المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[جواز الرفع والنصب على السواء في المشغول عنه] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٤

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن عشر باب الفاعل

- ‌[تعريفه]

- ‌[من أحكام الفاعل: الرفع وتقديم الفعل]

- ‌[من أحكام الفاعل: تأنيث الفعل وجوبا وجوازا]

- ‌[من أحكام الفاعل: ألا تلحقه علامة تثنية أو جمع]

- ‌[من أحكام الفاعل: جواز حذف الفعل]

- ‌الباب التاسع عشر باب النّائب عن الفاعل

- ‌[أغراض حذف الفاعل - ما ينوب عنه]

- ‌[جواز نيابة غير المفعول مع وجود المفعول]

- ‌[جواز نيابة أي المفعولين]

- ‌[بعض المنصوبات لا تجوز إنابتها]

- ‌[التغييرات التي تحدث في الفعل عند بنائه للمجهول]

- ‌[أحكام تأخير المفعول عن الفاعل وتقديمه عليه]

- ‌الباب العشرون باب اشتغال العامل عن الاسم السّابق بضميره أو ملابسه

- ‌[مواضع نصب المشغول عنه وجوبا]

- ‌[مواضع ترجيح النصب في المشغول عنه]

- ‌[جواز الرفع والنصب على السواء في المشغول عنه]

- ‌[مسألتان اختلف فيهما النحاة أيهما أرجح]

- ‌[ترجح رفع الاسم على الابتداء]

- ‌[أنواع ملابسة الضمير للمشغول عنه]

- ‌[مسألة يترجح فيها الرفع]

- ‌[رفع الاسم المشغول عنه وأحكامه في ذلك]

- ‌[مسألة أخيرة في باب الاشتغال]

- ‌الباب الحادي والعشرون باب تعدي الفعل ولزومه

- ‌[تقسيم الفعل إلى متعدّ ولازم - إجراء اللازم مجرى المتعدي]

- ‌[نوعا المتعدي: متعد إلى واحد - متعد إلى اثنين]

- ‌[مسائل تأخير المفعول وجوبا وتقديمه وجوبا وجواز الأمرين]

- ‌[حذف العامل الناصب للمفعول به جوازا ووجوبا]

- ‌[مواضع حذف المفعول ومواضع ذكره]

- ‌[تعدي الفعل بالهمزة والتضعيف]

- ‌الباب الثاني والعشرون باب تنازع العالمين فصاعدا معمولا واحدا

- ‌[تعريف التنازع - العامل في المتنازع فيه]

- ‌[خلاف البصريين والكوفيين في العامل]

- ‌[حكم ضمير المتنازع فيه من الإظهار أو الحذف]

- ‌[مسائل أربع في باب التنازع ختم بها الباب]

- ‌الباب الثالث والعشرون باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه

- ‌[تعريف المصدر - وأسماؤه وأصالته]

- ‌[المفعول المطلق: ناصبه - أنواعه - ما ينوب عنه]

- ‌[حذف عامل المفعول المطلق - جوازا ووجوبا - ومواضع ذلك]

- ‌[أحكام للمفعول المطلق المحذوف عامله وجوبا]

- ‌الباب الرابع والعشرون باب المفعول له

- ‌[تعريفه - ناصبه - أنواعه - وحكم كل نوع]

- ‌الباب الخامس والعشرون باب المفعول المسمّى ظرفا ومفعولا فيه

- ‌[تعريف الظرف - نوعاه]

- ‌[تقسيم ظرف الزمان إلى متصرف وغير متصرف]

- ‌[تقسيمات مختلفة لظرف الزمان وأمثلة لكلّ]

- ‌[حكم الظرف الواقع في جواب كم أو متى بالنسبة لحصول الفعل]

- ‌[أحكام إذ حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام إذا حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام مذ ومنذ حين تجيئان ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام الآن وبناؤه وإعرابه]

- ‌[أحكام قط وعوض]

- ‌[أحكام أمس من بنائه وإعرابه]

- ‌[الصالح للظرفية المكانية من أسماء الأمكنة]

- ‌[أحكام بعض الظروف المكانية مثل أسماء الجهات وحيث ولدن]

- ‌[التوسع في الظرف المتصرف]

- ‌الباب السادس والعشرون باب المفعول معه

- ‌[تعريفه وشرح التعريف]

- ‌[ناصب المفعول معه والآراء في ذلك]

- ‌[واو المفعول معه وحديث عنها]

- ‌[المفعول معه وحكم تقديمه]

- ‌[أقسام خمسة لما بعد الواو وحكم كل قسم]

- ‌[تعقيب على أقسام المفعول معه السابقة]

- ‌[أمثلة مختلفة في هذا الباب وما يجوز فيها]

- ‌[مسألتان في ختام هذا الباب]

الفصل: ‌[جواز الرفع والنصب على السواء في المشغول عنه]

[جواز الرفع والنصب على السواء في المشغول عنه]

قال ابن مالك: (وإذا (1) ولي العاطف جملة ذات وجهين أي اسميّة الصّدر فعليّة العجز، استوى الرّفع والنصب مطلقا خلافا للأخفش ومن وافقه في ترجيح الرّفع إن لم يصلح جعل ما بعد العاطف خبرا، ولا أثر للعاطف إن وليه

«أمّا» ).

- عربي كثير (2)، يردّ قول من قال: إن النصب ضعيف (3)، وقال ابن الحاجب (4):

[وعند خوف لبس المفسر بالصفة مثل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (5)، وهي أيضا قرينة من قرائن النصب المختار، ووجهه أنه لو رفع لكان المعنى المقصود غير متعين بنفس الإخبار، ألا ترى أنه يجوز إذا رفعت أن يكون (خلقنه) خبرا فيفيد المعنى المقصود وصفه، فيفيد غير المقصود لأن التقدير معه: كل مخلوق لنا بقدر، وهو معنى غير المقصود، فكان النصب أولى لما فيه من البيان للنصوصية على المعنى المقصود؛ لأنك إذا نصبت، نصبت بفعل يفسره (خلقنه) فيكون التقدير: خلقنا كل شيء خلقناه بقدر؛ فيفيد العموم في المخلوقات وهو المعنى المقصود](6). اه.

قال ناظر الجيش: لمّا أنهى الكلام على أقسام ثلاثة شرع في القسم الرابع، وهو ما استوى فيه الأمران، أعني: الرفع والنصب.

قال المصنف (7): تسمى الجملة ذات وجهين إذا ابتدئت بمبتدأ، وختمت بمعمول -

- هنا أقوى من النصب، وإن كانت الجماعة على النصب، وذلك أنه من مواضع الابتداء، فهو كقولك: زيد ضربته، وهو مذهب صاحب الكتاب والجماعة». اه. وينظر: معاني القرآن للأخفش (ص 330، 331)، والبحر المحيط (8/ 183).

(1)

في (ب) ونسخة المتن: (وإن). ينظر: التسهيل (ص 81).

(2)

التذييل (3/ 33).

(3)

هو قول ابن خروف، وابن عصفور. ينظر: التذييل (3/ 33).

(4)

لم يذكر قول ابن الحاجب فهو ساقط من النسختين، وقد أشار إلى ذلك كاتب النسخة (ب)؛ حيث قال في الهامش: هنا بياض قدر سطرين. وما أثبته هنا من شرح ابن الحاجب على كافيتة (ص 257، 258).

(5)

سورة القمر: 49.

(6)

ما بين المعقوفين، وهو كلام ابن الحاجب ساقط من النسختين، وما أثبته من شرح الكافية لابن الحاجب (2/ 469)، تحقيق د/ جمال مخيمر.

(7)

انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 143).

ص: 1687

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فعل؛ لأنها اسمية من جهتها الأولى، فعلية من جهتها الأخرى، فإذا توسط عاطف بينهما وبين الاسم المشتغل عنه،

جاز رفعه ونصبه جوازا حسنا دون ترجيح؛ لأنه إذا رفع كان مبتدأ مخبرا عنه بجملة فعلية معطوفا على مبتدأ مخبر عنه بجملة فعلية، وإذا نصب كان معمول فعل معطوفا في [2/ 287] اللفظ على معمول فعل، فمع كل واحد من العملين مشاكلة توجد عدم المفاضلة، ولكل منهما ضعف وقوة، فضعف الرفع لترتبه على أبعد المتشاكلين، وقوته؛ لصلاحية الثاني فيه لأن يسد مسد الأول، وضعف النصب؛ لعدم صلاحية الثاني منه أن يسد مسد المحمول عليه، وقوته؛ لترتبه على أقرب المتشاكلين، فحصل بذلك تعادل في مراعاة التشاكل (1).

وشهد لحسن الوجهين قوله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ (2) قرأ الحرميان (3) وأبو عمرو بالرفع، والباقون بالنصب (4)، واتفقوا على نصب (5) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (6) وكلاهما من العطف على جملة ذات وجهين، وفيهما رد على الأخفش؛ لأنه يستضعف النصب بعد العاطف على جملة ذات وجهين ما لم تتضمن الجملة المعطوفة ذكرا يرجع إلى المبتدأ، نحو: زيد لقيته وعمرو رأيته؛ فلا يستحسن نصب ما بعد العاطف؛ لأن ذلك يستلزم عطف جملة لا محل لها من الإعراب، وهذا ساقط عند سيبويه؛ لأن ما له المحل من الإعراب لما لم يظهر في اللفظ سقط حكمه، وجرت الجملة ذات المحل والتي لا محل لها مجرى واحدا، كما أن اسم الفاعل حين لم يظهر الضمير المرتفع به جرى مجرى ما لا ضمير فيه، فقيل في تثنيته:

قائمان، كما قيل: فرسان، وإذا كان اسم الفاعل قد يظهر ضميره إذا جرى على غير ما هو له ثم أجرى مع ذلك ما لا ضمير فيه لعدم ظهوره في بعض المواضع؛ كان ما لا يظهر إعرابه أصلا أحق أن لا يعتدّ به (7)، وإن وقع بعد العاطف «أمّا» أبطلت حكم -

(1) ينظر: التوطئة (ص 184، 185)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 93)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 44)، والتصريح (1/ 304).

(2)

سورة يس: 39.

(3)

الحرميان هما: نافع وابن كثير.

(4)

في الإتحاف (ص 365): «واختلف في وَالْقَمَرَ، فنافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وروح:

بالرفع على الابتداء، وافقهم الحسن واليزيدي والباقون: بالنصب بإضمار فعل على الاشتغال». اه.

وينظر: إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 203)، والحجة لابن خالويه (ص 298)، والكشاف (2/ 252).

(5)

ينظر: الحجة لابن خالويه (ص 338)، وإملاء ما منّ به الرحمن (2/ 251).

(6)

سورة الرحمن: 7.

(7)

ينظر: المحتسب لابن جني (2/ 302، 303).

ص: 1688

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العطف، فكان للاسم بعدها ما له مفتتحا به؛ فإن كان معه سوى العطف ما يرجح النصب عمل بمقتضاه، وإلا فالرفع راجح (1). انتهى كلام المصنف (2).

وهاهنا أبحاث:

الأول:

الظاهر أن المصنف إنما احتاج إلى تفسير ذات الوجهين بقوله: اسمية الصدر فعلية العجز؛ ليفيد المراد بها في اصطلاح النحاة؛ ولكن قال الشيخ: إن ذات الوجهين يراد بها: كبرى وصغرى، فالصغرى في ضمن الكبرى، والصغرى أعم من أن تكون اسمية أو فعلية قال: فتبين أن المراد بقوله: (ذات وجهين): ما الصغرى فيه فعلية (3)، ويقتضي كلامه أن نحو: زيد أبوه قائم؛ يقال فيه: إنه جملة ذات وجهين، وفي هذا بعد؛ إذ لا وجهين لها، غاية الأمر أن الصغرى بعض الكبرى والجملة ذات وجه واحد؛ لأن الجملة التي هي بعضها اسمية، وأما: زيد قائم؛ فالصغرى فيه [2/ 288] بعض الكبرى أيضا لكن الجملة ذات وجهين؛ لأن الجملة التي هي بعض فعلية، فلها وجه غير وجه الجملة برمتها.

الثاني:

ليس استواء الأمرين موقوفا على الفعل نفسه في الجملة ذات الوجهين، بل لو وقع موقعه مشتق، أعني وصفا عاملا ثبت معه هذا الحكم (4)، نحو: زيد مكرم عمرا وخالد أكرمه (5).

الثالث:

ما أشبه العاطف من الحروف العاطفة يعطى حكم العاطف؛ وإن لم يكن عاطفا في ذلك المحل، نحو: زيد يكرم القوم حتى عمرو يكرمه. نص النحاة -

(1) ينظر: الكتاب (1/ 95)، والتوطئة (ص 184)، وشرح الأشموني (2/ 79)، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 176).

(2)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 144).

(3)

التذييل (3/ 35).

(4)

ينظر: حاشية الخضري (1/ 176)، والتصريح (1/ 305)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 45).

(5)

زاد في (ب): (ولا فرق بين الوصف المتعدي واللازم؛ كما أنه لا فرق في الفعل بينهما أيضا).

ص: 1689

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على ذلك (1).

الرابع:

يستثنى من قولهم: اسمية الصدر فعلية العجز مسألة لا يستوي فيها الأمران، وإنما يرجح فيها الرفع، وقد ذكرها سيبويه، وهي: ما أحسن زيدا، لو أتي بعده بجملة، وقيل: وزيد ضربته، وقد علل ذلك بأن فعل التعجب جار مجرى الأسماء؛ ولذا صغر فبعد عن الاحتمال (2).

الخامس (3):

لم يطبقوا في هذه المسألة على استواء الأمرين، بل منهم من ذهب إلى ترجيح الرفع، ونسب إلى أبي علي، ومنهم من ذهب إلى ترجيح النصب، وهو رأي بعض متأخري المغاربة (4)، والمذهب المشهور المتصور هو الذي ذكره المصنف (5)، وهو مذهب سيبويه (6)، وهذا إذا كان في الجملة المعطوفة ضمير يعود على المبتدأ الذي في الجملة الأولى، نحو: هند ضربتها، وزيد كلمته في دارها، أما إذا لم يوجد فيها ضمير عائد على المبتدأ المذكور، نحو: زيد ضربته وعمرو أكرمته، فقيل لا يجوز العطف على الجملة الصغرى، أي: لا ينصب الاسم الذي يلي العاطف بإضمار فعل؛ لأنه يلزم من ذلك عطف الفعل المقدر على الفعل الذي هو -

(1) نص الأشموني في تنبيهاته على ذلك في (2/ 79)، فقال: «الثاني: لترجيح النصب أسباب أخرى لم يذكرها هاهنا، أحدها: أن يقع اسم الاشتغال بعد شبيه بالعطف على الجملة الفعلية نحو:

أكرمت القوم حتى زيدا أكرمته، وما قام بكر لكن عمرا ضربته». اه.

وفي الكتاب (1/ 96): «ومما يختار فيه النصب الأول ويكون الحرف الذي بين الأول والآخر بمنزلة «الواو والفاء وثم» قولك: لقيت القوم كلهم حتى عبد الله لقيته، وضربت القوم حتى زيدا ضربت إياه، وأتيت القوم أجمعين حتى زيدا مررت به، ومررت بالقوم، حتى زيدا مررت به. فـ «حتى» تجري مجرى «الواو وثم» اه.

(2)

ينظر: الكتاب (1/ 96)، وشرح السيرافي للكتاب (2/ 515) رسالة بكلية اللغة العربية.

(3)

نقص في (أ).

(4)

ينظر: التذييل (3/ 35)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 366، 367)، والمقرب (1/ 89)، والتصريح (1/ 304)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 44).

(5)

أي: استواء الأمرين.

(6)

ينظر: الكتاب (1/ 91).

ص: 1690

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خبر عن المبتدأ المقدم، والمعطوف على الخبر خبر، فيكون «عمرو أكرمته» خبرا عن «زيد» وهو جملة ولا ضمير فيها يربطها بالاسم الأول، وقد أجيب عن ذلك بأربعة أجوبة.

أما السيرافي فالتزم السؤال، وقال ما معناه: إن سيبويه لم يمثل بهذا المثال على أنه صحيح، بل ليريك صورة العطف في الجملة ذات الوجهين، واعتمد في المسألة على أنه: إن وجد باقي الشروط صحت المسألة، وإلا فلا (1)، وأما أبو علي فإنه أجاب عن ذلك بأن قال ما معناه: بأنه لما لم يظهر الرفع في الجملة التي هي خبر المبتدأ صارت؛ كأنها غير خبر، فجاز أن يعطف عليه ما لا يصح أن يكون خبرا ووافقه ابن جني على هذا الجواب، قالا: ونظيره الضمير في اسم الفاعل لما لم يظهر لم يعتد به، فثني الاسم وجمع، ولو ظهر لم يثن ولم يجمع (2)، وأما ابن خروف فإنه أجاب عن ذلك بما معناه: أنه ليس المراد هنا العطف [2/ 289] الحقيقي الذي يوجب التشريك، بل المراد هنا إنما هو تراخي الجمل بدليل أن سيبويه - رحمه الله تعالى - ذكر من جملة مسائل الباب العطف بحتى، نحو قولك: القوم أكرمتهم حتى زيد أكرمته، قال: و «حتى» لا يعطف بها في الجمل، فعلمنا أن المراد: التراخي لا العطف التشريكي؛ فلا تحتاج حينئذ الجملة المعطوفة إلى ضمير (3)، وأما الرماني فإنه أجاب عن ذلك بأن قال ما معناه: إن الجملة المعطوفة لا تحتاج هنا إلى ضمير؛ لأن العطف هنا إنما هو بالنظر إلى المعنى، وقولنا: زيد ضربته أولا، في معنى قولنا:

ضربت زيدا، فلم ينظر إلى كونها مبتدأ وخبرا في اللفظ؛ بل إلى المعنى، وكأنها -

(1) في شرح السيرافي للكتاب (2/ 499): «وقد أنكر الزيادي وغيره من النحويين هذا على سيبويه، فقالوا: إنا إذا قلنا: زيد لقيته وعمرو كلمته، لم يجز حمل «عمرو» على «لقيته» ؛ وذلك أن «لقيته» جملة لها موضع. ألا ترى أنك تقول: زيد ملقي، وزيد قائم، فيقع موقعها اسم واحد وهي خبر لزيد، وكل شيء عطف عليها وقع موقعها صار خبرا لزيد، كما هي خبر له، «وعمرو كلمته» لا يجوز أن يكون خبرا لزيد» اه. وينظر (ص 500، 501)، وقد ردّ ابن عصفور رأي السيرافي، ومن تبعه في هذه المسألة؛ حيث قال:«وهذا الذي ذهب إليه - أي: السيرافي - ليس بشيء؛ لأن القراء قد أجمعوا على نصب وَالسَّماءَ من قوله عز اسمه: وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ، مع أنه ليس في رَفَعَها ضمير يعود على النجم والشجر؛ فإجماعهم على النصب دليل على بطلان قول من قال: إن النصب في هذا، وأمثاله ضعيف» اه. شرح الجمل (1/ 367)، وينظر:(ص 368) أيضا.

(2)

ينظر: المحتسب (2/ 302، 303).

(3)

ينظر: التصريح (1/ 304، 305).

ص: 1691

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جملة فعلية فكأننا قلنا: ضربت زيدا وعمرا أكرمته، ولو قلنا ذلك لم تحتج الجملة الثانية إلى ضمير، فلما كانت في معنى ما لا يحتاج إلى ضمير لم يكن فيها ضمير.

واعلم أن أضعف هذه الأجوبة جواب الرماني، وأما جواب السيرافي فيبطله القرآن العزيز؛ فإنه قد ورد فيه ما هو على صورة المثال الذي ذكره سيبويه من غير نقص، ولا زيادة وهو قوله تعالى: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (6) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (1)، وأما جواب أبي علي فقد نوقش فيه؛ قال الشيخ جمال الدين بن عمرون: وما تمسك به من عدم ظهور الإعراب يبطله تجويز سيبويه النصب في: هذا ضارب عبد الله، وزيدا تمر به، فيجوز النصب مع ظهور الإعراب ولا ضمير في الجملة، وأما جواب ابن خروف فهو أحسنها وأقربها إلى الصواب، واختاره ابن عمرون، وأحسن منه ما أجاب بعض المتقدمين، وهو أن العطف إنما هو على الجملة الكبرى رفعت، أو نصبت، لكننا في النصب نلاحظ الصغرى طلبا للمشاكلة؛ ولا يلزم من ملاحظتها أن يكون العطف عليها، قالوا: وكأنه نوع من التوهم، واختار هذا القول جماعة منهم ابن عصفور (2).

وقال الشيخ: إلا أنه مخالف لظاهر قول سيبويه؛ فإنه قال: إذا كان منصوبا؛ فإنه محمول على الصغرى، والحمل لا يفهم منه إلا العطف (3). انتهى.

وقد علم من أجوبة هؤلاء الأئمة أنهم يجيزون نصب الاسم الكائن في الجملة المعطوفة مع خلوها من ضمير يرجع إلى المبتدأ، الذي هو (4) في الجملة الأولى؛ وأن من يشترط وجود الضمير لا يجيز النصب، وإذا كان كذلك أشكل ما ذكره المصنف عن الأخفش وموافقيه من أنهم يرجحون الرفع على النصب؛ إن لم يصلح جعل ما بعد العاطف خبرا؛ إذ مقتضاه أنهم يجيزون النصب وإن كان مرجوحا، والمنقول عن مشترطي الضمير في الجملة أنهم يمنعون النصب عند فقد الضمير، وهو الذي يقتضيه تعليلهم، والذي ذكره الشيخ عن الأخفش؛ إنما هو منع (5) النصب لا مرجوحيته [2/ 290] فإنه ذكر في المسألة أربعة مذاهب - أعني في جواز -

(1) سورة الرحمن: 6، 7.

(2)

ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 368).

(3)

التذييل (3/ 37).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (أ): (مع).

ص: 1692

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(نصب)(1) الاسم من الجملة المعطوفة، إذا خلت من ضمير يرجع إلى المبتدأ من الجملة الأولى - قال:

أحدها: ما ذهب إليه جماعة من القدماء والفارسي من جواز العطف على الصغرى، نحو: هند ضربتها وعمرو أكرمته، وهو ظاهر كلام سيبويه.

الثاني: ما ذهب إليه الأخفش والزيادي ومن يتبعهما كالسيرافي، وهو أنه لا يجوز؛ فإن وجد النصب فليس لكونه معطوفا على الجملة الصغرى، إنما ذلك نحو جواز: زيدا ضربته؛ ابتداء من غير مراعاة عطف على الصغرى، ويكون من عطف الجملة الفعلية على الجملة الاسمية، وذلك جائز لا خلاف فيه (2).

الثالث: ما ذهب إليه هشام، وهو: إن كان العطف بالفاء أو بالواو جازت المسألة؛ لأن الفاء فيها تسبّب؛ فيحتمل أن يكون الربط في الجملة بضمير واحد، والواو فيها معنى الجمع؛ وإن كان العطف بغيرهما لم يجز (3).

الرابع: ما ذهب إليه الجمهور، وهو إن كان العطف بالفاء جازت المسألة؛ وإن كان بغيرها لم تجز (4). انتهى.

وقد تبين من المباحث المتقدمة ما هو الحق في هذه المسألة، ثم لا أعلم كيف يكون مذهب الجمهور ما ذكره، وقد ذكر أن الظاهر من كلام سيبويه، الجواز دون تقييد بفاء ولا غيرها، وكون ذلك مذهب الجمهور - مع أن المصنف لم يتعرض إلى ذكر شيء من ذلك في تصانيفه - فيه بعد كبير.

واعلم أن الشيخ ناقش المصنف في قوله في الشرح: وإذا نصب كان معمول فعل معطوفا في اللفظ على معمول فعل؛ فقال: ليس هذا الكلام بجيد؛ فإنه كما يعطف على الجملة الصغرى المتضمنة منصوبا؛ كذلك يعطف على الصغرى؛ وإن لم يكن فيها منصوب ألبتة، نحو: زيد قام أخوه، وعمرا كلمته، قال: فمراعاة المشاكلة ليست لكون الصغرى فيها منصوب؛ بل لمجرد كونها فعلية (5).

(1) ساقطة من (أ).

(2)

ينظر: شرح السيرافي للكتاب (2/ 499، 501)، تحقيق دردير محمد أبو السعود.

(3)

ينظر: شرح الأشموني (2/ 81)، والتصريح (1/ 304).

(4)

التذييل (3/ 37، 38).

(5)

التذييل (3/ 37).

ص: 1693