الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفعال الله تعالى
تمهيد:
قبل أن نعرض رأي ابن حزم ونبين موقفه من أفعال الله تعالى نحب أن نقدم بين يدي القارىء نبذة مؤجزة عن مذهب المعتزلة في أفعال الله تعالى لأن ابن حزم قد وقف معهم طويلًا في هذا الموضوع وناقش مذهبهم ورد على حججهم وأزال شبههم وأجاب على اعتراضاتهم فهم خصومه في ذلك.
ومذهب المعتزلة مبني على خمسة أصول:
الأول: التوحيد.
الثاني: العدل.
الثالث: الوعد والوعيد.
الرابع: المنزلة بين المنزلتين.
الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والذي يتناول موضوعنا من هذه الأصول هو العدل يقول القاضي عبد الجبار: "وأما الأصل الثاني من الأصول الخمسة وهو الكلام في العدل، وهو كلام يرجع إلى أفعال القديم تعالى جل وعز وما يجوز عليه وما لا يجوز"
(1)
.
ويقول الشهرستاني: إن واصل بن عطاء قال في تقرير هذا الأصل: "إن الباري تعالى حكيم عادل لا يجوز أن يضاف إليه شر ولا ظلم ولا يجوز أن يريد من العباد خلاف ما يأمر، ويحتم عليهم
(1)
شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص (301).
شيئًا ثم يجازيهم عليه، فالعبد هو الفاعل للخير والشر والإيمان والكفر والطاعة والمعصية وهو المجازى على فعله والرب تعالى أقدره على ذلك كله .. ويستحيل أن يخاطب العبد بافعل وهو لا يمكنه أن يفعل، وهو يحس من نفسه الاقتدار والفعل"
(1)
.
فعند المعتزلة أن العبد هو الخالق لأفعاله خيرها وشرها فيستحق عليها الثواب والعقاب في الآخرة. والله تعالى منزه عن أن يضاف إليه شر وظلم وفعل هو معصية وكفر إذ لو أضيف إليه ذلك كان ظالمًا فهو لا يفعل إلا الصلاح والخير ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد.
ويقول بعضهم: إن الله تعالى لم يدخر عن عباده شيئًا مما علم أنه إذا فعل بهم أتوا بالطاعة والتوبة من الصلاح والأصلح واللطف، لأنه قادر عالم جواد حكيم لا يضره الإعطاء ولا ينقص من خزائنه المنح ولا يزيد في ملكه الادخار وليس الأصلح عند هؤلاء هو الألذ بل هو الأعود في العاقبة والأصوب في العاجلة وإن كان دلك مؤلمًا مكروهًا، ولا يقول هؤلاء إنه تعالى يقدر على شيء هو أصلح مما فعله بعبده، والتكاليف كلها ألطاف وبعثة الأنبياء وشرع الشرائع وتمهيد الأحكام، والتنبيه على الطريق الأصوب كلها ألطاف
(2)
.
(1)
الملل والنحل للشهرستاني (1: 47)، وانظر شرح العقيدة الطحاوية ص (468)، ضحى الإسلام لأحمد أمين (3: 45).
(2)
انطر الملل والنحل للشهرستاني (1: 81). وضحى الإسلام لأحمد أمين (3: 45).
ومما وقع الاتفاق عليه بين المعتزلة، أن الحسن والقبح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح
(1)
.
فعندهم أن الحسن ما حسنت العقول، والقبيح ما قبحته فيحسن من الله تعالى ما حسن منا ويقبح منه ما قبح منا ويحكم عليه بالعقل بما يحكم به علينا
(2)
.
وبناء على أصلهم العدل وقولهم بالحسن والقبح العقليين قالوا على اختلاف فيما بينهم:
إن الله تعالى هدى المكلفين عامة بمعنى دلهم وبين لهم الطريق وسهل لهم سبيله لا بمعنى أنه خلق الإيمان والطاعة فيهم
(3)
وأضلهم بمعنى ذهب بهم عن طريق الجنة إلى طريق النار، لا بمعنى أنه خلق فيهم الكفر
(4)
.
وقالوا هو الخالق لأفعال نفسه خيرها وشرها، ويجب عليه تعالى رعاية مصالح العباد فليس عنده شيء أصلح مما أعطاه جميع الناس مؤمنهم وكافرهم، ولا عنده أهدى مما قد هدى به الكافر والمؤمن، وأنه لا يقدر على شيء أصلح مما فعل بالكافر والمؤمن إلى غير هذا مما ليس هذا مجال ذكره.
وقالوا بالحكم على الله تعالى بالعقل فيحكم عليه بما يحكم به
(1)
انظر الملل والنحل للشهرستاني (1: 43)، ومجموعة الفتاوى لابن تيمية (8: 431).
(2)
انظر الفصل لابن حزم (3: 98). وضحى الإسلام (3: 47، 48).
(3)
انظر متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار (1: 64، 65). وتنزيه القرآن عن المطاعن له ص (12، 13، 37).
(4)
انظر متشابه القرآن (1: 67).