الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا كانت محدثة وجب على هذا أن يكون الله تعالى غير مريد قبل ذلك فيكون معطلًا تعالى الله عن هذا علوًا كبيرًا.
ثم لو كانت الإرادة محدثة لم يجز خروجها بدلا من ضدها إلا بإرادة أخرى، وتلك الإرادة بإرادة أخرى إلى غير نهاية، وذلك يحيل الحوادث رأسًا فدل ذلك على أن ارادة الله قديمة
(1)
.
واستدلال ابن حزم بالآية على ما ذهب إليه، لا يستقيم، وليس في الآية دلالة على قدم مراد الله، إذا كانت إرادته قديمة، وخاصة على مذهب من يقول بتجدد الإرادة عند إرادة الله تعالى إيجاد الأشياء في وقتها المخصص لإيجادها، لأن على مذهب هؤلاء أن الله متصف بالإرادة أزلًا وأبدًا، ولا يقال إن الكه يكون مريدًا في وقت دون وقت، فنوع الإرادة قديم وآحادها متجددة عند إرادة الله تعالى إحداث الأشياء فتحدث عقب إرادته للشيء وقوله تعالى {كُنْ} فيكون عقبة لامعة في الزمان، ولا متراخيًا عنه
(2)
.
5 - الكلام
مذهب ابن حزم في القرآن أنه كلام الله عز وجل على الحقيقة بلا مجاز نزل به جبريل عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ
(1)
انظر المعتمد في أصول الدين ص (73). والإبانة لأبي الحسن الأشعري ص (42).
(2)
انظر فتاوى ابن تيمية (16: 381، 382) ومدارج السالكين لابن القيم (71: 1).
الْمُنْذِرِينَ}
(1)
.
ويرى أن القران، وكلام الله لفظ مشترك يعبر به عن خمسة أشياء:
1 -
الصوت المسموع يسمى قرآنا حقيقة لقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}
(2)
. وقوله تعالى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ}
(3)
. وقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}
(4)
وصدق مؤمني الجن في قولهم: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}
(5)
. فصح بهذا أن المسموع وهو الصوت الملفوظ به هو القران حقيقة وهو كلام الله تعالى. والصوت هو الهواء المندفع من الصدر والحلق والحنك واللسان والأسنان، والشفتين إلى آذان السامعين بحروف الهجاء. وحروف الهجاء والهواء كل ذلك مخلوق. يقول تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}
(6)
. وقال تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}
(7)
. واللسان العربي ولسان كل قوم كل ذلك مخلوق بلاشك.
2 -
المفهوم من صوت القارىء يسمى قرآنًا وكلام الله على الحقيقة والمعبر عنه في القران كله مخلوق حاشا الله تعالى وتقدس خالق
(1)
سورة الشعراء: الآيان (193، 194).
(2)
سورة التوبة: آية (6).
(3)
سوة البقرة: آية (75).
(4)
سورة المزمل: آية (20).
(5)
سورة الجن: الآيتان (1، 2).
(6)
سورة إبراهيم: آية (4)
(7)
سورة الشعراء: آية (195).
كل ما دونه.
3 -
المصحف كله يسمى قرآنًا وكلام الله لقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ}
(1)
. وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو
(2)
. فقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المصحف قرآنا إذ نهى أن يسافر به إلى أرض الحرب لئلا يناله العدو.
أما الورق، والمداد المكون منه المصحف وحركة اليد في خطه فكل ذلك مخلوق.
4 -
والمستقر في الصدور يسمى قرآنًا لقوله صلى الله عليه وسلم: إذ أمر بتعاهد القرآن فقال: "إنه أشد تفصيًا من صدور الرجال من النعم من عقلها"
(3)
. وقال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}
(4)
.
واستقرار القرآن في الصدور عرض والأعراض مخلوقة، وعيسى عليه السلام هو كلمة الله تعالى وهو مخلوق، قال تعالى:{بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ}
(5)
.
(1)
سورة الواقعة: الآيتان (77، 78).
(2)
انظر صحيح البخاري (2: 114)، وصحيح مسلم (3: 1490، 1491)، وسنن أبي دواد (3: 36)، وشنن ابن ماجه (2: 961) وموطأ مالك (2: 446) ومسند الإمام أحمد (2: 6، 7، 10، 55، 63، 76، 128).
(3)
انظر صحيح البخاري (3: 166). وصحيح الإمام مسلم (1: 544). وسنن الترمذي (5: 193). وسنن الدارمي (2: 308، 309، 439).
(4)
سورة العنكبوت: آية (49).
(5)
سورة آل عمران: آية (45).
5 -
وعلم الله تعالى لم يزل وهو كلامه غير مخلوق وليس هو غير الله تعالى برهان ذلك قول الله عز وجل: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}
(1)
وقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}
(2)
.
يقول ابن حزم:
ولما كان اسم القرآن يقع على هذه المعاني الخمسة وقوعًا مستويًا صحيحًا ويعبر عن كل معنى بأنه قرآن وأنه كلام الله تعالى بنص القرآن والسنة كما ذكرنا منها أربعة مخلوقة كما بينا ذلك وأوحد غير مخلوق لم يجز البتة لأحد أن يقول إن القرآن مخلوق، ولا أن كلام الله مخلوق، لأن قائل هذا كاذب إذ أوقع صفة الخلق على ما لا يقع عليه، مما يقع عليه اسم قرآن، واسم كلام الله عز وجل ووجب ضرورة أن يقال إن القرآن وكلام الله لا خالق له ولا مخلوق، لأن الأربع مسميات منه ليست خالقة، ولأن المعنى الخامس غير مخلوق، . فلا يجوز إطلاق اسم خالق على القرآن أو كلام الله، إذ لا يجوز أن توضع صفة البعض على الكل الذي لا تعمه تلك الصفة بل واجب أن يطلق نفي تلك الصفة التي للبعض على الكل
(3)
.
ويرى ابن حزم بأن لله تعالى كلامًا، وأنه كلم موسى، ومن كلم من الأنبياء والملائكة عليهم السلام تكليمًا حقيقة لا مجازًا بكلام مسموع بالآذان معلوم بالقلوب بخلاف القول فإنه يكون بوسيطة مكلم غير الله تعالى.
(1)
سورة الشورى: آية (14).
(2)
سورة الأنعام: آية (115).
(3)
انظر الفصل (3: 7 - 10) والمحلى (1: 15، 16، 39، 40).
ويتناقض عند القول بأن الله تعالى "متكلم".
ففي الفصل والمُحلى، ينفي أن يقال بأن الله تعالى متكلم لأنه تعالى لم يسم بذلك نفسه يقول تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}
(1)
ويقول: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي}
(2)
. ويقول: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ}
(3)
. فهذا ما سمى الله تعالى به نفسه
(4)
.
وفي كتاب الأصول والفروع يثبت أن الله لم يزل متكلمًا، وأن الكلام لا يكون إلا من متكلم يقول:"وكلام الله تعالى صفة قديمة من صفاته، ولا توجد صفاته إلا به ولا تبين منه لأنه لم يزل متكلمًا كما أن قدرته لا تبين منه لأن الكلام لا يكون إلا من متكلم، ولا تكون القدرة إلا من قدير .. ويقول: "والله عز وجل لم يزل متكلمًا ليس لكلامه أول ولا آخر
(5)
.
تبين لنا من عرض مذهب ابن حزم في كلام الله تعالى أنه قريب من مذهب السلف حيث قال: إن القرآن هو كلام الله تعالى على الحقيقة بلا مجاز ويعبر به عن خمسة أشياء، الصوت المسموع، والمفهوم من الصوت، والمصحف كله، والمستقر في الصدور وعلم الله وهو كلامه. وبين اشتمال الأربعة الأولى على ما هو مخلوق مما هو من صفات العباد، وهو بهذا موافق لمذهب السلف فهم لا يقولون بأن ما هو من أفعال العباد غير مخلوق. ولكنهم لا يطلقون الحكم
(1)
سورة النساء: آية (164).
(2)
سورة الأعراف: آية (144).
(3)
سورة البقرة: آية (253).
(4)
انظر الفصل (3: 8، 9، 13) والمحلى (1: 43، 44).
(5)
الأصول والفروع (2: 395، 396).