الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس والعشرون باب المفعول معه
[تعريفه وشرح التعريف]
قال ابن مالك: ((وهو التّالي)(1) واوا تجعله بنفسها كمجرور مع وفي اللّفظ كمنصوب معدّى بالهمزة).
قال ناظر الجيش: ختم المصنف بهذا الباب أبواب المفاعيل؛ لأن المذكور فيه هو خامسها، وذكر في الشرح أن المفعول معه يطلق في اللغة على أربعة أشياء وهي:
المجرور بمع أو بالياء التي للمصاحبة والمعطوف المراد به المصاحبة والمنصوب بعد الواو بالشروط المذكورة (2).
فالأول: نحو: جلست مع زيد، والثاني: نحو: وصلت هذا بذاك، والثالث:
نحو: مزجت عسلا وماء، والرابع: نحو: ما صنعت وأباك، واستوى الماء والخشبة، وما زلت وزيدا حتى فعل، ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها، إلا أن النحاة قصروا المفعول معه على الرابع فلذلك قال:(التالي واوا)؛ ليخرج التالي غيرها، وقيد الواو بأن تجعله في المعنى كمجرور مع ليخرج المعطوف بالواو والمفيدة مطلق الجمع، وقال:(بنفسها)، ليخرج المعطوف بعد ما يفهم منه المصاحبة نحو: أشركت زيدا وعمرا، ومزجت العسل والماء، فإن المصاحبة في مثل هذا مفهومة قبل ذكر الواو بخلاف قولك: سرت والنيل، فإن المصاحبة لا تفهم منه إلا بالواو، ونبه بقوله:(كمنصوب معدى بالهمزة) على أن الواو معدية ما قبلها من العوامل إلى ما بعدها فينصب به بواسطة الواو فعلا كان أو عاملا عمل الفعل. هذا كلام المصنف (3)، وفيه أمران:
أحدهما: أن قوله: (وفي اللفظ كمنصوب معدى بالهمزة) غير محتاج إليه في الحد؛ لأنه لم يحترز به عن شيء خيف
دخوله مع [2/ 481] المحدود بل لا يجوز إدخاله في الحد؛ لأنه إنما ذكر بيان العامل في المحدود، وذلك شيء خارج عن -
(1) في (التسهيل): (وهو الاسم التالي).
(2)
ينظر: المطالع السعيدة (ص 333).
(3)
شرح التسهيل لابن مالك (2/ 247) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ماهيته فلا وجه لذكره، وعلى هذا يجب الاقتصار على قوله:(وهو الاسم التالي واوا تجعله بنفسها كمجرور مع).
الأمر الثاني: أنه قال: قلت: تجعله في المعنى كمجرور مع ليخرج المعطوف بالواو المفيدة مطلق الجمع، فأفهم كلامه أن المعطوف بالواو المفيدة للمصاحبة لم تخرج بهذا القيد؛ ولهذا احتاج أن يقول:(بنفسها) ليخرج هذا القسم، لكن في كلام الإمام بدر الدين ولده ما يقتضي أن القيد الأول وهو: تجعله في المعنى كمجرور مع - كاف في خروج القسمين، أعني المعطوف بعد الواو الدالة على مطلق الجمع وبعد الواو الدالة على المصاحبة؛ لأنه حد المفعول معه بأنه: الاسم المذكور بعد واو بمعنى مع، قال: فاحترزت بقولي: بعد واو من نحو: خرجت مع زيد، وبقولي: بمعنى مع مما بعد واو غيرها كواو العطف وواو الحال، فواو العطف كما في نحو: اشترك زيد وعمرو، وكل رجل وضيعته؛ فالواو في هذين المثالين وإن دلت على المصاحبة فهي واو العطف؛ لأنها شركت بين زيد وعمرو [3/ 9] في الفاعلية، وبين كل رجل وضيعته في التجرد للإسناد، فما بعدها ليس مفعولا معه، وأما واو الحال فكما في نحو: جاء زيد والشمس طالعة، وسرت والنيل في زيادة، فما بعد هذه الواو أيضا ليس مفعولا معه؛ لأنها واو الحال، وهي في الأصل الواو التي يعطف بها جملة على جملة بجهة جامعة بينهما لا الواو التي بمعنى مع (1) انتهى.
وعنى بقوله: يعطف بها جملة على جملة بجهة جامعة، أنها مفيدة للتشريك أيضا كما في المفردات إلا أنها في المفردات تشرك في الحكم، وأما في الجمل فتشرك في الجهة الجامعة بينهما، وقد اقتضى كلامه أن واو «مع» غير صادقة على واو العطف المراد بها المصاحبة من حيث إن واو العطف تشرك ما بعدها في حكم ما قبلها، واو «مع» لا تقتضي تشريكا، على أنه صرح بعد كلامه الأول بأن المراد بالواو التي بمعنى «مع» الدلالة على المصاحبة بلا تشريك في الحكم، وبأن الحد الذي ذكره شامل لما كان من المفعول معه غير مشارك لما قبله في حكمه نحو: -
(1) شرح الألفية لابن الناظم (ص 110).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سرت والطريق، ولما كان مشاركا لما قبله في حكمه ولكنه أعرض عن الدلالة على المشاركة وقصد إلى مجرد الدلالة على المصاحبة نحو: جئت وزيدا (1)، هذا كلام الإمام بدر الدين.
ومقتضاه أن نحو: أشركت زيدا وعمرا ومزجت العسل والماء ليس القصد فيه إلى الدلالة على المصاحبة، بل القصد فيه إلى تشريك الثاني مع الأول في حكمه (2)، وهذا خلاف ما ذكره المصنف وما قاله الإمام بدر الدين الظاهر [2/ 482] أنه الصواب؛ لأن الواو التي بمعنى مع حقها أن يفاد بها ما يفاد بمع، و «مع» لا دلالة لها على المشاركة، بل إنما جيء بها لقصد الدلالة على المصاحبة، فإذا قلت: جئت مع عمرو، أفاد هذا الكلام الإخبار عن مدلول التاء بالمجيء مصاحبا لعمرو، وإن كان عمرو قد جاء أيضا، لكن ليس مقصود المتكلم الإخبار بمجيئه، وهكذا يجب أن يكون الحكم مع الواو إذا قلت: جئت وزيدا، ويعضد ذلك أيضا: أنه إذا جيء بخبر بعد المفعول معه جيء به مطابقا للاسم المذكور قبل الواو لا للاسمين (3)، قال الشاعر يصف رجلا مات معانق امرأة لقيها بعد فراق:
1636 -
فكان وإيّاها كحرّان لم يفق
…
عن الماء إذ لاقاه حتّى تقدّدا (4)
وكذا إذا جيء بحال أيضا إنما يطابق ما قبل الواو فنقول: جاء البرد والطيالسة قويّا كما تقول: كان زيد وعمرو قائما، ولكن إنما يشكل على بدر الدين أنه مثل لما يختار فيه العطف بقول القائل: كنت أنا وزيد كالأخوين ثم قال: ويجوز نصبه -
(1) شرح الألفية لابن الناظم (ص 110).
(2)
أي أن ما بعد الواو في مثل هذا المثال مفعول به وليس مفعولا معه.
ينظر: حاشية الصبان (2/ 134)، وقد علل الصبان لذلك فقال: لأن المعية في مثله مستفادة مما قبل الواو، لا منها فإنها لمجرد العطف. اه.
(3)
ينظر: الهمع (1/ 222).
(4)
البيت من الطويل وهو لكعب بن جميل، وهو في: الكتاب (1/ 298)، والتذييل (3/ 446، 450، 451، 453)، والغرة لابن الدهان (2/ 76)، وابن القواس (ص 458)، وشرح الجمل لابن العريف (ص 137)، والحلل في شرح أبيات الجمل (ص 366).
والشاهد فيه: نصب كان الناقصة المفعول معه وهو «إياها» وخبرها «كحران» وقد جاء الخبر مطابقا لما قبل الواو، وأول المانعون ذلك على أن (كان) تامة (وكحران) حال وليس خبرا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نحو: كنت أنا وزيد كالأخوين على الإعراض عن التشريك في الحكم والقصد إلى مجرد المصاحبة (1)، ووجه إشكاله أنه إذا أعرض عن التشريك في الحكم يتعين إفراد الخبر؛ إذ لا يخبر بمثنى عن مفرد، ومما يحقق صحة الحد الذي ذكره بدر الدين قول الشيخ أبي عمرو بن الحاجب في حده:«هو المذكور بعد الواو المصاحبة معمول فعل لفظا أو معنى» (2). وهو أحسن من حد بدر الدين، وأفيد لما تضمنه من الإشارة إلى ما يرشد إلى الصور التي يشتمل عليها باب المفعول معه بالنسبة إلى ما يصح فيه العطف وما لا يصح، ثم قال المصنف بعد كلامه الذي تقدم نقله عنه، وربما سماه سيبويه مفعولا به، فمن ذلك قوله: هذا باب ما يضمر فيه الفعل وينصب فيه الاسم لأنه مفعول معه ومفعول به، وقوله بعد أن مثّل بما زلت وزيدا أي ما زلت بزيد حتى فعل، ثمّ قال: فهو مفعول به (3). هذه عبارة سيبويه رحمه الله تعالى، فأما المصنف فإنه أوّل هذا الكلام بأن قال: وهذا من أجل أن الباء تساوي (مع) في الدلالة على المصاحبة كقولك: بعت الفرس بسرجه ولجامه، والدار بأثاثها، أي مع سرجه ولجامه ومع أثاثها (4)، وأما ابن عصفور فحمل كلامه على ظاهرة المفعول معه هو الاسم المنتصب بعد الواو بمعنى مع المتضمن معنى المفعول به، وذلك نحو: ما صنعت وأباك، ألا ترى أن الواو التي بمعنى مع المتضمن معنى المفعول به، وذلك نحو: ما صنعت وأباك، ألا ترى أن الواو بمعنى مع والأب في المعنى مفعول به، كأنك قلت: ما صنعت بأبيك، ولو لم ترد هذا المعنى لكان الاسم الذي بعد الواو معطوفا على الاسم الذي قبله (5). انتهى. وما قاله غير ظاهر إذ لا يتأتى له هذا التقدير في أكثر صور مسائل الباب، وقوله: إن المعنى ما صنعت بأبيك لا يلزم منه كون الأب مفعولا به؛ لأن الباء يجوز أن تكون بمعنى مع [2/ 483] والمراد ما صنعت مع أبيك؛ فإن قيل: المراد من هذا السؤال هو ما أوقعت من الصنع بأبيك، أجيب: بأن الباء تكون حينئذ معدية ويكون الأب مفعولا به في المعنى -
(1) شرح الألفية لابن الناظم (ص 112).
(2)
شرح كافية ابن الحاجب للرضي (1/ 194).
(3)
الكتاب (1/ 297، 298).
(4)
شرح التسهيل للمصنف (106 / ب). مخطوط رقم 10 ش نحو، وليس هذا النص في المطبوع.
(5)
المقرب (1/ 158).