الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: وحدانية الله
بعد أن بينا الطريقة السليمة - على ما رأينا - في معرفة وجود الموجود الواجب الوجود لذاته الخالق سبحانه وتعالى، نبين طريقة إثبات وحدانية هذا الواجب، ونفي الألوهية عن غيره، وإثباتها له وحده دون سواه، والكلام أولا على مذهب ابن حزم في هذا ثم نقده.
فتكلم أبو محمد على الوحدانية عند ذكره القائلين أن فاعل العالم ومدبره أكثر من واحد، وقد أرجع الفرق القائلة بذلك إلى فرقتين فقال:
"فإحدى الفرقتين تذهب إلى أن العالم غير مدبريه وهم القائلون بتدبير الكواكب السبعة،
(1)
وأزليتها وهم المجوس
(2)
. .
(1)
هي زحل، المشتري، المريخ، الشمس، الزهرة، عطارد، القمر. والقائلون بتدبير هذه الكواكب من فرق الصابئة يقال لهم أصحاب الهياكل لما عرفوا أن لا بد للإِنسان من متوسط يرى فيتوجه إليه فزعوا إلى الهياكل التي هي السيارات السبع فتعرفوا كل شيء عنها وكانوا يسمونها أربابا آلهة. انظر الملل والنحل جـ 2 ص 86، 107، واعتقادات فرق المسلمين والمشتركين للرازي ص 90.
(2)
هؤلاء أثبتوا أصلين اثنين مدبرين قديمين يقتسمان الخير والشر والنفع والضر والصلاح والفساد يسمون فاعل الخير النور وفاعل الشر الظلمة ومسائلهم كلها تدور على قاعدتين بيان سبب الامتزاج، وبيان سبب الخلاص. انظر الملل جـ 2 ص 37، 38. وعلى هذا فكلام ابن حزم بأن المجوس هم القائلون بتدبير الكواكب السبعة وأزليتها غير صحيح.
وأما الفرقة الثانية، فإنها تذهب إلى أن العالم هو مدبروه لا غيرهم البتة وهم الديصانية،
(1)
والمزقونية
(2)
، والمنانية
(3)
القائلون بأزلية الطبائع الأربع
(4)
بسائط غير ممتزجة ثم حدث الامتزاج فحدث العالم بامتزاجها"
(5)
.
ثم استدل على وحدانية فاعل العالم ومدبره فقال:
إن العالم لو كان مخلوقًا لاثنين فصاعدًا لكانا مشتبهين أو مختلفين
(1)
هم أصحاب ديصان أثبتوا أصلين نورا وظلمة فالنور يفعل الخير قصدا، والظلام يفعل الشر طبعا، وزعموا أن النور حي عالم قادر والظلام بعكس ذلك، والنور جنس واحد وكذا الظلام. انظر الملل جـ 2 ص 55، 56 والفصل جـ 1 ص 36. واعتقادات فرق المسلمين للرازي ص 88.
(2)
لعل الصواب أنها المرقيونية، وهم أصحاب مرقيون، أثبتوا أصلين قديمين متضادين النور والظلمة وثالث هو العدل الجامع وهو سبب المزاج وهو درجة بين النور والظلمة. انظر الملل جـ 2 ص 57، والفصل جـ 1 ص 36 واعتقادات فرق المسلمين ص 89.
(3)
هم أصحاب ماني بن فاتك الحكيم الذي ظهر في زمان سابور أردشير وقتله بهرام بن هرمز بن سابور. يقولون بنبوة عيسى دون موسى عليهما السلام ويقولون بنبوة زرادشت وماني ودين ماني الذي أحدث بين المجوسية والنصرانية وزعم أن العالم من أصلين قديمين النور والظلمة وأنكر وجود شيء إلا من أصل قديم. انظر الفصل جـ 1 ص 35، 36 والملل جـ 2 ص 49 - 54.
(4)
هي اليبوسة، والرطوبة، والحرارة والبرودة.
وهذه هي طبائع الأركان التي ركب منها الإنسان والأركان هي: التراب، والماء، والهواء، والنار.
ويعتقد الطبائعيون أنها أصل كل شيء انظر الملل جـ 2 ص 79. وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص 43. وشرح الهراس لنونيه ابن القيم جـ 2 ص 435.
(5)
الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم جـ 1 ص 34، 35.
ولابد إذ عدم الاشتباه، والاختلاف بين الموجودين محال.
وعلى حال الاشتباه فقد ثبت لهما معان اشتبها فيها كالوجود والفعل وكونهما لم يزالا، ولا يجوز كون هذه الصفات ليست غيرهما لأنها صفات عمتهما فإن كان الاشتباه هو هما فهما شيء واحد.
وعلى حال الاختلاف بينهما وأن كلا منهما غير الآخر فإن كان هذا الاختلاف فيهما هو غيرهما فههنا ثالث وهكذا أيضًا أبدًا، وإن كان الاشتباه هو هما والاختلاف هو هما فالاشتباه هو الاختلاف وهذا محال، إذ لابد من معنى في المختلف ليس اشتباهًا لأنه لا يجوز أن يكون الشيئان مشتبهين بالاختلاف. فإذا ثبت هذا فلابد من اشتباه أو اختلاف هو معنى غيرهما فهو ثالث. وإذا لزم فيهم ثلاثتهم مثل ما لزم في الاثنين من التشابه والاختلاف وهكذا، وهذا يوجب التركيب في كل واحد منهما من ذاته ومن المعنى الذي به أشبه الآخر أوخالفه والمركب محدث فهما محدثان لغيرهما ولابد، وإن ثبت التركيب لواحد منهما فقط وكان الآخر هو الفاعل له فقد عاد الأمر إلى واحد غير مركب ولابد ضرورة.
ثم إن ما كان أكثر من واحد فهو واقع تحت جنس العدد فهو نوع من أنواعه، والنوع مركب من الجنس والفصل فهو ذو موضوع ومحمول والمركب مع المركب من باب المضاف، وأما الواحد فليس عددًا، لأن العدد مركب من واحد يراد به الفرد وواحد كذلك، وواحد كذلك إلى نهاية العدد المنطوق به، فخاصته أن يوجد عدد آخر مساو له وعدد آخر ليس مساويًا له هذا شيء لا يخلو منه عدد أصلًا فالعدد ليس هو الواحد وهو ليس العدد وإنما العدد مركب من الآحاد التي هي الأفراد.
فالله واحد لم يزل إذ لو لم يكن كذلك لكان من جملة العالم تعالى الله عن ذلك، قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
(1)
، وقال تعالى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}
(2)
(3)
.
ذكرنا في نقد استدلال ابن حزم على وجود الله تعالى أنه تأثر بيعقوب بن إسحق الكندي وبينا هناك ما رأيناه دالًا على ما قلنا.
وهنا عند استدلاله على الوحدانية نرى أيضًا أنه لم يذهب بعيدًا عما ذهب إليه الكندي في الاستدلال على الوحدانية فنجد أن استدلال ابن حزم على الوحدانية مبنى على القواعد التي بنى عليها الكندي دليله إلا أن الأول أعطى استدلاله شيئًا من البسط والتوضيح. ولتوضيح هذا نقدم ملخصًا لدليل الكندي هو:
أن محدث العالم سبحانه واحد لا شريك له ولا تركب في ذاته، ولو فرض أن العالم مخلوق لأكثر من إله لكانوا مركبين من صفة تعمهم ومن صفة أوصفات تميز كلًا منهم، والتسليم بوجود الصفات تسليم بوجود الكثرة في كل إله فيجب أن نقف على العلة في وجود التركيب في كل إله، ولو فرض وجود علة وجب البحث عن علة لهذه العلة وهكذا دواليك ولا يمكن الانتقال في سلسلة العلل فيجب الوقوف عند حد. فيلزمنا القول بوجود إله برىء من كل كثرة أو
(1)
سورة الشورى آية (11).
(2)
سورة الإِخلاص آية (4).
(3)
انظر الفصل لابن حزم جـ 1 ص 44 - 46، 53، 64. والمحلى له جـ 1 ص 5.
تركيب لأن الكثرة في كل الخلق وليست فيه البتة
(1)
.
وبأدنى نظر إلى ما استدل به الكندي وابن حزم يدرك التشابه الكبير بينهما وأنهما دليل واحد.
وقد ذكر ابن حزم في استدلاله: "أن ما كان أكثر من واحد فهو واقع تحت جنس العدد فهو نوع من أنواعه .. الخ. فذكره هذا بهذه العبارات مما يؤيد قولنا بأنه تأثر بالكندى في استدلاله على الوحدانية فذكر الثاني قوانين ليبني عليها استدلاله على تناهي الزمان وبيان حدوثه فمما قال عن خواص الأزلي. أنه لا قوامه من غيره وأنه لا علة له فلا موضوع له ولا محمول ولا فاعل ولا سبب وقال: "فالأزلي لا جنس له لأنه إن كان له جنس فهو نوع والنوع مركب من جنسه المغاير له ولغيره ومن فصل ليس في غيره فله موضوع وهو الجنس القابل لصورته وصورة غيره ومحمول وهو الصورة الخاصة له دون غيره فله موضوع ومحمول"
(2)
.
فنجد أن ما ذكر ابن حزم عن الجنس هو بعينه ما ذكره الكندي إلا أن الكندي ساقه في بيان منافاة ما دخل تحت الجنس للأزلية، وابن حزم ساقه لبيان أن ما كان أكثر من واحد فهو واقع تحت جنس العدد وما يقع تحت جنس العدد فهو مناف للوحدة لما ذكر.
وهذا المسلك الذي تبعه الإمام ابن حزم في البرهنة على وحدانية الله تبارك وتعالى بإثبات ربوبيته واعتقاد أنه وحده خالق العالم مسلك
(1)
انظر رسالة الكندي إلى المعتصم في الفلسفة الأولى ص 121، 122.
ومناهج الأدلة لابن رشد مقدمة الدكتور محمود قاسم ص 29. والتفكير الفلسفي في الإسلام جـ 2 ص 320.
(2)
رسالة الكندي إلى المعتصم في الفلسفة الأولى ص 90، 91.
منطقي لإثبات هذا النوع من التوحيد وليس تحقيق هذا النوع بالدليل هو غاية التوحيد الذي دعت إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام وإثبات وحدانية فاعل العالم اقتصارًا على أنه واحد في ذاته لا قسيم له أو لا جزء له وأنه واحد في صفاته لا شبيه له وأنه واحد في أفعاله لا شريك له
(1)
. ليس هو التوحيد الكامل والمقر بهذا النوع من التوحيد فقط لا يكون موحدًا ولا مؤمنًا فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله تعالى هو الخالق للسموات والأرض ومن فيهن وما بينهما وكانوا يعبدون غيره فهم مشركون كما أخبر الله عنهم فلم يجعلهم هذا الإقرار موحدين قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}
(2)
(3)
.
فهم قد أثبتوا أن الله خالق الكون كله وأنه ربه وبيده ملكوت كل شيء ولكنهم لم يؤمنوا بأن لا إله إلا هو، لأن الإِقرار بها، إقرار بأنه وحده هو الإِله المستحق للعبادة
(4)
.
(1)
انظر المغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبد الجبار بن أحمد جـ 4 ص 241، 242. والاقتصاد في الاعتقاد للإمام الغزالي ص 69، 70. ومتن العقيدة المسماة بأم البراهين ص 1 - ب ضمن مجموعة رسائل مخطوطة في لاله لي باستانبول رقم 2240 وهي من المجموعة ص 123 - 126.
(2)
سورة العنكبوت آية (61).
(3)
سورة المؤمنون الآيات (84 - 89).
(4)
انظر موافقة صحيح المنقول لابن تيمية جـ 1 ص 136 ورسالة في أهل الصفة والأباطيل فيهم وفي الأولياء ضمن الرسائل والمسائل جـ 1 ص 34، 35.
وقد اشتهر عند المتكلمين إثبات الوحدانية بدليل التمانع استنادًا إلى بعض الآيات القرآنية وفيه يحصل إثبات وحدة الصانع وتفرده بالألوهية دون سواه.
ويمكن تقرير هذا الدليل كالآتي:
لو قدرنا وجود إلهين وأراد أحدهما تحريك جسم في وقت معين، وأراد الآخر سكونه في ذلك الوقت - لأن كلًا منهما أمر ممكن في نفسه، وكذا تعليق الإِرادة بكل منهما إذ لا تضاد بين الإِرادتين بل بين المرادين - وقصد كل واحد منهما إلى تنفيذه مراده، فلا يخلو إما أن يقدر حصول المرادين أو انتفاؤهما أو حصول أحدهما، وانتفاء الآخر.
فإن قدر حصول المرادين كان ذلك محالا، إذ يلزم من تقدير حصولهما اجتماع النقيضين. وإن قدر انتفاؤهما كان ذلك محالًا أيضًا، لاستحالة عرو الجسم القابل للحركة والسكون عنهما وهو ممتنع، على أنه لو قدر امتناع المرادين لدل ذلك على نقص كل واحد منهما وخروجهما عن الإِلهية.
وإن قدر حصول مراد أحدهما دون الآخر، فالذي حصل مراده هو الغالب، والذي لم يحصل مراده، مع قصده حصوله هو الممنوع الضعيف المهين، والممنوع المنعوت بالنقص لا يستوجب صفة الإِلهية
(1)
.
(1)
انظر اللمع للأشعري 20، 21. والتوحيد للماتريدي ص 20، 21 والتمهيد للباقلاني ص 25. والإنصاف له ص 34، والمغني للقاضي عبد الجبار جـ 4 ص 275، 276 وشرح الأصول الخمسة له من 277، 278 وأصول الدين للبغدادي ص 85، 86 والمعتمد لأبي يعلى ص 41. والشامل للجويني ص 352. وإحياء علوم الدين للغزالي جـ 1 ص 108 ونهاية =
وإلى هذا الدليل الإشارة بقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}
(1)
، وقوله:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}
(2)
.
أي لو قدر تعدد الآلهة لانفرد كل منهم بما خلق، وكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه فيعلوا بعضهم على بعض فما كان ينتظم الوجود والمشاهد انتظامه يقول تعالى:{مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ}
(3)
فليس هناك آلهة بل إله واحد لا إله إلا هو سبحانه عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
ودليل التمانع دليل عقلي مبني على السبر والتقسيم، وليس في الآيات ذلك التقسيم، وإنما فيها الإشارة إلى المعنى، وتأييد نتيجة ذلك الدليل، وهي فساد المصنوع عند تعدد الصانع، وقد رد ابن رشد
(4)
على من قال بتضمن الآية لدليل التمانع الذي صوره
= الإقدام للشهرستاني ص 91 - 93 وغاية المرام للآمدي ص 151، 152 وشرح العقائد النسفية ص 62 - 65 وشرح المواقف ص 68 - 71. وشرح الطحاوية ص 21، 22.
(1)
سورة المؤمنون آية (91).
(2)
سورة الأنبياء آية (22).
(3)
سورة الملك آية (3).
(4)
هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي المالكي محدث طبيب. أقبل على الكلام والفلسفة حتى صار يضرب به المثل فيها له مؤلفات كثيرة منها فلسفة ابن رشد. والتحصيل. وفصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال. توفي سنة 595 وكان مولده في سنة 520 من الهجرة.
انظر بغية الملتمس للضبي ص 54 وشذرات الذهب جـ 4 ص 320 والأعلام جـ 5 ص 318.
المتكلمون فقال: "إن ما فهمه المتكلمون من الآية ليس هو الدليل الذي تضمنته حيث قسموا الأمر إلى ثلاثة أقسام وليس في الاية تقسيم فدليلهم هذا هو الذي يعرفه أهل المنطق بالقياس الشرطي المنفصل
(1)
ويعرفونه هم بدليل السبر والتقسيم.
والدليل الذي تضمنته الآية هو الذي يعرف في صناعة المنطق بالشرطي المتصل
(2)
. وهو غير المنفصل والفرق بين الدليلين ظاهر. ويكون المعنى في الآية، أنا لو فرضنا وجود أكثر من إله لفسد العالم. لكن هذا الفرض غير صحيح لأن العالم ليس فاسدًا فليس هناك إلا إله واحد سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا
(3)
.
ويرى بعض المتكلمين أن قوله تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}
(4)
حجة إقناعية للمسترشد وإن لم تفد إفحامًا للجاحد،
(1)
هو ما كانت إحدى مقدمتيه قضية شرطية منفصلة، والأخرى حملية، والشرطية هي الكبرى. وله ثلاث حالات، لأنه إما أن تكون الشرطية المنفصلة مانعة جمع وخلو "حقيقة" أو مانعة جمع فقط، أو مانعة خلو فقط. انظر معيار العلم للغزالي ص 126، 127. وتحرير القواعد المنطقية لمحمود الرازي شرح الرسالة الشمسية للقزويني ص 164. والمنطق الصوري والرياضي لعبد الرحمن بدوي ص 219 - 221 والمرشد السليم في المنطق الحديث والقديم لعوض الله ص 167.
(2)
هو ما كانت القضية الكبرى فيه شرطية متصلة، والاستثنائية حملية والنتيجة إما أن تكون مثبتة للتالي أو نافية للمقدم، والحالة الأولى تسمى حالة الوضع، والحالة الثانية تسمى حالة الرفع. انظر معيار العلم ص 123، 124. وتحرير القواعد المنطقية شرح الرسالة الشمسية ص 164. والمنطق الصوري والرياضي ص 216. والمرشد السليم ص 165، 166.
(3)
انظر مناهج الأدلة لابن رشد مع المقدمة ص 34، 159.
(4)
سورة الأنبياء آية (22).
والملازمة بين تعدد الآلهة وفساد السموات والأرض عادية فإن العادة جارية بوجود التمانع والتغالب عند تعدد الحاكم على ما أشير إليه بقوله تعالى "ولعلا بعضهم على بعض" وإلا فإن أريد الفساد بالفعل أي خروجهما عن هذا النظام المشاهد فمجرد التعدد لا يستلزم الفساد لجواز الاتفاق على هذا النظام. وإن أريد إمكان الفساد فلا دليل على انتفائه بل النصوص شاهد بطي السموات وخرابها ورفع هذا النظام الذي يسير به الكون بقوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}
(1)
(2)
(3)
ويقول: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)}
(4)
، وما معنى هذه الآيات إلا خراب هذا الكون ونظامه وتغيره في يوم القيامة يقول تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}
(5)
فهو ممكن لا محالة ولا يمكن القول بأن الملازمة قطعية والمراد بفسادهما عدم تكوينهما أي أن وجود أكثر من صانع يوجد بينهم تمانع في الأفعال فلا يكون واحد منهم صانعًا فلم يوجد مصنوع لأن القول بإمكان التمانع لا يستلزم إلا عدم تعدد الصانع لا انتفاء المصنوع على
(1)
سورة الأنبياء آية (104).
(2)
سورة الانفطار الآيات (1 - 4).
(3)
سورة الانشقاق الآيات (1 - 5).
(4)
سورة التكوير الآيات (1 - 3).
(5)
سورة إبراهيم: آية (48).
أنه يرد منع الملازمة إن أريد به عدم التكون بالفعل، ومنع انتفاء اللازم إن أريد به الإمكان فإن قيل مقتضى كلمة "لو" أي انتفاء الثاني في الماضي بسبب انتفاء الأول فيه فلا يفيد الدلالة على أن انتفاء الفساد في الزمان الماضي بسبب انتفاء التعدد قلنا نعم بحسب أصل اللغة كذلك لكن قد يستعمل للاستدلال بانتفاء الجزاء على انتفاء الشرط من غير دلالة على تعيين زمان كما في قولنا لو كان العالم قديما لكان غير متغير والآية من هذا القبيل
(1)
.
والآية دليل على إثبات وحدانية الله تبارك وتعالى بإلهيته سواء قررت دلالتها بطريق التمانع، أو بنفي صدور الفعل الواحد عن فاعلين حيث إن الفعلين من نوع واحد إذا اجتمعا على محل واحد فسد المحل ضرورة
(2)
.
ومما ورد في القرآن الكريم نافيًا الآلهة مع الله تبارك وتعالى قوله: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا}
(3)
.
ويرى بعض الفسرين أن معنى قوله {إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} أي لطلبوا إلى من له الملك والربوبية سبيلًا بالمغالبة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض"
(4)
وهذا القول له وجه من الصحة ويعضده بعض ما قيل في دلالة الآيتين السابقتين.
(1)
انظر شرح العقائد النسفية للتفتازاني مع حاشية الكستلي ص 64، 65.
(2)
انظر مناهج الأدلة لابن رشد ص 156، 157.
(3)
سورة الإسراء آية (42).
(4)
الكشاف للزمخشري جـ 2 ص 451.
وقيل المعنى إنه لو كان فيهما آلهة نسبتهم إلى هذا العالم واحدة لوجب أن يكونوا على العرش معه فكان يوجد موجودون متماثلين ينسبون إلى محل واحد نسبة واحدة وهذا لا يصح لأنه إذا اتحدت النسبة اتحد المنسوب والمقصود أنهم لا يجتمعون في النسبة إلى محل واحد كما لا يحلون في محل واحد إذا كانوا ممن شأنهم أن يقوموا بالحل، وإن كان الأمر في نسبة الإله إلى العرش ضد هذه النسبة.
(1)
.
وأرى بعد هذا القول عن المراد بالآية، وأن الأقرب إلى المراد بها، كما هو الظاهر والله أعلم، أنه لو كان الأمر كما يقول المشركون الزاعمون أن لله شركاء تعبد معه، وتقرب إليه، وتشفع لديه لكان أولئك المعبودون يعبدونه، ويتقربون إليه ويبتغون إليه الوسيلة والقربة فاعبدوه أنتم وحده وهذا كقوله تعالى:"أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة"
(2)
فليس لكم حاجة بعبادة غيره ليكون واسطة لكم إليه فإنه لا يحب ذلك ولا يرضاه، وقد نهى عن ذلك على ألسنة جميع رسله وأنبيائه، فدعا إلى عبادته وحده وأنه المتفرد بالإلهية دون غيره قال الله تعالى:"لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"
(3)
. وقال هود عليه السلام لقومه: "ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"
(4)
. وقال صالح عليه السلام لقومه: "ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"
(5)
. وقال شعيب عليه السلام:
(1)
انظر مناهج الأدلة لابن رشد مع المقدمة ص 157.
(2)
سورة الإسراء آية (57).
(3)
سورة الأعراف آية (59).
(4)
سورة الأعراف آية (65).
(5)
سورة الأعراف آية (73).
{يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}
(1)
. وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}
(2)
. وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} .
(3)
(4)
. ويقول تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}
(5)
. فهذه دعوة الرسل عامة إلى إخلاص العبادة لله دون سواه
(6)
.
وقد ذكر الله تبارك وتعالى في غير ما آية من كتابه وحدانيته وتفرده بالألوهية دون سواه وأثبت هذه الوحدانية بأدلة تتجه إلى الحس والعقل معًا فبين تفرده بالألوهية عن طريق النظام والعناية والتدبير الموجود في الكون وأن هذه المصنوعات العظيمة المتقنة المسخرة والمهيئة بكل ما فيه قوام الحياة يستحيل صدورها عن أكثر من إله لأن بالتعدد يكون اختلاف المقاصد فلا يتم منها مقصود فيحصل الفساد كما سبق الكلام عن هذا قريبًا.
(1)
سورة الأعراف آية (85).
(2)
سورة النحل آية (36).
(3)
سورة الأنبياء آية (25).
(4)
سورة الممتحنة آية (4).
(5)
سورة الزخرف آية (45).
(6)
انظر جامع البيان عن تأويل القرآن للطبري جـ 15 ص 91. وتفسير القرآن العظيم لابن كثير جـ 4 ص 310، 311، والكشاف للزمخشري جـ 2 ص 451 وموافقة صحيح المنقول لابن تيمية ص 134، 135. وشرح الطحاوية ص 18.
ومن الآيات الدالة على تفرد الله بالألوهية بعد بيان خلق السموات والأرض وما فيهما من العناية بالخلق وما أحيطا به من التدبير المسخر قوله تعالى: "قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون. {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)}
(1)
.
ويذكر في موضع آخر من كتابه تفرده بالألوهية وعنايته البالغة بنا ورعايته لمصالحنا بإتيانه بالليل والنهار بالتعاقب المستمر ليحصل لنا العيش والبحث عن الأرزاق والسكون والراحة يقول تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72)}
(2)
ويقول تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا
(1)
سورة النمل الآيات (59 - 64).
(2)
سورة القصص الآيات (70 - 72).
نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)}
(1)
(2)
. وهذا الحصر يدل على نفي الشريك مع الله تعالى وتقدس. ويقول تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
(3)
ويقول تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ}
(4)
.
يبين تعالى في الآيتين عدم الشريك معه إذ لو كان معه شريك لجلب النفع ودفع الضر فبطل الحصر المذكور في الآيتين.
(5)
فعدم تأثير ما يدعى من دونه بكشف الضر أو إمساك الرحمة إذا أريد من الله دليل على أنه وحده القادر على ذلك والعاجز لا يكون إلهًا يعبد.
وقد بين تعالى تفرده بالألوهية بأنه الخالق لكل شيء كما قال: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}
(6)
إذ لو كان معه آلهة لكان لهم خلق وغير الخالق لا يصلح للإِلهية.
(1)
سورة فاطر آية (3).
(2)
سورة الأنعام آية (46).
(3)
سورة الأنعام آية (17).
(4)
سورة يونس آية (107).
(5)
سورة الزمر آية (38).
(6)
سورة الزمر آية (62).
وذكر سبحانه في مواضع كثيرة من كتابه ما يدل على تفرده بالألوهية كما في قوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
(1)
.
لأن الأول هو الفرد السابق وقوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ}
(2)
ففي نفيه تبارك وتعالى علم الغيب عن سواه ما يدل على عدم الشريك إذ لو كان له شريك لكان عالمًا مثله ثم إن الله تعالى صرح بكلمة "لا إله إلا هو في نحو سبعة وثلاثين موضعًا، وبالوحدانية في نحو سبعة عشر موضعًا من كتابه ذكرنا ونذكر بعض هذه المواضع الدالة على نفي الألوهية عن سواه تعالى
(3)
.
فالتوحيد الذي جاء به الشرع وبه يكون الإيمان هو توحيد الله تعالى بإفراده بالعبادة وحده دون سواه وتجريد محبته والإِخلاص له وخوفه ورجاؤه والتوكل عليه والرضا به ربًا وإلهًا وواليًا وأن لا يجعل له عدلًا في شيء من الأشياء وهو أحد التوحيدين "الذين عليهما مدار كتاب الله تعالى وبتحقيقهما بعث الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وإليهما دعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم من أولهم إلى آخرهم. وثانيهما التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي المتضمن إثبات صفات الكمال لله وحده وتنزيهه فيها عن التشبيه والتمثيل وتنزيهه عن صفات النقص"
(4)
ولا يتم أحد التوحيدين إلا بالآخر. وقد دل القرآن والسنة على كل منهما وعليهما ومما دل على توحيد الله بإفراده بالعبادة قوله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ
(1)
سورة الحديد آية (3).
(2)
سورة الأنعام آية (59).
(3)
انظر التفسير الكبير للرازي جـ 22 ص 153، 154.
(4)
إجتماع الجيوش الإِسلامية لابن القيم ص 46، 47 بتصرف.
وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
(1)
(2)
، وجملة سورة الأنعام دالة على هذا النوع من التوحيد، وهذا النوع في الطلب والقصد، والنوع الثاني في الإثبات والمعرفة أي إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه وأنه ليس كمثله شيء في ذلك كله كما أخبر بذلك عن نفسه وأخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا النوع في القران كثير جدًّا يقول تعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}
(3)
ويقول تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}
(4)
ويقول: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
(5)
} والآيات الدالة على هذا النوع كثيرة كما في أول سورة آل عمران، وأول سورة السجدة، وآخر سورة الحشر وغير ذلك.
(1)
سورة الكافرون الآيات (1 - 6).
(2)
سورة آل عمران آية (64).
(3)
سورة الإخلاص الآيات (1 - 4).
(4)
سورة طه آية (8).
(5)
سورة الحديد الآيات (1 - 5).
وقد جاء الكثير من الآيات متضمنا لنوعي التوحيد في غالب سور القرآن الكريم وفي كثير من الأحاديث النبوية يقول تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}
(1)
(2)
إلى غير ذلك، ويقول جابر بن عبد الله في سياق حديثه في حجة الوداع فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد:"لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"
(3)
. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة
(4)
. والقرآن الكريم كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأَهله وجزائهم؛ لأنه إما خبر عن الله وعن أسمائه وصفاته، أو دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته، وهو من مكملات التوحيد، وإما خبر عن إكرامه لأهل توحيده، وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة، وهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يفعل بهم في العقبى من العذاب فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد.
(5)
فالتوحيد هو أول
(1)
سورة البقرة آية (163).
(2)
سورة البقرة الآيتان (21، 22).
(3)
صحيح الإمام مسلم جـ 2 ص 887.
(4)
انظر موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول لابن تيمية جـ 1 ص 134، 139 واجتماع الجيوش الإسلامية ص 47، 48 وشرح العقيدة الطحاوية ص 29.
(5)
انظر شرح الطحاوية ص 29، 30.
دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله تبارك وتعالى. وأول واجب يجب على المكلف يقول صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله .. الحديث"
(1)
ثم هو آخر واجب يقول صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"
(2)
جعلها الله آخر كلامنا إنه سميع مجيب.
* * * * *
(1)
صحيح الإمام البخاري جـ 11 ع 11، صحيح الإمام مسلم جـ 1 ص 53.
(2)
سنن أبي داود جـ 2 ص 169. وقد بوب البخاري بقوله: "باب الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله" جـ 1 ص 152، 153. وذكر حديث من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة .. الحديث. وانظر أحاديث في نفس المعنى في المستدرك للحاكم جـ 1 ص 72.