الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) اليد واليدين والأيدي:
يثبت أبو محمد بن حزم لفظ اليد، والأيدي لله تعالى ويستدل على إثبات اليد له تعالى بقوله سبحانه:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}
(1)
وعلى إثبات اليدين بقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}
(2)
وقوله {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}
(3)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين"
(4)
. ويرى أن الحديث مثل قوله تعالى {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
(5)
يريد وما ملكتم. ثم إن اليمين يراد بها في لغة العرب الحظ للأفضل كما قال الشماخ:
إذا ما راية رفعت لمجد
…
تلقاها عرابة باليمين
(6)
يريد أنه يتلقاها بالسعي الأعلى. فكذا قوله وكلتا يديه يمين أي كل ما يكون منه من الفضل فهو الأعلى.
ويستدل على إثبات الأيدي لله تعالى بقوله سبحانه: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا}
(7)
.
ويرى أن كل هذا إخبار عنه تعالى لا يرجع إلى شيء سواه.
(8)
.
ونقول: ليس إثبات ابن حزم لليد، واليدين، والأيدي هو
(1)
سورة الفتح: آية (10).
(2)
سورة ص: آية (75).
(3)
سورة المائدة: آية (64).
(4)
انظر صحيح الإمام مسلم (3: 1458).
(5)
سورة النساء: آية (36).
(6)
انظر ديوان الشماخ (ص 336)، أحكام القرآن للقرطبي (7: 5722) دار الشعب.
(7)
سورة يس: آية (71).
(8)
انظر الفصل (2: 166، 167)، المحلي (1: 41).
الإثبات الصحيح الذي درج عليه السلف من أن الله تعالى يدا، ويدين حقيقة، لأن الإِثبات الذي جرى عليه ابن حزم هو إثبات الظواهر مجردة عما تدل عليه من معاني فلا تدل على صفات، وإنما ترجع إلى الذات.
ويحمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم "وكلتا يديه يمين" على أن كل ما يكون من الله تعالى فهو الأعلى - أي على المجاز - وهذا تأويل يخالف مايدعى من وجوب الأخذ بظواهر النصوص ما لم يمنع من ذلك نص آخر أو إجماع أو ضرورة حس يقول: "قول الله يجب حمله على ظاهره ما لم يمنع من حمله على ظاهره نص آخر أو إجماع أو ضرورة حس"
(1)
.
ويقول: "لا يجوز إطلاق اسم على غير موضوعه في اللغة إلا أن يأتي به نص فيقف عنده وندري حينئذ أنه منقول إلى ذلك المعنى الآخر وإلا فلا"
(2)
. وقد ناقض ابن حزم هنا منهجه إذ ليس في حمل اليدين في الحديث على الحقيقة اللائقة بالله مانع من نص أو إجماع أو ضرورة والحقيقة أن الله تعالى له يدان كلاهما يمين، أي علية كريمة مباركة لأن المياسر تنقص عن الميامن في القوة والبطش والتمام، أو يكون المراد العطاء باليدين جميعا، لأن اليمنى هي المعطية فإذا كانت اليدان يمينين كان العطاء بهما.
(3)
وهذا ما يجب أن يحمل عليه الحديث، حيث إن إثبات اليدين ورد في القرآن الكريم صراحة ولا مانع من إثباته لله تعالى حتى نحمل
(1)
الفصل (2: 122).
(2)
الفصل (2: 123).
(3)
انظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (ص 210).
ما ورد من ذلك على غير الحقيقة. إذ لا يصف الله تعالى أعلم بالله من الله، ولا يصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
وقد أثبت الله تبارك وتعالى لنفسه اليد، واليدين حقيقة في مواضع كثيرة من كتابه، وورد إثبات ذلك صراحة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال عنه سبحانه:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} ،
(1)
{ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}
(2)
"
(3)
.
وقد نقل ابن تيمية عن أبي عمر بن عبد البر إمام المغرب قوله "أهل السنة مجمعون على الإِقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإِيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة. وأما أهل البدع الجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة، ويزعم أن من أقرّ بها شبه، وهم عند من أقرّ بها نافون للمعبود والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة"
(4)
.
(1)
الأخذ باليمين، أي بالقوة والقدرة فإن الميامن أقوى ممن يؤخذ بشماله أو لأخذنا بيمينه كما يفعل بمن يهان عند القتل. انظر تفسيرات ابن تيمية (ص 429)
(2)
الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه. انظر مختار الصحاح (ص 708)، القاموس المحيط (4: 274)، تفسيرات ابن تيمية (ص 429).
(3)
سورة الحاقة: الآيات (44 - 46).
(4)
العقيدة الحموية الكبرى لابن تيمية ضمن مجموعة الرسائل الكبرى (1: 453).
فإثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من اليدين حقيقة هو مذهب أهل السنة والجماعة كما حكى الإجماع على هذا إمام المغرب، ويدل على هذا الإثبات القرآن الكريم والسنة المطهرة.
الأدلة:
من القرآن ما ذكرنا من الآيات المصرحة بإثبات اليد، واليدين لله تعالى. ومنه قوله تعالى:{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}
(1)
.
ومن السنة ما روى مسلم بسنده عن طاووس قال سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا، وأخرجتنا من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده "وفي بعض الروايات: كتب لك التوارة بيده" أتلومنى على أمر قدره الله على قبل أن يخلقني بأربعين سنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى، فحج آدم موسى"
(2)
.
وروى مسلم بسنده أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتج آدم وموسى عليهما السلام عند ربهما فحج آدم موسى. قال موسى أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته، ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض .. الحديث"
(3)
.
(1)
سورة الزمر: آية (67).
(2)
صحيح الإمام مسلم (4: 2042، 2043).
(3)
صحيح الإمام مسلم (4: 2403)، وانظر صحيح البخاري (3: 70، 107)، (4: 197، 202، 211، 212).
وروى مسلم أيضا بسنده عن بي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل الله في السماء الدنيا لشطر الليل، أو ثلث الليل الآخر، فيقول من يدعوني فأستجيب له، أو يسألني فأعطيه، ثم يبسط يديه تبارك وتعالى يقول: من يقرض غير عدوم
(1)
ولا ظلوم"
(2)
.
والأحاديث والآثار الواردة في هذا المعنى كثيرة جدا ذكر الكثير منها ابن خزيمة
(3)
. وذكر بعضها أبو يعلى الحنبلي
(4)
وابن القيم
(5)
وابن كثير
(6)
وغيرهم.
وفي الآيات والأحاديث السابقة الدلالة واضحة على إثبات اليدين لله تبارك وتعالى حقيقة وهما صفة ذاتية له سبحانه على ما يليق بجلاله وعظمته ليستا جارحتين ولا قدرتين ولا نعمتين بل يدان لا كالأيدي.
وننفي كونهما جارحتين لأن الجوارح من صفات الأجسام
(7)
، وهي لا تكون إلا مركبة من أجزاء منفردة أو من مادة وصورة أو مما يقبل الانقسام، أي ما كان مفرقا فاجتمع أو نحو هذا والله تبارك وتعالى منزه عن كل ذلك ولم يرد إثبات الجسم لله تعالى ولا نفيه لا في القرآن
(1)
أعدم الرجل افتقر فهو معدم، وعديم. انظر مختار الصحاح (ص 418).
(2)
صحيح الإمام مسلم (1: 522).
(3)
انظر كتاب التوحيد له (ص 53 - 57).
(4)
انظر المعتمد في أصول الدين له (ص 52، 53).
(5)
انظر مختصر الصواعق المرسلة (2: 349)، التفسير القيم (ص 422).
(6)
انظر كتاب العقائد له (ص 3/ أ).
(7)
انظر كتاب التوحيد لابن خزيمة (ص 86)، فتح الباري لابن حجر (13: 393).
ولا في السنة، فلا نثبته ولا ننفيه تمشيا مع النص. ولكن يجب علينا أن ننزه الله تعالى عن كل عيب، ونقص وآفة فإنه القدوس السلام الصمد السيد الكامل في كل نعت من نعوت الكمال، كما لا يدرك الخلق حقيقته. منزها عن كل نقص تنزيها لا يدرك الخلق كماله، وكل كمال ثبت لموجود من غير استلزام نقص فالخالق تعالى أحق به وأكمل فيه منه، وكل نقص تنزه عنه مخلوق، فالخالق أحق بالتنزه عنه وأولى ببراءته منه
(1)
.
وننفى كون ما أثبتنا لله تعالى من اليدين بمعنى النعمة، لأنه لا يجوز في لسان العرب، ولا في عادة أهل الخطاب، أن يقول القائل عملت كذا بيدى ويعنى به النعمة، وإذا كان الله عز وجل، إنما خاطب العرب بلغتها، وما يجرى مفهومها في كلامها ومعقولا في خطابها، وكان لا يجوز في لسان أهل البيان أن يقول القائل فعلت بيدى. ويعنى النعمة بطل أن يكون قوله عز وجل:{خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} النعمة
(2)
.
ثم إن هذا القول من الله تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} توبيخ له على امتناعه عن السجود لآدم الذي خلقه الله تعالى بيده، ولو كان معنى اليد هنا النعمة لكان لا فضيلة لآدم عليه السلام على إبليس في ذلك ولم يكن لهذا التوبيخ معنى تعالى الله أن يكون كلامه بلا معنى.
(1)
انظر رسالة الإرادة والأمر لابن تيمية ضمن المجموعة الكبرى (1: 382) وموافقة صحيح المنقول له (2: 119)، رسالة التوحيد لمحمد عبده (ص 33، 34)، شرح الواسطية للهراس (ص 23، 24)، الأسئلة والأجوبة الأصولية لابن سلمان (ص 53).
(2)
انظر العقيدة الحموية لابن تيمية ضمن الرسائل الكبرى (1: 461).
يقول الإمام أبو الحسن الأشعرى: "لو كان معنى قوله عز وجل "بيدي" نعمتي لكان لا فضيلة لآدم عليه السلام على إبليس في ذلك على مذاهب مخالفنا لأن الله عز وجل قد ابتدأ إبليس على قولهم كما ابتدأ بذلك آدم عليه السلام وليس يخلو النعمتان أن يكون علا بهما بدن آدم فالأبدان عند مخالفنا من المعتزلة جنس واحد، وإذا كانت الأبدان عندهم جنسا واحدا فقد حصل في جسد إبليس على مذهبهم من النعمة ما حصل في جسد آدم عليه السلام، وكذلك إن عنى عرضين فليس من عرض فعله في بدن آدم من لون أو حياة أو قوة أو غير ذلك إلا وقد فعل من جنسه عندهم في بدن إبليس، وهذا يوجب أنه لا فضيلة لآدم عليه السلام على إبليس في ذلك .. وإنما احتج على إبليس بذلك ليريه أن لآدم عليه السلام في ذلك الفضيلة فدل ما قلناه على أن الله عز وجل لما قال "لما خلقت بيدى" لم يعنى نعمتى"
(1)
.
ويبعد تأويل اليد بالنعمة قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}
(2)
.
إذ لو كان معنى اليد النعمة لقرئت الآية "بل يداه مبسوطة أو منبسطة" لأن نعم الله أكثر من أن تحصى ومحال أن تكون نعمتين لا أكثر فهما يدان حقيقة والآية جاءت تكذيبا لليهود حين قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} . فقال تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} ولا يقول أحد أن معنى {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} غلت نعمهم، ولم يرد اليهود أيضا بقولهم {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} أي نعمه مغلولة فهم أرادوا اليد حقيقة. ورد الله عليهم
(1)
الإبانة للأشعري (ص 36)، وانظر الإعتقاد البيهقي (ص 29، 30) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر (13: 394).
(2)
سورة المائدة: آية (64).
مقالتهم بإثبات أن يديه مبسوطتان ينفق كيف يشاء
(1)
.
وأيضا لا يجوز حمل اليدين في قوله تعالى: "لما خلقت بيدى" على القوة، كما يجوز في الأيدى في قوله تعالى:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْد}
(2)
. وقوله: {أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}
(3)
. حملها على القوة لأن العرب تقول: ما لهم بذلك "أيد" أي قوة
(4)
.
يقول الهراس: "لفظ اليدين بالتثنية لم يعرف استعماله إلا في اليد الحقيقية ولم يرد قط بمعنى القدرة أو النعمة فإنهه لا يسوغ أن يقال خلقه الله بقدرتين، أو بنعمتين، على أنه لا يجوز إطلاق اليدين، بمعنى النعمة أو القدرة أو غيرهما إلا في حق من اتصف باليدين على الحقيقة ولذلك لا يقال للريح يد ولا للماء يد"
(5)
.
وإن سلمنا جواز استعمال "يدى" بمعنى القوة، وأن الله تعالى أرادها بقوله:"خلقت بيدى" أي بقوتى وقدرتى، فهو مناقض لقول من يدعيه، لأن المدعى لذلك لا يثبت لله تعالى قدرة واحدة فكيف بقدرتين.
ثم لو عنى الله تبارك وتعالى بقوله "خلقت بيدى" القدرة لم يكن لآدم عليه السلام على إبليس خصوصية يتميز بها. وقد أراد الله تعالى أن يرى إبليس أن لآدم فضل عليه وهو خلقه له بيديه دونه ولو كانت اليدين بمعنى القوة لم يكن لهذا التفضيل وجه، لأن أبليس أيضا قد
(1)
انظر كتاب التوحيد لابن خزيمة (ص 86، 87).
(2)
سورة الذاريات: آية (47).
(3)
سورة ص: آية (45).
(4)
انظر مختار الصحاح (ص 742)، لسان العرب (20: 305) القاموس (4: 405).
(5)
شرح العقيدة الواسطية للهراس (ص 56).
خلقه الله تعالى بقدرته هو وسائر مخلوقاته. ولما أراد الله عز وجل تفضيل آدم على إبليس بخلقه له "بيده" قال لإبليس موبخا استكباره على آدم أن يسجد له: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ}
(1)
. فدل على أنه ليس معنى الآية القدرة إذا كان الله عز وجل خلق الأشياء جميعا بقدرته وهذا ما فهمه موسى عليه السلام حين قال لآدم عليه السلام "أنت آدم الذي خلقك الله بيده" حيث جعل خلق الله تبارك وتعالى له بيده من خصائصه وكذلك قول آدم لموسى عليه السلام: "اصطفاك الله بكلامه وكتب لك التوراة بيده" فجعل هذا من خصائصه ولو كانت اليد هنا بمعنى القدرة لم يكن لهذا معنى
(2)
.
ويقال لهم بعد هذا: لم أنكرتم أن يكون الله عز وجل عنى بقوله "خلقت بيدى" يدين ليستا نعمتين ولا قدرتين.
فإن قالوا: لأن اليد إذا لم تكن بمعنى النعمة ولا بمعنى القوة لم تكن إلا جارحة، والجوارح من خصائص الأجسام والله منزه عن ذلك تعالى وتقدس.
قلنا: ولم حكمتم بأن اليد إذا لم تكن نعمة ولا قوة لم تكن إلا جارحة؟ فإن كنتم بنيتم ذلك على الشاهد، وقضيتم به على الله تعالى فنحن كذلك لم نجد حيا من الخلق إلا جسما لحما ودما، ولم نجد مدبرا حكيما إلا إنسانا فاقضوا بذلك على الله تعالى. وإلا ثبت
(1)
سورة ص: آية (75).
(2)
انظر الإبانة للأشعري (ص 35، 36)، كتاب التوحيد لابن خزيمة (ص 87)، كتاب الشريعة للآجرى (ص 323 - 325)، الإعتقاد للبيهقي (ص 29، 30)، التفسير القيم لابن القيم (ص 422)، فتح الباري لابن حجر (13: 393، 394)، شرح الواسطية (ص 56).
تناقضكم. وإن أثبتم حيالا كالأحياء المخلوقين، ومدبرا حكيما ليس كالإنسان فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله تعالى عنهما يدين ليستا نعمتين ولا قدرتين ولا جارحتين ولا كالأيدى
(1)
.
فإن قيل: إن الله تبارك وتعالى ذكر اليد بلفظ الإفراد في بعض الآيات وفى بعضها بلفظ التثنية، وبلفظ الجمع في البعض الآخر فلا دليل يخصص ما ذهبتم إليه من إثبات اليدين لله تعالى حقيقة دون إثبات أيد كثيرة أو يد واحدة.
قلنا: إن الله تبارك وتعالى لما ذكر اليد مثناة، أضاف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد، وعداه بالباء إليهما فقال:"خلقت بيدى" ولما ذكر اليد مجموعة. أضاف الفعل إليها، ولم يعد الفعل بالباء فقال:{عَمِلَتْ أَيْدِينَا}
(2)
فلا يحتمل "خلقت بيدى" من المجاز ما يحتمله "عملت أيدينا" فإن كل واحد يفهم من قوله "عملت أيدينا" ما يفهمه من قوله عملنا وخلقنا، كما يفهم ذلك من قوله {كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}
(3)
، وأما قوله "خلقت بيدى" فلو كان المراد منه مجرد الفعل لم يكن لذكر اليد بعد نسبة الفعل إلى الفاعل معنى فكيف وقد دخلت عليها الباء؟ فكيف إذا ثنيت
(4)
.
ويقال أيضا: قد أجمع على بطلان قول من أثبت لله أيديا، أو يدا
(1)
انظر الإِبانة للأشعري (ص 36، 37)، فتح الباري لابن حجر 13: 394).
(2)
سورة يس: آية (71).
(3)
سورة الشورى: آية (30).
(4)
انظر مختصر الصواعق المرسلة (1: 26)، التفسير القيم (ص 421، 422).
واحدة، فعليه يجب أن يكون الله تعالى وتقدس ذكر "أيد، ويدا"، وأراد يدين، لأن القرآن على ظاهره فلا يعدل عنه إلا بحجة وحجة العدول عن إثبات الأيدى، أو اليد الواحدة الإجماع. فيجب الأخذ بالظاهر الآخر الذي لم يأت ما يزيله عن ظاهره وهو إثبات اليدين لله تبارك وتعالى حقيقة
(1)
.
ولنا أن نقول: إن ما يصنع بالاثنين قد ينسب إلى الواحد، تقول رأيت بعينى، وسمعت بأذنى، والمراد عيناى، وأذناى، وكذلك الجمع يأتى بمعنى المثنى أحيانا كقوله تعالى:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}
(2)
والمراد قلباكما. وقوله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}
(3)
أي يداهما
(4)
.
فعلى هذا يتم القول بإثبات اليدين لله تبارك وتعالى حقيقة.
ومما يبعد المجاز زيادة على ما ذكر ما ورد من إثبات اليمين والشمال
(5)
(1)
انظر الإِبانة للأشعري (ص 37).
(2)
سورة التحريم: آية (38)
(3)
سورة المائدة: آية (38).
(4)
انظر مختصر الصواعق المرسلة (1: 25، 26) التفسير القيم لابن القيم (ص 495)، شرح العقيدة الواسطية للهراس (ص 56، 57)، الأسئلة والأجوبة الأصولية لابن سلمان (ص 133).
(5)
انظر صحيح البخاري (4: 198)، صحيح مسلم (3: 1458)، (4: 2148، 2149)، سنن أبي داود (4: 234)، ورد الدارمي على الجهمية (ص 11)، ورده على المريسى (ص 31، 32)، الشريعة للآجرى (ص 325، 321)، المعتمد في أصول الدين لأبي يعلي (ص 56)، الرسالة العرشية لابن تيمية ضمن الرسائل والمسائل (4: 116)، شرح حديث النزول له (ص 115، 116)، العقيدة الحموية له ضمن المجموعة الكبرى (1: 454)، مختصر الصواعق المرسلة (2: 348، 349).
والأصابع
(1)
، والكف
(2)
لله تبارك وتعالى.
وفي تأمل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}
(3)
. استبعاد لحمل اليد الثابتة لله تعالى على المجاز لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو السفير بين الله تعالى وبين خلقه فكانت مبايعته صلى الله عليه وسلم مبايعة لله تعالى. ولما كان سبحانه فوق سمواته على عرشه، وفوق الخلائق كلهم كانت يده فوق أيديهم كما أنه سبحانه فوقهم، فهل يصح هذا ممن ليس له يد حقيقة، فكيف يستقيم أن يكون المعنى قدرة الله، ونعمته فوق قدرهم ونعمهم والله سبحانه أعلم
(4)
(1)
انظر صحيح البخاري (4: 198)، صحيح مسلم (4: 2147 - 2149) رد الدارمي على المريسي (ص 59 - 63)، كتاب التوحيد لابن خزيمة (76 - 82)، الرسالة العرشية لابن تيمية ضمن مجموعة الرسائل والمسائل (4: 117).
(2)
انظر سنن الترمذي (5: 46، 47)، سنن الدارمي (1: 395). موطأ الإِمام مالك (2: 995)، مسند الإِمام أحمد (1: 368)، (2: 418، 431)، (5: 378)، كتاب التوحيد لابن خزيمة (217، 219).
(3)
سورة الفتح: آية (10).
(4)
انظر مختصر الصواعق المرسلة (2: 349، 337).