الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعضنا على بعض فلا حسن عندهم إلا ما حسنت عقولهم ولا قبيح إلا ما قبحته.
وقد رد ابن حزم على هذه المذاهب فبين هدى الله تعالى وإضلاله للخلق وخلقه لأفعال خلقه، وأنه لا يجب عليه تعالى من الأفعال إلا ما أوجب على نفسه، وأنه عدل لا ينسب إليه ظلم ولا جور.
ومن ردوده على تلك الآراء ومناقشته لتلك المذاهب، وبيانه لما يراه في تلك المسائل، تظهر قوة حجته وسلامة مذهبه في أغلب تلك المسائل وسنعرض مذهب ابن حزم في القضاء والقدر، وفي خلق أفعال العباد وفي الهدى والإضلال. وفي التعديل والتجوير، وفي تعليل أفعال الله تعالى ثم في اللطف والأصلح وإرسال الرسل. مع النقد لمذهب ابن حزم في كل ذلك إن شاء الله تعالى.
1 - القضاء والقدر:
يرى ابن حزم، أن القضاء في لغة العرب: الحكم فقط، ولذلك يقولون: القاضي بمعنى الحاكم.
ويأتي بمعنى أمر: قال الله تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه"
(1)
أي أمر.
ويأتي بمعنى أخبر: قال الله تعالى: "وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين"
(2)
بمعنى أخبرناه.
(1)
سورة الإسراء: آية (23).
(2)
سورة الحجر: آية (66).
ويكون بمعنى أراد، وهو قريب من معنى حكم. قال الله تعالى:"إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون"
(1)
. ومعنى ذلك حكم بكونه فكونه.
ومعنى القدر في اللغة العربية: الترتيب والحد الذي ينتهي إليه الشيء تقول قدرت البناء تقديرًا إذا رتبته، وحددته قال تعالى:"وقدر فيها أقواتها"
(2)
بمعنى رتب أقواتها وحددها. وقال تعالى "إنا كل شيء خلقناه بقدر"
(3)
. يريد تعالى برتبة وحد.
فمعنى قضى وقدر: حكم ورتب.
ومعنى القضاء والقدر: حكم الله تعالى في شيء بحمده أو ذمه وبكونه وترتيبه على صفة كذا وإلى وقت كذا فقط
(4)
.
والقدر حق ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا.
قال الله عز وجل: "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها"
(5)
. ولقوله: "إنا كل شيء خلقناه بقدر". وقوله: "والله خلقكم وما تعملون"
(6)
. أي ما تعملون من خير وشر لا خالق مع الله، يقول تعالى: "ولو شاء الله ما
(1)
سورة آل عمران: آية (47)، وسورة مريم: آية (35).
(2)
سورة فصلت: آية (10).
(3)
سورة القمر: آية (49).
(4)
انظر الفصل (3: 51)، وانظر في معنى القضاء والقدر الحدود والحقائق في شرح الألفاظ المصطلحة بين المتكلمين والإمامية للأبي ص (25).
(5)
سورة الحديد: آية (22).
(6)
سورة الصافات: آية (96).
فعلوه"
(1)
ويقول تعالى: "وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليمًا حكيمًا"
(2)
.
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تحاج آدم وموسى فحج آدم موسى فقال له موسى: أنت ادم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ فقال آدم: أنت الذي أعطاه الله علم كل شيء، واصطفاه على الناس برسالته؟ قال: نعم. قال: فتلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق؟ "
(3)
.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "كتب الله مقادير الخلائق. قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة"
(4)
.
والمقدور ما أصاب العبد في وقته وساعته، وسبق به الحكم بأنه يكون لا محالة. وفعل الله تعالى قبل فعل العبد. وذلك مثل قوله تعالى:"فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى"
(5)
. وقوله تعالى: "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم"
(6)
.
فهذا كله فعل الله تعالى قبل فعل العبد.
ثم إن الله تعالى يتولى الخير، ولا يتولى الشر مع أنه خالقهما يقول سبحانه: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ
(1)
سورة الأنعام: آية (137).
(2)
سورة الإنسان: آية (30).
(3)
صحيح الإمام مسلم (4: 2043).
(4)
صحيح الإمام مسلم (4: 2044).
(5)
سورة الأنفال: آية (17).
(6)
سورة التوبة: آية (14).