الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسنكتفي بإيراد طريقه الإثباتي، دون إيراده اعتراضات الدهرية وردوده عليهم حيث لم يكتف بتلك الردود طريقًا للإثبات بل أورد الحجج والبراهين التي رأى أنها ضرورية لإثبات حدوث العالم بعد أن لم يكن وتحقيق أن له محدثًا لم يزل لا إله إلا هو.
الطريق الأول:
طريق حدوث العالم
في هذا الطريق - قال:
- البرهان الأول: العالم عبارة عن أشخاص بأعراضها وأزمانها والشاهد بالحس والعيان تناهي كل ما في العالم من الأشخاص بأعراضها وأزمانها.
أما تناهي الشخص فظاهر بمساحته - أول جرمه وآخره - وبزمان وجوده. وتناهى العرض المحمول فيه بين بتناهي الحامل له.
وتناهى الزمان موجود باستئناف ما يأتي منه بعد الماضى وفناء كل وقت بعد وجوده، واستئناف اخر يأتي بعده إذ كل زمان فنهايته الآن وهوحد الزمانين فهو نهاية الماضى، وما بعده ابتداء للمستقبل وهكذا أبدا يفنى زمان ويبتدىء آخر وإذا ثبت تناهي الأجزاء التي تركب منها العالم فهو متناهي إذ الكل ليس هو شيئًا غير الأجزاء التي ينحل إليها ويستحيل كون أجزاء الزمان متناهية وذات أول ويكون هو غير
ذي أول وبالله التوفيق.
(1)
(1)
انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل جـ 1 ص 14، 15. والمحلى له جـ 1 ص 4.
- البرهان الثاني: العالم موجود بالفعل وكل موجود بالفعل فقد حصره العدد وأحصته طبيعته،
(1)
وحصر العدد وإحصاء الطبيعة نهاية صحيحة إذ ما لا نهاية له فلا إحصاء له ولا حصر له فإن العالم كله ذو نهاية وسواء في ذلك ما وجد في مدة واحدة أو مدد كثيرة إذ ليست تلك المدد إلا مدة محصاة إلى جنب مدة محصاة فهي مركبة من مدد محصاة، وكل مركب من أشياء فهو تلك الأشياء التي ركب منها فهي كلها مدد محصاة فصح أن ما لا نهاية له فلا سبيل إلى وجوده بالفعل وما لم يوجد إلا بعد ما لا نهاية له فلا سبيل إلى وجوده بالفعل وما لم يوجد إلا بعد ما لا نهاية له فلا سبيل إلى وجوده أبدا إذ أن ما لا نهاية له فلا بعد له والأشياء كلها موجودة بعضها بعد بعض فهي ذات نهاية وقد نبه الله على هذا الدليل وسابقه بقوله:{وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} .
(2)
(3)
- البرهان الثالث: ثبوت أن للزمان أولًا وأجزاء فنهاية، لأن الزمان هو مدة بقاء الجرم ساكنًا أو متحركًا. ولو فارقه لم يكن الجرم موجودًا، ولا كان الزمان أيضًا موجودًا. وكلاهما موجود ذو أول اذ لو لم يكن له أول يكون به متناهيًا في عدده الآن لكان كل ما زاد فيه ويزيد مما يأتي من الأزمنة فإنه لا يزيد ذلك في عدد الزمان شيئًا وبشهادة الحس أن كل ما وجد من الأعوام على الأبد إلى زماننا هذا هو أكثر من كل ما
(1)
الطبيعة هي القوة التي تكون في الشيء فتحرك بها كيفيات ذلك الشيء على ما هي عليه. انظر الفصل جـ 1 ص 15. والملل جـ 2 ص 170. والفلسفة اليونانية لمحمد بيصار. ص 62.
(2)
سورة الرعد آية (8).
(3)
انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل جـ 1 ص 15، 16. والمحلى جـ 1 ص 5، 4.
وجد من الأعوام على الأبد إلى وقت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك في أن الزمان مذ كان إلى وقت الهجرة جزء للزمان مذ كان إلى وقتنا هذا، وهو كل له ولما بعده إلى وقتنا هذا. ولا يخلو الحكم في هذه القضية من أحد ثلاثة أوجه إما أن يكون الزمان مذ كان موجودًا إلى وقتنا هذا أكثر من الزمان مذ كان إلى عصر الهجرة. وإما أن يكون أقل منه أو مساويًا له، وعلى الأخيرين يكون الكل أقل من الجزء ومساويًا له وهذا محال. وعلى الأول وهو الذي لا شك فيه فالزمان مذ كان إلى وقت الهجرة ذو نهاية لأنه جزء الزمان إلى وقتنا الحاضر والكل والجزء واقعان في كل ذي أبعاض والعالم ذو أبعاض هكذا توجد حاملاته ومحمولاته وأزمانها فالعالم كل لأبعاضه وأبعاضه أجزاء له، والنهاية كما تقدم لازمة لكل ذي كل وذي أجزاء، وما لا نهاية له فلا سبيل إلى الزيادة فيه، وقد نبه الله تعالى على هذا الدليل وحصره في قوله تعالى:{يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} .
(1)
(2)
- البرهان الرابع: أن ما لا أول له ولا نهاية لا يقع عليه العد والإحصاء وقد أحصى العدد والطبيعة كل ما خلا من العالم حتى بلغ إلينا وحيث ثبت هذا، فالإحصاء منا إلى أولية العالم صحيح موجود بلا شك وإذ ذلك كذلك فللعالم أول ضرورة وبالله التوفيق.
(3)
- البرهان الخامس: أن ما يقع عليه العدد لا سبيل إلى وجود ثان منه إلا بعد أول، ولا ثالث إلا بعد ثان وهكذا أبدًا.
(1)
سورة فاطر آية (1).
(2)
انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم جـ 1 ص 16 - 18، والمحلى جـ 1 ص 4، 5.
(3)
انظر الفصل جـ 1 ص 18.
وفي وجودنا جميع الأشياء التي في العالم معدودة إيجاب أنها ثالث بعد ثان، وثان بعد أول وفي صحة هذا وجوب أول ضرورة، وقد نبه الله تعالى على هذا الدليل وعلى الذي قبله وحصرهما في قوله تعالى:{وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} .
(1)
والآخر والأول من باب المضاف فالآخر آخر للأول والأول أول للآخر. ولو لم يكن أول لم يكن آخر.
(2)
فثبت بكل ما سبق من البراهين أن العالم ذو أول. وإذا كان ذا أول فلابد ضرورة من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها وهي: إما أن يكون أحدث ذاته وإما أن يكون حدث بغير أن يحدثه غيره، وبغير أن يحدث هو نفسه. وإما أن يكون أحدثه غيره. فإن كان هو أحدث ذاته فلا يخلو من أحد أربعة أوجه لا خامس لها وهي إما أن يكون أحدث ذاته وهو معدوم وهي موجودة. أو أحدث ذاته وهو موجود وهي معدومة أو أحدثها وكلاهما موجود أو أحدثها وكلاهما معدوم وكل هذه الأربعة الأوجه محال ممتنع لا سبيل إلى شيء منها لأن الشيء وذاته هي هو وهو هي وكل ما ذكرنا من الوجوه يوجب أن يكون الشيء غير ذاته وهذا محال وباطل بالمشاهدة والحس. وإن كان خرج عن العدم إلى الوجود بغير أن يخرج هو ذاته أو يخرجه غيره فهو أيضًا محال لأنه لا حال أولى بخروجه إلى الوجود من حال أخرى ولا حال أصلًا هنالك فإذًا لا سبيل إلى خروجه وخروجه مشاهد متيقن فحال الخروج غير حال اللاخروج وحال الخروج هي علة كونه وهذا لازم
(1)
سورة الجن آية (28).
(2)
انظر الفصل لابن حزم جـ 1 ص 18، 19.