الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مذهب ابن حزم في قدرة الله تعالى يتلخص فيما يلي:
1 -
عموم قدرة الله تعالى لكل ما يسأل عنه السائل لا يحاشى من ذلك شيئًا.
2 -
أن القدرة ليست غير العلم ولا العلم غير القدرة وكل ذلك ليس هو غير الله تعالى، وفي هذا نفي لصفتي العلم والقدرة، وقد تعرضنا لهذه المسألة عند الكلام على اتصاف الله بالصفات
(1)
.
أما إثباته عموم القدرة، وعدم وصف الله تعالى بعدم القدرة على شيء ولو كان محالًا مطلقًا، فغير مسلم بالنسبة للمحال المطلق والمحال لذاته. وأما ما سواهما - أي جميع الممكنات - فإنها داخلة تحت القدرة، وهذا ما تؤيده الأدلة.
وأما المحال المطلق، وهو ما أوجب على ذات الباري تغييرا - أي الحق تبارك وتعالى وصفاته - فإنه غير داخل تحت القدرة وهذا هو المشهور عند أهل العلم.
يقول ابن تيمية: "ما تعلقت به المشيئة تعلقت به القدرة فإن ما شاء الله كان، ولا يكون شيء إلا بقدرته، وما تعلقت به القدرة تعلقت به المشيئة فإنه لا يكون شيء إلا بقدرته ومشيئته، وما جاز أن تتعلق به القدرة جاز أن تتعلق به المشيئة، وكذلك بالعكس وما لا فلا. وقوله: "إن الله على كل شيء قدير"
(2)
، أي على كل مايشاء
(1)
انظر ص (194 - 198).
(2)
سورة البقرة: الآيتان (20، 148) وآل عمران: آية (165)، والنحل: آية (77)، والنور: آية (45)، والعنكبوت: آية (20).
فمنه ما قد شيء فوجد، ومنه ما لم يشأ لكنه شيء في العلم بمعنى أنه قابل لأن يشاء فقوله:"على كل شيء قدير" يتناول ما كان شيئًا في الخارج والعلم، وما كان شيئًا في العلم فقط بخلاف ما لا يجوز أن تتناوله المشيئة وهو الحق تعالى وصفاته أو الممتنع لنفسه"
(1)
.
وأما الممتنع لذاته كالجمع بين النقيضين، أي مثل كون الشيء الواحد موجودًا معدومًا في حال واحدة، فهذا لا حقيقة له ولا يمكن تحققه في الخارج ولا يتصوره الذهن ثابتًا فيه إلا على وجه التمثيل، بأن يقدر في الذهبن اجتماع النقيضين ثم يحكم على ذلك بأنه ممتنع في الخارج إذا كان يمتنع تحققه في الأعيان، وتصوره في الأذهان فهو إذا ليس بشيء، وما ليس بشيء فهو غير داخل تحت القدرة
(2)
.
إذ هي عبارة عن الصفة التي يتأتى بها الإِيجاد والإِعدام، والمصحح للمقدورية هو الإِمكان لأن الوجوب والإِمتناع الذاتيين يحيلان المقدورية
(3)
.
وإن قيل: وهل يدخل تحت قدرة الله تعالى ما لم يفعله ولا يفعله مما يصح أن تتعلق به القدرة؟
قلنا: نعم، إذ لو وصفناه تعالى بعدم القدرة عليه وهو مما تتعلق به القدرة؟ لأثبتنا له العجز، وهو عيب ونقص يتنزه الله عنه، ويجب علينا أن ننزه الله تعالى عما نزه عنه نفسه فنفاه عن نفسه كالظلم
(1)
مجموع فتاوى ابن تيمية (8: 383) بتصرف.
(2)
انظر شرح المواقف ص 98، ومجموع فتاوى ابن تيمية (8: 8، 9) وشرح العقيدة الطحاوية ص 75.
(3)
انظر الإقتصاد في الإعتقاد ص 76، 83، وشرح المواقف ص 84، 97، وغاية المرام للآمدي ص 85.
والكذب والنسيان وغير ذلك. وإذا لم يفعل تبارك وتعالى شيئًا لم يكن عدم فعله له عجز، وإنما لعدم إرادته تعالى فعله، ولو وصف تعالى بعدم القدرة على هذا لم يكن تركه له وتنزهه عنه مدحًا، وإنما يأتي المدح إذا لم يفعله وهو مقدور له، وترك فعله، لأن الاتصاف به نقص والله لا يوصف إلا بما هو مدح وثناء في نفسه، أو يتضمن المدح والثناء له تبارك وتعالى كالعلم والقدرة والكلام والإِرادة والسمع والبصر .. الخ.
فصح أن الله تعالى قادر على ما لم يفعله مما هو ممكن ولم يشأ فعله سبحانه وتعالى.
والذي نقول عن القدرة أنها صفة من صفات ذات الله تعالى فهو قادر بقدرة قديمة قائمة بذاته متعلقة بجميع المقدورات غير متناهية بالنسبة إلى ذاتها ولا بالنظر إلى متعلقاتها
(1)
.
والدليل على اتصاف الله تعالى بهذه القدرة، وأنها قائمة به قوله تعالى:" {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} "
(2)
. وقوله: " {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} "
(3)
. وقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك"
(4)
.
وفي الآيتين والحديث دلالة على إثبات صفة القدرة لله تبارك وتعالى.
(1)
انظر شرح المواقف ص 95، وغاية المرام للآمدي ص 85.
(2)
سورة فصلت: آية (15).
(3)
سورة الذاريات: آية (58).
(4)
مرّ تخريجه قريبًا.
والآيات الدالة على أن الله تبارك وتعالى قادر كثيرًا جدًّا ولا يعقل أن يكون قادرًا إلا من له قدرة قائمة به ومن الآيات قوله تبارك وتعالى: " {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} "
(1)
وقوله تعالى: " {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} "
(2)
وقوله: " {إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} "
(3)
.
ويدل على أن الله تعالى قادر ظهور الأفعال منه تعالى إيجادًا لاستحالة ظهورها من العاجز
(4)
. وإذا ثبت أنه قادر وجب أن يكون له قدرة بيان هذا كما قال ابن تيمية: "إن الفاعل إما مجرد الذات، وإما الذات بصفة فإن كان الأول فمعلوم أن العلة التامة تستلزم وجود المعلول، فإذا كان مجرد الذات هو الواجب فمجرد الذات علة تامة فيلزم وجود المعلول جميعه، ويلزم قدم جميع الحوادث وهو خلاف المشاهد. وإن كان الثاني فالصفة التي يصلح بها الفعل هي القدرة، أو يقال فإذا لم يكن موجبًا لذاته بل بصفة تعين أن يكون مختارًا فإنه إما موجب بالذات، وإما فاعل بالاختيار والمختار، إنما يفعل بالقدرة، إذ القادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل فأما من يلزمه المفعول بدون إرادته فهذا ليس بقادر بل ملزوم بمنزلة الذي تلزمه الحركات الطبيعية التي لا قدرة له على فعلها ولا تركها"
(5)
.
ومما يدل أيضًا على أن الله تعالى قادر بقدرة، أنه لا يخلو إما أن يكون تعالى قادرًا بذاته لا بقدرة، أو قادرًا بقدرة هي ذاته أو بقدرة ليست ذاته.
(1)
سورة النحل: آية (70).
(2)
سورة الفرقان: آية (54).
(3)
سورة فاطر: آية (44).
(4)
انظر كتاب اللمع للأشعري ص 26. والإِنصاف للباقلاني ص 35.
(5)
شرح العقيدة الأصفهانية ص 25.
فإن كان قادرًا بذاته لا بقدرة ففي هذا نفي لصفة القدرة نهائيًا، وإثبات لذات مجردة عن الصفة وهذا محال، لعدم وجود ذات في الخارج غير متصفة بالصفات.
وإن كان قادرًا بقدرة هي ذاته ففي هذا إثبات لذات هي بعينها صفة، أو صفة هي بعينها ذات، وهذا يوجب أن تكون ذاته قدرة، لأن قائلًا لو قال: إن الله تعالى قادر بمعنى هو غيره لوجب عليه أن يكون ذلك المعنى قدرة ويستحيل أن تكون القدرة قادرًا، أو القادر قدرة، أو يكون الله تعالى بمعنى الصفات.
ألا ترى أن الطريق الذي يعلم به أن القدرة قدرة أن القادر به قدر لأن علم الإنسان الذي لا يقدر به، لا يجوز أن يكون قدرة، فلما استحال أن يكون الباري تبارك وتعالى قدرة استحال أن يكون قادرا بنفسه فإذا استحال ذلك صح أنه قادر بقدرة يستحيل أن تكون هي نفسه
(1)
.
تلك بعض الأدلة على أن الله تعالى متصف بالقدرة والله أعلم.
* * * * *
(1)
انظر اللمع للأشعري ص (30، 31)، والإبانة له ص 38.