المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[خلاف البصريين والكوفيين في العامل] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٤

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن عشر باب الفاعل

- ‌[تعريفه]

- ‌[من أحكام الفاعل: الرفع وتقديم الفعل]

- ‌[من أحكام الفاعل: تأنيث الفعل وجوبا وجوازا]

- ‌[من أحكام الفاعل: ألا تلحقه علامة تثنية أو جمع]

- ‌[من أحكام الفاعل: جواز حذف الفعل]

- ‌الباب التاسع عشر باب النّائب عن الفاعل

- ‌[أغراض حذف الفاعل - ما ينوب عنه]

- ‌[جواز نيابة غير المفعول مع وجود المفعول]

- ‌[جواز نيابة أي المفعولين]

- ‌[بعض المنصوبات لا تجوز إنابتها]

- ‌[التغييرات التي تحدث في الفعل عند بنائه للمجهول]

- ‌[أحكام تأخير المفعول عن الفاعل وتقديمه عليه]

- ‌الباب العشرون باب اشتغال العامل عن الاسم السّابق بضميره أو ملابسه

- ‌[مواضع نصب المشغول عنه وجوبا]

- ‌[مواضع ترجيح النصب في المشغول عنه]

- ‌[جواز الرفع والنصب على السواء في المشغول عنه]

- ‌[مسألتان اختلف فيهما النحاة أيهما أرجح]

- ‌[ترجح رفع الاسم على الابتداء]

- ‌[أنواع ملابسة الضمير للمشغول عنه]

- ‌[مسألة يترجح فيها الرفع]

- ‌[رفع الاسم المشغول عنه وأحكامه في ذلك]

- ‌[مسألة أخيرة في باب الاشتغال]

- ‌الباب الحادي والعشرون باب تعدي الفعل ولزومه

- ‌[تقسيم الفعل إلى متعدّ ولازم - إجراء اللازم مجرى المتعدي]

- ‌[نوعا المتعدي: متعد إلى واحد - متعد إلى اثنين]

- ‌[مسائل تأخير المفعول وجوبا وتقديمه وجوبا وجواز الأمرين]

- ‌[حذف العامل الناصب للمفعول به جوازا ووجوبا]

- ‌[مواضع حذف المفعول ومواضع ذكره]

- ‌[تعدي الفعل بالهمزة والتضعيف]

- ‌الباب الثاني والعشرون باب تنازع العالمين فصاعدا معمولا واحدا

- ‌[تعريف التنازع - العامل في المتنازع فيه]

- ‌[خلاف البصريين والكوفيين في العامل]

- ‌[حكم ضمير المتنازع فيه من الإظهار أو الحذف]

- ‌[مسائل أربع في باب التنازع ختم بها الباب]

- ‌الباب الثالث والعشرون باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه

- ‌[تعريف المصدر - وأسماؤه وأصالته]

- ‌[المفعول المطلق: ناصبه - أنواعه - ما ينوب عنه]

- ‌[حذف عامل المفعول المطلق - جوازا ووجوبا - ومواضع ذلك]

- ‌[أحكام للمفعول المطلق المحذوف عامله وجوبا]

- ‌الباب الرابع والعشرون باب المفعول له

- ‌[تعريفه - ناصبه - أنواعه - وحكم كل نوع]

- ‌الباب الخامس والعشرون باب المفعول المسمّى ظرفا ومفعولا فيه

- ‌[تعريف الظرف - نوعاه]

- ‌[تقسيم ظرف الزمان إلى متصرف وغير متصرف]

- ‌[تقسيمات مختلفة لظرف الزمان وأمثلة لكلّ]

- ‌[حكم الظرف الواقع في جواب كم أو متى بالنسبة لحصول الفعل]

- ‌[أحكام إذ حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام إذا حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام مذ ومنذ حين تجيئان ظرفا وغير ظرف]

- ‌[أحكام الآن وبناؤه وإعرابه]

- ‌[أحكام قط وعوض]

- ‌[أحكام أمس من بنائه وإعرابه]

- ‌[الصالح للظرفية المكانية من أسماء الأمكنة]

- ‌[أحكام بعض الظروف المكانية مثل أسماء الجهات وحيث ولدن]

- ‌[التوسع في الظرف المتصرف]

- ‌الباب السادس والعشرون باب المفعول معه

- ‌[تعريفه وشرح التعريف]

- ‌[ناصب المفعول معه والآراء في ذلك]

- ‌[واو المفعول معه وحديث عنها]

- ‌[المفعول معه وحكم تقديمه]

- ‌[أقسام خمسة لما بعد الواو وحكم كل قسم]

- ‌[تعقيب على أقسام المفعول معه السابقة]

- ‌[أمثلة مختلفة في هذا الباب وما يجوز فيها]

- ‌[مسألتان في ختام هذا الباب]

الفصل: ‌[خلاف البصريين والكوفيين في العامل]

[خلاف البصريين والكوفيين في العامل]

قال ابن مالك: (والأحقّ [2/ 345] بالعمل الأقرب لا الأسبق خلافا للكوفيّين).

ــ

مرفوعا بالمعطوف والمعطوف عليه (1)، وهذا الكلام من المصنف غير مرض؛ فإن المبتدأ الطالب وقوع «منطلقان» خبرا عنه؛ إنما هو «زيد وعمرو» معا، ولا استقلال لأحد الاسمين بالابتدائية دون الآخر، وإذا كان كذلك فلم يتعدد العامل في الخبر؛ إنما العامل واحد، ويكفي دليلا على ما قلناه مع وضوحه، قول المصنف:

لأنهما يقتضيانه معا؛ لأنه أبان أن أحدهما بمفرده لا يقتضي الخبر المذكور (2).

قال ناظر الجيش: قال المصنف (3): مذهب البصريين ترجيح إعمال الثاني على إعمال الأول، ومذهب الكوفيين العكس، وما ذهب إليه البصريون هو الصحيح؛ لأن إعمال الثاني أكثر في الكلام من إعمال الأول، وموافقة الأكثر أولى من موافقة الأقل، ومما يبين لك أن إعمال الأول قليل، قول سيبويه: ولو لم تجعل الكلام على الآخر لقلت: ضربت وضربوني قومك؛ وإنما كلامهم ضربت وضربني قومك (4).

وهذا حكاية عن العرب بالحصر بإنما، وظاهره أنهم يلتزمون ذلك دون إجازة غيره، لكنه قال في الباب بعد هذه

العبارة بأسطار: وقد يجوز ضربت وضربني زيدا؛ لأن بعضهم قد يقول: متى رأيت أو قلت: زيدا منطلقا، والوجه: متى رأيت أو قلت: زيد منطلق (5)؛ فدل نقل سيبويه مجردا عن الرأي على أن إعمال الثاني هو الكثير في كلام العرب، وأن إعمال الأول قليل، ومع قلته لا يكاد يوجد في غير الشعر، بخلاف إعمال الثاني؛ فإنه كثير الاستعمال في النثر والنظم، وقد تضمنه القرآن المجيد في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ (6)، وقوله تعالى: آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (7)، وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا * (8)، وقوله تعالى: تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ -

(1) سبق شرحه.

(2)

ينظر: التذييل (3/ 127).

(3)

شرح التسهيل لابن مالك (1/ 167).

(4)

الكتاب (1/ 76).

(5)

الكتاب (1/ 79).

(6)

سورة النساء: 176.

(7)

سورة الكهف: 96.

(8)

سورة المائدة: 10، 68، سورة الحج: 57، سورة التغابن:10.

ص: 1787

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ (1)، وقوله تعالى: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (2)، وقوله تعالى:

وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (3)، فهذا كله من إعمال الثاني، ولو كان من إعمال الأول؛ لقيل: قل الله يفتيكم فيها في الكلالة، وآتوني أفرغه عليه قطرا، والذين كفروا وكذبوا بها بآياتنا، وتعالوا يستغفر لكم إلى رسول الله، وهاؤم اقرؤوه كتابيه؛ وأنهم ظنوه كما ظننتموه أن لن يبعث الله أحدا؛ لأن المعمول مقدر الاتصال بعامله؛ فيلزم من ذلك تقدير تقديمه على العامل الثاني، ولو كان في اللفظ كذلك، لاتصل به ضمير المعمول على الأجود، نحو: آتوني أفرغه عليه، فإذا نوي ذلك كان إبراز الضمير أولى؛ لأن الحاجة إليه أدعى، وفي الحديث:«إن الله لعن أو غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم» (4)، وهذا من أفصح الكلام، وقد أعمل فيه الثاني، ولو عمل فيه الأول لقيل: إن الله لعن أو غضب عليهم سبطا، ومما يدل على ترجيح إعمال الأقرب إذا كان ثانيا التزام إعماله، إذا كان ثالثا، أو فوق ذلك بالاستقراء، ولا يوجد إعمال غيره، ومن أجازه فمستنده الرأي، ومنه اللهمّ صلّ على

محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت ورحمت وباركت على آل إبراهيم (5)، ولو أعمل الأول لقيل: كما صليت ورحمتهم وباركت عليهم على آل إبراهيم، ومثله قول الشاعر:

1369 -

جئ ثمّ حالف وثق بالقوم إنّهم

لمن أجاروا ذرى عزّ بلا هون (6)

-

(1) سورة المنافقون: 5.

(2)

سورة الحاقة: 19.

(3)

سورة الجن: 7.

(4)

سبق تخريج الحديث الشريف.

(5)

حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الدعوات (8/ 77)، وتفسير سورة الأحزاب (6/ 120، 121)، وكتاب بدء الخلق (4/ 146)، ومسلم في كتاب الصلاة (305) والترمذي في باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 353)، وابن حنبل (1/ 162)، (3/ 47)، (4/ 118، 241، 243، 244)، (5/ 274، 374، 424)، وموطأ الإمام مالك في باب ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (جـ 1، رقم 70)، وذكره الصفار في شرح الكتاب (ق 187 / ب).

(6)

البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 114، 156)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 600)، وتعليق الفرائد للدماميني (1469)، والأشموني (2/ 102)، واللسان «هون» .

ويروى البيت أيضا برواية «وقف» مكان «وثق» .

اللغة: الهون: الخزي، وهو نقيض العز أيضا.

والشاهد في البيت: تنازع ثلاثة عوامل هي: «جئ» ، و «حالف» ، و «ثق» ، وإعمال الثالث منها.

ص: 1788

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفي لزوم إعمال الأقرب إذا كان ثالثا دلالة بالغة على رجحان إعماله إذا كان ثانيا، ومما يدل [2/ 346] على رجحان إعمال الثاني أنه مخلص من ثلاثة أشياء منفرة يستلزمها إعمال الأول:

أحدها: كثرة الضمائر كما رأيت في مسألة «كما صليت، ورحمتهم، وباركت عليهم» .

الثاني: توالي حروف الجر، نحو: تنبّئت كما تنبّئت عنه به عن زيد بخير.

الثالث: الفصل بين العامل، والمعمول، والعطف على العامل قبل ذكر معموله، ومما يدل على رجحان إعمال الثاني؛ أنه موافق لما تؤثره العرب من التعليق بالأقرب والحمل عليه؛ وإن لزم من ذلك تفضيل زائد على غير زائد،

نحو: خشنت بصدره وصدر زيد، ففضلوا إجراء المعطوف حملا على الباء لقربها؛ وإن كانت زائدة على نصبه حملا على عمل «خشنت» لبعده؛ وإن لم يكن زائدا، ومما يدل على رجحان إعمال الثاني؛ أن فيه تخلصا من الإعلال بحق ذي حق؛ وذلك أن لكل واحد من العاملين قسطا من عناية المتكلم، فإذا قدم أحدهما، وأعمل الآخر عدل بينهما؛ لأن التقديم اعتناء، والإعمال اعتناء، وإذا أعمل المتقدم لم يبق للمؤخر قسط من العناية، فكان المخلص من ذلك راجحا (1)، ورجح بعض الناس إعمال السابق بثلاثة أشياء (2):

أحدها: أن ترجيحه موافق لما أجمعت العرب عليه من مراعاة السابق في قولهم:

ثلاث من البط ذكور، وثلاثة ذكور من البط، فآثروا مقتضى البط لسبقه، فأسقطوا التاء، وأثروا مقتضى الذكور لسبقه فأثبتوا التاء (3).

الثاني: أن إعمال السابق مخلص من تقديم ضمير على مفسر مؤخر لفظا ونية في، نحو: ضربوني، وضربت قومك.

الثالث: أن إعمال السابق موافق لما أجمع عليه في اجتماع القسم والشرط، فإن جواب السابق منهما مغن عن جواب الثاني، فليكن عمل السابق من المتنازعين مغنيا عن عمل الثاني (4). -

(1) ينظر: التذييل (3/ 128، 129).

(2)

شرح التسهيل لابن مالك (2/ 169).

(3)

ينظر: التذييل (3/ 129).

(4)

ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 613).

ص: 1789

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والجواب عن الأول: أن يقال: لم يعتبر في ترجيح ثاني المتنازعين كونه ثانيا؛ بل كونه قريبا من محل التأثير، ومسألة العدد المذكورة معتبر فيها أيضا القرب، واتفق مع القرب سبق فلا أثر له، ولا يلزم من مراعاة سابق قريب، مراعاة سابق بعيد.

وعن الثاني: بأن تقديم الضمير، إذا كان على شريطة التفسير مجمع على جوازه في باب «نعم» ، كقول الشاعر (1):

1370 -

نعم امرأ هرم لم تعر نائبة

إلّا وكان لمرتاع بها وزرا (2)

وفي باب «ربّ» ، كقول الآخر:

1371 -

واه رأيت وشيكا صدع أعظمه

وربّه عطبا انقذت من عطبه (3)

وفي باب البدل، كقول بعض العرب: اللهم صلّ عليه الرؤوف الرحيم، وفي باب الابتداء، وأبواب نواسخه، نحو: قُلْ هُوَ اللَّهُ (4)، إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ (5)؛ فلجوازه في باب التنازع أسوة بتلك المواضع قياسا، لو لم يثبت به سماع، فكيف وقد سمع في الكلام الفصيح، كقول الشاعر: -

(1) لم أهتد إليه، ولم ينسبه أحد؛ ولكن جاء في التذييل (2/ 130) هامش (1)؛ أن ظاهر البيت يوحي بأنه لزهير بن أبي سلمى، حيث ذكر اسم «هرم» ؛ ولكنه ليس في ديوانه.

(2)

البيت من البسيط، وهو في: التذييل (3/ 130، 131)، والارتشاف (ص 318)، والتصريح (1/ 392)، (2/ 95)، وشذور الذهب (ص 196)، والأشموني (3/ 32).

اللغة: لم تعر: لم تعرض. الوزر: الملجأ.

والشاهد فيه: أن فاعل نعم ضمير يفسره التمييز بعده على رأي الجمهور، وعلى ذلك فقد عاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة وهو التمييز ولكن هذا الموضع من المواضع التي يغتفر فيها عود الضمير على المتأخر.

(3)

البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 130)، والعيني (3/ 257)، والأشموني (2/ 208)، والهمع (1/ 66)، واللسان «ريب» برواية:

كائن رأيت وها يا صدع أعظمه

وربه عطبا أنقذت م العطب

اللغة: واه: أي: رب واه، وهو من «وهى الحائط» إذا هم بالسقوط. رأيت: أصلحت. وشيكا:

سريعا، وهو صفة لمصدر محذوف، والتقدير: رأيا وشيكا. والصدع: الشق. العطب: الفساد.

والشاهد قوله: «ربه عطبا» ؛ حيت جرت «رب» ضميرا مفسرا بالتمييز بعده.

(4)

سورة الإخلاص: 1.

(5)

سورة طه: 74.

ص: 1790

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

1372 -

جفوني ولم أجف الأخلّاء إنّني

لغير جميل من خليليّ مهمل (1)

[2/ 347] وكقوله:

1373 -

هوينني وهويت الخرّد العربا

أزمان كنت منوطا بي هوى وصبا (2)

ومثله:

1374 -

خالفاني ولم أخالف خليليّ

فلا خير في خلاف الخليل (3)

والجواب عن الثالث: أن يقال: كان مقتضى الدليل أن يستغنى بجواب المتأخر منهما لقربه من محل الجواب، إلا أن المتأخر منهما إذا كان هو القسم كان مؤكدا للشرط غير مقصود لنفسه، بدلالة عدم نقصان الفائدة بتقدير حذفه، وإذا كان مؤكدا غير مقصود لنفسه؛ فلا اعتداد به ولا صلاحية فيه لجعله ذا جواب منطوق به، بخلاف المؤكد؛ فإنه مقصود لنفسه؛ ولذلك لا تتم الفائدة بتقدير حذفه، فأغنى عن ما هو من تمام معناه، فلما وجب هذا الاعتبار - أعني جعل الجواب للأول فيما إذا تأخر القسم - أجري هذا المجرى ما أخر فيه الشرط، ليسلك في اجتماعهما سبيل واحدة، لكن الشرط لعدم صلاحيته للسقوط أبدا فضل على القسم بأمرين: -

(1) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في: التذييل (3/ 136، 152)، والارتشاف (ص 318)، ومنهج السالك لأبي حيان (133)، وتعليق الفرائد (1461)، والمغني (2/ 489)، وشرح الشواهد للسيوطي (2/ 874)، والعيني (3/ 14)، والتصريح (1/ 321)، والأشموني (3/ 60، 104)، وأوضح المسالك (1/ 165)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 100)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 69)، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 184).

والشاهد قوله: «جفوني ولم أجف الأخلاء» ؛ حيث أعمل «لم أجف» في الأخلاء، وأضمر في الفعل الأول مرفوعه.

(2)

البيت من البسيط، ولم يعلم قائله، وهو في: التذييل (3/ 152)، والبحر المحيط (2/ 296)، والهمع (2/ 109)، والدرر (2/ 143).

اللغة: الخرد: جمع خريدة، وهي البكر التي لم تمس، وقيل: هي الحيّة الطويلة السكوت الخافضة الصوت. والعرب: جمع عروب، وهي المرأة الحسناء المتحببة إلى زوجها.

والشاهد قوله: «هوينني» ؛ حيث أبرز ضمير الفاعل الجمع معه.

(3)

البيت من الخفيف لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 152)، ومنهج السالك لأبي حيان (133)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 597)، والهمع (2/ 109)، والدرر (2/ 143).

والشاهد قوله: «خالفاني» ؛ حيث أبرز ضمير المثنى.

ص: 1791

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحدهما: أنهما إذا اجتمعا بعد مبتدأ استغني بجوابه؛ تقدم على القسم، أو تقدم القسم عليه.

والثاني: أن الشرط قد يغني جوابه بعد قسم، لا مبتدأ قبله، كقول الشاعر (1):

1375 -

لئن كان ما حدّثته اليوم صادقا

أصم في نهار القيظ للشّمس باديا (2)

ولا يستغنى بجواب قسم متأخر أصلا، فقد علم بهذا الفرق بين اجتماع الشرط والقسم، وبين تنازع العاملين،

وصح ما اخترناه والحمد لله، هذا آخر كلامه رحمه الله تعالى (3)، وهو كلام لطيف مفيد مع سلاسته، وإيجازه؛ ولكنه وعر في الجواب الثالث، ومكلف، ولم يتحصل به المقصود، ومع ذلك والذي يظهر في الجواب التفرقة بين البابين بشيء وهو أن النظر في باب التنازع، إنما هو إلى العمل، ولا شك أن الأصل أن بنى المعمول عامله ولا يفصل بينهما، فمن ثم رجح عمل المتأخر على المتقدم.

وأما اجتماع الشرط والقسم، فبالنظر فيه إلى الحذف والمحذوف، لابد له من دليل يدل عليه، والجواب الذي يذكر بعد الشرط والقسم، دليل على ما لم يذكر، والأولى في الدال أن يكون متقدما على المدلول؛ فمن ثم تعين أن يكون الجواب المذكور لما تقدم من شرط أو قسم ويكون المحذوف جوابا للمتأخر.

وقد ذكر ابن عصفور الاستدلال على مذهب الكوفيين فقال: الاختيار عند أهل الكوفة إعمال الأول؛ محتجين لصحة مذهبهم بأن المتقدم أولى بالإعمال، ثم قال:

ومما يقوي مذهبهم أن يقولوا: قد وجدنا من كلام العرب أنه متى اجتمع طالبان، وتأخر عنهما مطلوب، وكل واحد منهما يطلبه من جهة المعنى؛ كان التأثير للمتقدم منهما دليل ذلك القسم والشرط إذا [2/ 348] اجتمعا؛ فإن العرب تبني الجواب على الأول منهما وتحذف جواب الثاني؛ لدلالة جواب الأول عليه، تقول: -

(1) امرأة من عقيل.

(2)

البيت من الطويل وهو في: المغني (1/ 236)، وشرح شواهده (2/ 610)، والخزانة (358)، والعيني (4/ 238)، والتصريح (2/ 204)، والهمع (2/ 43)، والدرر (2/ 50)، والأشموني (4/ 29).

وقد استشهد ابن مالك بهذا البيت على أن الجواب فيه للشرط، واستغني به عن جواب القسم، مع أن القسم متقدم على الشرط؛ وذلك لأنه لا مبتدأ قبله.

(3)

شرح التسهيل للمصنف (2/ 171).

ص: 1792

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إن قام زيد والله يقم عمرو، وو الله إن قام زيد ليقومن عمرو، فكذلك ينبغي أن يكون الاختيار إعمال الأول، ثم أجاب عن ذلك، بأن قولهم: إذا اجتمع طالبان، وتأخر عنهما مطلوب؛ فإن العرب تجعل المطلوب للمتقدم منهما، غير مسلم على الإطلاق؛ بل لا يخلو أن يكونا عاملين، أو غير عاملين؛ فإن كانا غير عاملين، أو كان أحدهما عاملا دون الآخر؛ فربما كان الأمر على ما ذكروا، وأما إذا اجتمع عاملان؛ فإن المعمول للمتأخر منهما، نحو: إن لم يقم زيد قام عمرو، فـ «يقوم» قد تقدمه عاملان، وهما «إن ولم» ، والذي يعمل فيه منهما هو المتأخر، وهو «لم» بدليل أن أداة

الشرط، إذا جزمت فعل الشرط؛ فإنه يقبح استعمال الجواب غير مجزوم في اللفظ؛ بل لا يوجد ذلك إلا في ضرورة شعر، كقوله:

1376 -

من يكدني بسيّئ كنت منه

...... البيت (1)

انتهى (2).

ولا يخفى على من له أدنى نظر أن العاملين في: إن لم يقم زيد، لم يجتمعا؛ لأن المراد باجتماع العاملين اجتماعهما على معمول واحد، لا اجتماع مجاورة ولا شك أن الطالب للفعل الذي هو يقوم إنما هو لم خاصة، وأما «إن» فمطلوبها «لم يقم» (خاصة)(3)، ولم تكن طالبة لـ «يقم» ؛ لأنها لو كانت طالبة له فسد المعنى المراد؛ لأن قيام عمرو إنما رتب على نفي قيام زيد لا على قيامه، وأين هذا الجواب من جواب المصنف؟

ومما استدل به ابن عصفور لمذهب البصريين، أن قال: إذا كانت العرب قد لحظت المجاورة مع فساد المعنى في مثل قولهم: هذا جحر ضب خرب، فبالأحرى أن يلحظوا المجاورة مع صلاح المعنى، قال: وأما ما يؤدي إليه إعمال الثاني في بعض المسائل من -

(1) صدر بيت من الخفيف لأبي زبيد الطائي وعجزه:

كالشّجا بين حلقه والوريد

والبيت في: المقتضب (2/ 59)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 614)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 427)، والبحر المحيط (4/ 270)، وشرح المكودي على الألفية (ص 219)، وديوانه (ص 52).

ويستشهد بهذا البيت أيضا على مجيء فعل الشرط مضارعا، والجواب ماضي اللفظ، وهذا عند سيبويه مخصوص بالشعر. ينظر: البحر المحيط (4/ 270).

(2)

شرح الجمل لابن عصفور (1/ 613، 614).

(3)

ساقط في (ب).

ص: 1793