الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
بعد أن أتممت ما أردت ذكره في هذا الموضوع أحب أن أذكر خلاصة موجزة كل الإِيجاز لما دار من المباحث داخل هذه الرسالة وهي النتائج بالنسبة لمثل هذه الرسالة إذ ليس في مثل هذه الموضوعات وصول لمخترعات جديدة أكثر من معرفة الآراء وتقويمها.
فالشخصية التي يدور حولها الموضوع ابن حزم الظاهري وهو من أصل فارسي، ومن أسرة قديمة في الإِسلام وهو على الصحيح مولي لبني أمية.
ولد في الربع الأخير من القرن الرابع الهجري في بيت وزارة وجاه فعاش ربيب النعمة إلى أن بلغ سن الرشد تقريبًا فعاش بعد ذلك بعكس تلك الحياة. تولى الوزارة مرات في أوقات قليلة تنتهي كل مرة بنهاية غير محمودة. أكب بعد ذلك على الدرس والعلم فلاقى في حياته العلمية ما لاقى في حياته السياسية، ولكنه الشخص القوي الذي لا يستسلم للأحداث فنال شهرة قوية في العلم خاصة بعد وفاته.
خلف آثارًا كثيرة في أنواع العلوم بلغت ثمانين ألف ورقة لم يبق منها إلا القليل.
والمطلع في العصر الذي عاش فيه ابن حزم من الناحية السياسية والاجتماعية والعلمية عامة، ومساسها بشخصية ابن حزم خاصة ومقدار مبلغه من العلم يدرك أنه ذو عقلية فذة يندر وجود مثلها في
الظروف العادية فكيف في مثل ظروفها. فهو بحق مثال للعزيمة الصادقة التي لا تقبل التردد بحال.
هذا ما يتعلق بشخصية ابن حزم، وأما صلب الموضوع فعن وجود الله تعالى نقول:
استدل ابن حزم على وجود الله تعالى بطريقين:
الأول: إثبات حدوث العالم ثم دلالة ذلك على المحدث له.
الثاني: الاستدلال بما في العالم من الآثار على وجود صانع له.
وهو استدلال سليم موصل إلى النتيجة المطلوبة.
وأما استدلاله على إثبات الوحدانية، فهو استدلال على أنه خالق للعالم سبحانه وأنه ربه ومليكه وبيده ملكوت كل شيء، ولا يدل هذا على وحدانيته، وتفرده بالألوهية دون سواه. وليس هذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل فيستدل على هذا بدلالة التمانع، وغيرها.
وقد دل القرآن على ذلك بأدلة تتجه إلى العقل والحس معًا عن طريق النظام والعناية والتدبير الموجود في الكون حيث يستحيل وجود ذلك عن أكثر من إله.
ويخالف ابن حزم الصواب حين يرى أن من توحيد الله تعالى ونفي التشبيه عنه نفي الجسمية والعرضية والزمانية والمكانية والحركة والصواب عدم النفي المطلق في مثل هذه الألفاظ المجملة فيجب الاستفصال عن المقصود بالنفي والإِثبات. فإن كان المقصود صحيحًا قبل وإلا رد.
ويوافق ابن حزم المعتزلة في إثبات الأسماء - التي سمى الله بها نفسه - مجردة فلا يشتق له منها صفات. والصحيح خلاف ذلك فيثبت له الأسماء ويشتق له منها صفات لأنها ليست أعلامًا محضة.
ويرجع أبو محمد بن حزم كثيرًا من الصفات إلى الذات بعد أن يثبت ألفاظها الواردة كالوجه، واليد، واليدين، والعين، والأعين، والعز، والعزة، والكبرياء، والحي والعلم والقدرة، والسميع والبصير والصحيح إثبات أن لله وجهًا ويدين وعينين وعزًا وعزة وكبرياء وحياة وعلمًا وقدرة وسمعًا وبصرًا. فهو حي بحياة، وعالم بعلم وقادر بقدرة وسميع وبصير بسمع وبصر صفات له حقيقة على ما يليق بجلاله، وكل صفة منها تدل على معنى يخالف ما تدل عليه الأخرى وتعلقات تخالف تعلقاتها.
ويخالف ابن حزم منهجه الأخذ بظواهر النصوص ويذهب إلى التأويل فيؤول الصورة، والأصابع، والساق، والاستواء والنزول بما يخالف ظاهرها المراد، والصحيح إثبات تلك الصفات لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته.
ويوافق ابن حزم مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الماهية لله تعالى والنفس والذات، ونفى أن يكون الجنب صفة لله تعالى على الصحيح، ويوافقهم في إثبات رؤية الله تعالى رؤية حقيقية في أحد قوليه ليس معرفة لما ورد بالنص الصريح الموجب للقبول ولا تحصل تلك الرؤية إلا في الآخرة.
ويوافقهم في إثبات كلام الله تعالى فيرى أن القرآن كلام الله تعالى على الحقيقة. ولكن يضطرب قوله بأن الله تعالى متكلم والصواب أنه تعالى متكلم حقيقة.
ومما وافق فيه ابن حزم أهل السنة غالب مباحث أفعال الله تعالى فيثبت قضاء الله تعالى وقدره، وخلقه تعالى لأفعال عباده وهدية لهم وإضلالهم، وعدم إيجاب شيء عليه تعالى إلا ما أوجب على نفسه فلا
يوجب عليه اللطف والأصلح ولا إرسال الرسل ولا غير ذلك ولا ينسب إلى الله ظلمًا ولا جورًا ولا يشبه الله تعالى بخلقه فيحسن منه ما حسن منهم ويقبح منه ما قبح منهم.
وقال إن الحسن والقبح ليسا عقليين وهذا القول يناقض قول المعتزلة، وليس الصواب واحدًا منهما بل الصحيح أن الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة، ولكن ترتب الثواب والعقاب عليها لا يكون إلا بأمر ونهى الشارع.
وفي تعليل أفعال الله تعالى يوافق ابن حزم الأشعري وأصحابه وطوائف من أصحاب مالك والشافعي وأحمد بالقول بعدم تعليل أفعال الله تعالى. والذي رأيناه راجحًا أنه تعالى يفعل ما يفعل لحكمة يعلمها وقد يعلم العباد أو بعضهم الحكمة وقد لا يعلمونها ولا يدل عدم العلم بها على نفي وجودها.
هذا وأسأل الله المولى الكريم رب العرش العظيم أن يجعل خير أعمالنا خواتمها، أن يأخذ بأيدينا إلى الصواب ويرزقنا العصمة في القول والعمل، وأن يجنبنا مهاوي الردى إنه سميع مجيب وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
* * * * *