المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4 - صفات الله تعالى من حيث الإطلاق العام: - ابن حزم وموقفه من الإلهيات عرض ونقد

[أحمد بن ناصر الحمد]

فهرس الكتاب

- ‌شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول حياة ابن حزم

- ‌الفصل الأول: التعريف بابن حزم

- ‌1 - أصله وأسرته:

- ‌مناقشة قول سانتشث البرنس:

- ‌مناقشة قول ابن سعيد، وابن حيان:

- ‌2 -‌‌ مولدهونشأته:

- ‌ مولده

- ‌(نشأته)

- ‌3 - بداية تعلمه:

- ‌4 - شيوخه:

- ‌5 - مكانته العلمية:

- ‌6 - تلاميذه:

- ‌7 - مصنفاته:

- ‌8 - وفاته:

- ‌الفصل الثاني: عصر ابن حزم

- ‌تمهيد:

- ‌1 - الأحوال السياسية:

- ‌2 - الأحوال الاجتماعية:

- ‌3 - الأحوال العلمية:

- ‌الباب الثاني الإلهيات

- ‌الفصل الأول وجود الله تعالى

- ‌الطريق الأول:طريق حدوث العالم

- ‌الطريق الثاني:هو طريق الاستدلال بما في الفلك من الآثار وما في المخلوقات من الدقة والإتقان والتوافق والاختلاف

- ‌الفصل الثاني: وحدانية الله

- ‌الفصل الثالث التنزيهات

- ‌1 - الجسمية، والعرضية، والزمانية والمكانية والحركة

- ‌2 - الصورة:

- ‌3 - المائية

- ‌4 - صفات الله تعالى من حيث الإِطلاق العام:

- ‌5 - أسماء الله تعالى:

- ‌الفصل الرابع الصفات

- ‌التمهيد

- ‌1 - الحياة

- ‌2 - العلم

- ‌3 - القدرة والقوة

- ‌مذهب ابن حزم في قدرة الله تعالى يتلخص فيما يلي:

- ‌4 - الإِرداة

- ‌الأدلة العقلية على أن الله متصف بالإِرادة:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌قدم إرادة الله تعالى:

- ‌5 - الكلام

- ‌مسمى الكلام:

- ‌اتصاف الله بالكلام:

- ‌الكلام على القرآن:

- ‌الكلام المتلو والمسموع:

- ‌المكتوب في المصاحف:

- ‌المضاف إلى العباد:

- ‌6 - السمع والبصر

- ‌7 - العز والعزة والكبرياء

- ‌8 - النفس والذات

- ‌(9) الوجه

- ‌الادلة من السنة على إثبات صفة الوجه لله تعالى

- ‌(10) العين والأعين:

- ‌(11) اليد واليدين والأيدي:

- ‌(12) الأصابع

- ‌(13) الجنب

- ‌1)(14)الساق:

- ‌(15) القدم والرجل

- ‌دليل أن استواء الله الوارد بالنص بمعنى العلو:

- ‌(17) النزول:

- ‌ الرد على الشبهة الأولى

- ‌الرد على الشبهة الثانية:

- ‌الرد على الشبهة الثالثة:

- ‌الرد على الشبهة الرابعة:

- ‌الرد على ابن حزم في تأويل النزول:

- ‌18 - الرؤية:

- ‌أولًا: أدلة جواز الرؤية زيادة على ما ذكر ابن حزم:

- ‌(أ) الأدلة النقلية:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني من أدلة النقل على جواز الرؤية:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع على جواز الرؤية:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع على جواز الرؤية:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌(ب) الأدلة العقلية على جواز الرؤية:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌ثانيًا: أدلة وقوع الرؤية

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني على وقوع الرؤية:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الفصل الخامس أفعال الله تعالى

- ‌تمهيد:

- ‌1 - القضاء والقدر:

- ‌مذهب ابن حزم في قضاء الله وقدره:

- ‌2 - خلق أفعال العباد:

- ‌3 - الهدي والتوفيق والإضلال:

- ‌ الهدى والتوفيق

- ‌الأضلال:

- ‌4 - التعديل والتجوير:

- ‌5 - تعليل أفعال الله:

- ‌الأدلة على القول بالتعليل:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الوجه الأول:نفى لزوم قدم المعلول لقدم العلة من عدة أوجه

- ‌الوجه الثاني:إبطال دعوى أن من يفعل لعلة ليس مختارًا

- ‌الوجه الثالث:إبطال التسلسل اللازم للعلة إذا كانت محدثة

- ‌الوجه الرابع:تسليم التسلسل في إثبات الحكمة:

- ‌6 - اللطف والأصلح:

- ‌7 - إرسال الرسل:

- ‌دليل ابن حزم على وجوب النبوة إذا وقعت:

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌4 - صفات الله تعالى من حيث الإطلاق العام:

قلنا: سؤال فرعون من حيث هو سؤال عن الماهية الاعتبارية

(1)

. فهو يطلب معرفة الماهية وخصوصية الحقيقة وموسى عليه السلام أجابه بالفاعلية والمؤثرية وهي لا تفيد الحقيقة المسئول عنها. ولما رأى موسى استنكار فرعون لجوابه تعجبًا من هذا الجواب، كرر الجواب موسى عليه السلام بما هو أظهر {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ}

(2)

فقال فرعون عند هذا {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}

(3)

فهو لا يفهم السؤال فضلًا عن أن يجيب عنه، فكرر الجواب موسى بما هو أوضح من سابقه بقوله {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}

(4)

أي إن كنت من العقلاء، عرفت أنه لا جواب لهذا السؤال من أحد من العالم بالنسبة لله تعالى إلا هذا الجواب لأن حقيقة الباري سبحانه وتعالى من حيث هي هي غير معقولة للعالم بل المعقول لهم لوازمه وآثاره سبحانه وهي حقائق ظاهرة تدل بعظمها على أن الفاعل لها فرد صمد قوى قاهر لا يعجزه شيء ولا يحيط به أحد من خلقه تعالى وتقدس.

(5)

.

‌4 - صفات الله تعالى من حيث الإِطلاق العام:

يذهب أبو محمد بن حزم إلى نفي إطلاق لفظ الصفات لله تعالى لأنه تعالى لم ينص في كلامه المنزل على الصفات، ولا على لفظ الصفة، ولم يحفظ ذلك عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يرد

(1)

الماهية الإعتبارية هي ما لا وجود له إلا في عقل المعتبر ما دام معتبرًا يسأل عنها بما هو. انظر التعريفات للجرجاني ص 172.

(2)

سورة الشعراء آية (26).

(3)

سورة الشعراء آية (27).

(4)

سورة الشعراء آية (28).

(5)

انظر التفسير الكبير للرازي جـ 24 ص 129، 130.

ص: 188

عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولا عن خيار التابعين. ولأن لفظ الصفة في اللغة العربية وفي جميع اللغات عبارة عن معنى محمول في الموصوف بما لا معنى للصفة غير هذا البتة، وهذا أمر لا يجوز إضافته إلى الله تعالى البتة إلا أن يأتي نص بشيء أخبر الله تعالى به عن نفسه فنؤمن به وندري حينئذ أنه اسم علم لا مشتق من صفة أصلًا، وأنه خبر عنه تعالى لا يراد به غيره عز وجل ولا يرجع منه إلى سواه البتة

(1)

.

لهذا فلا يحل لأحد أن ينطق به.

يقول ابن حزم: "ولو قلنا إن الإجماع قد تيقن على هذه اللفظة لصدقنا فلا يجوز القول بلفظ الصفات، ولا اعتقاده بل هي بدعة منكرة قال الله تعالى:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}

(2)

"

(3)

.

ومن أدلته على نفي الصفات

(4)

. قوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}

(5)

.

هذا المذهب الذي يذهب إليه أبو محمد بن حزم - في عدم إثبات الصفات لله تعالى، وعدم جواز إطلاق لفظ الصفة أو الصفات له تعالى. وجواز تسميته بما سمى به نفسه من غير أن يشتق له من تلك الأسماء صفات. هو في الحقيقة ما ذهب إليه المعتزلة حيت لا يثبتون

(1)

انظر الفصل جـ 2 ص 159، 161.

(2)

سورة النجم آية (23).

(3)

الفصل جـ 2 ص 120، 121. وانظر ص 159، 161.

(4)

انظر الفصل جـ 2 ص 122.

(5)

سورة الصافات آية (180).

ص: 189

لله تعالى صفات قديمة أصلًا، ولا ينفون الأسماء. بل يثبتونها لله تعالى، ويسمونه بها.

وإن كان ابن حزم لا يلتزم نفس استدلالهم على النفي. لكنه يتفق معهم في النتيجة، نفي الصفات عن الله تعالى، إذ نفيهم للصفات القديمة فرار من تعدد القدماء مع الله تعالى، لأن القدم أخص صفاته، وفي إثباتها معه مشاركة في الإِلهية - على زعمهم -

(1)

ونفى ابن حزم لذلك تمشيًا مع مذهبه الظاهري، وإبقاء على ظاهرية الأسماء التي وردت بالنص وجعلها ألفاظًا فارغة عن المعاني بمنزلة أصوات لا تفيد شيئًا، فلا تكون دليلًا على إثبات صفات له لعدم النص الظاهر على ذلك كما يدعى.

وقد استدل على النفي بقوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}

(2)

. والآية لا تدل على ما ذهب إليه والمقصود بالأسماء في الآية معبودات المشركين. فذكر تعالى في سياق الآيات، اللات، والعزى، ومناة.

فقيل: إن معنى قوله {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ} أي كونها إناثًا ومعبودات أسماء لا مسمى لها، فإنها ليست بإناث حقيقة، ولا معبودات.

وقيل: "أسماء" أي قلتم بعضها عزى ولا عزة لها، وقلتم، إنها آلهة وليست بآلهة

(3)

.

(1)

انظر شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص 128 - 213. ففي هذه الصفحات تعرض لنفي الصفات عامة، ثم عرضها صفة صفة. وأورد الاعتراضات وأجاب عنها بما يتمشى مع مذهبه. وانظر الفرق بين الفرق للبغدادي ص 114. والملل للشهرستاني جـ 1 ص 44. ونهاية الإقدام له ص 201، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران الدمشقي ص 14، 15.

(2)

سورة النجم آية (23).

(3)

انظر التفسير الكبير للرازي جـ 28 ص 299.

ص: 190

واستدل بقوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}

(1)

. وليس فيها دلالة على نفي صفات الله تعالى، وإنما فيها تنزيه الله تعالى وتقديسه عن كل ما لا يليق بصفات الإِلهية، وفي الآية إثبات ما استدل على نفيه ففي قوله "رب العزة" وصفه بكل ما يليق بإلهيته لأن الربوبية إشارة إلى التربية، وهي دالة على كمال الحكمة والرحمة و "العزة" إشارة إلى كمال القدرة، لأن الألف واللام تفيد الاستغراق وإذا كان الكل ملكًا له لم يبق لغيره شيء"

(2)

.

فليس في الآيتين ما يدل على نفي الصفات عن الباري تعالى كما استدل بهما ابن حزم. يقول ابن تيمية عن الظاهرية: - إن الظاهرية مع انتسابهم إلى الحديث والسنة أنكروا القياس الشرعي المأثور عن السلف والأئمة.

ودخلوا في الكلام الذي ذمه السلف، والأئمة حتى نفوا حقيقة أسماء الله وصفاته.

ويرى ابن تيمية أن إثبات الأسماء دون الصفات سفسطة

(3)

في

(1)

سورة الصافات آية (180).

(2)

انظر التفسير الكبير للرازي جـ 26 ص 173. والكشاف للزمخشري جـ 3 ص 358. والبحر المحيط لأبي حيان جـ 7 ص 380. والنهر له على هامش البحر جـ 7 ص 378.

(3)

السفسطة مذهب فلسفي ظهر في البيئة اليونانية، ويسمى أهله السوفسطائية وهم يمارون في حقائق الأمور ويسرفون في المغالطة. والسفسطة أنواع ثلاثة نفي الحقائق، أو الوقوف فيها، أو جعلها تابعة لظنون الناس، وقيل بنوع رابع وهو القول بأن العالم في سيلان فلا يثبت. انظر منهاج السنة جـ 1 ص 242 والمنتقى من منهاج الاعتدال ص 103، والهامش ص 80.

ص: 191

العقليات وقرمطة

(1)

في السمعيات

(2)

.

ودليل السفسطة أن المعلوم اضطرارًا الفرق بين الحي، والعليم والملك، والقدوس، والجبار، والمتكبر، والعزيز والغفور ونحو ذلك وأن العبد إذا قال: رب ارحمني، واغفر لي وتب على إنك أنت الرحيم التواب الغفور كان قد أحسن في مناجاته لرب وفي دعائه له، ولو قال رب ارحمني واغفر لي وتب علي إنك أنت الشديد العقاب الجبار المتكبر لم يكن محسنًا في مناجاته.

ودليل القرمطة: أن الأسماء إذا كانت أعلامًا جامدة لا تدل على معنى لم يكن فرق فيها بين اسم واسم فعلى هذا لا مانع من تسمية الله تعالى بالميت والعاجز والجاهل، بدل الحي العالم القادر تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، وقد قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

(3)

فأثبت لنفسه الأسماء الحسنى وأمر بالدعاء بها ووعد الملحدين فيها بالجزاء ولو لم يكن فروا فيها لم يلحد أحد في اسم دون اسم ولا ينكر عاقل اسما دون اسم. والله تبارك وتعالى له الأسماء الحسنى دون السوآى، وإنما يتميز الاسم الحسن عن الاسم السيء بمعناه فلو كانت كلها بمنزلة الأعلام الجامدات التي لا تدل على

(1)

القرمطة مذهب باطني ظهر في البيئة الإسماعيلية المشتقة من نزعة التشيع ويسمى أهلها القرامطة. وهم في أصلهم الإسماعيلي والشيعي يمارون في مدلولات النصوص ويزعمون أن لها معاني غير التي يفهمها الذين وردت النصوص بلغتهم. انظر المنتقى من منهاج الاعتدال ص 80 الهامش. والملل جـ 1 ص 191 - 198.

(2)

انظر شرح الأصفهانية ص 76، 79. ورسالة في الجواب عمن يقول إن صفات الرب نسب لابن تيمية ضمن جامع الرسائل المجموعة الأولى ص 170، 171. والمنتقى من منهاج الاعتدال ص 80.

(3)

سورة الأعراف آية (180).

ص: 192

معنى لم تنقسم إلى حسنى وسوآى ولكان يكفي منها اسم واحد يدل على هذه الذات، وكان الباقي لغوًا ليس لذكره فائدة تعالى الله بأسمائه وصفاته عن النقائص والعيوب وتنزه عن أن يكون شيء من ذلك لغوًا

(1)

. ويقال لمن نفى اتصاف الله تعالى بالصفات لماذا لا تنفى الأسماء معها حتى لا يحتج عليك بهذا الإِثبات، لأن هذه الأسامي إذا لزمت ذاتًا من الذوات لزمتها الصفات التي من أجلها وقعت الأسامي، إذ لو جاز أن يكون عالمًا بغير علم أو سميعًا بغير سمع أو بصيرا بغير بصر لجاز أن يكون الجاهل مع عدم العلم عالمًا والأعمى مع فقد البصر بصيرًا والأصم مع غيبوبة السمع سميعا، فلما لم يجز ما ذكر صح أن العالم إنما صار عالمًا لوجود العلم والبصير، والسميع، لوجود السمع، والبصر

(2)

.

فإن قال: كيف أنفى أسماء الله تعالى وقد ذكرها في كتابه؟

قلنا: وقد ورد في كتابه تعالى ذكر العلم، والقوة. فذكر العلم في خمسة مواضع من كتابه منها قوله تعالى:{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}

(3)

. وقوله: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ}

(4)

. وذكر القوة فقال: {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}

(5)

. وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}

(6)

فيلزمك لهذا إثباتهما.

فإن قال: أنا لا أنفيهما وقولي فيهما "أن علم الله تعالى وقدرته،

(1)

انظر شرح العقيدة الأصفهانية ص 76، 77. ومجموع فتاوى ابن تيمية جـ 5 ص 494. والتفسير الكبير للرازي جـ 15 ص 66.

(2)

انظر شرح الأصفهانية ص 81. والاعتقاد للبيهقي ص 26.

(3)

سورة النساء آية (166).

(4)

سورة فاطر آية (11).

(5)

سورة الذاريات آية (58).

(6)

سورة فصلت آية (15).

ص: 193

وقوته حق وليس العلم غير القدرة، ولا القدرة غير العلم، وليس ذلك غير الله، ولا يقال إنه الله"

(1)

.

قلنا: إن هذا لا يستقيم مع ما ورد في الآيات إذ فيها أن العلم له معنى يخالف معنى القدرة، وتعلقات تخالف تعلقاتها فالعلم يتعلق بالمعلومات، والقدرة تتعلق بالمقدورات فالعلم أعم لتعلقه بالواجب والممكن والمستحيل لأن كل شيء يصلح أن يكون معلومًا

(2)

. بخلاف القدرة فلا تتعلق إلا بالممكن.

ولو كان المفهوم من الصفتين واحدًا لوجب أن يعلم بقدرته، ويقدر بعلمه ويكون من علم الذات مطلقًا علم أن له قدرة، وعلمًا، وليس الأمر كذلك فإن هذه حقائق متنوعة، فإن جعلت هذه الحقيقة هي تلك كان بمنزلة من يقول، إن حقيقة السواد هي حقيقة الطعم، وحقيقة الطعم هي حقيقة اللون وأمثال ذلك مما يجعل الحقائق المتنوعة حقيقة واحدة ومن العلوم أن الجسم ليس هو العرض، والموصوف ليس هو الصفة، والذات ليست هي النعوت فمن قال: إن العالم هو العلم، والعلم هو العالم، والقادر هو القدرة، والقدرة هي القادر، فضلا له بين. وكذا القول. إن القدرة هي العالم وأن العلم هو القادر

(3)

، وسيأتي الكلام على العلم والقدرة

(4)

. أما قولك "ليس ذلك غير الله، ولا يقال إنه الله" فنفى

(1)

انظر الفصل جـ 2 ص 129، 140، 172.

(2)

انظر مجموعة فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية جـ 5 ص 494. ودرء تعارض العقل والنقل له جـ 1 ص 285.

(3)

انظر درء تعارض العقل والنقل جـ 1 ص 285. وشرح الأصفهانية ص 80. ورد الإمام عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد 22، 23.

(4)

انظر ص 226 - 240.

ص: 194

القول بأنه الله صحيح. أما كون ذلك ليس غير الله فلفظ "الغير" مجمل ونفيه يوهم معنى فاسدًا، وكذا إثباته، فيجب الاستفصال عن المقصود فإن كان القصد بأنه ليس غير الله، أي ليس غيرًا منفصلًا عنه فهذا حق فإن صفات الباري لا تفارق ذاته.

ثم إن وجود ذات في الخارج غير متصفة بالصفات محال، بل الذات الموصوفة بصفات الكمال الثابتة لها لا تنفصل عنها، وإنما يعرض للذهن ذات وصفة كل وحده ووجوده في الخارج، محال وهذا بمنزلة من يقول، أثبت إنسانًا لا حيوانًا، ولا ناطقًا، ولا قائمًا بنفسه ولا بغيره، ولا له قدرة، ولا حياة، ولا حركة، ولا سكون أو نحو ذلك، أو يقول أثبت نخله ليس لها ساق، ولا جذع ولا ليف، ولا غير ذلك. فإن هذا يثبت ما لا حقيقة له في الخارج ولا يعقل، لأن لفظ "ذات" في أصل معناها لا تستعمل إلا مضافة أي "ذات وجود""ذات قدرة""ذات إرادة" إلى غير ذلك، ولم ترد إلا كذلك كما في قوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}

(1)

. وقوله: {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}

(2)

. وقول خبيب بن عدي رضي الله عنه حين قدمه كفار قريش للقتل:

ولست أبالي حين أفتل مسلمًا

على أي جنب كان في الله مصرعي

(1)

سورة الأنفال آية (1).

(2)

سورة آل عمران الآيتان (119، 154) والمائدة (7)، والأنفال (43) وهود (5). ولقمان (23)، وفاطر (38) والزمر (7). والشورى (24). والحديد (6)، والتغابن (4)، والملك (13).

ص: 195

وذلك في ذات الإله وإن يشأ

يبارك علي أوصال شلو

(1)

ممزغ

(2)

وقول حسان بن ثابت رضي الله عنه حين أنشد النبي صلى الله عليه وسلم:

شهدت بإذن الله أن محمدًا

رسول الذي فوق السموات من عل

وأن أخا الأحقاف إذ يعذلونه

يجاهد في ذات الإِله ويعدل

(3)

فذات كذا بمعنى صاحبة كذا تأنيث "ذو" هذا أصل معنى الكلمة فلا يتصور انفصال الصفات عن الذات، ووجود ذلك في الذهن شيء فرضى لا حقيقة له كما يفرض عرض يقوم بنفسه لا بغيره، وصفة لا تقوم بغيرها، فما هو قائم بنفسه فلابد له من صفة وما كان صفة فلابد له من قائم بنفسه متصف به، وقد سلم المنازعون أنهم لا يعلمون قائمًا بنفسه لا صفة له سواء سموه جوهرًا أو جسمًا أو غير ذلك. ويقولون: - وجود جوهر معرى عن جميع الأعراض ممتنع

(4)

.

(1)

الشلو العضو من أعضاء اللحم. مختار الصحاح ص 345، واللسان جـ 19 ص 172.

(2)

انظر صحيح البخاري جـ 4 ص 196 والكامل في التاريخ لابن الأثير جـ 2 ص 168. وفيه "على أي شيء" بدل "على أي جنب" وانظر رسالة تفصيل الإِجمال فيما يحب الله من صفات الكمال لابن تيمية ضمن مجموعة الرسائل والمسائل جـ 5 ص 52. وانظر شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي ص 15/ أمخطوط وبدائع الفوائد لابن القيم جـ 2 ص 6.

(3)

ديوانه جـ 1 ص 203. وانظر العلو للذهبي ص 41. واجتماع الجيوش الإسلامية ص 66. وشرح الطحاوية ص 229. مع اختلاف في بعض الكلمات لا تأثير لها على محل الشاهد.

(4)

انظر كتاب الفنون لابن عقيل الحنبلي القسم الأول ص 65. ورسالة تفصيل الإجمال لابن تيمية ضمن الرسائل والمسائل جـ 5 ص 51، 52، وهو في مجموع الفتاوي له جـ 6 ص 98، 99. وشرح حديث النزول له ص 8. وموافقة صحيح المنقول له جـ 2 ص 123 - 125. وشرح المقاصد للتفتازاني جـ 2 ص 73 وشرح الطحاوية ص 64 - 65. وفي اللغة انظر مختار الصحاح ص 224، 225.

ص: 196

يقول ابن تيمية: "ولهذا كان السلف والأئمة يسمون نفاة الصفات" معطلة. لأن حقيقة قولهم، تعطيل ذات الله تعالى، وإن كانوا هم لا يعلمون، أن قولهم مستلزم للتعطيل بل يصفونه بالوصفين المتناقضين فيقولون هو موجود قديم واجب ثم ينفون لوازم وجوده، فيكون حقيقة قولهم: موجود ليس بموجود حق ليس بحق، خالق ليس بخالق فينفون عنه النقيضين، إما تصريحًا بنفيهما، وإما إمساكًا عن الإخبار بواحد منهما"

(1)

.

وإن كان القصد بنفي "الغير" في قوله "ليس غير الله" نفي الصفة الملازمة للذات فهذا غير صحيح فصفات الله لازمة لذاته، وليست غيرا بهذا الاعتبار لما بينا

(2)

.

فإن قال: أنا لا أقول، إن لله تعالى صفة مطلقًا لا قائمة به ولا منفصلة عنه

(3)

.

قلنا: إذن على هذا فقولك: "إن علم الله ليس غيره" أي ذاته، ونفيك "أنه لا يقال إنه الله" لا معنى له حيث خالفته حقيقة، وهذا عين مذهب أبي الهذيل العلاف

(4)

. الذي رددت عليه بأنه سمى الله

(1)

مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 5 ص 326، 327.

(2)

انظر مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 6 ص 97. ودرء نعارض العقل والنقل له جـ 1 ص 281، 282. ومنهاج السُّنَّة له جـ 1 ص 238، 239.

(3)

انظر الفصل جـ 2 ص 133.

(4)

هو محمد بن الهذيل بن عبد الله البصري مولى لعبد القيس. وهو شيخ المعتزلة ومقدم الطائفة، ومقرر الطريقة والمناظر عليها أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء وانفرد بعشر مسائل، مات سنة 226، وقيل 235. وكان مولده سنة 135. انظر الفرق بين الفرق ص 121 - 130. والملل جـ 1 ص 49 - 53. وشذرات الذهب جـ 2 ص 85.

ص: 197

تعالى من طريق الاستدلال

(1)

. فوقعت فيما فررت منه، وهذا الرأي مأخوذ عن الفلاسفة الذين اعتقدوا أن ذات الله تعالى واحدة لا كثرة فيها بوجه، والصفات هي الذات وليست معاني وراءها قائمة بها وترجع إلى السلوب واللوازم

(2)

.

وقد رد الإمام أبو الحسن الأشعري على من يقول، إن علم الله هو الله فقال:"إذا قلت إن علم الله هو الله فقل يا علم الله اغفر لي وارحمني فإن أبى ذلك لزمته المناقضة، واعلموا يرحمكم الله أن من قال: عالم ولا علم كان مناقضًا كما أن من قال علم ولا عالم كان مناقضًا وكذلك القول في القدرة والقادر، والحياة، والحي والسمع والبصر والسميع والبصير"

(3)

وهذا ما ذهب إليه سلف الأمة وأئمتها فهم يثبتون لله تعالى ما ورد من الأسماء ومصادرها لما هو معلوم من أن اسم عالم اشتق من علم وقادر اشتق من قدرة، وحى من حياة وسميع من سمع وبصير من بصر ولا تخلو أسماء الله عز وجل من أن تكون مشتقة فيفيد كل اسم معناه أو على طريق التلقيب ويتنزه الله تبارك وتعالى أن تكون أسماؤه على طريق التلقيب باسم ليس فيه إفادة معناه، وليس مشتقًا من صفة، فإذا قيل: إن الله تعالى عالم قادر فليس ذلك تلقيبًا كما تقول زيد، وعمر على مسمى بهما، وعلى هذا إجماع

(1)

انظر الفصل جـ 2 ص 139.

(2)

انظر آراء أهل المدينة الفاضلة للفارابي ص 33. والملل جـ 1 ص 49، 50.

ودرء تعارض العقل والنقل جـ 1 ص 283، 284، ومبادىء الفلسفة تعريب أحمد أمين 137، ومقدمة مناهج الأدلة لمحمود قاسم في نقد مدارس علم الكلام ص 40.

(3)

الإِبانة عن أصول الديانة للأشعري ص 38 بتصرف قليل وانظر اللمع له ص 30. ولمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة للجويني ص 88.

ص: 198

المسلمين. وإذ لم يكن ذلك تلقيبًا وكان مشتقًا من علم فقد وجب إثبات العلم وإن كان ذلك لإفادة معناه فلا يختلف ما هو لإفادة معناه ووجب. كما إذا كان قولي: موجود مفيدا فينا الإِثبات كان الباري تعالى واجبًا إثباته لأنه سبحانه وتعالى موجود

(1)

.

وقد دل القرآن والسنة على إثبات تلك المصادر، لأن إثبات الأسماء المجردة لا معنى له تعالت أسماء الله أن تكون أعلامًا فارغة عن المعاني يقول ابن القيم: - والرب تعالى يشتق له من أوصافه وأفعاله أسماء ولا يشتق له من مخلوقاته، وكل اسم من أسمائه فهو مشتق من صفة من صفاته أو فعل قائم به، ولو كان يشتق له اسم باعتبار المخلوق المنفصل لسمى طويلًا، وأبيض وغير ذلك لأنه خالق هذه الصفات فلما لم يطلق عليه اسم من ذلك علم أنه يشتق أسماءه من أفعاله وأوصافه القائمة به، وهو سبحانه لا يتصف بما هو مخلوق منفصل عنه ولا يتسمى باسمه، ولهذا كان قول من قال إنه يسمى مريدًا وخالقًا ونحو ذلك بإرادة منفصلة عنه وبخلق منفصل عنه هو المخلوق قولًا باطلًا مخالفًا للعقل والنقل واللغة مع تناقضه في نفسه، فإن اشتق له اسم باعتبار مخلوقاته لزم طرد ذلك في كل صفة أو فعل خلقه، وإن خص ذلك ببعض الأفعال والصفات دون بعض كان تحكمًا لا معنى له. وحقيقة قول هؤلاء إنه لم يقم به إرادة ولا إحسان ولا فعل البتة ومن تجهم منهم نفى حقائق الصفات وقال لم تقم به صفة ثبوتية فنفوا صفاته وردوها إلى السلوب والإِضافة، ونفوا أفعاله وردوها إلى المصنوعات المخلوقات وحقيقة هذا أن أسماءه تعالى ألفاظ فارغة عن المعاني لا حقائق لها وهذا من الإِلحاد فيها وإنكار أن

(1)

انظر الإِبانة عن أصول الديانة للأشعري ص 40.

ص: 199

تكون حسنى وقد قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

(1)

وقد دل القرآن والسنة على إثبات مصادر هذه الأسماء له سبحانه وصفًا كقوله تعالى: {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}

(2)

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}

(3)

وقوله: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ}

(4)

وقوله صلى الله عليه وسلم: "لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"

(5)

وقول عائشة: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات"

(6)

وقوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ برضاك من سخطك"

(7)

وقوله: "أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت"

(8)

.

ولولا هذه المصادر لانتفت حقائق الأسماء والصفات والأفعال، فإن أفعاله غير صفاته، وأسماءه غير أفعاله وصفاته، فإذا لم يقم به فعل ولا صفة فلا معنى للاسم المجرد، وهو بمنزلة صوت لا يفيد

(1)

سورة الأعراف آية (180).

(2)

سورة البقرة آية (165).

(3)

سورة الذاريات آية (58).

(4)

سورة هود آية (14).

(5)

انظر صحيح الإِمام مسلم جـ 1 ص 162. وسُنن ابن ماجه ص 70، 71.

(6)

صحيح الإِمام البخاري جـ 4 ص 195. وسُنن ابن ماجه جـ 1 ص 67. ومسند أحمد جـ 6 ص 46.

(7)

صحيح الإِمام مسلم جـ 1 ص 352. وسُنن أبي داود جـ 1 ص 232 جـ 2 ص 64 وسُنن الترمذي جـ 5 ص 254، 561. وسُنن ابن ماجه جـ 1 ص 373، وجـ 2 ص 1263. ومسند الإِمام أحمد جـ 1 ص 96، 118، 150 وجـ 6 ص 201، 58.

(8)

صحيح الإِمام البخاري جـ 4 ص 194. انظر ص 108. وانظر صحيح الإِمام مسلم جـ 4 ص 2086. ومسند الإِمام أحمد جـ 1 ص 302.

ص: 200

شيئًا وهذا غاية الإلحاد

(1)

.

وحيث تبين أن أسماء الله تعالى مشتقة من وصافه وأفعاله وأن كل اسم يفيد معناه، وأن أسماءه المطلقة كالسميع، والبصير، والغفور، والشكور، والمجيب، والقريب، والرحيم ونحوها، لا يجب أن تتعلق بكل موجود بل يتعلق كل اسم بما يناسبه، ولما كان كل شيء يصلح أن يكون معلومًا كان اسم الله العليم متعلق به

(2)

.

فكل ما دلت عليه أسماؤه فهو مما وصف به نفسه فيجب الإيمان بكل ما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل كما قال سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}

(3)

.

وهو المسمى نفسه بأسمائه الحسنى وهو بها لم يزل

(4)

. ولنا أن نعترض على نفاة الصفات، وإثبات الذات المجردة، بأنه يلزمهم إثبات قديم لا يقال له الله، إذ أنهم يثبتون ذاتًا مجردة عن الصفات ومعلوم أن ما ليس بحي ولا عليم ولا قدير فليس هو الله، فمن أثبت ذاتًا مجردة فقد أثبت قديمًا ليس هو الله. فإن قال: أنا أقول إنه لم يزل عليمًا قديرًا.

قلنا: إن هذا قول من يثبت الصفات لله تعالى فنفس كونه عالمًا ليس هو كونه قادرًا، وذلك ليس هو كونه ذاتًا متصفة بهذه الصفات

(1)

انظر شفاء العليل ص 566، 567، والتفسير القيم ص 30، 31 وشرح الأسماء الحسنى للقرطبي ص 4/ أمخطوط.

(2)

انظر مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 5 ص 494.

(3)

سورة الشورى آية (11).

(4)

انظر مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 6 ص 205.

ص: 201

فهذه معان متميزة في العقل ليس هذا هو هذا.

فإن قلتم هي قديمة، أثبتم معان قديمة، وإن قلتم إنها شيء واحد جعلتم كل صفة هي الأخرى، والصفة هي الموصوف فجعلتم كونه عالما هو كونه قادرًا، وجعلتم ذلك هو نفس الذات وهذه مكابرة وهذه المعاني هي معاني أسمائه الحسنى وهو بها سبحانه لم يزل وهو المسمى بها نفسه. وقد نفى الدارمي

(1)

إيمان من لم يعلم أن الذات الإلهية بصفاتها وأسمائها لم تزل ذات واحدة متصفة بالصفات مسماة بالأسماء بقوله: "ولن يدخل الإيمان قلب رجل حتى يعلم أن الله لم يزل إلهًا واحدًا بجميع أسمائه وجميع صفاته لم يحدث له منها شيء كما لم تزل وحدانيته"

(2)

. وبعد أن بينا عدم استقامة مذهب ابن حزم ومن يذهب مذهبه بنفي الصفات. نشير إلى أن ابن حزم لم يثبت على هذا المذهب فقد قال بخلافه فقد أثبت أن لله تعالى صفات قال في كتابه الأصول والفروع في أثناء رده على الجهمية القائلين بخلق القرآن: "وكلام الله تعالى صفة قديمة من صفاته، ولا توجد صفاته إلا به ولا تبين منه .. وكلام الله لا ينفد ولا ينقطع أبدًا لأن كلامه صفة من صفاته تعالى لا تنفد ولا تنقطع ولا تفارق ذاته والله عز وجل لم يزل متكلمًا ليس لكلامه أول ولا آخر كما ليس لذاته لا أول ولا آخر وجميع صفاته مثل ذاته وقدرته وعلمه وكلامه ونفسه ووجهه مما وصف به نفسه في كتابه العزيز كل هذه الصفات غير مباينة منه تعالى ولا

(1)

هو أبو سعيد عثمان بن سعيد بن خالد الدارمي السجستاني كان إمامًا في الحديث والفقه ثقة حجا ثبتا له مصنفات عديدة منها المسند، والرد على الجهمية توفي سنة 280 هـ انظر شذرات الذهب جـ 2 ص 176.

(2)

رد عثمان بن سعيد الدارمي على بشر المريسي ص 13.

ص: 202

متجزئة ولا نافدة ولا منقطعة"

(1)

وكرر في هذا الرد أن القرآن الكريم كلام الله تعالى غير مخلوق وأنه صفة من صفاته

(2)

.

فإن قيل: إن هذا ليس تناقضا من ابن حزم وإنما كان هذا قوله سابقا ثم رجع عنه: لأن تأليفه لهذا الكتاب متقدم كما يظهر من قوله فيه عند كلامه عن إعجاز القران البلاغي عن أن يأتي أحد بمثله إذ يقول: "ثم عمر الدنيا من البلغاء الذين لا نظائر لهم في الإسلام كثير منذ أربعمائة عام وعشرين عامًا فما منهم أحد تكلف معارضته إلا وافتضح فيه"

(3)

.

قلنا وإن ثبت تقدم هذا القول، وتغير رأي ابن حزم عما فيه فإنه لا يسلم مما ذكرنا من تناقضه، حيث ذكر في كتابه الفصل نحو هذا إذ يقول:"ومن البرهان على أن النزول صفة فعل لا صفة ذات أن الرسول صلى الله عليه وسلم علق التنزل المذكور بوقت محدود فصح أنه فعل محدث في ذلك الوقت مفعول حينئذ"

(4)

فتناقض ابن حزم في هذه المسألة ثابت، واضطرابه فيها بين فهذا دليل عدم اطمئنانه في النفي والإثبات في مسألة الصفات والله أعلم.

(1)

الأصول والفروع لابن حزم جـ 2 ص 395، 396.

(2)

انظر الأصول والفروع جـ 2 ص 395، 396، 397، 399.

(3)

الأصول والفروع جـ 1 ص 201.

(4)

الفصل جـ 2 ص 172.

ص: 203