الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَمِيعًا} "
(1)
. وقوله: " {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} "
(2)
. ولولا هذه المصادر لانتفت حقائق الأسماء والصفات والأفعال، فإن أفعاله غير صفاته، وأسماءه غير أفعاله وصفاته فإذا لم يقم به فعل ولا صفة فلا معنى للاسم المجرد وهو بمنزلة صوت لايفيد شيئًا
(3)
.
لهذا اتفق أهل السنة على القول بأن الله سبحانه وتعالى " {مَرِيدٍ} " لأن معناه حق، ولأنه لا يعقل أن يكون المتصف بإرادة قائمة به ليس مريدًا لما ذكرناه من إثبات مصادر تلك الأسماء
(4)
.
قدم إرادة الله تعالى:
إذا قيل إن الله تبارك وتعالى لم يزل مريدًا لما شاء وغير مريد لما لم يشأ لم يكن هذا ممتنعًا بل إن هذا هو الواجب، لأن الإِرادة صفة كمال لا نقص فيها والرب أحق أن يتصف بذلك إذ كل كمال لا نقص فيه ثبت للمخلوق وأمكن أن يتصف به الخالق فالخالق أولى به، ولأن الواجب الخالق أحق بالكمال المطلق من المحدث الممكن المخلوق، وكل كمال ثبت لمخلوق فإنما هو من الخالق وما جاز اتصافه به من
(1)
سورة البقرة: آية (165).
(2)
سورة الذاريات: آية (58).
(3)
انظر شفاء العليل لابن القيم ص (566، 567)، وبدائع الفوائد له (1: 169)، والمعتمد في أصول الدين لأبي يعلى ص (45، 46)، والملل للشهرستاني (1: 94).
(4)
انظر اللمع لأبي الحسن الأشعري ص (47). والمعتمد في أصول الدين ص (73). واعتقاد أهل السُنة والجماعة لعدي بن مسافر ص (16). وغاية المرام ص (52). والأربعين في أصول الدين للرازي ص (146). وشرح العقيدة الأصفهانية ص (5). وشرح العقيدة الطحاوية ص (54).
الكمال وجب له، فإنه لو لم يجب له لكان إما ممتنعًا وهو محال. وإما ممكنا فيتوقف ثبوته له على غيره، والرب لا يحتاج في ثبوت كماله إلى غيره فإن معطي الكمال أحق به، فيلزم أن يكون غيره أكمل منه لو كان غيره معطيًا له الكمال وهذا ممتنع، بل هو بنفسه المقدسة مستحق لصفات الكمال فلا يتوقف ثبوت كونه مريدًا على غيره فيجب ثبوت كونه مريدًا، وأن ذلك لم يزل ولا يزال.
ثم إن من يفعل بإرادة أكمل ممن يكون الفعل لازمًا له بدون إرادة، والذي لم يزل مريدًا لما شاء أكمل ممن صار مريدًا بعد أن لم يكن له إرادة
(1)
.
والدليل على قدم إرادة الله تعالى قوله: " {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} "
(2)
. والفعل والإرادة متلازمان فما أراد أن يفعل فعل، وما فعله فقد أراده فهو سبحانه يفعل بإرادة ومشيئة ولم يزل كذلك، لأنه سبحانه ذكر - فعله لما يريد - في معرض المدح والثناء على نفسه، وأن ذلك من كماله سبحانه ولا يجوز أن يكون عادمًا لهذا الكمال في وقت من الأوقات أزلًا وأبدًا
(3)
.
ويدل أيضًا على قدم إرادة الله تعالى، ما ذكرنا في الدليل الأول من أدلة اتصاف الله تعالى بالإِرادة وقد سبق قريبًا
(4)
.
(1)
انظر قاعدة في صفة الكلام لابن تيمية ضمن الرسائلة المنيرية المجلد الأول (2: 80، 81). وشرح الأصفهانية ص (85، 86). وموافقة صحيح المنقول (1: 14، 15).
(2)
سورة البروج: الآيتان (15، 16).
(3)
انظر شرح العقيدة الطحاوية ص (70، 71).
(4)
انظر ص (245، 246).
والقول بنفي الإِرادة القديمة يلزم منه التعطيل قبل ذلك أي أن الله سبحانه وتعالى لم يزل غير مريد ثم صار مريدًا تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا"
(1)
.
واستدلال ابن حزم على عدم أزلية الإِرادة، بأنها لو كانت لم تزل لكان المراد لم يزل لقوله تعالى:" {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} "
(2)
. فغير مسلم، ولا يلزم من قدم الإِرادة قدم المراد بل إن المراد متأخر عنها
(3)
.
يقول القاضي أبو يعلى: "والإرادة ليست بموجبة أصلًا سواء كانت مقدورة للمريد ومن فعله أو غير مقدور وغير فعل له، وسواء كانت الإِرادة قديمة أو محدثة أو قبل المراد أو معه .. والدلالة عليه أن كونها موجبة لا يخلو إما أن تكون بمعنى أنها سبب مؤكد للمراد، أو على أنها علة للحكم، أو على أنها فارضة ملزمة له، فيستحيل أن تكون مؤكدة لقيام الدلالة على إرادة قديمة، والإِرادة القديمة لا يصح أن تكون علة للمحدث ولا سببًا له، لأن السبب والعلة لا تتقدم مشيئته ومعلوله، ولا يجوز أن تكون ملزمة وفارضة لأن الملزم لا يكون ملزمًا إلا بالزام وذلك محال في صفة الإِرادة .. لقيام الدلالة على أن جميع أفعال العباد حادثة من قبل الله تعالى، وبقدرته القديمة دون قدرة العبد واستحال كون العبد محدثًا موجدًا"
(4)
.
ولنا أن نقول: إذا كانت إرادة الله تعالى غير قديمة فهي محدثة،
(1)
انظر شرح العقيدة الطحاوية ص (71، 72).
(2)
سورة يس: آية (82).
(3)
انظر مجموع فتاوى ابن تيمية (5: 530)، وشرح الأصفهانية له ص (43).
(4)
المعتمد في أصول الدين ص (79، 80). وانظر بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (1: 205 - 207). وشفاء العليل لابن القيم ص (449).