الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
ونشكره على ما أنعم علينا من النعم العظيمة. ومن أعظمها نعمة الإسلام، وأن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر والمؤمنة بالله كما قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}
(1)
ولا نشك بأن من الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنسأل الله المولى القدير أن يوفقنا للقيام بعمل هذه الخيرية إنه القادر على ذلك.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأن محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين لهم إلى يوم الدين الذين آمنوا بما دل عليه الكتاب والسنة من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل فهم أدعى الناس للنقل الصحيح وأولاهم وأحقهم بالمعقول الصريح فهم الطائفة الباقية على الحق المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة، إذ لا يرجعون عند النزاع إلا إلى القرآن والسنة لعلمهم أن العقائد لا تثبت إلا بالشرع ولم يكن أحد منهم
(1)
سورة آل عمران: آية (110).
يعارض النصوص بمعقوله فكانوا متفقين لا تنازع بينهم معتصمين بالقرآن والإيمان ولكن بعد أن ترجمت كتب الفلسفة اليونانية إلى العربية واطلع الناس عليها وتعلمها البعض واتسعت رقعة البلاد الإسلامية ودخل في الإسلام فريق - لم يدخل الإسلام إلى قلوبهم - بقصد الإفساد والتشكيك بين المسلمين. تغير أسلوب المناقشات والإقناع والجدل بالحجج العقلية فخلط المتكلمون علم الكلام بالفلسفة فأصبحا كالفن الواحد، والحق أن ما يتحدث به المتكلمون من إقامة الحجج على ما يتعلق بالعقيدة ليس بحثا عن الحق فيها - وإن اعتقد هذا من قصر علمه بالشرع - وإنما التماس حجة عقلية تعضد عقائد الإيمان الثابتة بالشرع وتدفع شبه أهل البدع عنها، لأن ذلك كان معلومًا من قبل الشارع، وألجأت إلى ذلك الحاجة عند الرد على أهل الإلحاد بمجانسة اعتراضاتهم وبعد:
فموضوع هذه الرسالة: "ابن حزم وموقفه من الإلهيات، عرض ونقد".
ومن أسباب اختيار هذا الموضوع، ما كان يجول بخاطري عند اطلاعي على كتب الفرق من عدم ذكر رأى الظاهرية في أي مسألة من مسائل أصول الدين على شهرتها وبروز رأيها في مسائل الفروع، فكنت عند ذلك أتساءل هل تلتزم الظاهرية بظاهريتها في الأصول كما هي في الفروع؟ وأجيب بأنها لو كانت كذلك لكانت مجسمة. ولكني لم أر أحدا ذكرها منهم، ولم أر لها رأيا مع أصحاب التجسيم، وقد رأيت كلاما لابن تيمية في شرح العقيدة الإصفهانية في كلامه على الصفات مؤداه: أن ابن حزم وأمثاله
من الظاهرية كالقرامطة الباطنية في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته مع ادعائهم الحديث ومذهب السلف، وأن إمامهم داود وأكابر أصحابه كانوا من المثبتين للصفات على مذهب أهل السنة والحديث. ولكن طائفة من أصحابه وافقوا المعتزلة في باب الصفات.
(1)
ومن هذا ندرك أن الظاهرية الجامعة لأهل الظاهر إنما هي في الفروع دون الأصول، وأنهم مختلفون في الأصول.
وقد رأيت قولا لابن كثير معناه: أن ابن حزم مع ظاهريته في الفروع وعدم قوله بالقياس من أشد الناس تأويلا في باب الأصول وآيات الصفات وأحاديث الصفات.
(2)
فأوجد ذلك عندي رغبة في الكشف عن مذهب ابن حزم في كل ما يتعلق بأصول الدين - مجال تخصصي - ولكن سعة هذا الجانب تحول دون تلك الرغبة. حيث يتناول ذلك الكلام على الإلهيات، والنبوات والسمعيات، والبحث في كل هذه النواحي يحتاج إلى وقت طويل لسعته وصعوبته البالغة فتلك مسائل دقيقة لا يمكن الإلمام بها بسهولة وشر فقصرت الكلام على جزء منها "مباحث الإلهيات" على أن يكون البحث في هذا الموضوع عرضا ونقدا. فلاقى ذلك قبولا واستحسانا من أساتذتي الكرام أساتذة الفرع والقسم.
ثم إن ابن حزم عالم نبذ التقليد وعدم التقيد بمذهب في وقت
(1)
انظر شرح العقيدة الأصفهانية ص (77، 78).
(2)
انظر البداية والنهاية (12: 456).
مبكر من طلبه العلم وبدأ يناظر ويجادل بشدة وعنف وقد أصبح لهذا المنهج في هذا الزمن دعاة يتبنونه ويدعون إليه بحماس وشدة، ويستهينون بأقوال العلماء السابقين وآرائهم فرأيت أن من الحاجة إبراز رأى ابن حزم في هذا الجانب الهام والكشف عن معتقده. ليرى أصحاب العقول. كيف قاد ابن حزم مبدأ الإستقلال - مع فرط ذكائه وسعة اطلاعه وإدراكه. وقوة حفظه، ومعرفته بالحديث والفقه واستنباطه للأحكام من الكتاب والسنة - إلى الوقوع في الأخطاء الكثيرة في الإعتقاد ومخالفة أهل السنة والجماعة في الكثير من مسائل العقيدة.
واخترت الإلهيات، دون السمعيات، والنبوات، لأنه المقصد الأسمي في هذا العلم، وهو أيضا معترك النزاع بين الفرق الإسلامية، نفيًا وإثباتًا، وتأويلا، فكل يرى أن الصواب معه، وأن الخطأ ما ذهب إليه سواه فأحببت أن أستبين الحقيقة وأصل إلى نتيجة حاسمة في هذه المباحث التي هي لب مجال تخصصي وجل مباحثه.
وقد يقول قائل: إن الباحثين تناولوا شخصية ابن حزم وأشبعوها بحثا فلا قيمة لما يكتب عنها مجددا.
ونقول لمن يدعي هذا: إن هذه الشخصية وإن تناولتها أقلام الباحثين كثيرا فهي أيضا تحتاج إلى مزيد من البحث، لأن ابن حزم عالم موسوعي تناول كثيرا من الفنون فهو العالم الفقيه والأصولي والمتكلم والأديب الشاعر، وقد كُتبت عن هذه الشخصية الفذة رسائل علمية عديدة منها ابن حزم الأصولي -
وابن حزم الفقيه، وابن حزم محدثا، وابن حزم ناقدا ومفكرا، ولم يكتب عن الإلهيات عند ابن حزم - فيما أعلم - مع ما لهذا الجانب من الأهمية القصوى فكان لهذا موطن اختياري.
وبعد الاطلاع على كثير من محتويات الموضوع ومباحثه رأيت أن أجعله في بابين يحتص الباب الأول بالتعريف بشخصية ابن حزم والثاني: في أصل الموضوع الإلهيات، وقبل أن أبين محتويات كل باب أشير إلى طريقتي التي تناولت فيها الموضوع بالبحث وهي:
إني قد جعلت الكلام على كل صفة بمفردها مع أن البعض منها لا يختلف فيه رأى ابن حزم فهو واحد حقيقة، وإن اختلف لفظها، لأن النقد لا يجمعها كلها فكل صفة عندنا تختلف عن الأخرى بمعناها وأدلتها.
وحرصت كل الحرص على عرض مذهب ابن حزم في صورة مبسطة مختصرة مع ذكر أدلته التي اعتمد عليها.
وقد اعتمدت في أخذ مذهبه على كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل، وهذا الكتاب عبارة عن عرض للمذاهب المختلفة ونقدها.
فكنت أستخلص رأيه من مناقشاته للفرق الإسلامية ومن ردوده عليها، ومما اعتمدت عليه في معرفة مذهب ابن حزم كتابه المحلى وفيه عرض مذهبه صراحة.
وعلى كتابه الأصول والفروع حيث يحتوي على بعض المباحث من موضوعنا.
وبعد أن يتم عرض رأى ابن حزم أبدأ بنقده.
فأذكر من قال بهذا القول غيره ثم أبدأ بتقويمه. فإن رأيته صوابا أتيت بما يؤيده من الأدلة التي أرى أنها ضرورية لإثبات هذا المذهب ومرجحة للأخذ به دون سواه.
وإن اجتمع في مذهب ابن حزم صواب وخطأ بينت ذلك.
وإن كان الصواب خلاف ماذهب إليه بينت الصواب بأدلته.
ورددت ما قد يرد عليه من اعتراضات مع الرد أيضا على الشبه التي منعت ابن حزم من القول بالمذهب الصحيح بأسلوب ليس كأسلوبه في الرد والمناقشات مع وفائه بالغرض إن شاء الله.
وبعد هذا أشير إلى محتويات أبواب الرسالة.
فالباب الأول:
حياة ابن حزم
يشتمل هذا الباب على فصلين:
الفصل الأول:
التعريف بابن حزم
ويحتوى هذا التعريف على عدة نقاط هي:
1 -
أصل ابن حزم وأسرته: هل كان فارسيا أم أسبانيا مع مناقشة الأقوال في ذلك والترجيح.
2 -
مولده ونشأته: بينت مكان ولادته، وتاريخها، وتربيته وما أحيط به من الاهتمام والرعاية نشأته.
3 -
بداية تعلمه: ذكرت هنا على من ابتدأ يتعلم في صغره، ثم سماعه وبداية طلبه العلم على المشائخ.
4 -
شيوخه: ذكرت أشهر الشيوخ الذين سمع منهم، وتلقى العلم على أيديهم وقد ترجمت لكل من ذكرت منهم في هامش الرسالة.
5 -
مكانته العلمية: ذكرت هنا بعض أقوال العلماء عنه، وشهادتهم له بالعلم واعترافهم بذكائه وقوة حافظته وسعة اطلاعه.
6 -
تلاميذه: عددت أشهر من أخذ العلم على ابن حزم وترجمت لمن ذكرت منهم في الهامش.
7 -
مصنفاته: سردت ما بلغ علمي من مؤلفات ابن حزم مرتبة على الحروف الهجائية.
8 -
وفاته: بينت هنا الراجح في تاريخ وفاته.
الفصل الثاني: عصر ابن حزم
وفي هذا الفصل تكلمت على العصر الذي رأيت أن له أثرًا على حياة ابن حزم في الحالات الآتية:
1 -
الحالة السياسية.
2 -
الحالة الاجتماعية.
3 -
الحالة العلمية.
وفي تلك الحالات بينت الأحوال التي عاشتها الأندلس قبل ابن حزم من الرخاء والعزة والقهر، ثم تغير الأحوال بعد بلوغ ابن حزم وما حصل بعد ذلك من التمزق وكثرة الفتن والخلافات.
وكيف كان المجتمع الأندلسي في كلتا الحالتين. وحالة العلم
والعلماء. وأنواع العلوم التي يفضلها أهل الأندلس ويهتمون بها.
وأما الباب الثاني فهو:
الإلهيات
ويشتمل هذا الباب على تمهيد في تعريف الإلهيات. وعلى خمسة فصول:
الفصل الأول: وجود الله تعالى
ذكرت في هذا الفصل الأدلة التي استدل بها ابن حزم على وجود الله تعالى ثم نقد ذلك.
الفصل الثاني: وحدانية الله تعالى
والكلام في هذا الفصل في بيان وحدانية الله تعالى وتفرده بالألوهية دون سواه وأدلة ذلك عند ابن حزم وبيان صحة الأدلة:
الفصل الثالث: التنزيهات
والكلام في هذا الفصل على عدة نقاط:
1 -
الجسمية والعرضية والزمانية والمكانية والحركة.
2 -
الصورة.
3 -
الماهية.
4 -
وصف الله تعالى.
5 -
تسمية الله تعالى.
الفصل الرابع: الصفات
يشتمل هذا الفصل على تمهيد في تقسيم الصفات. ثم بعد ذلك الكلام على الصفات وهي كما وردت في الرسالة:
1 -
الحياة.
2 -
العلم.
3 -
القدرة والقوة.
4 -
الإرادة.
5 -
الكلام.
6 -
السمع والبصر.
7 -
العز، والعزة، والكبرياء:
8 -
النفس والذات.
9 -
الوجه.
10 -
العين.
11 -
اليد.
12 -
الأصابع.
13 -
الجنب.
14 -
الساق.
15 -
القدم.
16 -
الاستواء.
17 -
النزول.
18 -
الرؤية.
الفصل الخامس: أفعال الله تعالى
يشتمل هذا الفصل على تمهيد في بيان مذهب المعتزلة في أفعال الله تعالى ثم الكلام على مباحث هي:
1 -
القضاء والقدر.
2 -
خلق أفعال العباد.
3 -
الهدى والإضلال.
4 -
التعديل والتجوير.
5 -
تعليل أفعال الله تعالى.
6 -
اللطف والأصلح.
7 -
إرسال الرسل.
وفي الفصل الثالث والرابع والخامس: أذكر في كل مسألة أولا: رأى ابن حزم بأدلته. ثم أبدأ بمناقشته.
وفي الخاتمة ذكرت خلاصة الأقوال باختصار، هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين.