الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسنختتم الجواب على شبه ابن حزم المانعة من تعليل أفعال الله على زعمه بما أجاب به ابن تيمية عن الشبه المانعة من التعليل وهو جواب حاصر قال: "لا ريب أن الله عز وجل يحدث مفعولات لم تكن، فإما أن تكون الأفعال المحدثة يجب أن يكون لها ابتداء ويجوز أن تكون غير متناهية في الابتداء كما هي غير متناهية في الانتهاء، فإن وجب أن يكون لها ابتداء أمكن حدوث الحوادث بدون تسلسلها. فإذا قال القائل لو فعل لعلة محدثة لكان القول في حدوث تلك العلة كالقول في حدوث معلولها ويلزم التسلسل، كان جوابه على هذا التقدير أن الحوادث يجب أن يكون لها ابتداء، وإذا فعل الفعل لحكمة محدثة كان الفعل وحكمته محدثين، ولا يجب أن يكون للعلة المحدثة علة محدثة إلا إذا جاز أن يكون للحوادث ابتداء فأما إذا جاز أن يكون لها ابتداء بطل هذا السؤال فكيف إذا وجب أن يكون لها ابتداء"
(1)
.
6 - اللطف والأصلح:
يذهب أبو محمد بن حزم إلى عدم إيجاب شيء على الله تعالى لأنه الخالق المطلق فهو خالق العباد وأفعالهم. وفعله كله عدل وحق وحكمة يقول تبارك وتعالى: "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"
(2)
.
ولا تجرى أفعاله تعالى على الحكمة المعهودة بيننا ولا على العدل
(1)
رسالة الإرادة والأمر ضمن المجموعة الكبرى (1: 386).
(2)
سورة الأنبياء: آية (23).
المعهود بيننا لأن إجراءها على ذلك تشبيه له تعالى بخلقه، وهو لا يوصف بشيء من صفات العباد فلو شاء لهدى كل كافر يقول سبحانه:"قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين"
(1)
.
ولا حد لقدرته سبحانه فكل ما خلق شيئًا صغيرًا أو ضعيفًا أو كبيرًا أو قويًّا أو مصلحة فإنه أبدًا بلا نهاية قادر على خلق أصغر منه وأضعف وأقوى وأصلح ومع عدم فعله شيئًا من ذلك لايعد ظالمًا ولا بخيلًا ولا ممسكًا ولا عاجزًا، ويدل على قدرته قوله تعالى:"إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين"
(2)
. وقوله "قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس"
(3)
. لأنه تعالى نص على أنه هو المطلوب منه العون لنا والهدى إلى صراط من خصه بالنعمة عليه لا إلى صراط من غضب عليه تعالى وضل فلولا أنه تعالى قادر على الهدى المذكور وأن عنده عونًا على ذلك لا يؤتيه إلا من شاء دون من لم يشأ وأنه تعالى أنعم على قوم بالهدى، ولم ينعم به على آخرين لما أمرنا أن نسأله من ذلك ما ليس يقدر عليه أو ما قد أعطانا إياه. ونص سبحانه على أنه قادر على صرف وسوسة الشيطان.
فلولا أنه تعالى يصرفها عمن يشاء لما أمرنا عز وجل أن نستعيذ مما لا يقدر على الإعاذة منه أو مما قد أعاذنا منه.
ويقرر ابن حزم قدرة الله تعالى على فعل ما لو فعله بجميع الكفار
(1)
سورة الأنعام: آية (149).
(2)
سورة الفاتحة: الآيات (5 - 7)
(3)
سورة الناس: الآيات (1 - 6).