الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[جواز نيابة غير المفعول مع وجود المفعول]
قال ابن مالك: (ولا تمنع نيابة المنصوب لسقوط الجارّ مع وجود المنصوب بنفس الفعل ولا نيابة غير المفعول به وهو موجود وفاقا للأخفش والكوفيّين).
ــ
النصب، وهي ضحى وضحوة وعتمة وعشية وليل ونهار معيّنات، وفي شرح الشيخ:
وأجاز سيبويه وعامة البصريين: سير عليه فرسخان يومين وفرسخين يومان وفرسخين يومين. قال الشيخ: وضع كل ذلك بعض المتأخرين، ويقول في ضرب زيد ظهره وبطنه بالرفع والنصب عند سيبويه؛ فالرفع [2/ 252] على البدل، والنصب بمعنى على، وكذلك إذا كان معرفا بالألف واللام نحو: ضرب زيد الظهر والبطن، وقال أبو العباس: ينصب لأنه يشبه الظروف، وقال الفراء: لا يجوز فيهما إلا الرفع سواء أضيفا أم كان فيهما الألف واللام، وحجته أنه غير مبهم، فلا يجيز النصب كما لا يجيز: زيد البيت. انتهى (1).
وحجة سيبويه أنه أشبه الظرف من جهة عمومه ألا ترى أن المعنى: عمّ بالضرب وأما: ضرب زيد ظهرا وبطنا؛ فنصب على التمييز، الأصل: ضرب ظهر زيد وبطن زيد، ثم حول الإسناد.
قال ناظر الجيش: قد تكلم المصنف على شيئين من الأشياء الأربعة المحتاج إلى معرفتها في هذا الباب، التي قلنا: إن المصنف تعرض إليها مقتصرا عليها، وها هو قد شرع في الكلام على الشيء الثالث، وهو الأولى من المفعولات بالإقامة إذا اجتمعت، ولا شك أن بين الفريقين - أعني البصريين والكوفيين - خلافا في ذلك، والمراد
أنه إذا وجد مع المفعول به شيء من ثلاثة الأشياء التي تقام مقام الفاعل وهي: المجرور، والمصدر، والظرف؛ فلا يقام إلا المفعول به، ولا يجوز إقامة غيره مع وجوده. هذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون؛ فمع وجود المفعول به يجوزون إقامة غيره، وأما الأخفش؛ فاضطرب النقل عنه، فقيل: مذهبه كمذهب الكوفيين وهذا الذي ذكره المصنف (2)، -
(1) التذييل (2/ 1198)، وينظر: الكتاب (1/ 223).
(2)
ينظر: شرح الرضي على الكافية (1/ 84، 85)، والخصائص (1/ 397)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 210) ففيه إشارة إلى مذهب الكوفيين، وشرح الألفية للمرادي (2/ 31، 32)، وشذور الذهب (ص 210)، والتصريح (1/ 291)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 90)، وشرح المفصل لابن يعيش (7/ 74).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال بعضهم (1): إن مذهبه أن المفعول به إن تقدم على ما هو مذكور معه من هذه الأمور لا يقام غيره كما هو مذهب البصريين، وإن أخّر عنه جاز إقامة ما شئت كما هو مذهب الكوفيين، فإذا قيل: ضرب زيد يوم الجمعة أمام الأمير ضربا شديدا في داره؛ كانت إقامة زيد متعينة على مذهب البصريين، جائزة على مذهب الكوفيين ومن وافقهم (2). وحكم المفعول المنصوب لسقوط الجار مع المفعول المتصرف بنفس الفعل كحكم المصدر والظرف والمجرور إذا اجتمعت هي أو بعضها مع المفعول به، فإذا قيل: اختير زيد الرجال، كانت إقامة زيد متعينة عند البصريين جائزة على رأي الكوفيين (3)، وقد اختار المصنف مذهبهم فأشار إلى المسألة الثانية بقوله:(ولا تمنع نيابة المنصوب لسقوط الجار مع وجود المنصوب بنفس الفعل)، وأشار إلى المسألة الأولى بقوله:(ولا نيابة غير المفعول به وهو موجود وفاقا للأخفش والكوفيين)(4)، ولم يتعرض في الشرح إلى مسألة: اختير زيد [2/ 253] الرجال. واعلم أن المغاربة يعبرون عن هذه المسألة بأن الفعل له (منصوبان)(5) أحدهما: مصرح لفظا وتقديرا، والآخر: مصرح لفظا لا تقديرا، ويقولون: إذا كان الأمر كذلك وجب إقامة المصرح لفظا وتقديرا وترك المصرح لفظا لا تقديرا، قالوا: وكلام العرب إنما ورد بذلك، قال الفرزدق:
1263 -
ومنّا الّذي اختير الرّجال سماحة
…
جودا إذا هبّ الرّياح الزّعازع (6)
-
(1) هو ابن الدهان كما في الهمع (1/ 162) حيث قال: «ونقل ابن الدهان أن الأخفش شرط في جواز ذلك تأخر المفعول به في اللفظ، فإن تقدم على المصدر أو الظرف لم يجز إلا إقامة المفعول به
…
» اه، وبمثل ذلك قال ابن عقيل في شرحه (1/ 171)، ولكنه لم ينسب القول إلى أحد، بل صرح هو به مباشرة.
(2)
ينظر: الأشموني (2/ 67، 68)، والتصريح (1/ 291)، وشرح ابن عقيل (1/ 171).
(3)
ينظر: المقرب (1/ 81)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 538)، والتوطئة (ص 250).
(4)
صرح ابن مالك في شرح عمدة الحافظ (ص 91) بموافقته للكوفيين في جواز إقامة غير المفعول مع وجوده فقال: «والكوفيون يجيزون نيابة الثلاثة عن الفاعل مع وجود المفعول به وبقولهم أقول في هذا لثبوت السماع به، وأقوى الشواهد في ذلك قراءة أبي جعفر: ليجزى قوما بما كانوا يكسبون ..» اه.
وقد خرج البصريون هذه القراءة على أنها شاذة، وما ورد من مثل ذلك في غير القرآن على أنه ضرورة.
ينظر: التصريح (1/ 291).
(5)
في (ب): (مفعولان) وهو أدق في التعبير.
(6)
البيت من الطويل وهو في: الكتاب (1/ 39)، وشرح أبيات الكتاب للسيرافي (1/ 424)، -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والعلة في ذلك عندهم أن حرف الجر المحذوف هنا مراد، ولو ظهر لم يجز إلا إقامة المصرح فكذلك إذا كان مرادا؛ لأن القاعدة أن المحذوف المنوي كالملفوظ به (1)، قال الشيخ: والذي قاله أصحابنا - يعني المغاربة - هو مذهب الجمهور (2). انتهى.
ولا شك أن الكوفيين يجيزون إقامة غير المفعول به مع وجوده، فلا جرم أنهم يجيزون إقامة المنصوب لسقوط الجار مع وجود المنصوب بنفس الفعل، بل إذا كانوا يجيزون إقامة ما تعدى إليه الفعل بحرف ملفوظ به مع وجود المفعول الصريح فإجازتهم إقامته بعد حذف الجر أولى، والمصنف قد صرح بأنه مذهب الكوفيين والأخفش، وصرح بوفاقه لهم في ذلك فلا يرد عليه بأن مذهب الجمهور بخلاف ما ذكره، وأجاز ابن أبي الربيع: أمر الخير زيدا، لكن على القلب.
وأما المسألة الأولى: فهي التي تعرض المصنف لشرحها فقال: وأجاز الأخفش والكوفيون نيابة غير المفعول به مع وجوده وبقولهم أقول؛ إذ لا مانع من ذلك مع أنه وارد عن العرب ومنه قراءة أبي جعفر: ليجزى قوما بما كانوا يكسبون (3) فأقيم الجار والمجرور مقام الفاعل وترك «قوما» منصوبا وهو مفعول به ومثل هذه القراءة قول الشاعر:
1264 -
ولو ولدت قفيرة جرو كلب
…
لسبّ بذلك الجرو الكلابا (4)
-
- والمقتضب (4/ 330)، والإفصاح للفارقي (ص 287)، ومجالس العلماء للزجاجي (ص 193)، والأمالي الشجرية (1/ 186، 364)، والتذييل (2/ 1200)، وابن يعيش (5/ 123)، (8/ 50، 51)، والخزانة (3/ 672)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 538) طبعة العراق، والهمع (1/ 162)، والدرر (1/ 143)، وديوانه (ص 516)، وأصول النحو لابن السراج (1/ 215).
والشاهد قوله: «اختير الرجال» ؛ حيث روي بنصب الرجال فدلّ ذلك على أنه أقام ضمير المفعول الذي تعدى إليه الفعل بنفسه - أو كما يقول المغاربة: المصرح لفظا وتقديرا - مقام الفاعل وجعله نائبا عنه.
(1)
ينظر: المقرب (1/ 81)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 538) فهو من المغاربة الذين يجعلون للفعل مفعولين أحدهما: مصرح لفظا وتقديرا، والآخر: مصرح لفظا لا تقديرا، ويسمى المفعول الثاني أي المصرح لفظا لا تقديرا «مقيدا» .
(2)
التذييل (2/ 1200).
(3)
سورة الجاثية: 14، وتنظر هذه القراءة في: الإتحاف (ص 390)، والحجة لابن خالويه (ص 325).
(4)
البيت من الوافر وهو لجرير من قصيدة يهجو بها الفرزدق، وهو في الخصائص (1/ 397) والأمالي الشجرية (2/ 215)، وابن يعيش (7/ 75)، والتذييل (2/ 1201)، وشرح المقدمة النحوية لابن بابشاذ (ص 333) رسالة بجامعة القاهرة، وشرح الجمل لابن بابشاذ تحقيق د/ مصطفى إمام (1/ 155)، والخزانة (1/ 163)، والهمع (1/ 162)، والدرر (1/ 144)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 537)،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأقام الجار والمجرور مقام الفاعل ونصب «الكلاب» وهو مفعول به، ومثله قول الراجز (1):
1265 -
أتيح لي من العدا نذيرا
…
به وقيت الشّرّ مستطيرا (2)
ومثله:
1266 -
وإنما يرضي المنيب ربّه
…
ما دام معنيّا بذكر قلبه (3)
ومثله في أحد الوجهين:
1267 -
لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا
…
ولا شقى ذا الغيّ إلّا ذو الهدى (4)
وزعم ابن بابشاذ (5) أن «جرو كلب» منادى، «والكلاب» منصوب -
- والإفصاح للفارقي (ص 93)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 85).
والشاهد قوله: «لسب بذلك الجرو الكلابا» ؛ حيث أناب المجرور مناب الفاعل مع وجود المفعول به.
(1)
هو يزيد بن القعقاع المخزومي بالولاء المدني أبو جعفر أحد القراء العشرة، ينظر: النهاية (3/ 382).
(2)
الرجز في: التذييل (2/ 1202)، وشذور الذهب (ص 210)، وشرح الجرجاني على الكافية (3/ 5).
والشاهد قوله: «أتيح لي من العدا نذيرا» ؛ حيث أقيم المجرور وهو ياء المتكلم مقام الفاعل مع وجود المفعول به وهو قوله: «نذيرا» .
(3)
رجز لم يعلم قائله وهو في: التذييل (2/ 1202)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 90)، وأوضح المسالك (1/ 145)، والعيني (2/ 519)، والتصريح (1/ 291)، والأشموني (2/ 68)، وقطر الندى (2/ 32).
والشاهد قوله: «معنيّا بذكر قلبه» ؛ حيث أناب الجار والمجرور مع وجود المفعول به وهو «قلبه» .
(4)
الرجز لرؤبة بن العجاج وهو في: التذييل (2/ 1202)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 90)، وأوضح المسالك (1/ 145)، وشرح ابن عقيل (1/ 171)، والبهجة المرضية (ص 51)، وشرح شواهد ابن عقيل للجرجاوي (ص 111) ويروى «ذو هدى» مكان «ذو الهدى» ، وينظر:
الأشموني (2/ 68)، والهمع (1/ 162).
والشاهد قوله: «لم يعن بالعلياء إلا سيدا» ؛ حيث أقيم الجار والمجرور مقام الفاعل مع وجود المفعول به، وقد جعل البصريون هذا الشاهد وما قبله من الشواهد محمولة على الضرورة الشعرية.
(5)
هو طاهر بن أحمد بن بابشاذ بن داود بن سليمان بن إبراهيم أبو الحسن النحوي المصري أحد أئمة العربية، ورد العراق تاجرا وأخذ عن علمائها ورجع إلى مصر، واستخدم في ديوان الرسائل يتأمل ما يخرج من الديوان من الإنشاء وكانت له حلقة اشتغال بجامع مصر ثمّ تزهد وانقطع، ويقال: إنه مات إثر سقوطه من منارة الجامع إلى سطحه. من تصانيفه: شرح جمل الزجاجي، والمحتسب في النحو، وشرح المقدمة المحسنية، وتوفي سنة (469 هـ) وقيل:(454 هـ). البغية (2/ 17) تحقيق محمد أبو الفضل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بـ «ولدت» (1).
قال ابن خروف: فقد أفسد اللفظ والمعنى، وقال الأخفش في المسائل: تقول:
ضرب الضّرب الشّديد زيدا، وضرب مكانك زيدا، ووضع موضعك المتاع. ومن مسائله: أعطي عطاء حسن أخاك [2/ 254] درهما مضروبا عنده زيدا (2). انتهى.
ومما استدل به الكوفيون قراءة من قرأ (3) كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (4)، فأقيم المصدر مع وجود المفعول به، واستدلوا بالقياس أيضا فقالوا: كما جاز إقامة أيها شئت عند عدم المفعول به فكذلك يجوز عند وجوده قياسا لأحدهما على الآخر.
وأما البصريون فقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه الله تعالى (5): ذكر النحاة عنهم أدلة كثيرة لا تسلم عند
التحقيق، قال: وأجود ما قيل فيها ما ذكره شيخنا جمال الدين بن عمرون رحمه الله تعالى (6)، وهو أن قال: إن بين المفعول المصرح وبين الفاعل مشاركة لا توجد بين الفاعل وبين باقي الفضلات، فكما أن مع وجود الفاعل لا يقوم غيره مقامه، كذلك مع وجود ما شاركه هذه المشاركة لا يقوم غيره مقام الفاعل بيان المشاركة هو أن لنا صورة يجوز فيها أن يجعل الفاعل مفعولا والمفعول فاعلا، ولا يتغير المعنى وهي قولنا:«ضارب زيد عمرا» ثم لك أن تقول:
«ضارب عمرو زيدا» ، فكان «زيد» فاعلا و «عمرو» مفعولا ثم انعكس ذلك والمعنى بحاله، ولا تجد فضلة ما تكون مع الفاعل بهذه الصورة فبان بهذه المشاركة أنه يجب إقامة المفعول المصرح دون غيره؛ ولأن باقي الفضلات من المصدر -
(1) يقول ابن بابشاذ في شرح الجمل (1/ 155) تعليقا على البيت السابق: «فـ (الكلاب) منصوب بـ (ولدت) لا بـ (سبّ) و (جرو كلب) على هذا نداء، والتقدير: ولو ولدت قفيرة الكلاب يا جرو كلب لسب بذلك الجرو، فعلى هذا لا يكون فيه مناقضة كما أصلناه» اه.
وينظر: شرح المقدمة النحوية له أيضا (ص 335)، كتاب مطبوع سنة (1978 م) د/ أبو الفتوح شريف.
(2)
ينظر: التذييل (2/ 1022)، والخصائص (1/ 397).
(3)
ينظر: المحتسب لابن جني (2/ 111)، وهي قراءة عاصم عن أبي بكر، وقرأ بذلك ابن عامر أيضا. الإتحاف (ص 311)، ومعاني الفراء (2/ 210).
(4)
سورة يونس: 103.
(5)
سبقت ترجمة الإمام بهاء الدين.
(6)
سبقت ترجمة ابن عمرون.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والظرفين لا يجوز إقامتها مقام الفاعل، إلا بعد جعلها مفعولات على السعة (1)، وهذا مجاز والمفعول به المصرح مستغن عن ذلك فكانت إقامته واجبة دون إقامة ما يحتاج إلى هذا المجاز ثم قال: والجواب عن استدلال الكوفيين أن يقال: أما «نجّي المؤمنين» فلا نسلم أن «نجّي» مبني للمفعول بل أصله: (ننجي) فأدغم النون في الجيم، ولو كان مبنيّا للمفعول لكان فعلا ماضيا، فكانت الياء تكون مفتوحة، وحيث لم تفتح الياء، دل ذلك على كونه مضارعا مبنيّا للفاعل (2)، وقد ضعّف هذا التخريج بأنه لا يتصور في قراءة من قرأ (نجّي) بفتح الياء، قالوا: إنما «نجّي» مسند إلى ضمير النجاة، وينتصب «المؤمنين» على إضمار فعل أي: ننجي المؤمنين (3).
وأما «ليجزى قوما» ففيه تخريجان:
أحدهما: أن المسند إليه ضمير المصدر الذي هو الجزاء كما قالوا في «نجّي» و «قوما» منصوب بمقدّر أي: يجزي قوما.
ثانيهما: أن المسند إليه المفعول الثاني؛ لأن جزيت يتعدى إلى مفعولين، تقول:
جزيت زيد خيرا وجزيته شرّا (4)، وأما قول الشاعر:
1268 -
لسبّ بذلك الجرو الكلابا (5)
فقيل: إن «الكلاب» منصوب بإضمار فعل يفسره ما قبله، التقدير: «يسبون -
(1) في شرح المفصل لابن يعيش (7/ 74): «فلكون الفعل حديثا عن المفعول به في الأصل حتى ظفر به وكان موجودا في الكلام لم يقم مقام الفاعل سواه، مما يجوز أن يقوم مقام الفاعل عند عدمه من نحو:
المصدر، والظرف من الزمان والمكان؛ لأن الفعل صيغ له وما تقيمه مقام الفاعل غيره، فإنما ذلك على جعله مفعولا به على السعة» اه.
وأقول: من هذا النص يتبين لنا أن ابن عمرون أخذ هذا الرأي وهذا التعليل عن شيخه ابن يعيش فقد تتلمذ على يديه وأخذ النحو عنه كما بينا في ترجمته السابقة.
(2)
ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (7/ 75)، والخصائص (1/ 398)، والإفصاح للفارقي (ص 94).
(3)
في المحتسب لابن جني (2/ 111) في تخريج قراءة من قرأ قوله تعالى: توقد من شجرة مباركة في سورة النور يقول ابن جني بعد ذلك: «ونحو من هذا قراءة من قرأ (نجّي المؤمنين) وهو يريد: ننجي المؤمنين، فحذف النون الثانية وإن كانت أصلية، ومشبهها لاجتماع المثلين بالزائدة» اه.
وينظر: إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 36).
(4)
ينظر: هذان التخريجان في إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 232)، والإتحاف (ص 390).
(5)
تقدم ذكره.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكلاب» وكذا يقدر في البيت الآخر:
1269 -
أتيح لي من العدا نذيرا (1)
وأما: «معنيّا بذكر قلبه» (2) فانتصاب «قلبه» على التشبيه بالمفعول به كما تقول رأيت زيدا مجدوعا أنفه [2/ 255]، وأما «إلا سيدا» (3)، فقالوا: يحتمل أن يكون استثناء منقطعا أي: لكن سيدا يعني بالعلياء، وأما الجواب عن القياس
فالفارق ما ذكر في الدليل المتقدم من مشاركة المفعول به المصرح الفاعل دون مشاركة غيره من الفضلات، وإذا ثبت الفارق بطل حكم القياس.
قلت: ولا يخفى ضعف هذه التخريجات التي تقدمت، والظاهر أن الحق مع الكوفيين والأخفش، لكن الوارد من ذلك قليل، وفي شرح الشيخ قال النحاس:
منع النحويون ضرب زيدا سوط، وحكى المهاباذي (4) الاتفاق على ذلك قال:
وتعليله ظاهر، وذلك أن السوط آلة فتجوّز فيه إلى أن نصب انتصاب المصدر، وكان الأصل: ضربت زيدا ضربة بسوط، ثم حذفت الباء وأضيفت الضربة إليه، ثم حذفت الضربة وقامت الآلة مقامها فكثر المجاز فيها، فلم يجز لذلك أن يقام مقام الفاعل لا على مذهب من أجاز إقامة المصدر مع وجود المفعول به، ولا على مذهب من منع، فلذلك وقع الاتفاق على المنع وذكر المهاباذي أيضا الاتفاق على منع حمل زيدا فرسخ والذي يقتضي مذهب الأخفش والكوفيين جوازه (5). انتهى.
ثم اعلم أن المفعول به المصرح إذا لم يوجد ووجد بقية الفضلات، أعني التي يجوز إقامتها مقام الفاعل؛ فإن النحاة اتفقوا على جواز إقامة كل منها، لكنهم اختلفوا؛ فمنهم من سوى بينها في الإقامة (6)، ومنهم من قال برجحان بعضها (7)، والذين قالوا بالرجحان اختلفوا في أيها أرجح؛ فقال أكثر المغاربة وبعض المشارقة: -
(1) تقدم ذكره.
(2)
جزء من بيت تقدم ذكره.
(3)
جزء من بيت تقدم ذكره.
(4)
هو أحمد بن عبد الله المهاباذي الضرير، قال ياقوت: من تلاميذ عبد القاهر الجرجاني له شرح عن اللمع. ينظر بغية الوعاة (1/ 320) تحقيق أبو الفضل.
(5)
التذييل (2/ 1024).
(6)
كالشلوبين حيث قال في التوطئة (ص 249): «وإذا وجد المفعول به دون حرف جر لم يقم سواه، وإذا أعدم تساوت مراتب البواقي» اه.
(7)
كابن عصفور وأبي حيان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المصدر أرجح؛ واعتلوا لذلك بأن الفعل وصل إليه بنفسه، ولا كذلك المفعول المقيد والظرفان (1)، وقال ابن
معط (2): المفعول المقيد أولى ثم بعده المصدر (3)، وقال بعضهم:
ظرف المكان أولى، وهو اختيار الشيخ؛ وعلل ذلك بأن دلالة الفعل عليه دلالة لزوم، بخلاف دلالته على المصدر وظرف الزمان؛ إذ كل منهما أحد مدلولي الفعل، فدلالة الفعل على ظرف المكان كدلالته على المفعول به؛ فصار أقرب إلى المفعول به من بقية الفضلات، وفيما ذكره الشيخ نظر؛ فإن المصدر الذي يقام مقام الفاعل إنما هو المصدر المختص، وكذلك إنما يقام من ظروف الزمان الظرف المختص، ولا شك أن الفعل لا دلالة له على مصدر مختص، ولا على ظرف مختص، والذي هو أحد مدلولي الفعل إنما هو المبهم من المصدر وظرف المكان، وإذا كان كذلك فلا يتم التعليل الذي ذكره الشيخ (4).
قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس (5): ويجوز أن تكون العلة عنده - يعني عند ابن معط - في تقديم المفعول المقيد على المصدر، كون هذا مفعولا به، وفي المصدر يحتاج إلى التوسع فيه [2/ 256] بجعله مفعولا، ثم قال: والذي يظهر لي أن الأولى إقامة المفعول المقيد، ثم ظرف المكان، ثم ظرف الزمان، ثم المصدر المختص؛ وذلك لأن المفعول المقيد لا يحتاج إلى مجاز فكان أولى من غيره، ثم الأولى بالقيام مقام الفاعل بعد ذلك ما كانت دلالة الفعل عليه أقل؛ لأن الفائدة إذ ذاك تكون بذكره أكثر فيكون ظرف المكان أولى؛ لأن دلالة الفعل على المكان أقل من دلالته على الزمان والمصدر، ثم دلالته على الزمان أقل من دلالته على المصدر؛ لأن دلالته -
(1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 539)، والمقرب (1/ 81) فقد ذكر ابن عصفور فيهما أن إقامة المصدر إذا فقد المفعول به أولى من غيره وأرجح وعلل بالعلة التي ذكرها الشارح هنا نفسها.
(2)
سبقت ترجمة ابن معط في هذا الكتاب.
(3)
ينظر: الفصول الخمسون لابن معط (ص 177)، والمحصول شرح الفصول (ص 275) وقد اختار فيهما إقامة الجار والمجرور إذا فقد المفعول به ثم المصدر، وليس كما قال الشارح هنا اللهم إلا إذا كان يريد بالجار والمجرور المفعول به المنصوب بإسقاط حرف الجر وهو الذي يسميه المغاربة المفعول المقيد، ومما يجدر الإشارة إليه أن معظم النحويين ذكروا ذلك منسوبا إلى ابن معط، إلا صاحب التصريح فقد ذكر أن ابن معط يختار نيابة المجرور إذا فقد المفعول به. ينظر: التصريح (1/ 291).
(4)
ينظر: حاشية الصبان (1/ 68)، والتصريح (1/ 291).
(5)
انظر: نص الشيخ بهاء الدين في كتابه شرح المقرب المسمى بالتعليقة، مخطوط رواه المغاربة بالأزهر رقم (49407).