المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أحكام إذا حين تجيء ظرفا وغير ظرف] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٤

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن عشر باب الفاعل

- ‌[تعريفه]

- ‌[من أحكام الفاعل: الرفع وتقديم الفعل]

- ‌[من أحكام الفاعل: تأنيث الفعل وجوبا وجوازا]

- ‌[من أحكام الفاعل: ألا تلحقه علامة تثنية أو جمع]

- ‌[من أحكام الفاعل: جواز حذف الفعل]

- ‌الباب التاسع عشر باب النّائب عن الفاعل

- ‌[أغراض حذف الفاعل - ما ينوب عنه]

- ‌[جواز نيابة غير المفعول مع وجود المفعول]

- ‌[جواز نيابة أي المفعولين]

- ‌[بعض المنصوبات لا تجوز إنابتها]

- ‌[التغييرات التي تحدث في الفعل عند بنائه للمجهول]

- ‌[أحكام تأخير المفعول عن الفاعل وتقديمه عليه]

- ‌الباب العشرون باب اشتغال العامل عن الاسم السّابق بضميره أو ملابسه

- ‌[مواضع نصب المشغول عنه وجوبا]

- ‌[مواضع ترجيح النصب في المشغول عنه]

- ‌[جواز الرفع والنصب على السواء في المشغول عنه]

- ‌[مسألتان اختلف فيهما النحاة أيهما أرجح]

- ‌[ترجح رفع الاسم على الابتداء]

- ‌[أنواع ملابسة الضمير للمشغول عنه]

- ‌[مسألة يترجح فيها الرفع]

- ‌[رفع الاسم المشغول عنه وأحكامه في ذلك]

- ‌[مسألة أخيرة في باب الاشتغال]

- ‌الباب الحادي والعشرون باب تعدي الفعل ولزومه

- ‌[تقسيم الفعل إلى متعدّ ولازم - إجراء اللازم مجرى المتعدي]

- ‌[نوعا المتعدي: متعد إلى واحد - متعد إلى اثنين]

- ‌[مسائل تأخير المفعول وجوبا وتقديمه وجوبا وجواز الأمرين]

- ‌[حذف العامل الناصب للمفعول به جوازا ووجوبا]

- ‌[مواضع حذف المفعول ومواضع ذكره]

- ‌[تعدي الفعل بالهمزة والتضعيف]

- ‌الباب الثاني والعشرون باب تنازع العالمين فصاعدا معمولا واحدا

- ‌[تعريف التنازع - العامل في المتنازع فيه]

- ‌[خلاف البصريين والكوفيين في العامل]

- ‌[حكم ضمير المتنازع فيه من الإظهار أو الحذف]

- ‌[مسائل أربع في باب التنازع ختم بها الباب]

- ‌الباب الثالث والعشرون باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه

- ‌[تعريف المصدر - وأسماؤه وأصالته]

- ‌[المفعول المطلق: ناصبه - أنواعه - ما ينوب عنه]

- ‌[حذف عامل المفعول المطلق - جوازا ووجوبا - ومواضع ذلك]

- ‌[أحكام للمفعول المطلق المحذوف عامله وجوبا]

- ‌الباب الرابع والعشرون باب المفعول له

- ‌[تعريفه - ناصبه - أنواعه - وحكم كل نوع]

- ‌الباب الخامس والعشرون باب المفعول المسمّى ظرفا ومفعولا فيه

- ‌[تعريف الظرف - نوعاه]

- ‌[تقسيم ظرف الزمان إلى متصرف وغير متصرف]

- ‌[تقسيمات مختلفة لظرف الزمان وأمثلة لكلّ]

- ‌[حكم الظرف الواقع في جواب كم أو متى بالنسبة لحصول الفعل]

- ‌[أحكام إذ حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام إذا حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام مذ ومنذ حين تجيئان ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام الآن وبناؤه وإعرابه]

- ‌[أحكام قط وعوض]

- ‌[أحكام أمس من بنائه وإعرابه]

- ‌[الصالح للظرفية المكانية من أسماء الأمكنة]

- ‌[أحكام بعض الظروف المكانية مثل أسماء الجهات وحيث ولدن]

- ‌[التوسع في الظرف المتصرف]

- ‌الباب السادس والعشرون باب المفعول معه

- ‌[تعريفه وشرح التعريف]

- ‌[ناصب المفعول معه والآراء في ذلك]

- ‌[واو المفعول معه وحديث عنها]

- ‌[المفعول معه وحكم تقديمه]

- ‌[أقسام خمسة لما بعد الواو وحكم كل قسم]

- ‌[تعقيب على أقسام المفعول معه السابقة]

- ‌[أمثلة مختلفة في هذا الباب وما يجوز فيها]

- ‌[مسألتان في ختام هذا الباب]

الفصل: ‌[أحكام إذا حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

[أحكام إذا حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

قال ابن مالك: (ومنها «إذا» للوقت المستقبل مضمّنة معنى الشّرط غالبا، لكنها لما تيقّن كونه أو رجّح بخلاف «إن»

فلذا لم تجزم غالبا إلّا في شعر وربّما وقعت موقع «إذ» و «إذ» موقعها، وتضاف أبدا إلى جملة مصدّرة بفعل ظاهر أو مقّدر قبل اسم يليه فعل، وقد تغني ابتدائية اسم بعدها عن تقدير فعل وفاقا للأخفش، وقد تفارقها الظّرفيّة مفعولا بها أو مجرورة بحتّى، أو مبتدأة، وتدل على المفاجأة حرفا لا ظرف زمان خلافا للزّجاج، ولا ظرف مكان خلافا للمبرد، ولا يليها في المفاجأة إلّا جملة اسميّة، وقد تقع بعد بينا وبينما) (1).

- ذكر المصنف، وأما بينما فلا يليها إلا جملة، وأفاد قول المصنف:(وقد تضاف بينا إلى مصدر) أنها لا تضاف إلى اسم عين، قالوا: والسبب في أن بينا لا يليها إلا الجملة أو المفرد بشرط أن يكون مصدرا - أنها تستدعي جوابا، فلم يقع بعدها إلا ما يعطي معنى الفعل، وذلك الجملة أو المصدر من المفردات (2).

قال ناظر الجيش: قال المصنف (3): يدل على اسمية «إذا» أن فيها ما في «إذ» من الدلالة على الزمان دون تعرض لحدث، ومن الإخبار بها مع دخولها على الأفعال نحو قولك: راحة المؤمن إذا دخل الجنة، ومن وقوعها بدلا من اسم صريح نحو: أكرمك غدا إذا جئتني، ومن وقوعها مفعولا بها (4) كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها:«إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عني غضبى» (5).

وانفردت بدخول حتى الجارة عليها كقوله تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها * (6)، كما انفردت «إذ» بلحاق التنوين والإضافة إليها، وإلى الحديث والآية الشريفة أشرت بقولي: وقد تفارقها الظرفية مفعولا بها أو مجرورة بحتى. -

(1) التسهيل (ص 93، 94).

(2)

ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 324)، والتذييل (3/ 320)، والهمع (1/ 211).

(3)

شرح التسهيل (2/ 210).

(4)

ينظر: شرح الدماميني على المغني (1/ 186)، والهمع (1/ 206)، والمطالع السعيدة (ص 324).

(5)

حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب النكاح (7/ 36)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة (ص 1890)، وابن حنبل (6/ 61، 213).

(6)

سورة الزمر: 71، 73.

ص: 1934

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأما وقوعها مبتدأ فمثاله قوله تعالى: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (1) في قراءة من نصب «خافضة رافعة» (2) فإذا وقعت مبتدأ، و «إذا رجت» خبر. وليس وخافضة ورافعة أحوال ثلاثة، والمعنى: وقعت وقوع الواقعة صادقة الوقوع خافضة قوم، رافعة آخرين وقت رجّ الأرض، هكذا أعربه أبو الفتح في المحتسب (3) وهو صحيح (4)، وأكثر وقوع «إذا» مضمنة معنى [2/ 422] الشرط؛

ولذلك تقع الفاء بعدها على حد وقوعها بعد «إن» كقوله تعالى: إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا (5) ولذلك أيضا كثر وقوع الفعل بعدها ماضي اللفظ مستقبل المعنى (6) نحو: إذا جئتني أكرمتك، ولو جعلت مكان «إذا» حينا أو غيره قاصد الاستقبال لم يجز أن تأتي بلفظ الماضي، وكان مقتضى تضمنها معنى الشرط أن يجزم بها، لكن منع من ذلك ثلاثة أمور:

أحدها: أن تضمنها معنى الشرط ليس بلازم، فإنها قد تتجرد منه كقوله تعالى:

وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (7) وقوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (8) وقد تتجرد من الظرفية مع تجردها من الشرط نحو: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية» .

الثاني: أنها مضافة إلى ما يليها، والمضاف يقتضي جرّا لا جزما. وإذا جزم بها في الشعر، فليست مضافة إلى الجملة، وبناؤها حينئذ لتضمنها مع «إن» .

الثالث: أن ما يليها متيقّن الكون أو في حكم المتيقن نحو: آتيك إذا انتصف النهار، وأجيبك إذا دعوتني، بخلاف «إن» فإنّ كونه وعدم كونه لا رجحان لأحدهما على الآخر، فلما خالفتها «إذا» لم يجزم بها إلا في الشعر (9) وإنما جاز -

(1) سورة الواقعة: 1 - 4.

(2)

هذه القراءة قراءة الحسن واليزيدي والثقفي. وأبي حيوة، ينظر: المحتسب (2/ 307).

(3)

المحتسب (2/ 307).

(4)

استقبح الفراء هذه القراءة في معاني القرآن (3/ 121). ووافقه في ذلك أبو حيان في التذييل (3/ 334، 335).

(5)

سورة الأنفال: 45.

(6)

في الهمع (1/ 206): «وزعم الفراء أن «إذا» إذا كان فيها معنى الشرط لا يكون بعدها إلا الماضي. وقال ابن هشام: إيلاؤها الماضي أكثر من المضارع» اه. وينظر: الارتشاف (ص 565)، والتذييل (3/ 324).

(7)

سورة مريم: 66.

(8)

سورة النجم: 1.

(9)

ينظر: التذييل (3/ 325)، والهمع (1/ 206).

ص: 1935

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أن يجزم بها في الشعر؛ لأن فيها ما في «إن» من ربط جملة بجملة وإن لم يكن ذلك لها لازما، ومن الجزم بها قول

الشاعر: -

1526 -

ترفع لي خندف والله يرفع لي

نارا إذا خمدت نيرانهم تقد (1)

ومثله: -

1527 -

استغن ما أغناك ربّك بالغنى

وإذا تصبك خصاصة فتجمّل (2)

ومثله: -

1528 -

وإذا تصبك خصاصة فارج الغنى

وإلى الذي يعطي الرّغايب فارغب (3)

وقد يراد بها المضي فتقع موقع «إذ» كقوله تعالى: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (4)، وكقوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها (5)، ومن ذلك قول الشاعر: -

1529 -

حللت بها وتري وأدركت ثورتي

إذا ما تناسى ذحله كلّ غيهب (6)

-

(1) البيت من البسيط للفرزدق، وهو في: الكتاب (3/ 62)، وأمالي الشجري (1/ 233)، وابن يعيش (7/ 47)، والمقتضب (2/ 55)، والخزانة (3/ 62)، وملحقات ديوان الفرزدق (ص 216).

والشاهد في قوله: «إذا خمدت نيرانهم تقد» ؛ حيث جزم بإذا في الضرورة.

(2)

البيت لعبد قيس بن خفاف أو حارثة بن بدر الغداني.

وهو من الكامل، وينظر في: الخزانة (2/ 176) عرضا، والمغني (1/ 93، 96)، (2/ 698)، وشرح شواهده (1/ 271)، والمفضليات (ص 385)، والأصمعيات (ص 230)، والهمع (1/ 206)، والدرر (1/ 173).

والشاهد فيه: الجزم «بإذا» في الضرورة كما في البيت السابق.

(3)

البيت من بحر الطويل منسوب في مراجعه للنمر بن تولب، وهو في: شرح التسهيل للمصنف (2/ 212)، وشرح عمدة الحافظ (ص 96)، والخزانة:(1/ 156).

اللغة: الخصاصة: الفقر، الرغائب: جمع رغبة، وهى العطاء الكثير.

والشاهد في قوله: «وإذا تصبك» ؛ حيث جزم «بإذا» في الضرورة.

(4)

سورة التوبة: 91، 92.

(5)

سورة الجمعة: 11.

(6)

من الطويل لقائل مجهول وهو في: شرح التسهيل للمصنف (2/ 212)، والبحر المحيط (3/ 26) والتذييل (3/ 326)، واللسان مواد «عهد - ثأر - وتر - ذحل» .

اللغة: الوتر: الظلم في الثأر. وأدرك ثورته: أي أدرك من يطلب ثأره. والذحل: النار، وقيل: العداوة -

ص: 1936

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومثله: -

1530 -

ما ذاق بؤس معيشة ونعيمها

فيما مضى أحد إذا لم يعشق (1)

وقد يقع «إذ» موقع «إذا» (2) كقوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى (3)، «فإذ» هذه بدل من يوم يجمع، ويوم يجمع مستقبل المعنى، فتعين كون المبدل منه مثله في الاستقبال، ومثله قوله تعالى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ (4)، ومثله قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ (5) بعد: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ (6).

ومن وقوع «إذ» موقع «إذا» قول الشاعر: -

1531 -

متى ينال الفتى اليقظان حاجته

إذ المقام بأرض اللهو والغزل (7)

ولا يليها عند سيبويه إلا فعل أو معمول فعل، فإن كان اسما مرفوعا وجب عنده أن يرتفع بفعل مقدر موافق لفعل ظاهر بعده (8)، كقوله تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (9) فالشمس مرفوع بكورت مضمرا والنجوم [2/ 423] مرفوع بانكدرت مضمرا، وكذلك ما أشبههما (10)، لا يجيز سيبويه غير ذلك، واختار الأخفش ما أوجبه سيبويه، وأجاز مع ذلك جعل المرفوع بعد إذا مبتدأ (11)، -

- والحقد. الغيهب: الثقيل. وقيل: هو البليد.

والشاهد فيه: وقوع «إذا» موقع «إذ» .

(1)

البيت للكميت، وهو من الكامل، وينظر في: مجالس ثعلب (2/ 462)، والتذييل (3/ 327)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 212)، وشعر الكميت (1/ 258).

والشاهد فيه: وقوع «إذا» موقع «إذ» .

(2)

في التذييل (3/ 325): «والصحيح عند أصحابنا أن كل واحدة منهما لا تقع موقع الأخرى» . اه.

(3)

سورة المائدة: 109، 110.

(4)

سورة غافر: 70، 71.

(5)

سورة الزلزلة: 4.

(6)

سورة الزلزلة: 1.

(7)

البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في شرح التسهيل لابن مالك، والتذييل (3/ 327)، وشرح الجمل لابن الضائع.

والشاهد فيه: وقوع «إذ» موقع إذا في قوله: «إذ المقام» .

(8)

ينظر: الكتاب (3/ 119).

(9)

سورة التكوير: 1، 2.

(10)

ينظر: إملاء ما من به الرحمن (2/ 282)، وشرح قواعد الإعراب للأزهري، والأزهية (ص 204).

(11)

ينظر: الارتشاف (ص 985)، والتذييل (3/ 16، 329)، والمغني (1/ 93)، والتصريح (2/ 40).

ص: 1937

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وبقوله أقول؛ لأن طلب «إذا» للفعل ليس كطلب «إن» بل طلبها له كطلب ما هو بالفعل أولى ممّا لا عمل له فيه كهمزة الاستفهام، فكما لا يلزم فاعلية الاسم بعد الهمزة، لا يلزم بعد «إذا». ولذلك أجاز أن يقال: إذا الرجل في المسجد فظن به خيرا، ومنه قول الشاعر:

1532 -

إذا باهليّ تحته حنظليّة

له ولد منها فذاك المذرّع (1)

فجعل بعد الاسم الذي ولي «إذا» ظرفا، واستغنى عن الفعل. ولا يفعل ذلك بما هو مختص بالفعل، ومما يدل على صحة مذهب الأخفش قول الشاعر:

1533 -

فأمهله حتّى إذا أن كأنّه

معاطى يد فى لجّة الماء غامر (2)

فأولى «إذا» «أن» الزائدة، وبعدها جملة اسمية، ولا يفعل ذلك بما هو مختص بالفعل، وأنشد ابن جني لضيغم الأسدي: -

1534 -

إذا هو لم يخفني في ابن عمي

وإن لم ألقه الرّجل الظّلوم (3)

وقال: في هذا دليل على جواز ارتفاع الاسم بعد «إذا» الزمانية بالابتداء؛ لأن هو ضمير الأمر والشأن، وضمير الشأن لا يرتفع بفعل يفسره ما بعده (4). قلت: -

(1) البيت من الطويل وهو للفرزدق، وهو في شرح المصنف، وتعليق الفرائد (ص 1754)، والتذييل (3/ 329)، والمغني (1/ 93)، وشرح شواهده (1/ 270)، والعيني (3/ 414)، والتصريح (2/ 40)، والدرر (1/ 174)، والأشموني:(2/ 258)، وديوان الفرزدق (ص 514).

اللغة: الباهلي: منسوب إلى باهلة، وهي قبيلة من قيس عيلان. الحنظلية: منسوب إلى حنظلة، وهي أكرم قبيلة من تميم. المذرع: الذي أمه

أشرف من أبيه.

والشاهد فيه: جواز مجيء المبتدأ بعد «إذا» على رأي الأخفش.

وقيل: هو مرفوع على إضمار «كان» وقيل: «حنظلية» فاعل باستقر محذوفا وباهلي فاعل بمحذوف يفسره العامل في حنظلية، ورد بأن فيه حذف المفسر ومفسره جميعا.

(2)

البيت من الطويل، وهو لأوس بن حجر، وهو في شرح التسهيل للمصنف، والتذييل (3/ 330)، والمغني (1/ 34)، وشرح شواهده (1/ 112)، والتصريح (2/ 233)، والهمع (2/ 18)، والدرر (2/ 12)، وديوان أوس بن حجر (ص 71).

والشاهد فيه: مجيء الجملة الاسمية بعد «إذا» و «أن» زائدة بينهما، وهذا عند الأخفش.

(3)

البيت من الوافر، وهو في الخصائص (1/ 104)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 213)، والتذييل (3/ 330، 331)، وحاشية يس (2/ 41)، واللسان «ظلم» .

والشاهد فيه: جواز ارتفاع الاسم بعد «إذا» الزمانية بالابتداء.

(4)

الخصائص: (1/ 104) بالمعنى.

ص: 1938

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومثل ما أنشده ابن جني قول الآخر: -

1535 -

وأنت امرؤ خلط إذا هي أرسلت

يمينك شيئا أمسكته شمالكا (1)

لأن هي ضمير القصّة والشأن، ولما أنهيت الكلام على «إذا» (2) الدالة على زمن مستقبل أخذت في الكلام على «إذا» المفاجأة، وقد اجتمعا في قوله تعالى:

ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (3)، فالأولى الدالة على وقت الاستقبال، والثانية الدالة على المفاجأة، وهي عند المبرد والسيرافي ظرف مكان (4)، وعند الزجاج وأبي علي الشلوبين ظرف زمان حاضر (5). وهذا هو ظاهر قول سيبويه، فإنه قال حين قصدها: وتكون للشيء توافقه في حال أنت فيها، وذلك قولك: مررت فإذا زيد قائم (6)، هذا نصه.

وروي عن الأخفش أنها حرف دال على المفاجأة (7). وهو الصحيح عندي، ويدل على صحته ثمانية أوجه (8):

أحدها: أنها كلمة تدل على معنى في غيرها، غير صالحة لشيء من علامات الأسماء والأفعال.

الثاني: أنها كلمة لا تقع إلا بين جملتين، وذلك لا يوجد إلا في الحروف -

(1) البيت من الطويل لقائل مجهول، وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 214)، والتذييل (3/ 330، 331)، واللسان «سمح - خلط» .

اللغة: خلط: أي مختلط بالناس متعجب.

والشاهد في قوله: (إذا هي أرسلت) كالذي قبله.

(2)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 214).

(3)

سورة الروم: 25.

(4)

ينظر: المقتضب (3/ 78)، وشرح الكافية للرضي (2/ 114).

(5)

ينظر: الارتشاف (ص 567)، والتذييل (3/ 336)، والمغني (1/ 87)، والهمع (1/ 207)، والمطالع السعيدة (ص 326).

وفي هذه المراجع السابقة أن كونها ظرف مكان هو اختيار الفارسي وابن جني وأبي بكر بن الخياط، وابن عصفور أيضا، وكونها ظرف زمان هو اختيار الرياشي والزجاجي والزمخشري وابن طاهر وابن خروف.

(6)

الكتاب (4/ 232).

(7)

ينظر: شرح الدماميني على المغني (1/ 186)، والمغني (1/ 87)، وشرح قواعد الإعراب (ص 181).

(8)

انظر: شرح التسهيل (2/ 214).

ص: 1939

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كلكن، وحتى الابتدائية.

الثالث: أنها كلمة لا يليها إلا جملة ابتدائية مع انتفاء علامات الأفعال، ولا يكون ذلك إلا في الحروف.

الرابع: أنها لو كانت ظرفا لم يختلف من حكم بظرفيتها في كونها مكانية أو زمانية؛ إذ ليس في الظروف ما [2/ 424] هو كذلك.

الخامس: أنها لو كانت ظرفا لم تربط بين جملتي الشرط والجزاء في نحو قوله:

وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (1) إذ لا يكون كذلك إلا حرف.

السادس: أنها لو كانت ظرفا، لوجب اقترانها بالفاء، إذا صدر بها جواب الشرط، فإن ذلك لازم لكل ظرف صدر به الجواب نحو: إن تقم فحينئذ أقوم، وإن تقم فعند مقامك أقوم.

السابع: أنها لو كانت ظرفا لأغنت عن خبر ما بعدها، ولكثر نصب ما بعده على الحال كما كان مع الظروف المجمع على ظرفيتها، كقولك: عندي زيد مقيما، وهناك بشر جالسا، والاستعمال في نحو: مررت فإذا زيد قائم، بخلاف ذلك.

الثامن: أنها لو كانت ظرفا لم يقع بعدها «إنّ» المكسورة غير مقترنة بالفاء (2) كما لا يقع بعد سائر الظروف نحو: عندي إنّك فاضل، وأمر «إنّ» بعد إذا المفاجأة بخلاف ذلك كقوله: -

1536 -

إذا أنّه عبد القفا واللهازم (3)

فتعين الاعتراف بثبوت الحرفية وانتفاء الظرفية، ومثال وقوعها بعد بينا قول الشاعر (4): -

(1) سورة الروم: 36.

(2)

ينظر: المغني (1/ 87)، وشرح الدماميني على المغني (1/ 186، 187)، وشرح قواعد الإعراب (ص 181)، والمنصف من الكلام على مغني ابن هشام للشمني (1/ 186، 187)، ورصف المباني (ص 61، 62).

(3)

تقدم في باب إن وأخواتها في مواضع فتح وكسر الهمزة.

(4)

نسب إلى حرفة بنت النعمان بن المنذر، وقيل: لهند بنت النعمان.

ص: 1940

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

1537 -

وبينا نسوس النّاس والأمر أمرنا

إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف (1)

ومثال وقوعها بعد بينما قول الشاعر: -

1538 -

بينما المرء في فنون الأماني

فإذا زائر المنون موافي (2)

انتهى كلامه رحمه الله تعالى (3)، وعرف منه أن «إذا» قسمان: -

غير فجائية: وهي ظرف مستقبل مضمن معنى الشرط. وفجائية.

وأن غير الفجائية قد تفارق الظرفية، فتكون مفعولا بها أو مجرورة بحتى أو مبتدأ، وأنها قد تفارق الشرطية، واستفيد ذلك من قوله:(غالبا) بعد قوله:

(مضمنة معنى الشرط). وأنها قد تفارق الاستقبال، واستفيد ذلك من قوله:

(وربما وقعت موقع «إذ») وكل من ذلك فيه بحث، وقد يتعلق بهذا الموضع أبحاث أخر، وأنا أورد ذلك كله جملة فأقول:

أما مفارقتها الظرفية فلم يثبت بقاطع، وما استدل به المصنف محتمل للتأويل، فأما الحديث الشريف وهو:«إني لأعلم إذا كنت عني راضية» ، فالمفعول فيه محذوف، والتقدير: إني لأعلم حالك أو شأنك أو أمرك إذا كنت عني راضية، و «إذا» باقية على الظرفية لم تفارقها، وأما قوله تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها * (4) فليست حتى فيه جارة بل هي حرف ابتداء باشرت الجملة الشرطية وجوابها، ودخول حتى على الجملة المصدرة بإذا الشرطية كثير في الكتاب العزيز، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ -

(1) البيت من الطويل، وهو في: الأمالي الشجرية (2/ 175)، والتذييل (3/ 318، 341)، وتعليق الفرائد (ص 1562)، وديوان الحماسة (2/ 53)، والمغني (1/ 311)، (2/ 371)، وشرح شواهده (1/ 365)، (2/ 723)، والخزانة (3/ 178)، والهمع (1/ 211)، والدرر (1/ 178)، واللسان (نصف - بين والألف اللينة).

والشاهد في البيت: وقوع «إذا» في جواب بينا.

(2)

البيت من الخفيف لقائل مجهول، وهو في: شرح التسهيل للمصنف (2/ 215)، والتذييل (3/ 342)، وتعليق الفرائد (ص 1581).

اللغة: زائر المنون: الموت.

والشاهد في البيت: وقوع «إذا» في جواب بينما.

(3)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 215).

(4)

سورة الزمر 71، 73.

ص: 1941

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

طَيِّبَةٍ (1) وجوابها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ (2)، وقال تعالى: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ (3)، وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها (4)، فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي (5)، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ (6)، فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ (7)[2/ 425]، فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً (8)، ولا شك أن مجيء جواب «إذا» يبطل كون حتى جارة؛ لأن الجر يخرج إذا عن الظرفية، ويصيرها مع ما بعدها في حيز المفرد، ولا يبقى إذ ذاك جملة شرطية تستدعي جوابا؛ لأنها تصير إذ ذاك مع ما بعدها غاية لما قبلها (9)، قال الشيخ: وكما جاءت «لو» الامتناعية بعد حتى وهي شرط في الماضي كذلك جاءت إذا، ولا يدّعي أحد أن «لو» في موضع جر بحتى، ومثال ذلك قول الشاعر (10):

1539 -

وما زال بي ذا الشّوق حتّى لو انّني

من الوجد أستبكي الحمام بكى لها (11)

انتهى (12).

وهذا لا يبطل به قول المصنف؛ لأن «لو» حرف، والحرف لا يجر. فالمانع من القول بجره حرفيته، وأما إذا فكلمة ثابتة الاسمية، فللقول بجرها مسوغ، وهو اسميتها، ثم قال الشيخ: ونصوا على أن حتى إذا دخلت على الجملة لا

تعمل فيها -

(1) و (2) سورة يونس: 22.

(3)

سورة فصلت: 19، 20.

(4)

سورة الزمر: 71.

(5)

سورة النمل: 83، 84.

(6)

سورة محمد: 16.

(7)

سورة محمد: 4.

(8)

سورة يونس: 24.

(9)

ينظر في هذه المسألة: المغني (1/ 94، 95)، والمنصف من الكلام للشمني (1/ 200، 201)، والمطالع السعيدة (ص 324، 325)، والهمع (1/ 206)، مع النحو والنحاة في سورة الأعراف (ص 276).

(10)

هو كثير عزّة، والبيت ليس في ديوانه، ولكنه في ديوان جميل بثينة برواية:

وما زلت بي يا بثن حتى لو انني

..... البيت.

(11)

البيت من الطويل، وهو في: التذييل (3/ 333)، وديوان جميل بثينة (ص 48).

واستشهد أبو حيان بالبيت على دخول «حتى» على لو الشرطية.

(12)

التذييل (3/ 332، 333).

ص: 1942

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا في شيء من أجزائها، بل تخرج على أحد وجهين: -

الأول: أن تكون حرف ابتداء، وليس المراد بذلك أن لا يليها إلا المبتدأ، بل المراد أن يكون بعدها المبتدأ نحو:

1540 -

وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان (1)

أو يصلح أن يقع بعدها المبتدأ، كقولك: ضربت القوم حتى زيدا ضربته، بنصب زيد، فهي هنا حرف ابتداء؛ لأنه يصلح أن يكون بعدها المبتدأ، فتقول: حتى زيد ضربته، قال: فكذلك يكون التقدير في قوله تعالى: فَهُمْ يُوزَعُونَ .. (2): حتى هم إذا جاءوها شهد عليهم سمعهم.

الوجه الثاني: أن تقدر حتى بمعنى الفاء، كما قدرها النحويون في قولهم: سرت حتى أدخل المدينة، برفع أدخل، وتقدير كونه قد وقع التقدير: سرت فدخلت المدينة، فكذلك حتى في هذه المواضع التي جاءت بعدها «إذا» تتقدر

بالفاء، ولا ينخرم منها موضع. انتهى (3).

وهو كلام حسن، إلا أن قوله: إن المراد بحتى الابتدائية أن يليها المبتدأ أو يصلح أن يقع بعدها المبتدأ، لا يظهر. والظاهر أن المراد من قولهم: حرف ابتداء، أن الكلام الذي يليها مستأنف لا تعلق له بما قبلها من حيث اللفظ.

ثم قال الشيخ: والدليل على بقائها شرطية اتفاق النحويين على ذلك في قوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها (4)، واختلفوا في الجواب فقيل: الواو زائدة، وقيل: الجواب محذوف، قال: وقد طالعت كثيرا من (الكتب في النحو)(5)، فلم أر من تعرض لهذه المسألة -

(1) عجز بيت من بحر الطويل، وهو لامرئ القيس وصدره: -

سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم

وينظر في: الكتاب (3/ 27)، والمقتضب (2/ 39)، وابن يعيش (5/ 144)، والخزانة (3/ 275)، والعيني (4/ 542)، وجمل الزجاجي (ص 78)، والمغني (1/ 127)، وشرح شواهده (1/ 374)، والهمع (2/ 136)، والدرر (2/ 188)، وديوانه (ص 93).

والشاهد فيه: وقوع المبتدأ بعد «حتى» .

(2)

سورة فصلت: 19.

(3)

التذييل (3/ 333).

(4)

سورة الزمر: 73.

(5)

في نسخة (من كتب النحو).

ص: 1943

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بخصوصها - يعني به حكم «إذا» الواقعة بعد حتى - إلا الزمخشري (1) وأبا البقاء العكبري وصاحب البسيط.

أما الزمخشري فإنه أجاز فيها أن تكون حرف ابتداء (2)، وأن تكون جارة لإذا بمعنى الوقت (3)، وأما أبو البقاء فإنه جرى فيها على القواعد، فقال في قوله [2/ 426] تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ (4): إذا في موضع نصب بجوابها وهو يقول:

وليس لحتى هنا عمل، وإنما أفادت معنى الغاية كما لا تعمل في الجمل (5)، وأما صاحب البسيط فإنه قال: وتقول: اجلس حتى إذا جاء زيد أعطيتك، فحتى هنا غير عاملة؛ لأنها دخلت على اسم معمول لغيرها، لأن «إذا» في موضع نصب بالجواب على الظرف، كأنك قلت: اجلس فإذا جاء زيد أعطيتك (6).

ثم قال الشيخ: وكان بعض الأذكياء يستشكل مجيء هذه الجملة الشرطية من إذا وجوابها بعد حتى، ويذكر لي

ذلك ويقول: كيف تكون حتى غاية وما بعدها جملة الشرط؟ فقلت له: الغاية في الحقيقة ما ينسبك من الجواب مرتبا على فعل الشرط، فالتقدير المعنوي الإعرابي:«فهم يوزعون إلى أن يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وقت مجيئهم إلى النار فينقطع الوزع» وكذلك: «وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا إلى أن تفتح لهم أبوابها وقت مجيئهم فينقطع السوق» وأما إذا كانت بمعنى الفاء فيطيح هذا الإشكال (7)؛ إذ لا تكون «حتى» إذ ذاك حرف غاية. انتهى.

وأما قوله تعالى: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (8) في قراءة من نصب خافِضَةٌ رافِعَةٌ (9)، فلا يتعين أن يكون: إذا رجت - خبرا، حتى يلزم منه أن تكون «إذا» في إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ مبتدأ (10)، فقد قيل: إن «إذا» من «إذا وقعت» باقية -

(1) ينظر: الكشاف: (1/ 236).

(2)

وهو رأي أبي حيّان أيضا في البحر المحيط (4/ 98).

(3)

ينظر: الكشاف (1/ 236).

(4)

سورة الأنعام: 25.

(5)

إملاء ما من به الرحمن (1/ 238، 239).

(6)

التذييل (3/ 333، 334).

(7)

التذييل (3/ 334).

(8)

سورة الواقعة: 1.

(9)

سورة الواقعة: 3.

(10)

ينظر: المحتسب (2/ 307) حيث إنه قال بهذا الرأي هناك.

ص: 1944

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على ظرفيتها، وتلك أحوال ثلاثة كما تقدم (1) وإِذا رُجَّتِ (2) بدل من إِذا وَقَعَتِ وجواب إذا: إما وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (3) على زيادة الواو، كما قالوا في:

حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها (4): أي فتحت، وكما قيل في قول الشاعر: -

1541 -

فلمّا أجزنا ساحة الحي وانتحى

بنا بطن خبت ذي ركام عقنقل (5)

أي انتحى، قال الشيخ: وهو تخريج كوفي أخفشي. وإما أن يكون الجواب محذوفا، فإما أن تقدر قبل وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً وتقديره: عرفتم مراتبكم ومنازلكم، وإما أن يكون الجواب فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (6) وما بعده، والمعنى:

فأصحاب الميمنة ما أعظمهم وما أنجاهم، وأصحاب المشأمة ما أحقرهم، وما أشقاهم، قال الشيخ:

وهذا الوجه أحسن، إذ لا يحتاج فيه إلى تكلف (7). انتهى.

ومنهم من قدر بدل عرفتم مراتبكم، انقسمتم أقساما، ثم عطف عليه وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (8). -

(1) الذي تقدم أن المصنف وافق ابن جني في جعله «إذا» الأولى في آية الواقعة مبتدأ و «إذا» الثانية في قوله تعالى: إِذا رُجَّتِ خبرا عنها. وقد علق أبو حيان على موافقة المصنف على رأي ابن جني بقوله:

وهو صحيح - فقال: ولا يتعين: ما قاله أبو الفتح - إذ يجوز أن تكون «إذا» باقية على ظرفيتها، وتلك أحوال ثلاثة و «إذا رجت» بدل من «إذا وقعت» وجواب «إذا» وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً على زيادة الواو كما خرجوا حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أي فتحت. اه. التذييل (3/ 334، 335).

وعلى هذا يكون ناظر الجيش موافقا لأبي حيان في هذه المسألة ومخالفا لرأي المصنف فيها.

(2)

سورة الواقعة: 4.

(3)

سورة الواقعة: 7.

(4)

سورة الزمر: 73.

(5)

البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس من معلقته المشهورة، وهو في شرح المعلقات للزوزني (ص 32)، والتذييل (3/ 335)، والبحر المحيط (5/ 87)، (8/ 53)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 50، 211)، والإنصاف (2/ 457)، والمنصف (3/ 41)، والخزانة (4/ 413)، وديوانه (ص 15) واللسان «جوز» .

اللغة: أجزنا: بمعنى قطعنا. والانتحاء والتنحي: الاعتماد على شيء. الخبت: من الرمل المعوج.

ذي ركام: بعضه فوق بعض. عقنقل: منعقد متداخل.

والشاهد في البيت: زيادة الواو في جواب «لما» .

(6)

سورة الواقعة: 8.

(7)

التذييل (3/ 335).

(8)

ينظر: الهمع (1/ 206).

ص: 1945

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأما مفارقتها الشرطية فقد مثل له المصنف كما عرفت بقوله تعالى: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (1) وبقوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (2) ولم يظهر لي وجه الاستدلال من الآية الأولى، فإن وجّه بأن الذي يدل على انتفاء الشرط عن «إذا» عدم صلاحيته «لسوف أخرج حيّا» لأن يكون جوابا له، إذ الفاء في مثله واجبة، وإذا انتفى

كون لَسَوْفَ أُخْرَجُ جوابا [2/ 427] تخلصت «إذا» للظرفية ويكون العامل فيها «أخرج» فيتم الاستدلال الذي قصده المصنف، لكن ينشأ على هذا إشكال وهو: أن ما بعد لام الابتداء لا يعمل فيما قبلها، لأنها من أدوات الصّدر، وحينئذ يبطل كون «أخرج» عاملا، وإذا بطل كون «أخرج» عاملا، وجب أن يكون العامل في إذا مقدرا من معنى أخرج (3)، التقدير:«إذا ما مت أبعث» لكن إذا كان العامل أبعث الذي هو مقدر، كان هو الجواب، وإذا كان هو الجواب مع كونه جوابا صناعيّا أمكن دعوى الشرطية في «إذا» ، إذ لا مانع من ذلك، وحينئذ لا يتم استدلال المصنف بهذه الآية الشريفة على أن «إذا» فارقتها الشرطية وخلصت للظرفية.

وأما الآية الشريفة الثانية وهي قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ومثله: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (4)، وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (5) فظاهر كون إذا فيه خلصت للظرفية وتجردت عن معنى الشرط؛ لأن فعل القسم المقدر مقصود به الإنشاء، فوجب أن يكون وجود معناه مقارنا لوجود لفظه، فلو كان الشرط مقصودا وجب أن يتأخر وجود المعنى إلى حين وجود الأمر المشروط، وذلك خلاف المقصود من الفعل الإنشائي الذي هو أقسم وشبهه، وإذا كان كذلك «فإذا» في هذه الآيات الشريفة تمحضت للظرفية (6).

بقي الكلام في العامل في الظرف ما هو؟.

لم أر في كلام المصنف ولا كلام الشيخ تعرضا إلى ذكره. -

(1) سورة مريم: 66.

(2)

سورة النجم: 1.

(3)

ينظر: إملاء ما من به الرحمن (2/ 115).

(4)

سورة الليل: 1.

(5)

سورة الفجر: 4.

(6)

ينظر: المغني (1/ 100)، وشرح الدماميني على المغني (1/ 202)، والمنصف من الكلام على مغني ابن هشام (1/ 202، 203)، والهمع (1/ 206)، والمطالع السعيدة (ص 324).

ص: 1946

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال أبو البقاء: «العامل فيه فعل القسم المحذوف، التقدير: أقسم بالنجم وقت هويّه» (1)، وما قاله غير ظاهر، فإن وقت هويه مستقبل؛ لأن إذا هي الدالة عليه، وهي للاستقبال. والفعل المضارع يتعين استقباله بعمله في ظرف مستقبل، فيلزم استقبال «أقسم» وهو فعل إنشائي لا محالة، وقد عرفت أن وجود معنى ما هو كذلك يجب أن يكون

مقارنا لوجود لفظه، والذي يظهر أن يكون الظرف المذكور في موضع الحال، فيكون العامل فيه إذ ذاك محذوفا، التقدير: أقسم بالنجم كائنا وقت هويه، وكذا التقدير في بقية الآيات، ومثّل غير المصنف (2) لخروج إذا عن الشرطية [بقوله] تعالى: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (3)، وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (4) فقال: لو كانت إذا شرطية وجب اقتران الجواب بالفاء؛ لأنه جملة اسمية، وقد التزم بعضهم شرطيتها في الآيتين الشريفتين، وذكر أن الفاء تضمر في الجواب أو أن الضمير توكيد لا مبتدأ، وما بعده الجواب، ولا يخفى ضعف ذلك (5).

وأما مفارقتها الاستقبال، فقد عرفت أن المصنف استدل على ذلك بقوله تعالى:

وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (6)، وبقوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها (7)، واستدل أيضا بقول الشاعر: -

1542 -

حللت بها وتري ....

..... البيت (8)

وبقول الآخر: -

1543 -

ما ذاق بؤس معيشة ....

...... البيت أيضا (9)

واستدل أيضا على وقوع «إذ» موقع «إذا» بقوله تعالى: إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى (10) فقال: إن إذ هذه [2/ 428] بدل من يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ (11) ويوم يجمع مستقبل المعنى، قال: فيتعين كون المبدل منه مثله في الاستقبال، وبقوله -

(1) إملاء ما من به الرحمن (2/ 246).

(2)

هو ابن هشام.

(3)

سورة الشورى: 37.

(4)

سورة الشورى: 39.

(5)

مغني اللبيب لابن هشام (1/ 100)، وشرح قواعد الإعراب (ص 177).

(6)

سورة التوبة: 92.

(7)

سورة الجمعة: 11.

(8)

تقدم ذكره.

(9)

تقدم ذكره.

(10)

سورة المائدة: 110.

(11)

سورة المائدة: 109.

ص: 1947

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تعالى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ (1) وبقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ (2) بعد إِذا زُلْزِلَتِ (3)، وجعل من ذلك قول الشاعر: -

1544 -

متى ينال الفتى اليقظان حاجته

إذ المقام بأرض اللهو والغزل (4)

كما تقدمت الإشارة إلى ذلك كله، وقد أورد الشيخ كلام المصنف هذا واستدلاله، ثم قال: وما استدل به يحتمل التأويل (5)، ولم يرد على ذلك.

وأقول: أما ما استدل به على أن «إذا» تقع موقع «إذ» . فالآية الأولى منه يمكن أن يقال فيها: إن المقصود حكاية حالهم حين ابتدأوا في الفعل، وإذا كان كذلك كان المحل حينئذ موقع «إذا» دون موقع «إذ» . وأما الآية الثانية فالمراد منها حكاية ما كانوا عليه، وما هو شأنهم وديدنهم، فالمعنى: حال هؤلاء أنهم إذا رأوا تجارة أو لهوا كان منهم ما ذكر ولو أتي «بإذ» في هذا المحل لصار المعنى الإخبار عن واقعة وقعت منهم، ولا يلزم من الإخبار بذلك أن يكون ذلك من شأنهم (6) وأما البيتان اللذان أنشدهما وهما: -

1545 -

حللت بها وتري

وقول الآخر: -

1546 -

ما ذاق بؤس معيشة

فيظهر أن لا دليل فيهما على المطلوب؛ لأن جواب الشرط فيهما محذوف، والمذكور المتقدم دليل عليه، ولا شك أن الجواب مستقبل المعنى كالشرط، فوجب أن يكون دليل الجواب مستقبلا. فكأن قائل الأول قال: -

إذا ما تناسى ذحله كلّ غيهب حللت بها وتري وأدركت ثورتي.

وكأن قائل الثاني قال: - -

(1) سورة غافر: 70، 71.

(2)

سورة الزلزلة: 4، وهي في (أ):(ويومئذ) وهو خطأ.

(3)

سورة الزلزلة: 1.

(4)

تقدم ذكره.

(5)

التذييل (3/ 327).

(6)

أورد الشمني رأي الشارح هنا في تعليقه على المغني، فقال: وهذا لا غبار عليه.

كما أورد رأيه الدماميني في شرح المغني أيضا.

ينظر: المنصف من الكلام على مغني ابن هشام (1/ 201)، وشرح الدماميني للمغني (1/ 201).

ص: 1948

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا لم يعشق أحد فما ذاق بؤس معيشة ولا نعيمها.

وكذا قول الآخر (1): -

1547 -

وندمان يزيد الكأس طيبا

سقيت إذا تغوّرت النّجوم (2)

المعنى: إذا تغورت النجوم سقيت أي: أسقي، فسقيت مستقبل المعنى إلا أن يدعي المصنف أن إذا فارقتها معنى الشرطية في هذه الأبيات، وتجردت للظرفية، فيتم مراده، ويتوجه استدلاله. وأما ما استدل به على وقوع «إذ» موقع «إذا» ففيه للبحث مجال. أما وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى (3) وأن «إذ» بدل من يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ (4) فهذا متوقف على أن هذا القول الشريف لم يكن في الدنيا، وإنما يكون يوم القيامة، وعلى أن العامل فيه هو العامل في يَوْمَ يَجْمَعُ، وإذا تعين هذان الأمران يجاب حينئذ بالجواب المشهور عن ما هو نظير هذه الآية الشريفة، وهو أن المستقبل المحقق الوقوع يعبر عنه بما يعبر عن الواقع الذي قد مضى؛ لأن الإخبار عن الأمر العظيم بأنه قد وقع أبلغ من الإخبار عنه بأنه سيقع، وبتقدير أن لا يكون قد عبر عن المستقبل المحقق الوقوع بالماضي يمكن أن يجاب بأن يَوْمَ يَجْمَعُ لما ذكر، ومضى ذكره، صار في حكم شيء استقر [2/ 429] مضيه تنزيلا للماضي الذكر منزلة الماضي الوقوع، وهذا التقرير نظير ما قاله الزمخشري في قوله تعالى: الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ (5) إن ذلك كيف أشير به إلى ما ليس ببعيد، وأجاب بأنه لما وقعت الإشارة إلى الم بعد ما سبق التكلم به وتقضى، والمقتضى في حكم المتباعد، جاز ذلك (6). وبهذا الجواب يجاب عن استدلاله بقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ (7) بعد -

(1) هو البرج بن مسهر من شعراء طيء وأحد المعمرين.

(2)

البيت من الوافر، وهو في: التذييل (3/ 335)، والبحر المحيط (3/ 31، 119)، ومجاز القرآن لأبي عبيدة (1/ 21)، والمغني (1/ 95)، وشرح شواهده (1/ 280)، وشذور الذهب (ص 538)، وديوان الحماسة (2/ 86)، اللسان «عرق» .

اللغة: الندمان: النديم. تغورت: غابت.

والشاهد فيه: وقوع «إذا» بعد الماضي، وهذا يوهم بوقوع «إذا» موقع «إذ» وأوله بعضهم على أن الماضي مصروف إلى الاستقبال، وهذا ما قال به ناظر الجيش هنا.

(3)

سورة المائدة: 110.

(4)

سورة المائدة: 109.

(5)

سورة البقرة: 1، 2.

(6)

الكشاف (1/ 12).

(7)

سورة الزلزلة: 4.

ص: 1949

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إِذا زُلْزِلَتِ (1)؛ لأن ما تقدم ذكره وتقريره صار في حكم الماضي، وأما قوله تعالى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ (2)، فهي من باب ما عبر عن المستقبل فيه بالماضي؛ لتحقق وقوعه (3)، وأما قول الشاعر: -

1548 -

متى ينال الفتى اليقظان حاجته

إذ المقام بأرض اللهو والغزل (4)

فالظاهر أن «إذ» فيه للتعليل؛ لأن الظاهر أن المراد بالاستفهام في البيت النفي، فالمعنى: لا ينال الفتى اليقظان حاجته بسبب مقامه بأرض اللهو والغزل، وقد تقدم أن الذي يقتضيه النظر أن «إذا» إذا كانت للتعليل يحكم بحرفيتها.

وأما الأبحاث: - فمنها:

أنه قد عرف من قول المصنف: ويضاف أبدا إلى جملة مصدرة إلى أخره - أن «إذا» ليست معمولة للفعل الذي يليها، لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف، وإنما هي معمولة لفعل الجواب، ولا شك أن هذا هو مذهب الجمهور، وهو المعروف المشهور، وذهب بعض النحويين إلى أنها ليست مضافة إلى الجملة بعدها، وأن العامل فيها الفعل الذي يليها، وأنها ليست معمولة لفعل الجواب كما ذهب إليه الجمهور (5)، قال الشيخ: وهذا المذهب هو الذي نختاره حملا لها على أخواتها من أسماء الشرط، ألا ترى أنك إذا قلت: متى تقم أقم، كان منصوبا بالفعل الذي يليه، ويدل على ذلك قولك: أيّا تضرب أضرب، قال: وما ذهب إليه الجمهور فاسد من وجوه: -

أحدها: أن إذا الفجائية تقع جوابا لإذا الشرطية نحو قوله تعالى: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا (6) وما بعد إذا لا يعمل فيما -

(1) سورة الزلزلة: 1، وزاد في (ب):(الأرض).

(2)

سورة غافر: 70، 71.

(3)

ينظر: حاشية الجمل على الجلالين (4/ 26) حيث خرج الآية بما خرج به ناظر الجيش هنا.

(4)

تقدم ذكره.

(5)

ينظر: الهمع (1/ 207)، والمطالع السعيدة (ص 325).

(6)

سورة يونس: 21.

ص: 1950

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قبلها، وأجمعوا على أن جواب إذا هو إذا الفجائية مع ما بعدها، كما أجيب بها «إن» في قوله تعالى: إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (1).

الثاني: وقوع الجواب لإذا وقد اقترن بالفاء نحو: إذا جاءك زيد فاضربه، وما بعد الفاء لا يعمل فيما قبله.

الثالث: أن جوابها جاء منفيّا بما. نحو قوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا (2)، وما بعد «ما» النافية لا يعمل فيما قبلها.

الرابع: اختلاف الظرفين في بعض الصور نحو: إذا جئتني غدا أجيئك بعد غد، فلا يمكن إذ ذاك أن يكون الجواب عاملا فيها وعاملا في «بعد» لاستحالة وقوع الفعل الواحد في زمانين (3). انتهى.

وقد استدل لأصحاب هذا المذهب بأمرين آخرين أيضا: -

أحدهما: أن الشرط والجزاء عبارة عن جملتين يربط بينهما بالأداة، قالوا: وعلى قول [2/ 430] الجمهور: إن العامل فعل الجواب أو ما أشبهه تصير الجملتان واحدة؛ لأن الظرف عندهم من جملة الجواب، والمعمول داخل في جملة عامله.

الثاني: أن ذلك ممتنع في قول زهير: -

1549 -

بدا لي أني لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (4)

لأن الجواب محذوف، التقدير: إذا كان جائيا فلا أسبقه، ولا يصح أن يقال:

لا أسبق شيئا وقت مجيئه؛ لأن الشيء إنما يسبق قبل مجيئه، فإن قالوا في البيت:

إنها غير شرطية، فهي معمولة لما قبلها وهو سابق، كان ذلك لازما لهم أيضا، وأما على القول بأن العامل في «إذا» هو ما يليها فهي شرطية محذوفة الجواب، وعاملها: إما خبر كان، أو نفس كان إن قيل بأنها دالة على الحدث (5)، ثم إنهم أوردوا بعد ذلك سؤالا وهو: إنكم إذا قلتم: إن العامل في إذا هو الفعل الذي يليها -

(1) سورة الروم: 36. والآية بتمامها: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ.

(2)

سورة الجاثية: 25.

(3)

التذييل (3/ 328، 329).

(4)

البيت من بحر الطويل، لزهير بن أبي سلمى من قصيدة مشهورة، وقد سبق الاستشهاد به. وهو في المغني وغيره من كتب النحو.

(5)

ينظر: المغني (1/ 96)، حيث أورد هذين الاستدلالين.

ص: 1951

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو فعل الشرط لزمكم في نحو: إذا جئتني غدا أجيئك بعد غد، أن يكون جئتني قد عمل في إذا، مع كونه عاملا في غد، وعامل واحد لا يعمل في ظرفي زمان بغير عطف، وهو سؤال متجه، وقد أجيب عن ذلك: بأن العامل الواحد يجوز أن يعمل في ظرفي زمان إذا كان أحدهما أعم من الآخر نحو: آتيك يوم الجمعة سحر، قالوا: وليس سحر في هذا التركيب بدلا، لجواز سير عليه يوم الجمعة سحر، برفع الأول ونصب الثاني، نص على ذلك سيبويه، وأنشد للفرزدق: -

1550 -

متى تردن يوما سفار تجد بها

أديهم يرمي المستجيز المعوّرا (1)

ولا يجوز أن يكون يوما في البيت بدلا من «متى» لأنه لو كان بدلا كان مقترنا بحرف الشرط، وذلك لا يجوز في «غدا» من قولك: إذا جئتني غدا، في المثال المتقدم أن يكون بدلا من إذا (2)، لهذه العلة التي ذكرناها، وقد تعقب على الشيخ كونه حكم على قوله تعالى: ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا (3) بأنه جواب (4) - بأن قيل: ليس هذا بجواب، إذ لو كان جوابا لكان مقترنا بالفاء، وإنما الجواب محذوف، التقدير: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات عمدوا إلى الحجج الباطلة (5).

واعلم أن الموجب لدعوى الجمهور بأن «إذا» معمولة للجواب لا للشرط - أنهم حكموا بإضافتها إلى الجملة الشرطية، وذلك أنها كلمة مبنية، وعلة بنائها شبهها بالحرف في الافتقار إلى الجملة، فكانت إضافتها إلى الجملة لازمة، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف، وإذا امتنع عمل فعل الشرط، تعين أن يكون العامل ما في الجواب من فعل أو ما يشبه الفعل (6)، وبهذا التقرير لا يتم تنظير الشيخ «إذا» «بمتى» لأن متى غير مضافة، إذ لا داعي يدعو إلى القول بإضافتها، لأن بناءها -

(1) البيت من الطويل، وهو في: المقتضب (3/ 50)، والمغني (1/ 97)، وشرح شواهده (1/ 285)، وشذور الذهب (ص 133)، وديوان الفرزدق (ص 355) وليس البيت في كتاب سيبويه كما ذكر الشارح. وفي رأيي أن الشارح نقل هذا النص عن ابن هشام دون أن يتحرى الدقة فيما نسبه إلى سيبويه من أنه أورد هذا البيت وأنشده.

(2)

ينظر: مغنى اللبيب (1/ 96، 97).

(3)

سورة الجاثية: 25.

(4)

ينظر: التذييل (3/ 328).

(5)

ينظر: المغني (1/ 98) وقد يكون ابن هشام هو المقصود بقول الشارح هذا، وقد تعقب على الشيخ؛ لأن ابن هشام هو الذي عقب على كلام أبي حيان في المغني.

(6)

ينظر: الهمع (1/ 206، 207).

ص: 1952

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لتضمن معنى الحرف، ولكن القائلين بأن العامل في «إذا» فعل الشرط يمنعون كون «إذا» مضافة إليه، ويجعلون علة بنائها تضمنها معنى الشرط، كما قيل في «متى» وأخواتها، ويستدلون على ذلك بأنه قد يجزم بها، ومع الجزم لا يمكن دعوى الإضافة، فيتعين كون علة البناء تضمن معنى الشرط، وإذا ثبت ذلك لها [2/ 431] في حالة الجزم بها نحو قول الشاعر:

1551 -

وإذا تصبك خصاصة فتجمّل (1)

ثبت مطلقا، ليجري الأمر فيها على سنن واحد (2)، ولكن يشكل حينئذ شيء آخر، وهو أن «إذا» محكوم ببنائها حال تجردها للظرفية، وانسلاخها عن معنى الشرط، فيقال: ما الموجب لبنائها حينئذ، إذ معنى الشرط مفقود، وأنتم قد قلتم:

إنها غير مضافة إلى ما بعدها؟ وقد يجاب عن ذلك بأنها ثبتت في هذه الحالة، لشبهها بإذا التي تضمنت معنى الشرط، هذا آخر الكلام على إذا غير الفجائية.

وأما إذا الفجائية، فقد تقدمت الإشارة إلى ذكر المذاهب الثلاثة فيها، وتقدم ذكر اختيار المصنف أنها حرف، وتقدم استدلاله على ذلك أيضا، وقد نازعه الشيخ في ذلك، وزعم أنه أبطل أدلته، حتى عارض قول المصنف: فثبت الاعتراف بثبوت الحرفية، وانتفاء الاسمية بقوله: ويقال له: فثبت الاعتراف بثبوت الاسمية وانتفاء الحرفية (3)، ولكني تركت إيراد ذلك خشية الإطالة، ثم إن ذلك ليس تحته فائدة يخشى فواتها، أو يترتب محذور على عدم معرفتها، وقد عرفت أن «إذا» هذه تفارق إذا الشرطية من أوجه:

منها: أن هذه تختص بالجمل الاسمية، والشرطية تختص بالجمل الفعلية.

ومنها: أن الشرطية لا بد لها من جواب، ولا جواب لهذه، وهذا ظاهر.

ومنها: أن تلك للاستقبال وهذه للحال.

ومنها: أن هذه لا يبتدأ بها كلام بخلاف تلك (4)، وقد تقدم في باب الاشتغال -

(1) تقدم ذكره.

(2)

ينظر: المغني (1/ 96)، وشرح الدماميني على المغني (1/ 203، 204).

(3)

التذييل (3/ 340).

(4)

ينظر: الأزهية للهروي (ص 202 - 204)، والمغني (1/ 87)، ورصف المباني للمالقي (ص 61، 62)، ومع النحو والنحاة في سورة الأعراف (ص 66)، والهمع (1/ 206)، والمطالع السعيدة (ص 324، 325)، وشرح قواعد الإعراب (ص 177، 178).

ص: 1953

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أن الأخفش يجيز وقوع الفعل بعد إذا الفجائية إذا كان الفعل مقرونا بقد (1)، وأما كون خبر المبتدأ الواقع بعدها يذكر تارة، ويحذف تارة، فقد تقدمت الإشارة إليه في باب المبتدأ (2)، ولنذكر ذلك هنا ملخصا، فنقول:

قد علمت الخلاف فيها هل هي حرف أو ظرف زمان أو ظرف مكان، ثم يعلم أنهم اختلفوا إذا كانت ظرفا، هل تلزم الإضافة إلى جملة أم لا؟ فعلى القول بأنها حرف أو تلزم الإضافة إلى جملة إذا كانت اسما، يلزم أن يكون خبر المبتدأ الذي بعدها محذوفا في نحو: خرجت فإذا السبع، التقدير: فإذا السبع حاضر أو موجود، وعلى القول بأنها لا تلزمها الجملة حال اسميتها: فإن قلنا: إنها ظرف مكان كانت خبرا عما بعدها، حدثا كان أو جثة وإن قلنا: هي ظرف زمان كانت خبرا عما بعدها إن كان حدثا نحو: خرجت فإذا القتال، وإلا فالخبر محذوف إن كان جثة وهو العامل في إذا يعني الخبر (3).

واعلم أن من فروع هذه المسألة، المسألة المشهورة بين سيبويه والكسائي رحمهما الله تعالى: وهي قول العرب: قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا هو هي، وقالوا أيضا: فإذا هو إياها، وهو الذي أنكره سيبويه لما سئل عنها، وقال في الجواب: فإذا هو هي، وقد حكى المجلس برمّته الشيخ علم الدين السخاوي رحمه الله (4) في كتابه: سفر السعادة، وتكلم رحمه الله تعالى عليها [2/ 432] ونقل فيها كلام كثير من العلماء (5)، قال رحمه الله تعالى: فمن ذلك ما جرى بين سيبويه والكسائي في مجلس يحيى بن خالد البرمكي عن الفراء، قال: قدم سيبويه رحمه الله تعالى على -

(1) انظر ذلك في: باب الاشتغال.

(2)

انظر ذلك الحديث أول باب المبتدأ والخبر.

(3)

ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 103).

(4)

هو علي بن محمد بن عبد الصمد الإمام علم الدين أبو الحسن السخاوي النحوي المقرئ الشافعي، كان إماما علامة مقرئا محققا مجودا بصيرا بالقراءات وعللها، إماما في النحو واللغة والتفسير.

أخذ عن الشاطبي والتاج الكندي، وسمع من السلفي وابن طبرزد وجماعة، وتصدر للإقراء بجامع دمشق وازدحم عليه الطلبة، ولم يكن له شغل إلا العلم، وله من التصانيف: شرحان على المفصل، سفر السعادة، وسفير الإفادة، وشرح أحاجي الزمخشري النحوية، وشرح الشاطبية، وغير ذلك.

توفي بدمشق سنة 643 هـ. بغية الوعاة (2/ 192) تحقيق محمد أبو الفضل.

(5)

ينظر: سفر السعادة وسفير الإفادة للسخاوي.

ص: 1954

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

البرامكة، فعزم يحيى على الجمع بينه وبين الكسائي، فجعل لذلك يوما، فلما حضر - يعني سيبويه - تقدمت أنا والأحمر، فدخلنا فإذا بمثال في صدر المجلس، يقعد عليه يحيى ومعه إلى جانب المثال (1) الفضل وجعفر، ومن حضر بحضورهم، فأقبل الأحمر على سيبويه، فسأله عن مسألة، فأجاب عنها سيبويه فقال له الأحمر:

أخطأت، ثم مسألة ثانية فأجاب فيها، فقال له: أخطأت، فقال سيبويه: هذا سوء أدب، قال الفراء: فأقبلت عليه فقلت له: إن في هذا الرجل حدّة وعجلة، ولكن ما تقول في من قال: هؤلاء أبون، ومررت بأبين، كيف تقول على مثال ذلك من وأيت وأويت، فقدر فأخطأ، فقلت: أعد النظر، فقدر فأخطأ، فقلت: أعد النظر ثلاث مرات يجيب ولا يصيب، فلما كثر ذلك قال: لست أكلمكما أو يحضر صاحبكما، فحضر الكسائي فأقبل على سيبويه فقال: كيف تقول: كنت أظن أن العقرب أشدّ لسعة من الزنبور، فإذا هو هي، أم فإذا هو إياها؟ قال سيبويه: فإذا هو هي ولا يجوز النصب فقال له الكسائي: لحنت، ثم مسألة من مسائل هذا النحو:

خرجت فإذا عبد الله القائم أو القائم، فقال سيبويه: ذلك كله بالرفع دون النصب، فقال الكسائي: العرب ترفع ذلك كله وتنصبه، فدفع سيبويه قوله، فقال يحيى بن خالد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلد كما، فمن ذا يحكم بينكما؟ فقال له الكسائي:

هذه العرب ببابك قد اجتمعت من كل أوب ووفدت عليك من كل قطر وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهم أهل المصرين وسمع أهل البصرة وأهل الكوفة منهم، فيحضرون ويسألون، فقال يحيى أو جعفر: قد أنصفت، وأمر بإحضارهم، فدخلوا وفيهم أبو فقعس، وأبو زياد (2)، وأبو الجراح، وأبو ثروان (3)، فسئلوا فاتبعوا الكسائي وقالوا بقوله، فأقبل يحيى على سيبويه فقال: قد يسمع، فاستكان سيبويه وأقبل الكسائي على يحيى فقال: أصلح الله

الوزير؛ إنه قد وفد عليك من بلده مؤملا، فإن رأيت لا ترده خائبا، فأمر له بعشرة آلاف درهم، فخرج وصير وجهه إلى فارس، -

(1) التمثال أو المثال: هو الفراش وجمعه «مثل» يقال: مثال رث أي فراش خلق.

(2)

هو والد الفراء، وهو زياد بن عبد الله بن مروان، ويعرف بالأقطع لأنه قطعت يده في الحرب مع الحسين بن علي رضي الله عنه وكان مولى لأبي ثروان. البغية (2/ 333) تحقيق محمد أبو الفضل.

(3)

أبو ثروان: هو الذي أشرت إليه في ترجمة أبي زياد السابقة، وأبو ثروان كان مولى بني عبس.

البغية (2/ 333) تحقيق محمد أبو الفضل، وقد توفي بعد سنة 565 هـ.

ص: 1955

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولم يعد إلى البصرة (1)، وذكروا أنه لما دخل من دخل من العرب، وقالوا: القول ما قال الكسائي، قال سيبويه: مرهم فليتلفظوا بذلك؛ فإن ألسنتهم لا تجري به (2).

قال أبو القاسم الزجاجي: وأقول في ذلك بحسب ما يوجب النظر، أما حكاية الفراء عن الأحمر أنه سأل سيبويه ثلاث مسائل فقال له: أخطأت - فقد أقر الفراء بأنه أجاب فيها وشهد له بذلك، فلا يلتفت إلى قول الأحمر: أخطأت، ومع [2/ 433] ذلك فلم تحك المسائل ليعلم وجه الخطأ فيها من الصواب، وأما قول الفراء: إني قلت له: كيف تقول في مذهب من قال: هؤلاء أبون ومررت بأبين، ومثله من وأيت وأويت، وقوله: إنه قدر ثلاث مرات فأخطأ، فقد كان الواجب أن يحكي كيف قدر ثلاث المرات، ويدل على موضع الخطأ؛ ليعلم أصادق هو في ذلك أم كاذب، فلعل جواب سيبويه في ذلك كان صوابا، ورأى الفراء خلافه، فكان عنده مخطئا لمخالفته إياه (3).

قلت: هذا الذي قاله أبو القاسم هو الحق، وهذا كما سأل بعض الشباب الشافعي رضي الله تعالى عنه عن مسألة فأجابه، فقال: أخطأت، فقال: يا ابن أخي أخطأت ما في كتابك، ولم أخطئ الحق، والصواب.

قال أبو القاسم: ونحن نذكر الجواب في هاتين المسألتين: -

1 -

اعلم أن «أوى» لامه ياء؛ فإذا بنيت منه اسما قلت: أوى مثل هوى، فإذا جمعته على مذهب من قال: أبون وأبين رفعا وجرّا قلت: أوون فتسقط اللام لسكونها وسكون واو الجمع أو يائه، فيقال: أوون وأوين، كما يقال في مصطفى:

مصطفون ومصطفين، قال: وهذا متفق عليه عند البصريين. وللكوفيين في ذلك مذهب آخر نذكره بعد المتفق عليه. وكذلك لو جمعت عصا ورحى وما أشبه ذلك اسم رجل جمع السلامة لقلت: عصون وعصين، ورحون

ورحين. وأما وأى فلامه ياء أيضا. فإذا بنيت منه اسما على فعل وجمعته جمع السلامة قلت: وأون ووأين على الطريق الذي تقدم في جمع أوى، قال: وهذا واضح بيّن متفق عليه، وليس -

(1) سفر السعادة وسفير الإفادة للسخاوي.

(2)

ينظر: الأشباه والنظائر (3/ 65، 66) والمغني (1/ 88 - 92).

(3)

ينظر هذه المسألة في: أمالي الزجاجي (ص 239 - 241).

ص: 1956

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مما يغلط فيه سيبويه ولا من هو دونه (1)، ولكن الفراء سأله أن يبني منه على مذهبه على أنه معرب من مكانين؛ لأنه يسمي هذه الأسماء أعني قولهم: أبوك وأخوك وأخواتهما وابنم وامرؤ معربة من مكانين (2) وهذا عند البصريين محال؛ لأنه لو جاز أن يجعل في اسم واحد رفعان كما زعموا لجاز أن يتم فيها إعرابان مختلفان، فيجمع رفع ونصب، أو نصب وخفض في حال واحد، وهذا محال، فكما امتنع، امتناع إعرابين مختلفين، كذلك يمتنع اجتماع إعرابين متفقين. فلعل سيبويه قدر أن يجمع جمع السلامة على ما ذكرنا، ولم يسبق إلى عمله أن في الكلام شيئا يعرب من مكانين، ولم يصرح له بذلك ليدهشه بقوله: أعد النظر، ولا يعرفه من أي جهة أخطأ، فكان يرد بذلك عليه بما يوجبه القياس، ثم ذكر أبو القاسم قياس هاتين المسألتين على مذهب الفراء والكسائي (3) وقرر ذلك، فتركت إيراده خشية الإطالة.

ثم إن الذي قرره عنهما في ذلك لا يبنى عليه قاعدة، حتى قال أبو القاسم: إن ذلك ليس من كلام العرب، وإنما هي أوضاع وضعوها، وذكر بعد ذلك عن المازني كلاما يتعلق بشيء مما ذكره الكوفيون وعن [2/ 434] الأخفش أيضا، ولا شك أنه قد تقدم في باب الإعراب عند ذكر الأسماء الستة الإشارة إلى مذاهب الناس واختلافهم في إعرابها بما هو (4)، وفي ذلك غنية، ثم قال أبو القاسم: وأما مسألة -

(1) ينظر: مغني اللبيب (1/ 90، 91)، وشرح الدماميني على المغني (1/ 191 - 193).

(2)

في سفر السعادة للسخاوي: «على أن قولهم: أخوك وأبوك وما أشبههما معرب من مكانين، يعنون أن الضمة والواو إعرابان؛ لأن الرفع في الكلام بالضمة وبالواو، وليس يقول البصريون: إن هذه الأسماء معربة من مكانين، وإنما هي أشياء خرجت عن القياس، فسبيلها أن تحكى ولا يقاس عليها؛ لأن الشاذ لا يجعل أصلا» ا. هـ، وفي الارتشاف (ص 264).

«وذهب الكسائي والفراء إلى أنها معربة بالحركات والحروف معا، وهو الذي يعنون به أنه معرب من مكانين» ا. هـ.

(3)

ينظر: مجالس العلماء للزجاجي (8/ 10) تحقيق عبد السّلام هارون، والإنصاف (2/ 702 - 706)، وسفر السعادة، والأمالي الشجرية (1/ 229، 230).

(4)

في سفر السعادة لعلم الدين السخاوي: «وللبصريين في هذه الأسماء أقوال: كان المازني يقول:

ضمة الباء إعراب والواو إشباع يؤكد الإعراب، وإذا قلت: أباك فالفتحة إعراب والألف إشباع، وكذلك لأبيك: الكسرة إعراب والياء إشباع، قال: ونظيره في الأفعال هو يضربو؛ فالباء حرف الإعراب والضمة الإعراب والواو للإطلاق والإشباع. ومثله: «أضلونا السبيلا» قال أبو عثمان: فإن قال قائل: -

ص: 1957

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكسائي: كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي بالرفع لا يجوز غيره كما تقول: خرجت فإذا عبد الله قائم، ثم كمل الكلام على المسألة (1) فمن أراد الوقوف على ذلك فليتطلبه.

وملخص ما قيل: أن ما أجاب به سيبويه موافق لما نطق به الكتاب العزيز، قال الله تعالى: فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ * (2)، فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (3)، وأما فإذا هو إياها فقد علمت أن سيبويه أنكره؛ فإما أن لا يكون ورد عن العرب فيتعين رده، وإما أن يكون قد ورد فيكون من الشاذ الذي لا يعرج عليه، وقد روى أبو زيد الأنصاري (4): فإذا هو إياها (5)، فإما أن يكون سيبويه قد بلغته هذه اللغة فلم يقبلها، ولا عرج عليها؛ لأنه ليس كل من سمع منه أهلا عنده للقبول منه والحكاية عنه، ألا ترى أنهم قد حكوا: أن من العرب من ينصب بلم ويجزم بلن وكي (6)؟ حكى ذلك اللحياني (7)، وليس ذلك مما يلتفت إليه، والقصد أن «فإذا هو إياها» إن ثبت وروده فهو خاج عن القياس واستعمال الفصحاء، وقد ذكروا له توجيهات: -

أحدها: أن إذا ظرف فيه معنى وجدت ورأيت، فجاز له أن ينصب المفعول وهو مع ذلك ظرف مخبر به عن الاسم بعده (8)، ورد ذلك بأن المعاني لا تنصب -

- ألم تذهبي في خطاب الواحد في لغة من أشبع إذا كان في لغة من أشبع إذا كان في قافية فاحتيج إلى تحريكه للوصل أي شيء أكدت بالباء؟ فالجواب: أن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء، فكما تكون الياء مؤكدة للجر في الأسماء كذلك تكون مؤكدة للجزم؛ لأنه نظير الجر، فقال الأخفش في قولهم: أخوك وما أشبهه أقوالا مختلفة، وقال في موضع الواو دليل على الإعراب كما قال ذلك في الواو من مسلمون والياء من مسلمين». ا. هـ.

(1)

ينظر: مجالس العلماء للزجاجي (8/ 10)، وأمالي الزجاجي (239 - 241).

(2)

سورة الأعراف: 108، وسورة الشعراء:33.

(3)

سورة طه: 20.

(4)

هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري صاحب النوادر (215 هـ). تقدمت ترجمته.

(5)

ينظر: الإنصاف (2/ 704).

(6)

ينظر: الإنصاف (2/ 704)، والظروف المفردة والمركبة في اللغة العربية (ص 167).

(7)

هو أبو الحسن علي بن حازم تلميذ الكسائي (220 هـ). تقدمت ترجمته.

(8)

هذا التخريج لأبي بكر بن الخياط، ينظر: المغني (1/ 91).

ص: 1958

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المفاعيل الصحيحة، وإنما تعمل في الظروف والأحوال، ثم ما قاله هذا القائل لا يتحقق؛ لأن وجدت ورأيت يحتاج كل منهما إلى مفعولين، فكان يتعين نصب الاسم الأول أيضا.

ثانيها: أن ضمير النصب استعير فاستعمل في موضع ضمير الرفع (1).

ثالثها: أنه مفعول به والأصل: فإذا هو يساويها، أو فإذا هو يشبهها، ثم حذف الفعل فانفصل الضمير، وهذان التوجيهان للمصنف رحمه الله تعالى، ونظير التخريج الثاني له قراءة من قرأ:(لئن أكله الذئب ونحن عصبة)(2) التقدير:

نوجد أو نرى عصبة (3).

رابعها: أنه مفعول مطلق والأصل: فإذا هو يلسع لسعتها، ثم حذف الفعل كما تقول: ما زيد إلا شرب الإبل، ثم حذف المضاف.

قال الشلوبين: وهو أشبه ما وجه به النصب (4).

خامسها: أنه منصوب على الحال من الضمير في الخبر المحذوف، والأصل: فإذا هو ثابت مثلها، ثم حذف المضاف فانفصل الضمير وانتصب في اللفظ على الحال على سبيل النيابة كما قالوا: قضية ولا أبا حسن لها (5)، على إضمار مثل. وهذا التوجيه لابن الحاجب، وهو مبني على إجازة: له صوت صوت الحمار بالرفع صفة لما قبله بتقدير مثل (6)، ومعلوم أن الخليل يجيزه، وأن سيبويه حكم بقبحه وضعفه (7)، وإذ قد مضى هذا فاعلم أنهم اختلفوا في الفاء الداخلة على إذا المفاجأة [2/ 435]-

(1) في المغني (1/ 91): «قال ابن مالك: ويشهد له قراءة الحسن (إيّاك تعبد) ببناء الفعل للمفعول، ولكنه لا يتأتى فيما أجازوه من قولك: فإذا زيد القائم بالنصب؛ فينبغي أن يوجه هذا على أنه مقطوع، أو حال على زيادة «أل» وليس ذلك مما يقاس». ا. هـ.

(2)

سورة يوسف: 14.

(3)

ينظر: إملاء ما من به الرحمن (2/ 50) وفيه أن قراءة النصب قراءة شاذة. وينظر: البديع في شواذ القراءات لابن خالويه (ص 62).

(4)

ينظر: المغني (1/ 92).

(5)

ذكره سيبويه في: الكتاب (2/ 297)، والمرادي في شرح التسهيل (1/ 462).

(6)

الأمالي النحوية لابن الحاجب (ص 359، 360)، وينظر: المغني (1/ 92).

(7)

ينظر: الكتاب (1/ 361).

ص: 1959