الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقرآن كلام الله تعالى غير مخلوق حيث تصرف أي حيث تلى وكتب وقرىء مما هو في نفس الأمر كلام الله، فهو كلامه لفظه ومعناه قرآن واحد غير مخلوق
(1)
.
والأدلة على أن القرآن غير مخلوق كثيرة جدًّا، وما ذكرناه إشارة إلى بعضها ويطول بنا المقام لو ذكرناها.
الكلام المتلو والمسموع:
من تكلم مبتدئًا بكلام نسب هذا الكلام إليه، وإن جرى على لسان غيره فيقال: قال فلان، وهذا كلام فلان وتستمر نسبة هذا الكلام إليه، مع أن غيره يؤديه بصوته وحركاته. والسامع يسمعه ممن يلقيه على أنه كلام من قاله أولًا مع أن ما بلغ مسمعه صوت الناقل فلم يغيره ذلك عن نسبته إلى المتكلم به أولا. فالقران كلام الله تعالى إذ لم يسبقه إلى الكلام به أحد.
يقول ابن تيمية: "إذا قرأ الناس كلام الله تعالى فالكلام في نفسه غير مخلوق إذا كان الله قد تكلم به، وإذا قرأه المبلغ لم يخرج عن أن يكون كلام الله فإن الكلام كلام من قاله مبتدئًا أمرا يأمر به، أو خبرًا يخبره ليس هو كلام المبلغ له عن غيره إذ ليس على الرسول إلا البلاغ المبين.
(1)
انظر عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني ضمن الرسائل المنيرية المجلد الأول (1: 107). ومذهب السلف القويم ضمن الرسائل والمسائل لابن تيمية (3: 60). والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران ص (13، 12، 10).
وإذا قرأه المبلغ فقد يشار إليه من حيث هو كلام الله فيقال هذا كلام الله مع قطع النظر عما بلغه به العباد من صفاتهم وقد يشار إلى نفس صفة العبد كحركته وحياته وقد يشار إليهما فالمشار إليه الأول غير مخلوق، والمشار إليه الثاني مخلوق والثالث منه مخلوق ومنه غير مخلوق"
(1)
.
والمسموع من القارىء كلام الله تعالى على الحقيقة لقوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}
(2)
.
فبين أن المسموع كلام الله تعالى. ويدل لهذا ايضًا توعد الله تبارك وتعالى بالنار للمغيرة بن شعبة المخزومي على مقالته حين سمع تلاوة القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}
(3)
. فقال تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}
(4)
. أي على مقالته هذه ولو كانت التلاوة التي سمعها للقرآن غير المتلو لما توعده بالنار. لكن سمع السامع، وفهم الفاهم لكلام الله تعالى شيء حدث في السامع والفاهم عند إرادة الله تعالى سماع كلامه وفهمه
(5)
.
(1)
مذهب السلف القويم ضمن مجموعة الرسائل والمسائل (3: 58، 59). وانظر كتاب الفقه الأكبر في التوحيد للشافعي ص (15). والإبانة للأشعري ص (29). والإنصاف للباقلاني ص (81 - 89). والمعتمد في أصول الدين ص (90، 91). والاعتقاد للبيهقي ص (41). ولمع الأدلة للجويني ص (92). وبيان المعاني في شرح عقيدة الشيباني ص (9/ أ) مخطوط.
(2)
سورة التوبة: آية (6).
(3)
سورة المدثر: آية (25).
(4)
سورة المدثر: آية (26).
(5)
انظر الرد على الجهمية للدارمي ص (85). والإنصاف للباقلاني ص (94، 95). والاعتقاد للبيهقي ص (41). والمعتمد في أصول الدين لأبي يعلى ص (88). ولمعة الاعتقاد لابن قدامة ص (14).
ولا يجوز إطلاق اللفظ على القرآن، فلا يقال لفظي أو اللفظ بالقرآن مخلوق، أو غير مخلوق، لأن اللفظ في لغة العرب: أن ترمي في الشيء كان في فيك، ولفظ بالشيء يلفظ لفظًا تكلم. يقول تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}
(1)
. ولفظت بالكلام، وتلفظت به أي تكلمت
(2)
.
وقال الإمام أحمد: "من قال لفظي بالقران مخلوق فهو جهمي"
(3)
لأن هذا يشعر أن هذا القرآن الذي يقرؤه ويلفظ به مخلوق من اللفظ وهو الرمي، لأن كلمة اللفظ فيها إجمال.
والذين قالوا هذا القول أرادوا إثبات أنه مخلوق فزينوا بدعتهم بهذا القول، والذي يصح أن يقال عن القرآن إنه يقرأ ويتلى ويكتب ويحفظ
(4)
.
(1)
سورة ق: آية (18).
(2)
انظر مختار الصحاح ص (601)، ولسان العرب (9: 341، 342).
(3)
كتاب السنة لأحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله ص (29). وانظر مسائل الإمام أحمد رواية إسحاق بن إبراهيم ص (152، 154).
(4)
انظر كتاب السُّنة للإمام أحمد ص (28، 29). والإبانة للأشعري ص (29، 30). ومقالات الإسلاميين له (2: 271). وكتاب الشريعة للآجري ص (89). وعقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني ضمن الرسائل المنيرية المجلد الأول (1: 108، 109). والمعتمد في أصول الدين لأبي يعلى ص (89، 90). وكتاب مذهب السلف القويم لابن تيمية ضمن الرسائل والمسائل (3: 21، 24). ومختصر الصواعق المرسلة (2: 438 - 441). والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران ص (10).