الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين من زوجاتهم وامائهم يلحقون بآبائهم وإن صح أسبانية "أم" ابن حزم فليس هو أسبانيًا بل فارسيًا تبعا لأبيه.
مناقشة قول ابن سعيد، وابن حيان:
أما ما ذكره صاحب المغرب فلا يزيد على ما قال أبو مروان ابن حيان.
وقول ابن حيان في عدم فارسية ابن حزم وإن جده الأدنى حديث الإسلام، هو ركيزة كل من قال بجذور ابن حزم الاسبانية. وهنا يردنا هذا السؤال، على أي مصدر استند أبو مروان في إثبات اسبانية ابن حزم. وخبر الأنساب يؤخذ بالنقل من المنتسبين أنفسهم، وممن لهم مساس بهم وخلوص إليهم؟ والمعروف عند تلاميذ ابن حزم ومعاصريه فارسيته، وكما هو يثبت ذلك ويفتخر به.
ولكن اللهجة العدائية تغلب على أسلوب أبي مروان فلعل ما جاء في ثناياه كان من دوافع الخصومة.
وسنلقي الضوء على بعض قول ابن حيان فنقول:
لو أن أبا محمد انتمى لفارس على غير حقيقة - كما يقول ابن حيان - لكان أول من يكذبه ابن عمه أبو المغيرة عبد الوهاب الوزير، لما كان بينهما من المنافسة والمخالفة وقد عاب الأخير بعض مؤلفات الأول.
(1)
ولا يتصور أن يقر ابن عمه عبد الوهاب بهذا الانتماء - الذي يلحق
(1)
انظر لسان الميزان لابن حجر ج 4 ص 200 - 201.
بنسبه - لو لم يكن صحيحًا ولو سلمنا اتباع ابن عمه، وأهل بيته له. - كما يراه ابن حيان من غرائبه - فلا يتصور سكوت أعداء ابن حزم وقد عابوه بالحق وبالباطل.
وأما قوله: "فقد عهده الناس خامل الأبوة مولد الأرومة" فهذا ما يخالفه الفتح ابن خاقان بقوله "وبنو حزم فتية علم وأدب وثنية مجد وحسمب".
(1)
وقوله: "جده الأدنى حديث الإسلام" يخالف هذا جل من ترجم لابن حزم حيث نصوا على أن جده "يزيد" هو أول من أسلم من أجداده وأنه من الفرس وهذه نصوص أقوال بعض من ترجموا له:
يقول الحميدي: "علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب أبو محمد أصله من الفرس وجده الأقصى في الإسلام اسمه "يزيد" مولى ليزيد بن أبي سفيان"
(2)
ويقول ابن بشكوال: "علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب الفارسي"
(3)
ويقول ياقوت: "علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن سفيان بن يزيد الفارسي مولى يزيد بن أبي سفيان"
(4)
ويقول ابن خلكان: "ابن حزم الظاهري، أبو محمد علي بن أحمد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن
(1)
نفح الطيب للمقرى جـ 2 ص 149.
(2)
جذوة المقتبس للحميدى ص 308، وانظر بغية الملتمس لابن عميرة الضبى ص 304.
(3)
كتاب الصلة لابن بشكوال ج 2 ص 395.
(4)
معجم الأدباء ج 12 ص 235، 236.
سفيان بن يزيد مولى يزيد بن ابى سفيان .. وجده يزيد أول من أسلم من أجداده وأصله من فارس وجده خلف أول من دخل الأندلس من أجداده"
(1)
ويقول الذهبي: "أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الفارسي الأصل الأموي اليزيدي القرطبي الظاهري صاحب التصانيف كان جدهم خلف أول من دخل الأندلس"
(2)
ويقول اليافعي: "أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الأموى مولاهم الفارسي الأصل الأندلسي القرطبي".
(3)
ويقول ابن كثير: "أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معد
(4)
بن سفيان بن يزيد مولى يزيد بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموى أصل جده من فارس أسلم وخلف المذكور وهو أول من دخل بلاد المغرب منهم".
(5)
(1)
وفيات الأعيان ج 3 ص 325.
(2)
تذكرة الحافظ للذهبي ج 3 ص 1146. وسير النبلاء له جزء خاص بترجمة ابن حزم تحقيق سعيد الأفغاني ص 21.
(3)
مرآة الجنان لليافعى ج 3 ص 79.
(4)
انفرد بقول "معد" ابن كثير والظاهر أنه خطا في النسخ إذ الكل قال: "معدان" بزيادة الألف والنون.
(5)
البداية والنهاية لابن كثير جـ 12 ص 91. وقد انفرد بهذا القول - أن سفيان هو أول من دخل بلاد المغرب منهم - وغيره نص على أن خلف بن معدان هو أول من دخل الأندلس منهم، كما مر ذلك في الصلب.
ويقول ابن حجر: علي بن أحمد بن سعيد بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الفارسي أبو محمد القرطبي".
(1)
وعلى هذا المنهج يسير الأتابكي في كتابه النجوم الزاهرة.
(2)
والمقرى التلمساني في كتابه نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب.
(3)
وابن العماد الحنبلى في كتابه شذرات الذهب.
(4)
فجميع هؤلاء المؤرخين الثقات قد أكدوا نسب ابن حزم الفارسي، وقدم إسلام هذه الأسرة مع أن أغلب هؤلاء إن لم نقل جميعهم قد اطلعوا على رواية ابن حيان ولم يعيروها اهتمامهم، وقد ساقها ياقوت في كتابه معجم الأدباء بعد أن ذكر أولا النسب الفارسي، وليس هناك ما يدعو هؤلاء المؤرخين جميعهم إلى التحيز للنسب الفارسي ضد النسب الأسباني وقد ساوى الإسلام بين الأمم جميعا.
وأرى أنه لو لم يصل إلينا من هذه الروايات الكثيرة التي تثبت نسب ابن حزم الفارسي، وقدم إسلام أسرته إلا رواية الحميدي. مقابل رواية ابن حيان "القائلة بنسبه الاسباني" لكان لترجيح رواية الحميدي، وجه قوى إذ أنه تلميذ ابن حزم، ثم هو زيادة على هذا لم يثبت له نسبا أفضل مما أثبته ابن حيان بل قال بفارسيته وولائه فليس هناك ما يدعو لرد روايته إذ لم يدع له جاها ولا شرفا بهذا النسب.
(1)
لسان الميزان لابن حجر ج 4 ص 198.
(2)
انظر ج 5 ص 75 منه.
(3)
انظر جـ 4 ص 283 منه.
(4)
انظر ج 4 ص 299 منه.
ورواية ابن حيان في أسبانيته قد يخرج بها من كونه مولى، وإن وردت منه في الأسلوب الهجومي. وفي رأيي أن إثبات الأسبانية لابن حزم مقابل الفارسية أرفع لشأنه - مع أن الأنساب لا ترفع الشأن - لأن الأسبانيين مسيحيون أهل دين سماوى - بخلاف الفرس فهم وثنيون يعبدون النار.
وأرى أن مما يرجح فارسية ابن حزم، عدم تعرضه في كتابه جمهرة أنساب العرب لنسب النصارى وقد تعرض بعد ذكر أنساب العرب لذكر البربر وبيوتاتهم بالأندلس
(1)
. ثم أتى بنبذة من نسب بني اسرائيل.
(2)
وقطعة من نسب الفرس.
(3)
ثم إنه أيضا قد هاجم المسيحية كثيرًا وهذا يؤكد من بعض الوجوه أنه لم يكن في آبائه مسيحيون.
وقد أشرت قبل هذا
(4)
إلى أن من مرجحات فارسيته كون محبته لذوات الشعر الأشقر عارضة له ولأبيه قبله، فلو أنه أسبانيا لكانت به أصيلة، ثم محاولته تبرير هذا المنحى العارض بأنه حصل مع العرب الأقحاح من خلفاء بني أمية.
وفوق هذا كله افتخاره بنسبه الفارسي وولائه لبني أمية في إحدى قصائده التي منها:
(1)
جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 495 - 498.
(2)
المرجع السابق ص 503.
(3)
المرجع السابق ص 511.
(4)
انظر ص 24.
سما بى ساسان ودارا بعدهم
…
قريش العلى أعياصها
(1)
والعنابس
(2)
فما أخرت حرب مراتب سؤددي
…
ولا قعدت بي عن ذرى المجد فارس
(3)
* * * **
(1)
الأعياص هم "العاصي" وأبو العاصي، والعيص، وأبو العيص، والعويص، وأبو عمرو من ولد أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، سموا بذلك أخذا من أسمائهم، انظر جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 78. ونهاية الأرب في معرفة أنساب العرب للقلقشندى ص 83.
(2)
العنابس هم عمرو، وأبو سفيان وحرب وأبو حرب وعنبسة قيل هو أبو سفيان من ولد أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهم أخوة الأعياص غلب عليهم اسم عنبسة، انظر جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 78، ونهاية الأرب للقلقشندى ص 83.
(3)
انظر تاريخ الأدب الأندلسي عصر سيادة قرطبة للدكتور إحسان عباس ص 354، وقد أحالها على الملحق من ديوان ابن حزم الذي لم يتح لي الاطلاع عليه.