الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - بداية تعلمه:
تعلم أبو محمد في أول حياته ما يتعلم أمثاله من حفظ القران وبعض الأحاديث، ورواية كثير من الأشعار، وتعلم القراءة والخط وكان على أيدي النساء كما ذكرنا.
(1)
ثم بدأ يلازم الشيوخ ويرتاد مجالسهم فقد ذكر صحبته للفاسى بقوله: "صحبت أبا علي الفاسي في مجلس القاسم عبد الرحمن بن أبي يزيد الأزدي شيخنا وأستاذي رضي الله عنه".
(2)
وكان أول سماعه من أبي عمر أحمد بن الجسور.
(3)
روى الحميدي عنه: "أنه أول شيخ سمع منه قبل الأربعمائة"
(4)
وخالف هذا الذهبي وابن حجر فقالا إن أول سماعه في سنة أربعمائة".
(5)
(1)
انظر ص 35.
(2)
طوق الحمامة لابن حزم ص 275.
(3)
هو أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد بن الحباب بن الجسور الأموى مولى لهم من أهل قرطبة يكنى أبا عمر، وقيل أبا عمير روى عن قاسم بن أصبع، ومحمد بن معاوية القرشى، ووهب بن مسرة، وغيرهم كثير. وحدث عنه أبو عمر بن عبد البر، وأبو عبد الله الخولانى، قال أبو محمد هو أول شيخ سمعت منه قبل الأربعمائة. ومات بقرطبة سنة 401 هـ في وباء الطاعون وكان مولده سنة تسع عشرة، أو ستة وعشرين وثلاثمائة، انظر في هذا: جذوة المقتبس للحميدى ص 107، الصلة لابن بشكوال جـ 1 ص 29، 30 وبغية الملتمس للضبى ص 143.
(4)
جذوة المقتبس ص 107، وانظر الصلة جـ 1 ص 29، 30 وبغية الملتمس ص 143، ونفح الطيب للمقرى جـ 2 ص 283.
(5)
انظر تذكرة الحفاظ للذهبي جـ 3 ص 1146. ولسان الميزان لابن حجر جـ 4 ص 198.
والفرق بين التحديدين قليل، وأرى أن الأول أقرب إلى الصواب، لأنه رواية تلميذه وقد ذكر معها ما يرجحها، وهو ذكر أستاذه الذي بدأ السماع منه.
وعلى هذا فابن حزم طلب الحديث، وتلقاه ولما يبلغ السادسة عشرة.
ولكن يروى لنا ياقوت في معجم الأدباء عن أبي محمد بن العربي
(1)
أنه بلغ السادسة والعشرين ولم يبتدىء بتعلم الفقه، كما يروى لنا سبب تعلمه:
ونص الرواية الأولى: "وأقام - أبو محمد - في الوزارة من وقت بلوغه إلى انتهاء سنه ستا وعشرين سنة وقال: إنني بلغت إلى هذا السن وأنا لا أدري كيف أجبر صلاة من الصلوات".
(2)
ونص الرواية الثانية - سبب تعلمه الفقه -: "أخبرني الشيخ الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة لرجل كبير من إخوان أبيه فدخل المسجد قبل صلاة العصر والخلق فيه فجلس ولم يركع فقال له أستاذه - يعني الذي رباه - بإشارة أن قم فصل تحية المسجد فلم يفهم فقال له بعض المجاورين له: أبلغت هذا السن ولا تعلم أن تحية المسجد واجبة؟ وكان قد بلغ حينئذ ستة وعشرين عاما، قال: فقمت وركعت
(1)
هو عبد الله بن محمد الأشبيلى المالكى. الوزير رحل إلى المشرق ومكث بالشام مدة وفي عودته إلى المغرب توفى بمصر في محرم سنة 493 هـ. انظر: شذرات الذهب ج 4 ص 141، 142.
(2)
معجم الأدباء لياقوت ج 12 ص 240، 241.
وفهمت إذا إشارة الأستاذ لي بذلك. قال: فلما انصرفنا من الصلاة على الجنازة إلى المسجد مشاركة للأحباء من أقرباء الميت، دخلت المسجد فبادرت بالركوع فقيل لي: إجلس إجلس ليس ذا وقت صلاة، فانصرفت عن الميت وقد خزيت ولحقني ما هانت على به نفسي وقلت للأستاذ، دلني على دار الشيخ الفقيه المشاور أبي عبد الله بن دحون.
(1)
فدلني فقصدته من ذلك المشهد وأعلمته بما جرى فيه، وسألت الابتداء بقراءة العلم، واسترشدته فدلني على كتاب الموطأ لمالك بن أنس رضي الله عنه فبدأت به عليه قراءة من اليوم التالي لذلك اليوم ثم تتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحو ثلاثة أعوام وبدأت بالمناظرة".
(2)
فهاتان الروايتان - عدم معرفته جبر الصلاة، وتحية المسجد - عن أبي محمد بن العربي لا تتفقان مع ما ثبت من تعلمه في صغره، وتلقيه الحديث مبكرًا.
وإن سلمنا عدم معرفته جبر الصلاة - بسجود السهو - لقلة وقوعه. فإن سياق قصة حياته ينافي جهله بتحية المسجد، وبجبر الصلاة - على معنى قضاء الفائت منها، أو اتمامها - لما أحاطه به والده من العناية. فقد عنى بتربيته وتعليمه فلا يعقل أن يتركه بدون معرفة
(1)
كذا في معجم الأدباء. وهو أبو محمد عبد الله بن يحيى بن أحمد الأموى يعرف بابن دحون من أهل قرطبة. أخذ عن أبي بكر بن زرى، وأبي عمر الأشبيلى وغيرهما من جلة العلماء، وكان فقيها عارفا بالفتوى حافظًا للرأى على مذهب مالك عارفا بالشروط وعللها مشاورا فيها. توفى سنة 431 هجرية، انظر الصلة لابن بشكوال جـ 1 ص 260.
(2)
معجم الأدباء لياقوت الحموى جـ 12 ص 241، 242، وانظر تذكرة الحافظ للذهبي جـ 3 ص 1150، 1151.
للمعارف الأولى في الفقه في الصلاة فرائضها ونوافلها.
ثم ارتياده مجالس العلماء لطلب الحديث في المساجد مما يبعد جهله بتحية المسجد. والأخذ بهذه الرواية يؤدي حتمًا إلى القول إنه لم يدخل المسجد قبل ذلك، أو لم يدخله إلا قليلًا، ولم يصل جماعة وهذا غير معقول بالنسبة له أن يجهل ذلك وقد بلغ السادسة والعشرين.
يقول أبو زهرة: "وإنَّ الخبر في ذاته يحمل دليل بطلان أن يكون ابن حزم في هذه السن. وذلك لأنه ذكر أن مربيه وأستاذه قد صحبه، وأشار إليه بذلك. ومن كان في السادسة والعشرين، وبلغ مرتبة الوزارة لا يذكر الناس من يشير إليه على أنه مربيه.
وإن المعقول أو القريب من المعقول أن يكون ذلك وهو في السادسة عشرة من عمره، وأن يكون في الكلام تصحيف من النساخ وقد كتبوا بدل العشر عشرين".
(1)
وأرى أنه ليس بعيدا عدم معرفته تحية المسجد، وجبر الصلاة وهو في السادسة عشرة من عمره لأنه قريبًا بدأ يخرج من بيت والده، ويجالس كما قال عن تربيه في حجور النساء: ونشأته بينهن وعدم معرفته لغيرهن حتى كبر.
(2)
ويؤيد ذلك ما روى عن أول سماعه. وما روى عمر بن واجب قال: "بينما نحن عند أبي ببلنسية وهو يدرس المذهب إذ بأبي محمد بن حزم يسمعنا ويتحجب، ثم سأل الحاضرين مسألة من الفقه جووب
(1)
ابن حزم لأبي زهرة ص 33، 34.
(2)
انظر طوق الحمامة ص 141.
فيها فاعترض في ذلك فقال له بعض الحضار: "هذا العلم ليس من منتحلاتك" فقام وقعد ودخل منزله فعكف، ووكف منه وابل فما كف وما كان بعد أشهر قريبة حتى قصدنا إلى ذلك الموضع فناظر أحسن مناظرة، وقال فيها: أنا أتبع الحق وأجتهد ولا أتقيد بمذهب".
(1)
هذه الرواية تؤيد كونه بدأ دراسة الفقه في السادسة عشرة من عمره مع بداية سماعه للحديث لأن الحديث والفقه أخوان متلازمان لا يمكن أن يطلب الحديث إلا مع الفقه، وأن ما ذكر في الروايتين عن ابن العربي فيه تصحيف من النساخ، لأن فيما روى عن عمر بن واجب أنه بعد أشهر من وقوع القصة، وكان عمره آنذاك بين ثلاثة وعشرين وخمسة وعشرين تقريبًا، وقد قال إنه لا يتقيد بمذهب، والمعروف أنه درس الفقه المالكي بادىء الأمر، لأنه هو المذهب السائد في المغرب، وقد ابتدأ دراسة موطأ مالك على ابن دحون كما عرفنا قريبًا، ثم تحول شافعيًا فاشتهر به قبل أن يذهب إلى مذهب أهل الظاهر.
(2)
ذكر ياقوت في معجم الأدباء عن أبي مروان ابن حيان أن أبا محمد بن حزم: "مال أولًا النظر به في الفقه إلى رأي محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله وناضل عن مذهبه، وانحرف عن مذهب سواه حتى وسم به ونسب إليه فاستهدف بذلك لكثير من الفقهاء وعيب بالشذوذ ثم عدل في الآخر إلى قول أصحاب الظاهر مذهب داود بن
(1)
سير النبلاء جزء خاص بترجمة الإمام ابن حزم للذهبى تحقيق سعيد الأفغاني ص 29. وتذكرة الحفاظ ج 3 ص 1148.
(2)
انظر لسان الميزان لابن حجر ج 4 ص 198.
علي.
(1)
ومن اتبعه من فقهاء الأمصار فنقحه ونهجه
(2)
وجادل عنه ووضع الكتب في بسطه وثبت عليه إلى أن مضى لسبيله رحمه الله ".
(3)
وقال ابن خلكان: "وكان .. مستنبطًا للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر".
(4)
وقال الذهبي: "وكان شافعيًا ثم انتقل إلى القول بالظاهر ونفى القول بالقياس".
(5)
(1)
داود بن علي بن خلف الأصبهاني. أبو سليمان الملقب بالظاهري، ولد بالكوفة، وسكن بغداد ونال شهرة في العلم، فهو أحد الأئمة المجتهدين في الإسلام، ولقب بالظاهري، لأخذه بظواهر النصوص وإعراضه عن التأويل والرأي والقياس. وكان أول من جهر بهذا القول. ذكر ابن تيمية أنه من المثبتين للصفات على مذهب أهل السنة والحديث. ويذكر الأشعري أن قوله في القرآن، أنه محدث غير مخلوق، وأن الله لم يزل متكلمًا بمعنى أنه لم يزل قادرًا على الكلام.
وكان زاهدًا ورعًا ونال مكانة في العلم قيل: كان يحضر مجلسه كل يوم أربعمائة صاحب طيلسان أخضر، قال ثعلب: كان عقل داود أكبر من علمه وله تصانيف كثيرة منها الإيضاح، وكتاب الإفصاح، وكتاب الدعوات والبينات وغير ذلك، توفي سنة 270 من الهجرة وكان مولده سنة 201 هـ. انظر: وفيات الأعيان ج 2 ص 255 - 257. والفهرست لابن النديم ص 303 - 305، وشذرات الذهب ج 2 ص 185 - 186، ومقالات الإسلاميين ج 2 ص 256، وشرح الأصفهانية ص 77.
(2)
أي وضع مناهجه وطرقه.
(3)
معجم الأدباء ج 12 ص 247.
(4)
وفيات الأعيان ج 3 ص 325.
(5)
تذكرة الحفاظ ج 3 ص 1146.