل (3/ 370، 375)، والعيني (4/ 373)، والشذور (ص 137)، والهمع (1/ 209)، والدرر (1/ 175)، والتصريح (2/ 226)، واللسان «أمس» .
والشاهد فيه: بناء «أمس» على الكسر وهو في محل رفع، وهذا مذهب البصريين.
(4)
البيت من الخفيف لقائل مجهول وهو: في التذييل (3/ 371)، وشرح التسهيل للمرادي، والعيني (4/ 372)، والتصريح (2/ 226)، والهمع (1/ 209)، والدرر (1/ 175)، والأشموني (3/ 268).
اللغة: عز: أي غلب، ويروى عن بمعنى عوض. وتناس: أمر من التناسي، وهو أن يرى من نفسه أنه نسيه.
والشاهد: في «أمس» ؛ حيث أعرب حالة الرفع إعراب ما لا ينصرف على لغة بني تميم.
(5)
الرجز للعجاج وهو في: الكتاب (3/ 285)، ونوادر أبي زيد (ص 257)، وتعليق الفرائد (ص 1604)، والتذييل (3/ 372)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (2/ 114)، والأمالي الشجرية (2/ 260)، وابن يعيش (4/ 106، 107)، والخزانة (3/ 219)، والعيني (4/ 357)، وشذور الذهب (ص 137)، والتصريح (2/ 226)، والهمع (1/ 209)، والدرر (1/ 175).
اللغة: السعالي: جمع سعلاة وهي الغول، وقيل: ساحرة الجن، ويروى:(الأفاعي) مكان (السعالي) و (قسعا) مكان (خمسا).
والشاهد فيه: إعراب (أمس) إعراب ما لا ينصرف حالة الجر عند بعض بني تميم الذين يقولون بإعرابه غير منصرف مطلقا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وزعم أبو القاسم الزجاجي أن من العرب من يبني أمس على الفتح واستشهد بهذا الرجز (1)، ومدعاه غير صحيح، لامتناع الفتح في موضع الرفع، ولأن سيبويه استشهد بالرجز على أن الفتحة في «مذ أمسا» فتحة إعراب (2) وأبو القاسم لم يأخذ البيت من غير كتاب سيبويه، فقد غلط فيما ذهب إليه واستحق أن لا يعول عليه.
وإذا نكر «أمس» أو أضيف أو قارن الألف واللام أعرب بلا خلاف لزوال سبب البناء، أعني تضمن معنى حرف التعريف، وشبه الضمير من الوجه المذكور (3)، ومن العرب من يستصحب البناء مع مقارنة الألف واللام كقول الشاعر: -
1567 -
وإني وقفت اليوم والأمس قبله
…
ببابك حتّى كادت الشّمس تغرب (4)
فكسر السين وهو في موضع نصب، والوجه فيه أن يكون زاد الألف واللام لغير تعريف واستصحب تضمين معنى المعرفة واستدام البناء، أو تكون هي المعرفة وقد زال البناء لزوال التضمين ومشابهة ضمير الغائب، فتكون الكسرة كسرة إعراب على تقدير ياء حذفت، وبقي عملها كما حذفت «من» وبقي عملها في رواية من روى: -
1568 -
ألا رجل جزاه الله خيرا (5)
وكما حذفت «إلى» وبقي عملها في قول الآخر: - -
(1) ينظر: الجمل للزجاجي (ص 291)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (2/ 113، 114).
(2)
ينظر: الكتاب (3/ 284، 285).
(3)
ينظر: شرح الجمل لابن بابشاذ (2/ 113).
(4)
البيت من الطويل وهو لنصيب يمدح سليمان بن عبد الملك. وهو في معاني القرآن للفراء (1/ 467)، والخصائص (1/ 394)، (3/ 57)، والمحتسب (2/ 190)، والإنصاف (1/ 320)، والأمالي الشجرية (2/ 260)، والبحر المحيط (7/ 110)، والارتشاف (ص 575)، والتذييل (3/ 376، 377)، وتعليق الفرائد (ص 1605)، والهمع (1/ 209)، والدرر (1/ 175)، وديوان نصيب (ص 62) واللسان مادة «أمس» .
ويروى البيت برواية (وإني قويت .... وإني حبست) مكان (وإني وقفت).
والشاهد فيه: بناء «أمس» على الكسر معرفا بأل.
(5)
شطر بيت من بحر الوافر نسب في بعض مراجعه لعمرو بن قنعاس، وهو صدر وعجزه قوله:
يدل على محصلة تبيت
وشاهده: جر رجل بمن مقدرة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
1569 -
إذا قيل أيّ النّاس شرّ قبيلة
…
أشارت كليب بالأكفّ الأصابع (1)
أراد: إلى كليب فحذف [2/ 450] وأبقى العمل. انتهى كلام المصنف (2)، وعرف منه أنه لا فرق في «أمس» بين أن تستعمل ظرفا أو غير ظرف بالنسبة إلى ما حكاه من لغتي الحجازيين والتميميين، لكن كلام ابن عصفور يقتضي التفرقة بين الاستعمالين، فإن كان ظرفا كان مبنيّا على الكسر، وإن كان غير ظرف كان فيه اللغتان (3)، وتبع الشيخ ابن عصفور في ذلك فلم يذكر فيه اللغتين إلا حال استعماله غير ظرف (4)، ثم إن المصنف ذكر في شرح الكافية أن «أمس» إذا صغر أعرب باتفاق كما الحال فيه إذا نكر أو أضيف أو قارنته الألف واللام (5) فاعترض الشيخ عليه بأن قال: قد خالف سيبويه فإنه نص على أن «أمس» لا يصغر (6)، وأقول:
كما اعترض الشيخ على المصنف في ذلك كان الواجب أن يعترض على ابن عصفور أيضا؛ فإنه حين استثنى المنكر والمضاف والمقارن للألف واللام استثنى المصغر أيضا، والمجموع كأموس، وآمس (7)، والعذر للمصنف في ذكر المصغر أن جماعة من النحويين أجازوا تصغيره، وقد نقل الشيخ أنه مذهب المبرد (8) فكان المصنف مشى في شرح الكافية على قول المجيز للتصغير، وأما في التسهيل فعول على مذهب سيبويه، فلهذا لم يتعرض إلى ذلك، وقد أطال الشيخ الكلام في سبب بناء «أمس» (9) والتعرض إلى إيراد ذلك لا يجدي طائلا فتركته.
(1) البيت من بحر الطويل، وهو للفرزدق، وشاهده: حذف حرف الجر شذوذا وإبقاء عمله في قوله:
أشارت كليب، وقد سبق الاستشهاد بهذا البيت في باب تعدي الفعل ولزومه.
(2)
شرح التسهيل للمصنف (2/ 224).
(3)
ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 320).
(4)
ينظر: التذييل: (3/ 370).
(5)
شرح الكافية الشافية لابن مالك (3/ 1482) ونصه فيه: ولا خلاف في إعراب أمس إذا أضيف، أو لفظ معه بالألف واللام أو نكر أو صغر أو كسر.
(6)
التذييل (3/ 375).
(7)
ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 321).
(8)
ينظر: التذييل (3/ 375).
(9)
ينظر: التذييل (3/ 368، 369) ومما ذكره أبو حيان هناك أن قوما منهم الكسائي يزعمون أن (أمس) ليس مبنيّا ولا معربا، بل هو محكي سمي بفعل الأمر من المساء كما لو سمي بأصبح من الصباح. اه.