الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
(1)
.
وإثبات هذه الأقسام جميعًا هو مذهب الحكماء والجمهور وهو الصواب
(2)
.
5 - تعليل أفعال الله:
مذهب ابن حزم أن الله تعالى لا يفعل شيئًا لعلة، فلا علة لما فعل، ولا علة لما لم يفعل لأنه لا شرط عليه، ولا علة موجبة عليه أن يفعل شيئًا لأن الفعل لعلة يلزم عليه لوازم تمتنع في حق الله تبارك وتعالى، ولأن هذه صفة الخلق والله خلاف خلقه من كل الوجوه فيجب أن يكون فعله لا لعلة بل لأنه شاء ذلك.
يقول: "إن الخلق لما كانوا لا يقع منهم الفعل إلا العلة وجب للبراهين الضرورية أن الباري جل وعز خلاف جميع خلقه من جميع الجهات فلما كان ذلك وجب أن يكون فعله لا لعلة بخلاف أفعال الخلق ولا يجب أن يقال في شيء من أفعاله لم فعل هكذا أولا؛ إذ حبا الإنسان بالعقل وحرمه سائر الحيوان، وخلق بعض الحيوان صائدًا وبعضه مصيدًا وباين جميع مفعولاته كما شاء .. تعالى الذي لا يسأل عن فعله يقول تعالى: "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"
(3)
."
(4)
.
ويقول: "إنه تعالى لا يفعل شيئًا لعلة وإنه تعالى يفعل ما يشاء،
(1)
سورة الصافات: الآيات: (102 - 107).
(2)
انظر مجموع فتاوي ابن تيمية (8: 434 - 436)، ومدارج السالكين لابن القيم (1: 231 - 237).
(3)
سورة الأنبياء: آية (23).
(4)
الأصول والفروع لابن حزم: (1: 181).
وإن كل ما فعله فهو عدل وحكمه أي شيء كان"
(1)
.
ويبرهن أبو محمد على امتناع أن يكون الله تعالى يخلق شيئًا لعلة بقوله: إنه لو فعل شيئًا مما فعل لعلة كانت تلك العلة إما لم تزل معه وإما مخلوقة محدثة ولا سبيل إلى قسم ثالث، فلو كانت لم تزل معه لوجب من ذلك شيئان ممتنعان:
أحدهما: أن معه تعالى غيره لم يزل.
والثاني: أنه كان يجب إذ كانت علة الخلق لم تزل أن يكون الخلق لم يزل لأن العلة لا تفارق المعلول، ولو فارقته لم تكن علة له.
وأيضًا فلو كانت ههنا علة موجبة عليه تعالى أن يفعل ما فعل لكان مضطرًا مطبوعًا أو مدبرًا مقهورًا لتلك العلة وهذا خروج عن الإلهية ولو كانت العلة محدثة لكانت ولا بد إما مخلوقة له تعالى وإما غير مخلوقة.
والقول بعلة محدثة وغير مخلوقة غير صحيح، لأن المحدث لا يكون إلا مخلوقًا فبطل هذا القسم.
وإن كانت مخلوقة وجب ولابد أن تكون مخلوقة لعلة أخرى أو لغير علة، فإن وجب أن تكون مخلوقة لعلة أخرى وجب مثل ذلك في العلة الثانية وهكذا أبدا وهذا يوجب وجوب محدثين لا نهاية لعددهم وهذا باطل.
وإن قالوا: بل خلقت العلة لا لعلة، سئلوا: من أين وجب أن
(1)
الفصل لابن حزم (1: 69).
يخلق الأشياء لعلة ويخلق العلة لا لعلة؟ ولا سبيل إلى دليل"
(1)
.
هذا ما يراه ابن حزم في أفعال الله تعالى، أنها غير معللة. وأن الله تعالى لا يفعل شيئًا لعلة أوجبت عليه الفعل، مع أن كل ما فعله ويفعله فهو عدل وحكمه أي شيء كان.
هذا المبحث - تعليل أفعال الله، أو عدم تعليلها - مبحث واسع جدًّا يدخل فيه حدوث العالم، ووحدانية الله تعالى وصفاته وأفعاله وأحكامه إلى غير ذلك من المباحث الطويلة والمتشعبة.
وليس غرضنا هنا هو بحث الموضوع من حيث هو والتعرض لمسائله وفروعه فإن هذا ليس مجال بحثنا، فموضوعنا هو معرفة مذهب ابن حرم ونقده.
ومن خلال عرضنا السابق لرأي ابن حزم في أفعال الله ظهرت لنا مخالفته لرأى السلف القائلين بتعليل أفعال الله تعالى إذ ينفى أن الله تعالى يفعل شيئًا لعلة وهذا القول كما قال ابن تيمية:
"قد قال به طوائف من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم وهو قول الأشعرى وأصحابه وقول كثير من نفاة القياس الظاهري كابن حزم وأمثاله"
(2)
.
(1)
المحلى لابن حزم (5: 1، 6) بتصرف، وانظر الفصل له (23: 1، 24، 69، 77) والأصول والفروع له (1: 186).
(2)
رسالة الإِرادة والأمر لابن تيمية ضمن مجموعة الرسائل الكبرى: (1: 326، 327) وانظر مجموعة الفتاوي له (8: 37، 38). ومنهاج السنة النبوية له (1: 34، 35). وشرح قصيدة ابن القيم النونية للهراس (1: 25).
ويقول: "وهذا القول في الأصل قول جهم بن صفوان ومن تبعه من المجبرة"
(1)
.
والذي نراه صوابًا هو مذهب القائلين بأن الله تعالى فعل المفعولات وأمر بالمأمورات لحكمة محمودة.
وأصحاب هذا القول كما ذكر ابن تيمية أكثر الناس من المسلمين وغير المسلمين فقال به طوائف من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم، وطوائف من أهل الكلام من المعتزلة والكرامية والمرجئة وغيرهم، وأكثر أهل الحديث والتصوف وأهل التفسير وأكثر قدماء الفلاسفة وكثير من متأخيرهم على اختلاف فيما بين هؤلاء القائلين بالتعليل
(2)
.
والذي قلنا بتصحيحه من أقوال هؤلاء هو ما قال به طوائف من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية وأهل الكلام وغيرهم والمتفلسفة وهو كما قال ابن تيمية:
"أنه يفعل ما يفعل سبحانه لحكمة يعلمها وهو يعلم العباد أو بعض العباد من حكمته ما يطلعهم عليه وقد لا يعلمون ذلك، والأمور العامة التي يفعلها تكون لحكمة عامة ورحمة عامة كإرساله محمدًا صلى الله عليه وسلم فإنه كما قال تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"
(3)
فإن إرساله كان من أعظم النعمة على الخلق وفيه أعظم حكمة للخالق ورحمة منه لعباده"
(4)
.
(1)
"مجموعة الفتاوي لابن تيمية (8: 38) وانظر منهاج السنة النبوية له (1: 35) وشرح قصيدة ابن القيم النونية للهراس (1: 25، 26).
(2)
انظر رسالة الإرادة والأمر لابن تيمية ضمن الرسائل الكبرى (1: 231) ومنهاج السنة (1: 34، 35).
(3)
سورة الأنبياء: آية (107).
(4)
رسالة الإرادة والأمر ضمن الرسائل الكبرى لابن تيمية: (1: 335).