الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففي قوله تعالى {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي جهته الله وقبلته فالمقصود بوجه الله هنا الجهة التي تستقبل في الصلاة كما قال في أول الآية {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}
(1)
. ثم قال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} كما قال: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
(2)
. فإذا كان المشرق والمغرب لله تعالى {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}
(3)
، وقوله "موليها" أي مستقبلها فهذا كقوله:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ، أي فأينما تستقبلوا فثم وجهة الله تعالى
(4)
.
الادلة من السنة على إثبات صفة الوجه لله تعالى
".
ورد إثبات الوجه لله تبارك وتعالى في كثير من الأحاديث النبوية الصحيحة من ذلك ما روى مسلم بسنده عن أبى موسى أنه قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: "إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغى له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار. وعمل النهار قبل عمل الليل. حجابه النور - وفى رواية أبى بكر النار - لو كشفه لأحرقت سبحات
(5)
(1)
سورة البقرة: آية (115).
(2)
سورة البقرة: آية (142).
(3)
سورقة البقرة: آية (148).
(4)
انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (3: 144، 145)، تفسيرات ابن تيمية جمع إقبال الأعظمي (ص 81) تأويلات أهل السنة للماتريدي (1: 263)، مختصر الصواعق المرسلة (2: 354، 355).
(5)
سبحات وجه الله تعالى بضمتين: أنواره وجلاله وعظمته. وقيل سبحات الوجه محاسنه، لأنك إذا رأيت الحسن الوجه قلت سبحان الله وقيل: تنزيه له: أي سبحان وجهه. انظر مختار الصحاح (ص 282)، لسان العرب (3: 301)، صحيح الإمام مسلم بشرح النووي (3: 14).
وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه
(1)
.
فإضافة السبحات التي هي الجلال والنور إلى الوجه، وإضافة البصر إليه تبطل كل مجاز، وتبين أن المراد وجهه سبحانه وتعالى حقيقة الذي هو صفة من صفاته.
(2)
.
ومن الأحاديث المثبتة لصفة الوجه ما روى البخاري بسنده عن أبى بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن"
(3)
.
وروى البخاري أيضًا بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المجاهد في سبيل الله ابتغاء وجه الله مثل القائم المصلى حتى يرجع المجاهد"
(4)
.
وروى البخاري أيضًا بسنده عن جابر رضي الله عنه قال: "لما نزلت هذه الآية {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك قال: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال أعوذ بوجهك. {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}
(5)
. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا
(1)
صحيح الإمام مسلم (1: 161، 162)، ورد الدارمي على المريسى (ص 160، 170)، كتاب التوحيد لابن خزيمة (ص 19، 75).
(2)
انظر مختصر الصواعق المرسلة (2: 353)، شرح العقيدة الواسطية للهراس (ص 55).
(3)
صحيح البخاري (4: 203)، صحيح مسلم (1: 163).
(4)
صحيح البخاري (4: 203)، كتاب التوحيد لابن خزيمة (ص 13).
(5)
سورة الأنعام: آية (65).
أهون أو هذا أيسر"
(1)
.
وفي الأحاديث التي ذكرنا دليل على إثبات صفة الوجه لله تبارك وتعالى حقيقة وتأويله بالذات، أو بغيرها حمل للكلام على غير معناه الحقيقي، ولا يصح ذلك إلا بقرينة مانعة من حمله على الحقيقة، ولا أرى في هذا قرينه صحيحة.
وقد روى تفسير "المزيد" في قوله تبارك وتعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}
(2)
. بالنظر إلى وجه الله الكريم عن كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موقوفا، فروى عن أبى بكر الصديق رضي الله عنه، وعن أبي موسى الأشعرى، وهو قول علي بن أبي طالب في رواية وحذيفة وعبادة بن الصامت، وكعب بن عجرة، وصهيب، وابن عباس في رواية وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعامر بن سعد، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدى، والضحاك بن مزاحم، وعبد الرحمن بن سابط، وأبي إسحاق السبعى، وقتادة وسعيد بن المسيب، والحسن البصرى وعكرمة مولى ابن عباس، ومجاهد بن جبر نقله المفسرون عنهم
(3)
.
(1)
صحيح البخاري (3: 92)، (4: 186، 196)، سنن الترمذي (5: 261، 262).
(2)
سورة يونس: آية (26).
(3)
انظر حادي الأرواح لابن القيم (ص 227)، كتاب السنة للإمام أحمد (1: 51، 52)، الرد على الجهمية للدارمي (ص 37، 38) ورد الدارمي على المريسي (ص 158)، كتاب التوحيد لابن خزيمة (ص 182 - 184)، التمهيد لابن عبد البر (7: 157)، أحكام القرآن للقرطبي (8: 330، 331)، العلو للعلي الغفار للذهبي (ص 29، 30)، مختصر الصواعق المرسلة (2: 391)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3: 497).
وبهذا ندرك أن سلفنا الصالح من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان قد أثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يتجاوزوا القرآن والحديث مع علمهم أن ما ورد إثباته فيهما من صفات الله تبارك وتعالى فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجى بل معناه يعرف كما يعرف معنى سائر كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في غير الإخبار عن الله تعالى مع علمهم أنه سبحانه ليس كمثله شىء في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته فكما نتيقن أن الله سبحانه موجود حقيقة وليس كسائر الموجودات فكذلك له صفات حقيقة لا تشبه شيئا من صفات الموجودات.