الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى لازمه.
ويؤيد صحة استعمالها أن الله تبارك وتعالى أثبت لنفسه الصفات وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن وجود الصفات إلا بما به تصير صفات من الذات، ولا وجود الذات إلا بما به تصير ذاتًا من الصفات
(1)
.
وقد ذكر أبوحامد الغزالي أن إطلاق الذات في حق الله تعالى مما وقع الاتفاق عليه يقول: "ومما وقع عليه الاتفاق بين الفقهاء والعلماء من الأسامي "المريد، والمتكلم، والشيء، والذات، والأزلي، والأبدي، وأن ذلك مما يجوز إطلاقه في حق الله تعالى"
(2)
.
(9) الوجه
مذهب ابن حزم إثبات لفظ كل ما ورد به النص، وقد ورد إضافة الوجه إلى الله تبارك وتعالى كما قال:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}
(3)
. وليس إثبات ابن حزم هذا للوجه إثبات صفة، وإنما على مذهبه في الإثبات إرجاع ذلك إلى الذات يقول: ووجه الله تعالى ليس غيره بدليل قوله تعالى حاكيا عمن رضى قوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}
(4)
. فصح يقينا أنهم لم يقصدوا غير الله تعالى وقوله عز وجل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
(5)
. إنما معناه فثم الله تعالى بعلمه
(1)
انظر مجموع فتاوي ابن تيمية (5: 326)، (6: 97، 205، 206) شرح الطحاوية (ص 64).
(2)
المقصد الأسنى شرح أسماء الله الحسنى للغزالي (ص 158).
(3)
سورة الرحمن: آية (27).
(4)
سورة الإنسان: آية (9).
(5)
سورة البقرة: آية (115).
وقبوله لمن توجه إليه
(1)
.
أثبت الله تبارك وتعالى لنفسه الوجه فهو صفة من صفاته حقيقية وليس هو الذات، كما ذكر ابن حزم.
وجعل الوجه هو الذات هو مذهب نفاة الصفات كأبي الهذيل العلاف من المعتزلة، فهو يثبت لله تعالى وجها هو هو
(2)
والحقيقة أن هذا ليس إثباتا، إنما إلإثبات جعله صفة لله تعالى على ما يليق به لا يفنى ولا يلحقه الهلاك فلا يشبه وجها ولا يشبهه وجه تعالى وتقدس
(3)
.
ويدل على الإثبات من القرآن قوله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}
(4)
.
وقوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} "
(5)
(6)
. وقوله {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}
(7)
.
أثبت الله تبارك وتعالى لنفسه الوجه في الآيات السابقة ووصفه
(1)
انظر المحلى (1: 41)، الفصل (2: 166).
(2)
انظر مقالات الإسلاميين للأشعري (1: 265).
(3)
انظر الفقه الأكبر لأبي حنيفة بشرح عبد الكريم تتان (ص: 21، 22) الإبانة لأبي الحسن الأشعري (ص 34)، شرح العقيدة الواسطية للهراس (ص 54).
(4)
سورة الأنعام: آية (52).
(5)
سورة الكهف: آية (28).
(6)
سورة القصص: آية (88).
(7)
سورة الرحمن: آية (27).
بالجلال والإكرام، وحكم له بالبقاء ونفى الهلاك عنه.
يقول ابن خزيمة: "فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق، والشام ومصر، مذهبنا أنا نثبت لله ما أثبته لنفسه نقر بذلك بألسنتنا ونصدق بذلك بقلوبنا من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين، وعز ربنا عن أن نشبهه بالمخلوقين وجل ربنا عن مقالة المعطلين"
(1)
.
وجاء ذكر وجه ربنا تبارك وتعالى في مواضع كثيرة من القرآن كقوله {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ}
(2)
. وقوله: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}
(3)
. وقوله: {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ}
(4)
، وقوله:{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ}
(5)
.
وهذه الآيات وغيرها مما جاء فيها ذكر الوجه له سبحانه دليل على ثبوت هذه الصفة له سبحانه.
فإن قال المخالف: إن الآيات التي استدللتم بها على ثبوت صفة الوجه لله تعالى لا تدل على ذلك، حيث إن المراد بالوجه المذكور فيها الذات إذ أن من يدعوه، ويتقرب إليه يريد ذاته ثم لا خصوص للوجه في البقاء وعدم الهلاك.
قلنا: الجواب على هذا الاعتراض من أوجه:
الأول: لو لم يكن لله تبارك وتعالى وجه حقيقة لما جاز استعماله في معنى الذات، لأن اللفظ الموضوع لمعنى لا يمكن أن يستعمل في
(1)
كتاب التوحيد لابن خزيمة (ص 10، 11).
(2)
سورة البقرة: آية (272).
(3)
سورة الرعد: آية (22).
(4)
سورة الروم: آية (38).
(5)
سورة الروم: آية (39).
معنى آخر إلا إذا كان المعنى الأصلى للفظ ثابتا للموصوف حتى يمكن للذهن أن ينتقل من ذلك الملزوم إلى لازمه
(1)
.
الثاني: ندفع اعتراضهم بمثله. فنقول: أسند التقرب في الآيات والبقاء إلى الوجه ويلزم منه إرادة الذات وبقائها
(2)
، إذ قولهم إنه أطلق الوجه وأراد الذات.
الثالث: لايصح حمل الوجه في قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} على الذات، لأنه أضاف الوجه إليها بقوله "وجه ربك" فوجب أن يكون المضاف، والمضاف إليه شيئين كما يقال دار زيد، وغلام عمرو، ثم أضاف النعت إلى الوجه بقوله:{وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} فدل على أن ذكر الوجه ليس بصلة وأن قوله {ذُو الْجَلَالِ} صفة للوجه والوجه صفة للذات
(3)
.
فإن قيل: وهل كلما ورد ذلك الوجه منسوبا إلى الله تعالى فالمراد به هذا الوجه الحقيقي لله الذي هو صفة من صفاته؟
قلنا: لا يلزم هذا بل يأتى في كل مكان بحسبه مما صح وضعه له لغة وقد ورد الوجه مرادا به الجهة كما في قوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
(4)
. وقد استدل ابن حزم بهذه الآية على أن المراد فثم الله تعالى بعلمه وقبوله لمن توجه إليه وهذا تأويل يخالف مذهبه الظاهرى والآية ليست على ما أولها فيما نرى، إذ أن الوجه يرد في اللغة بمعنى الجهة
(5)
(1)
انظر شرح العقيدة الواسطية للهراس (ص 55).
(2)
انظر المرجع السابق نفس الصفحة.
(3)
انظر المعتمد في أصول الدين لأبي يعلي (ص 52)، الاعتقاد للبيهقي (ص 29)، مختصر الصواعق (2: 351)، شرح الواسطية للهراس (ص 55).
(4)
سورة البقرة: آية (115).
(5)
انظر مختار الصحاح (ص 711)، القاموس المحيط (4: 295).