الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما سأل"
(1)
.
فهذا القول من الله تعالى لكل مصل قرأ الفاتحة ومن يصلى في وقت واحد في ساعة واحدة، ويقرأ الفاتحة لا يحصى عددهم إلا هو سبحانه ويقول تعالى لكل قارىء منهم ما يقول للآخر ولا عجب فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم عدم استحالة مثل ذلك عند حساب الله لخلقه فسبحان الذي وسع سمعه الأصوات مع اختلاف اللغات وتفنن الحاجات يسمع دعاء خلقه سمع إجابة، ويسمع كل ما يقولون سمع علم وإحاطة لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل ولا يتبرم بإلحاح المحلين فإنه هو الخالق لكل هذا تبارك وتعالى.
الرد على الشبهة الثالثة:
من الرد على الشبهتين السابقتين يأتي الرد على هذه الشبهة أي القول بقيام أفعال الله تعالى بذاته، وأن نزوله لا يشبه نزول الخلق فلا يلزمه ما لزمهم.
أي أن الباري سبحانه وتعالى يتصف بالصفات التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما يليق به فصفاته لا تشبه شيئا من صفات خلقه، كما أن ذاته وحياته لا تشبه سائر الذوات وحياتهم وكذا سمعه وبصره وسائر صفاته لا تشبه أسماع
(1)
صحيح الإِمام مسلم (1: 296)، سُنن أبي داود (1: 217) سُنن الترمذي (5: 201)، سُنن ابن ماجه (2: 1243، 1244) موطأ الإِمام مالك (1: 84، 85)، مسند الإِمام أحمد (2: 241، 285، 460).
وأبصار خلقه وشيئا من صفاتهم فنزوله تبارك وتعالى ومجيئه وإتيانه لا يشبه نزول الخلق وإتيانهم ومجيئهم فهو نزول ومجىء وإتيان ليس كمثله نزول ومجىء وإيتان.
فنفي حقيقة هذا والقول بأنه يلزم ذلك ما يلزم الخلق عند نزولهم ومجيئهم وإتيانهم خطأ بين وتحكم لا معنى له.
ولا يرد محذور ولا يلزم لوازم تمتنع في حق الله تعالى من إثبات ما أثبت الله تعالى لنفسه من الصفات والأفعال ولا ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم والدعوى أن هناك لوازم تلزم أهل الإثبات عند التزام القول بإثبات ما ورد ليس صحيحا، إذا لو كان كذلك فهي لازمة لمن جاء بالإثبات، إذ أن المثبتين لم يثبتوا شيئا من عند أنفسهم وإنما أخذوا بالنصوص وصدقوها وآمنوا بما جاء فيها على مراد قائلها،
فاللوازم إنما تلزم من أولها بتأويله لها عن مدلولها.
(1)
يقول ابن القيم: "إن الصفة يلزمها لوازم لنفسها وذاتها فلا يجوز نفي هذه اللوازم عنها لا في حق الرب ولا في حق العبد، ويلزمها لوازم من جهة اختصاصها بالعبد، فلا يجوز إثبات تلك اللوازم للرب، ويلزمها لوازم من حيث اختصاصها بالرب فلا يجوز سلبها عنه ولا إثباتها للعبد"
(2)
.
ويشبه أبو محمد الله تعالى بخلقه حين يحمل نزوله على نزولهم فيجعل من لوازم نزوله النقلة وغيرها مما يلزم نزول الخلق.
(3)
وقد ذكرنا مرارا أن صفات الله لا تشبه بصفات المخلوقين،
(1)
انظر مختصر الصواعق المرسلة (2: 403).
(2)
مختصر الصواعق المرسلة (2: 404).
(3)
انظر التمهيد لما في الموطأ من الأسانيد لابن عبد البر (7: 137).
وتشبيه النفاة فعل الله تعالى بفعل خلقه وصفاته بصفاتهم هو الذي حملهم على تعطيله عما يستحق من الصفات بعد أن شبهوه بالمخلوقات.
(1)
واستدلال أبي محمد بقول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: "لا أحب الآفلين" وقد حمده الله على ذلك وهو عليه الصلاة والسلام قد استدل بنقلة الكوكب وحركته على عدم صلاحيته للربوبية غير صحيح، وبيان هذا أن إبراهيم عليه السلام كما حكى الله عنه في قوله:{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}
(2)
.
في الآيات أن إبراهيم عليه السلام لما رأى الكوكب قال هذا ربي ثم قال نحو ذلك مع القمر لما رآه بازغا، ثم مع الشمس لما رآها بازغة وبإفول كل من الكوكب، والقمر، والشمس نفى إبراهيم عليه السلام أن تكون ربا له لأفولها.
والأفول هو التغيب
(3)
ويكون تغيب الكواكب والقمر والشمس الطبعي بسقوطها إلى جهة المغرب، وهي لم تصل إلى الغروب إلا بتحركها نحوه، وهذا مشاهد ولم ينف إبراهيم عليه السلام أن تكون ربا له خلال مدة سيرها وتحركها وهو يراها كذلك ويرقبها فإذا غربت
(1)
انظر مختصر الصواعق المرسلة (2: 385).
(2)
سورة الأنعام الآيات (76، 77، 78).
(3)
انظر مختار الصحاح ص (19)، لسان العرب (13: 18)، القاموس (3: 328).