الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
(1)
.
أي أن الله تعالى أمر بالخير وتولى صاحبه ووفقه، وترك صاحب الشر فلم يتولاه
(2)
.
مذهب ابن حزم في قضاء الله وقدره:
هو مذهب المؤمنين بالقضاء والقدر والأمر والنهي الذين يفعلون المأمور ويبتعدون عن المحظور، ويصبرون على المقدور، وإذا أصابتهم مصيبة في الأرض أو في أنفسهم علموا أن ذلك في كتاب وأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، فيسلمون الأمر لله ويصبرون على ما ابتلاهم به معتقدين أن القدر خيره وشره من الله تعالى.
وهذا هو المذهب الحق الذي تؤيده الأدلة من الكتاب والسنة وقد ذكرنا بعضًا منها في عرض مذهب ابن حزم، ودلالتها واضحة وصريحة على أن كل ما كان فهو مقدر من الله تعالى من خير وشر فهو الخالق لكل ما يكون في الوجود ولا عذر لأحد بالقدر.
يقول ابن تيمية: "فمن احتج بالقدر فحجته داحضة، ومن اعتذر بالقدر فعذره غير مقبول، ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولًا لقبل من إبليس وغيره من العصاة، ولو كان القدر حجة للعباد: لم يعذب الله أحدًا من الخلق لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولو كان القدر حجة لم يقطع سارق ولا قتل قاتل، ولا أقيم حد على ذي جريمة،
(1)
سورة البقرة: آية (257).
(2)
انظر المحلى (1: 46). والأصول والفروع (2: 402 - 405).
ولا جوهد في سبيل الله ولا أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر"
(1)
.
وعدم صحة الاحتجاج بالقدر على الله تعالى: لأنه علم الأمور التي ستكون في خلقه فكتبها على ما هي عليه فما كان فهو المكتوب الذي علم الله أنه سيكون فلا يتغير عما علمه سبحانه.
يقول ابن تيمية: "إن الله تعالى علم الأمور وكتبها على ما هي عليه، فهو سبحانه قد كتب: أن فلانًا يؤمن ويعمل صالحًا فيدخل الجنة، وفلانًا يفسق ويعصي فيدخل النار. كما علم وكتب أن فلانًا يتزوج امرأة ويطؤها فيأتيه ولد، وأن فلانًا يأكل ويشرب فيشبع ويروى، وأن فلانًا يبذر البذر فينبت الزرع، فمن قال إن كنت من أهل الجنة فأنا أدخلها بلا عمل صالح، كان قوله قولًا باطلًا متناقضًا لما علمه الله وقدره
…
فمن ظن أنه يدخل الجنة بلا إيمان، كان ظنه باطلًا، وإذا اعتقد أن الأعمال التي أمر الله بها لا يحتاج إليها، ولا فرق بين أن يعملها أو لا يعملها كان كافرًا والله قد حرم الجنة إلا على أصحابها"
(2)
.
مما ذكرنا من النصوص يظهر لنا أن رأي ابن حزم في قضاء الله تعالى وقدره موافق لرأي ابن تيمية وغيره من علماء السلف. وهو رأي أهل السنة والجماعة كما ذكر ابن تيمية بقوله: "مذهب أهل السنة والجماعة أن الله تعالى خالق كل شيء، وربه مليكه لا رب غيره ولا خالق سواه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو على كل شيء قدير،
(1)
رسالة القضاء والقدر لابن تيمية ضمن المجموعة الكبرى (3: 91) وانظر رسالة إبطال وحدة الوجود لابن تيمية ضمن الرسائل والمسائل (1: 93). وشرح الهراس لنونية ابن القيم (1: 385).
(2)
رسالة القضاء والقدر لابن تيمية المجموعة الكبرى (2: 92).
وبكل شيء عليم، والعبد مأمور بطاعة الله، وطاعة رسوله، منهى عن معصية الله، ومعصية رسوله، فإن أطاع كان ذلك نعمة، وإن عصى كان مستحقًا للذم والعقاب، وكان لله عليه الحجة البالغة، ولا حجة لأحد على الله تعالى، وكل ذلك كائن بقضاء الله وقدره ومشيئته وقدرته، لكن يحب الطاعات ويأمر بها ويثيب أهلها على فعلها ويكرمهم، ويبغض المعصية وينهى عنها ويعاقب أهلها ويهينهم.
وما يصيب العبد من النعم فالله أنعم بها عليه، وما يصيبه من الشر فبذنوبه ومعاصيه كما قال تعالى:"وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"
(1)
.
وقال تعالى: "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"
(2)
. أي ما أصابك من خصب ونصر وهدى فالله أنعم به عليك وما أصابك من حزن وذل وشر فبذنوبك وخطاياك وكل الأشياء كائنة بمشيئة الله وقدرته وخلقه، فلا بد أن يؤمن العبد بقضاء الله وقدره، وأن يوقن العبد بشرع الله وأمره"
(3)
.
هذا النص الذي ذكرنا من كلام ابن تيمية مبين لمذهب أهل السنة والجماعة ومؤيد لما حكمنا به على منه هـ ب ابن حزم في قضاء الله تعالى وقدره في أن مذهبه مذهبهم. والله أعلم.
(1)
سورة الشورى آية (30).
(2)
سورة النساء آية (79).
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية (8: 63، 64)، وانظر العقيدة الواسطية له ضمن الرسائل الكبرى (1: 404، 405).